الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد: نكتفى بهذا القدر من أكاذيب هؤلاء الغلاة، والخبر الأخير يذكرنا بما فعله القرامطة، وهي فرقة من فرق الشيعة، أو من يسمون أنفسهم بأهل البيت، حيث نزعوا الحجر الأسود من مكانه بالكعبة المشرفة، وحملوه إلى ديارهم، إلى أن أعيد بعد ذلك.
ولعل هؤلاء القوم يفكرون فى حمله إلى الكوفة كما فعل أسلافهم من القرامطة!
وبعد الباب السابق يأتى " باب استحباب اختيار الإقامة فى مسجد الكوفة والصلاة فيه على السفر إلى زيارة المسجد الأقصى (ص 528: 529) .
ويليه " باب عدم استحباب السفر للصلاة فى شيىء من المساجد إلا المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الكوفة (529: 530) .
وفى ص 547 من الجزء الثالث نفسه يقع " باب استحباب اختيار الصلاة فى بيت على وفاطمة عليهما السلام، على الصلاة فى الروضة!!
ولا حاجة لذكر الأخبار، فالأبواب السابقة يكفى قراءة العنوان لتدرك ضلال هؤلاء القوم.
*****
رابعا: السجود على ما ليس بأرض
يرى الشيعة عدم جواز السجود على ما ليس بأرض كالجلود والأصواف، ويجيزونه عليها وعلى نباتها غير المأكول والملبوس عادة، عدا الكتان والقطن ففيه خلاف.
وهم كذلك يرون أفضلية السجود على التربة الحسينية، ولذا يضعون فى مساجدهم قطعا من هذه التربة معدة للسجود عليها، يضعونها تحت الجبهة، كما يحمل الكثيرون مثل هذه القطع.
وقد خالفهم فى ذلك أصحاب المذاهب الأربعة، حيث أجازوا السجود على ما ليس بأرض ما دام طاهرا، ولكن، كان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم، وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها، ويركع عليها، ويقعد عليها، ولا يسجد عليها، ولا يضع كفيه عليها (1) .
ومستند الشيعة فيما ذهبوا إليه روايات عن أئمتهم، مثل ما روى عن الإمام الصادق أنه قال:" لا تسجد إلا على الأرض، أو ما أنبتته الأرض، إلا القطن والكتان "(2) .
وما روى عن هشام بن الحكم أنه قال للإمام الصادق:
أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز. قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلا ما أكل أو لبس. فقال له: جعلت فداك، ما العلة فى ذلك، قال: لأن السجود خضوع لله عز وجل، فلا ينبغى أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون. والساجد فى سجوده فى عبادة الله عز وجل، فلا ينبغى أن يضع جبهته فى سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (3) .
ولكنا نجد روايات أخرى عن طريقهم تعارض هذا، مثل ما روى عن ياسر الخادم قال:" مربى أبو الحسن وأنا أصلى على الطبرى، وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه، فقال لى: مالك لا تسجد عليه، أليس هو من نبات الأرض؟ "(4)
وسئل إمامهم العاشر أبو الحسن الثالث على الهادى: " هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: جائز "(5) .
(1) المدونة 1 / 75، وانظر: الأم 1 / 78، والمغنى 1 / 728.
(2)
الاستبصار جـ 1 ص 331.
(3)
انظر: الحقائق 2 / 140.
(4)
الموضع السابق من الاستبصار.
(5)
المرجع السابق ص 332.
وكتب إليه أحدهم يسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة، فكتب إليه: ذلك جائز (1) .
وأمام هذا الاضطراب فى الروايات، حمل بعضهم مثل الروايات الأخيرة على التقية أو الضرورة (2) ، مع أنها تنفى ذلك، ورأي آخرون الأخذ بها، فأجازوا السجود على القطن والكتان (3) .
ورأينا بعضهم يجيز السجود على الحنطة والشعير (4) ، وهذا ينافى التعليل السابق فى الرواية الثانية من أن السجود لا ينبغى أن يكون على ما يؤكل ويلبس، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، فأي شئ أقرب إلى الناس من القطن والكتان، والحنطة والشعير؟
ويعارض ما ذهب إليه الشيعة، ما روى عن طريق السنة من أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على بساط، وكان يصلى على الحصير والفروة المدبوغة، وعن أبى الدرداء قال: ما أبالى لو صليت على خمس طنافس، وصلى ابن عباس على طنفسة (5) .
فلم يثبت إذن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجز السجود على ما ليس بأرض، بل ثبت غير ذلك، كصلاته ـ عليه السلام ـ على الفروة المدبوغة.
(1) نفس المرجع ص 333.
(2)
انظر المواضع السابقة من الاستبصار.
(3)
انظر: مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 1 / 246 ـ 247.
(4)
انظر: المرجع السابق ص 245.
(5)
انظر: نيل الأوطار 2: باب الصلاة على الفراء والبسط وغيرهما من المفارش
…
ص 127، وراجع صلاته صلى الله عليه وسلم على البساط في صحيح البخاري ـ كتاب الأدب: باب الكنية للصبى، باب الزيارة، وارجع إلى صحيح مسلم بشرح النووي ـ كتاب المساجد باب جواز الجماعة في النافلة ـ والصلاة على الحصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات.
ونجد في القرآن الكريم ما يؤيد ما ذهب إليه السنة، قال تعالى: في سورة النحل (آية 80) : "" وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ "".
رأي الشيعة أن فى هذه الآية الكريمة دلالة على جواز اتخاذ الفرش والآلات من جلود الأنعام وأصوافها وأشعارها، وجواز الصلاة عليها إلا ما أخرجه الدليل من عدم جواز السجود على شئ من ذلك، بل إما على الأرض، أو ما ينبت فيها غير مأكول ولا ملبوس (1) .
وقد رأينا ألا دليل على عدم جواز السجود على شئ من ذلك، بل ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم يتمشى مع مدلول هذه الآية الكريمة، فلا مناص إذن من رفض رواياتهم عن أئمتهم التى تعارض الكتاب والسنة.
وأما تفضيل الشيعة السجود على التربة الحسينية، فيقول فى ذلك أحد أعلامهم: " ولعل السر فى التزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية مضافاً إلى ما ورد فى فضلها من الأخبار، ومضافاً إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأرض، وما يطرح عليها من الفرش والبوارى والحصر الملوثة، والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها، مضافاً إلى كل ذلك، لعل من جملة الأغراض العالية، والمقاصد السامية، أن يتذكر المصلى حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام نفسه وآل بيته، والصفوة من أصحابه فى سبيل العقيدة والمبدأ، وتحطم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد. ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة، وفى الحديث (أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده) ، فناسب أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية،
(1) انظر: كنز العرفان ص 46.