المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم - مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع

[علي السالوس]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌الجزء الأول في العقائد:

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة

- ‌أولا: الإمامة والخلافة

- ‌ثانيا: التفكير في الإمامة وبيعة الصديق

- ‌ثالثاً: الإمامة عند الجمهور

- ‌رابعاً: على وبيعة من سبقه

- ‌خامساً: الخوارج ورأيهم في الإمامة

- ‌سادساً: الإمامة عند الزيدية

- ‌سابعاً: الإمامة عند الإسماعيلية

- ‌ثامناً: عقيدة الإمامة عند الجعفرية

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثانيأدلة الإمامة من القرآن العظيم

- ‌ بين يدى الفصل

- ‌أولا: الولاية

- ‌ثانياً: المباهلة

- ‌ثالثاً: التطهير

- ‌رابعا: عصمة الأئمة

- ‌خامسا: الغدير

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثالثالإمامة في ضوء السنة

- ‌أولا: خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

- ‌ثانيا: روايات التمسك بالكتاب والعترة

- ‌مناقشة الروايات

- ‌الاختلاف حول الحديث

- ‌فقه الحديث

- ‌ثالثا: روايات أخرى متصلة بالغدير

- ‌مناقشة الروايات

- ‌رابعا: روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

- ‌خامسا: روايات لها صلة بموضوع الإمامة

- ‌من يؤمّر بعدك

- ‌الاستخلاف

- ‌يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر

- ‌المهدى

- ‌الفصل الرابعالاستدلال بالتحريف والوضع

- ‌تحريف القرآن الكريم

- ‌الاستدلال بالأحاديث الموضوعة

- ‌أولا: نهج البلاغة

- ‌ثانيا: الصواعق المحرقة

- ‌الطرق التي يعلم بها كذب المنقول

- ‌الفصل الخامسعقائد تابعة

- ‌أولا: عصمة الأئمة

- ‌ثانياً: البداء

- ‌ثالثاً: الرجعة

- ‌رابعاً: التقية

- ‌الجزء الثانى في التفسير وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: التفسير وأصوله عند أهل السنة

- ‌الفصل الأول: علم التفسير

- ‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الرابع: تفسير التابعين

- ‌الفصل الخامس: أحسن طرق التفسير

- ‌الفصل السادس: التفسير في القرن الثاني

- ‌الفصل السابع: القرن الثالث وتفسير الطبري

- ‌الفصل الثامن: كتب التفسير بعد الطبري

- ‌القسم الثاني: التفسير وأصوله عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌الفصل الثاني: الظاهر والباطن

- ‌الفصل الثالث: القرآن الكريم والتحريف

- ‌الفصل الرابع: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأولتفسير الحسن العسكرى

- ‌الكتاب الثانيتفسير القمي

- ‌الكتاب الثالثتفسير العياشى:

- ‌الفصل الخامسالتبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

- ‌الفصل السادسالتفسير بعد الطوسي والطبرسي

- ‌أولاً: تفسير الصافى:

- ‌ثانياً: البرهان في تفسير القرآن

- ‌ثالثاً: بحار الأنوار

- ‌رابعاً: تأويل الآيات الباهرة

- ‌خامساً: تفسير شبر:

- ‌سادساً: كنز العرفان

- ‌ثامناً: الميزان

- ‌تاسعاً: التفسير الكاشف

- ‌عاشراً: البيان

- ‌الفصل السابعنظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌خاتمة الجزء الثاني

- ‌الجزء الثالث في الحديث وعلومه وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأولالحديث وعلومه عند الجمهور

- ‌الفصل الأول: بيان الكتاب والسنة

- ‌الفصل الثاني: السنة وحي

- ‌الفصل الثالث: اعتصام السلف بالسنة

- ‌الفصل الرابع: تدوين السنة

- ‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

- ‌الفصل السادس: حوار الإمام الشافعي لفرقة ضلت

- ‌الفصل السابع: بعد الإمام الشافعى

- ‌الفصل الثامن: في عصر السيوطي

- ‌الفصل التاسع: الطاعنون في العصر الحديث

- ‌الفصل العاشر: أبو هريرة رضى الله تعالي عنه

- ‌القسم الثاني:الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: التدوين عند الشيعة

- ‌الفصل الثاني: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌الفصل الثالث: مفهوم السنة عندهم

- ‌الفصل الرابع: مراتب الحديث

- ‌الفصل الخامس: التعارض والترجيح

- ‌الفصل السادس: الكتب الأربعة

- ‌أولا: الجزء الأول من أصول الكافى

- ‌ثانياً: الجزء الثانى من أصول الكافى

- ‌ثالثاً: روضة الكافى

- ‌رابعاً ـ فروع الكافى وبقية الكتب

- ‌ملحق الجزء الثالث: السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌بيان الكتاب والسنة

- ‌القرآن الكريم يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذر من معصيته

- ‌السنة وحى

- ‌اعتصام السلف بالسنة

- ‌حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

- ‌بعد الإمام الشافعى

- ‌فى عصر السيوطى

- ‌الطاعنون فى العصر الحديث

- ‌أهذا مفكر إسلامى

- ‌أولاً: زعمه أن الشريعة قاصرة وأن الرسول غير معصوم

- ‌ثانياً: التشكيك فى كتاب الله المجيد

- ‌ثالثاً: موقفه من السنة المطهرة

- ‌رابعاً: موقفه من عقائد المسلمين

- ‌خامساً: قوله الكذب بوثنية المسلمين

- ‌أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

- ‌هذا الصوت نعرفه

- ‌الجزء الرابع في أصول الفقه والفقه

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أصول الفقه

- ‌الفصل الأول: القرآن الكريم

- ‌الفصل الثاني: السنة المطهرة

- ‌الفصل الثالث: الإجماع

- ‌الفصل الرابع: العقل

- ‌الباب الثاني: العبادات

- ‌الفصل الأول: الطهارة

- ‌أولاً: حكم سؤر الآدمى

- ‌ثانياً: اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء

- ‌ثالثاً: غسل الوجه

- ‌رابعا: غسل اليدين

- ‌خامساً: مسح الرأس

- ‌سادساً: حكم الأذنين

- ‌سابعاً: نوع طهارة الرجلين

- ‌ثامنا: المسح على الخفين

- ‌تاسعا: التوقيت في الغسل

- ‌عاشراً: التولية اختياراً

- ‌حادي عشر: غسل مخرج البول

- ‌ثاني عشر: الوطء في الدبر

- ‌ثالث عشر: الأغسال المندوبة

- ‌رابع عشر: قراءة القرآن الكريم ومس المصحفللجنب والحائض والنفساء

- ‌خامس عشر: أقل الطهر بين الحيضتين وأكثر النفاس

- ‌سادس عشر: ما يتعلق بالميت من الأحكام

- ‌سابع عشر: التيمم

- ‌ثامن عشر: النجاسات

- ‌الفصل الثاني: الصلاة

- ‌أولاً: الجمع بين الصلاتين

- ‌ثانيا: الأذان

- ‌ثالثا: المساجد

- ‌رابعا: السجود على ما ليس بأرض

- ‌خامسا: التكلم في الصلاة

- ‌سادسا: صلاة الجمعة

- ‌سابعا: صلاة الجنازة

- ‌ثامناً: النوافل

- ‌الفصل الثالث: الصيام والاعتكاف

- ‌الفصل الرابع: الزكاة والخمس

- ‌الفصل الخامس: الحج

- ‌الفصل السادس: الجهاد

- ‌الباب الثالث: المعاملات

- ‌الفصل الأول: العقود والإيقاعات

- ‌أولا: في التجارة:

- ‌ثانياً: في الإجارة:

- ‌ثالثاً: في الوكالة:

- ‌رابعاً: في النكاح:

- ‌خامساً: في العتق والإيمان:

- ‌سادساً: أخبارهم في العقود والإيقاعات

- ‌خاتمة الفصل (بحثان)

- ‌البحث الأول في زواج المتعة

- ‌البحث الثانى

- ‌الفصل الثاني: الأحكام

- ‌أولا: فى الذبائح:

- ‌ثانيا: فى الأطعمة:

- ‌ثالثا: فى إحياء الموات من الأرض

- ‌رابعا: فى اللقطة

- ‌خامسا: فى الميراث

- ‌سادسا: فى القضاء

- ‌سابعا: فى الشهادات

- ‌ثامنا: في الحدود والتعزيرات

- ‌تاسعا: فى القصاص:

- ‌عاشراً: فى الديات:

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌الحكيم والخوئي والخميني:

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

بيان السنة للقرآن:

قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ

} (1) .

وقال عزوجل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (2)

وقال جلت قدرته: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3)

فالله سبحانه وتعالى كما تكفل بحفظ القرآن الكريم، تكفل كذلك ببيانه. والرسول صلى الله عليه وسلم قد فهم القرآن الكريم جملة وتفصيلا، فلم يعزب عنه شئ من علمه. ثم كان عليه أن يبين لصحابته الكرام ما يغيب عنهم.

وتفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم فيه بيان للمجمل، وقد يقيد المطلق أو يطلق المقيد، وقد يخصص العام أو يعمم الخاص، كل ذلك بوحى من الله وأمره، وتعليمه وتوفيقه جلت عظمته كما قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى

} (4) .

(1) 17 ـ 19: القيامة.

(2)

44: النحل.

(3)

2: يوسف.

(4)

3 ـ 5 النجم.

ص: 333

القسم الثاني

التفسير وأصوله عند الشيعة الاثني عشرية

ثلاثة وجوه:

قال الإمام الشافعى رضي الله عنه: فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة وجوه:

فأجمعوا منها على وجهين ، والوجهان يجتمعان ويتفرقان. أحدهما ما أنزل الله فيه نص كتاب ، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما نص الكتاب. والآخر مثل ما أنزل فيه جملة كتاب ، فبين عن الله تعالى معنى ما أراده.

وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ماسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس فيه نص كتاب. فمنهم من قال: جعل الله سبحانه له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن سن فيما ليس له فيه نص كتاب. ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سن فيه من البيوع وغيرها من الشرائع لأن الله قال:{وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} ، وقال:{وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحرَّمَ الرِّبَا}

وأورد الإمام الشافعى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه "(1) .

عدم كثرة ما يتصل بالتفسير من السنة:

ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين كثيرا من أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، وغير ذلك مما لم يبين في القرآن الكريم، ولا سبيل إلى معرفته إلا بهذا البيان النبوى، غير أن هذا البيان من الأحاديث المتصلة بالتفسير،

(1) انظر الرسالة للإمام الشافعى: ص 28 ـ 29.

والآيتان الكريمتان المذكورتان هما: رقم 188 من سورة البقرة، ورقم 275 من السورة نفسها.

ص: 334

والتى صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس كثيراً. وسبب هذا أن الصحابة الكرام كانوا أعلم الناس بالقرآن الكريم؛ فبلغتهم نزل، وهم أفصح العرب، وعاشوا أسباب النزول، فعرفوا ظواهر القرآن الكريم، وتعلموا الأحكام وطبقوها: فعن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.

وعن أبى عبد الرحمن قال: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا أنهم كانوا يستقرءون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا (1) .

قال ابن خلدون: " أما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه. وكان ينزل جملا جملا، وآيات آيات، لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع. ومنها ما هو في العقائد الإيمانية، ومنها ما هو في أحكام الجوارح، ومنها ما يتقدم ومنها ما يتأخر ويكون ناسخاً لها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين المجمل، ويميز الناسخ من المنسوخ، ويعرفه أصحابه فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها "(2) .

جمع أحاديث التفسير:

وأورد هنا بعض الأحاديث الصحيحة والحسنة المتصلة بالتفسير التي أمكننى جمعها ما استطعت بحول الله تعالى وقدرته وتوفيقه، وأعتمد هنا أساساً على هذه الكتب:

(1) انظر الخبرين في تفسير الطبري 1 / 80 تحقيق شاكر.

(2)

مقدمة ابن خلدون 3 / 996. ونلحظ أن الدقة تنقصه في قوله " فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه "، وسنرى ـ على سبيل المثال ـ أن بعض الصحابة فهموا بعض الآيات فهما خاطئا، وأن أشياء غابت عن االصحابه كلهم أو بعضهم.

ص: 335

أولا: صحيح البخاري ـ وشرحه فتح الباري ـ حيث أخرج الكثير من الأحاديث في كتاب التفسير، قال ابن حجر في نهاية هذا الكتاب في فتح الباري:

" اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث وثمانية وأربعين حديثا من الأحاديث المرفوعه وما في حكمها، الموصول من ذلك أربعمائة حديث وخمسة وستون حديثاً، والبقية معلقة وما في معناه. المكرر من ذلك فيه وفيما مضى أربعمائة وثمانية وأربعون حديثاً، والخالص منها مائة حديث وحديث، وافقه مسلم على تخريج بعضها ولم يخرج أكثرها لكونها ليست ظاهرة في الرفع، والكثير منها من تفاسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهى ستة وستون حديثا ".

وبعد أن ذكر هذه الأحاديث قال:

" وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم خمسمائة وثمانون أثراً ".

فصحيح البخاري إذن فيه الكثير من الأحاديث المرفوعة وما في حكمها، ومن الآثار كذلك، والأخذ منه يغنينا عن النظر في السند، وإن كنا هنا سنقتصر على الأحاديث المرفوعة فقط.

يضاف إلى هذا أن ابن حجر في شرحه يذكر ما يتصل بالموضوع من الأحاديث برواياتها المختلفة، وكذلك الرواة.

ثانيا: صحيح مسلم، ومختصره للحافظ المنذرى. وإن كان الإمام مسلم لم يخرج الكثير (1) ، غير أننا نأخذ مما أخرجه لكونه من الصحيح.

ثالثا: الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي: قال بعد أن تحدث عن طبقات المفسرين، وأوشك على الانتهاء من كتابه:

" وإذ قد انتهى بنا القول فيما أردناه من هذا الكتاب فلنختمه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التفاسير المصرح برفعها إليه ".

(1) أخرج في كتاب التفسير سبعة وخمسين حديثاً، واتفق مع البخاري منها في أربعة عشر حديثاً.

ص: 336

وبعد أن ذكر قدراً كبيراً من الأحاديث قال:

" فهذا ما حضرنى من التفاسير المرفوعة المصرح برفعها، صحيحها وحسنها، وضعيفها ومرسلها ومعضلها، ولم أعول على الموضوعات والأباطيل".

وإذ نستعين بما أورده السيوطي في الإتقان إلا أنا لا نأخذ منه إلا الصحيح والحسن سواء أكان ما ذكره مأخوذاً من كتب السنة أم من كتب التفسير.

رابعاً: الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي أيضا: وهذا الكتاب يختلف عن سابقيه، فهو في ستة أجزاء من الحجم الكبير، وفيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أكثر مما فيه من الأحاديث الصحيحة.

فلا نزعم أنا قرأناه كله، ولكننا رجعنا إليه في تفسير بعض الآيات الكريمة لأنه يتوسع كثيرا في ذكر الروايات المختلفة، والإشارة إلى من رواها من رجال الحديث والتفسير.

خمسة وثلاثون حديثاً:

بعد هذا لنبدأ في ذكر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدد ما جمعته بلغ خمسة وثلاثين حديثا.

1 ـ عن أبى سعيد بن المعلى قال: " كنت أصلى في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلى، فقال: ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم} ؟ ثم قال لي: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدى، فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثانى والقرآن العظيم الذي أوتيته ". [

ص: 337

البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب ما جاء في فاتحة الكتاب. وأخرجه الترمذى بسند آخر في فضائل القرآن: باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب، وقال: حسن صحيح. وأخرجه كذلك ابن خزيمة والحاكم: انظر فتح الباري 8 / 157] .

2 ـ قال صلى الله عليه وسلم: " اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال ". [أخرجه الترمذى في أبواب التفسير: سورة فاتحة الكتاب، وأخرجه أحمد وابن حبان: انظر فتح الباري 8 / 159.

وذكر السيوطي أخبارا كثيرة ثم قال: قال ابن أبى حاتم: لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى ـ انظر الدر المنثور 1 / 16] .

3 ـ قال صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين ". [البخاري ـ كتاب التفسير ـ سورة البقرة ـ باب: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} وفى رواية " من المن الذي أنزل على بنى إسرائيل " انظر فتح الباري 8 / 164] .

4 ـ قال صلى الله عليه وسلم: " قيل لبنى إسرائيل {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ

} فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعرة ". [أخرجه الشيخان في كتابي التفسير في صحيحيهما، واللفظ لمسلم، وفى سنن الترمذي دخلوا متزحفين على أوراكهم أي منحرفين. وانظر روايات أخرى في الدر المنثور 1 / 71] .

ص: 338

5 ـ قال صلى الله عليه وسلم: " يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً فذلك قوله جل ذكره {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً} والوسط: العدل ". [أخرجه البخاري في كتاب التفسير ـ سورة البقرة: باب: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

} وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه، وزيد في رواية:" فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه ": انظر فتح الباري 8 / 172] .

6 ـ عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال: " قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين. ثم قال: لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار ".

[البخاري: باب: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ

} وأخرجه الترمذى في تفسير الآية الكريمة بلفظ " إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل " وقال: هذا حديث حسن صحيح] .

7 ـ عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ

} يعنى صماماً واحداً. [أخرجه الترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح، ويروى: في صمام واحد] .

ص: 339

وعن ابن عباس قال: " جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلى الليلة. قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، قال: فأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ إني شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ".

[أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب. وقال ابن حجر في الفتح "

8 / 191 ": أخرجه أحمد والترمذى من وجه صحيح.

وراجع كثيراً من الأخبار المرفوعة والموقوفة في الدر المنثور

1 / 261 ـ 267] .

8 ـ قال صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: " حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ـ أو أجوافهم ـ نارا "" شك يحيى بن سعيد القطان أحد الرواه ".

[البخاري ـ سورة البقرة: باب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطىـ وأخرج مسلم عدة روايات في كتاب الصلاة: باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وفى بعضها " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر "، وعند الترمذى " صلاة الوسطى صلاة العصر " وقال: حسن

صحيح، ورواه غيرهم: انظر فتح الباري 8 / 195، والإتقان 2 / 192، والدر المنثور 1 / 300 ـ 305] .

9 ـ عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان. إنما المسكين الذي يتعفف. اقرءوا إن شئتم ـ يعنى قوله تعالى {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} .

ص: 340

[البخاري ـ سورة البقرة ـ باب {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} وروى أحمد وأبو داود والنسائى وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبيه مرفوعاً " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف "، وفى رواية ابن خزيمة " فهو ملحف "، والأوقية أربعون درهما.

ولأحمد من حديث عطاء بن يسار عن رجل من بنى أسد رفعه " ومن سأل وله أوقية أوعدلها فقد سأل إلحافاً ".

ولأحمد والنسائى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه " من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف " انظر فتح الباري 8 / 202 ـ 203، والدر المنثور 1 / 358 ـ 363] .

10 ـ قال صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه: يعنى بشدقيه ـ يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ} إلى آخر الآية

[البخاري ـ سورة آل عمران: باب: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} ، وعند الترمذى: " ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل الله يوم القيامة في عنقه شجاعا "، وقال: حسن صحيح. ورواه أيضاً أحمد والنسائى وابن خزيمة. انظر فتح الباري 8 / 230] .

11 ـ قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب. [

ص: 341

أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والحميدى في مسانيدهم وأبو داود والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 2 / 339، والإتقان 2 / 193] .

12 ـ قال صلى الله عليه وسلم: مفاتح الغيب خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

} وفى رواية أخرى قال: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتى المطر أحد إلا الله، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.

[انظر البخاري: سورة الأنعام. باب: {وَعِندَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} وسورة الرعد باب: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} وسورة لقمان ـ باب: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} .

وروى أحمد والبزار وصححه ابن حبان والحاكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: خمس لا يعلمهن إلا الله {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة} الآية. انظر فتح الباري 8 / 514، والدر المنثور 3 / 15] .

13 ـ قال صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.

وفى رواية أخرى قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها. ثم قرأ الآية.

ص: 342

[انظر البخاري ـ سورة الأنعام: باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ} ، وباب:{لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} .

ورواه مسلم وأحمد والترمذى وغيرهم، انظر الإتقان 2 / 194، وفى رواية لمسلم: ثلاث إذا خرجن {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} : طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض.

راجع كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم ـ سورة الأنعام باب في قوله تعالى: {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ} واقرأ أخباراً كثيرة في الدر المنثور 3 / 57 ـ 62] .

14 ـ قال صلى الله عليه وسلم: ينادى مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبداً، فذلك قوله عزوجل:{وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .

[مختصر مسلم ـ سورة الأعراف ـ باب في قوله تعالى {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

} .

وأخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمى والترمذى والنسائى وآخرون ـ انظر الدر المنثور 3 / 85] .

15 ـ عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بى عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه، قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في

ص: 343

المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبى: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا " لمسجد المدينة ". قال: فقلت: أشهد بأنى سمعت أباك هكذا يذكره.

[مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الصلاة باب في المسجد الذي أسس على التقوى، وكتاب الحج باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى، وأخرجه ابن أبى شيبة وأحمد والترمذى والنسائى وغيرهم.

وفي إحدى الروايات: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر هو مسجد قباء، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه، فقال: هو مسجدى هذا.

انظر الدر المنثور 3 / 277، والإتقان 2 / 195.

ومن المعلوم أن الآية الكريمة إنما نزلت في مسجد قباء، ولكن إذا كان هذا المسجد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى

بتسميته بذلك.

راجع ما قاله ابن تيمية وابن كثير في كتابى: آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء: ص 26] .

16 ـ عن صهيب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ

} قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم تثقل موازيننا، وتبيض وجوهنا، وتدخلنا الجنة، وتزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم.

ص: 344

[أخرجه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه وغيرهم، وفى رواية: الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن. انظر الدر المنثور 3 / 305 والإتقان

2 / 195] .

17 ـ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} قال: هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له، وفى الآخرة الجنة.

وفى رواية: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، فهى بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة.

[أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وأحمد والترمذى وحسنه وغيرهمـ انظر الدر المنثور 3 / 311 والإتقان 2 / 195 ـ 196] .

18ـ قال صلى الله عليه وسلم: يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف " مرتين ". فيقول: سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم. ثم تطوى صحيفة حسناته.

وأما الآخرون ـ أو الكفار ـ فينادى على رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.

[البخاري ـ سورة هود ـ باب {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} .

وفى مسلم: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عزوجل حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف. قال: فإنى قد سترتها عليك في الدنيا، وإنى أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله.

ص: 345

راجع مختصر صحيح مسلم ـ كتاب التوبة وقبولها ـ باب في النجوى وتقرير العبد بذنوبه.

وأخرجه ابن المبارك وابن أبى شيبة وابن جرير وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 3 / 325] .

19 ـ قال صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملى للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .

[البخاري ـ سورة هود ـ باب {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} .

وفى مسلم: إن الله عزوجل يملى للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ

انظر مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الظلم ـ باب في الإملاء للظالم.

وأخرج الحديث: الترمذى والنسائى وابن ماجه وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 3 / 349] .

20 ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أصاب من إمرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فأنزلت عليه {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قال الرجل: أَِلىَ هذا؟ قال: لمن عمل بها من أمتى.

[البخاري ـ سورة هود ـ باب: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} .

ص: 346

وفى مسلم: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت أمرأة في أقصى المدينة، وإنى أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية:

{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال رجل من القوم: يا نبي الله: هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة.

سورة هود ـ باب في قوله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

} .

وأخرجه أحمد والترمذى والنسائى وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 3 / 352] .

21 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرونى بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا، تؤتى أكلها كل حين، قال ابن عمر: فوقع في نفسى أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم. فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة.....

[البخاري ـ سورة إبراهيم ـ باب: {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ

} .

ورواه الترمذى والنسائى والحاكم وابن حبان وأحمد باختلاف يسير عن البخاري ـ انظر الإتقان 2 / 197، وراجع كذلك الدر المنثور 4 / 76 ـ 77

ص: 347

وفى مسلم: أخبرونى بشجرة شبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها، تؤتى أكلها كل حين.

مختصر مسلم: كتاب الإيمان ـ باب مثل المؤمن

..] .

22 ـ قال صلى الله عليه وسلم: المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ

} .

[البخاري ـ سورة إبراهيم باب: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}

ورواه غير البخاري كثير من الأئمة ـ انظر الإتقان 2 / 197

والدر المنثور 4 / 78] .

23 ـ عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح.

يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} .

[البخاري ـ سورة الإسراء ـ باب {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} .

وأخرجه عبد الرزاق ومسلم وابن جرير وغيرهم. وأخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه وآخرون عن أبى هريرة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها.

انظر الدر المنثور 4 / 196، والإتقان 2 / 198] .

ص: 348

24 ـ قال صلى الله عليه وسلم: إن موسى قام خطيباً في بنى إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم. فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون

إلخ.

[انظر الخبر بتمامه، وأخباراً أخرى للبخارى وغيره في فتح الباري

8 / 409 ـ 425، وانظر الدر المنثور 4 / 229 ـ 240 ومختصر صحيح مسلم ـ كتاب ذكر الأنبياء وفضلهم ـ باب في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام] .

25 ـ عن المغيرة بن شعبة قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرءون {يَا أُخْتَ هَارُونَ} ؟ وموسى قبل عيسى بكذا أوكذا قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم.

[أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 4 / 270 والإتقان 2 / 198] .

26 ـ عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبه، فينادى في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} .

[أخرجه الشيخان وغيرهما ـ انظر الدر المنثور 4 / 287، والإتقان

2 / 199] .

27 ـ

ص: 349

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة.

[البخاري ـ سورة الفرقان باب: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا

} .

قال ابن حجر: وفى حديث أبى هريرة عند البزار " يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم. فقيل: فكيف يمشون على وجوههم " الحديث.

ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانا، ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم، وأما الكفار فيحشرون على وجوههم. فتح الباري

8 / 492.

وروى الحديث مسلم وغيره ـ انظر الإتقان 2 / 198.

ومختصر مسلم ـ كتاب صفة القيامة ـ باب حشر الكافر على وجهه يوم القيامة] .

28 ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

[البخاري سورة لقمان باب {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}

ص: 350

ورواه أحمد ومسلم وغيرهما ـ انظر الإتقان 2 / 193، والدر المنثور

3 / 26. ومختصر صحيح مسلم: كتاب التفسير ـ سورة الأنعام ـ باب في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} ] .

29 ـ عن فروه بن مسيك المرادى رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومى بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرنى، فلما خرجت من عنده أرسل في أثرى فردنى، فقال: ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك، قال وأنزل في سبأ ما أنزل. فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرض أم امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، وأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسام وعاملة، وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار.

فقال رجل: يا رسول الله، وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة.

أخرجه أحمد وعبد بن حميد والبخارى في تاريخه والترمذى وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبرانى وابن أبى حاتم وابن عدى والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ: أرجل هو أم امرأة أم أرض؟ فقال: بل هو رجل ولد عشرة: فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة. فأما اليمانيون: فمذحِج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير، وأما الشاميون: فلخم وجذام وعاملة وغسان.

[الدر المنثور 5 / 231، وانظر الإتقان 2 / 200] .

30 ـ عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت.

ص: 351

قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. ويبلى كل شئ من الإنسان إلا عجب ذنبه، فيه يركب الخلق.

وفى رواية أخرى. ما بين النفختين أربعون. قال: أربعون يوماً؟ قال: أبيت. قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت. قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شئ إلا يبلى، إلا عظماً واحداً. وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.

[البخاري ـ سورة الزمر ـ باب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} وسورة النبأ ـ باب: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} .

وقوله: أبيت: أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس عندى في ذلك توقيف. ولابن مردويه عن الأعمش في هذا الحديث فقال " أعييت " من الإعياء وهو التعب، وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه.

وفى حديث أبى سعيد عند الحاكم وأبى يعلى: قيل: يا رسول الله ما عجب الذنب؟ قال: مثل حبة خردل.

والعجب. عظم لطيف في أصل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع.

وقال العلماء. هذا عام يخص منه الأنبياء، لأن الأرض لا تأكل أجسادهم. (انظر فتح الباري 8 / 552 ـ 553. وانظر الحديث في مختصر صحيح مسلم ـ كتاب الفتن ـ باب ما بين النفختين أربعون ويبلى الإنسان إلا عجب الذنب. وأخرج الحديث أحمد والترمذى وابن ماجه وآخرون. انظر الدر المنثور

5 / 336) .

31 ـ

ص: 352

قال صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.

[البخاري ـ سورة المطففين ـ باب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وقوله: " في رشحه ": بفتحتين أي عرقه لأنه يخرج من البدن شيئا بعد شىء كما يرشح الإناء المتحلل الأجزاء.

وفى رواية أخرى: حتى إن العرق يلجم أحدهم إلى أنصاف أذنيه.

وفى رواية لمسلم: تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق: فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً.

انظر فتح الباري: 8 / 696. ومختصر صحيح مسلم: كتاب صفة القيامةـ باب دنو الشمس من الخلق يوم القيامة. والإتقان: 2 / 203. وأخرجه مالك وعبد بن حميد والترمذى وغيرهم: انظر الدر المنثور 6 / 324] .

32 ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أحد يحاسب إلا هلك. قالت: قلت: يا رسول الله جعلنى الله فداءك، أليس يقول الله عزوجل {فَأَمَّا مَنْ أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} ؟ قال: ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك.

[البخاري ـ سورة الانشقاق ـ باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}

ومختصر مسلم ـ كتاب التفسير ـ سورة الانشقاق ـ باب في قولة

تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} .

ص: 353

وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والترمذى وغيرهم: انظر الدر المنثور

6 / 329، والإتقان 2 / 203] .

33 ـ عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وذكر الناقة والذى عقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا} إنبعث لها رجل عزيز عارم، منيع في رهطه مثل أبى زمعه عم الزبير بن العوام.

[البخاري ـ سورة الشمس، وانظر فتح الباري 8 / 705 ـ 706.

وأخرج الحديث: سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذى والنسائى وآخرون ـ انظر الدر المنثور 6 / 357] .

34 ـ عن على بن أبى طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، وما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة. قال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآية.

وفى رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى

} الآية.

[انظر البخاري ـ سورة الليل ـ من الباب الثالث إلى الباب السابع، وهو الأخير.

ص: 354

والحديث: أخرجه الجماعة وغيرهم ـ انظر الدر المنثور 6 / 359] .

35 ـ عن أنس رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر.

[البخاري ـ سورة الكوثر ـ الحديث الأول] .

وذكر الإمام البخاري حديثين آخرين:

أحدهما: عن أبى عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم.

والحديث الآخر عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.

وفى رواية للنسائى لحديث السيدة عائشة: هو نهر أعطيه نبيكم في بطنان الجنة. قلت: ما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها.

وقال ابن حجر تعقيباً على الحديث الثالث للبخارى: هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثى عائشة وابن عباس. وقد أخرج الترمذى من طريق ابن عمر رفعه: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت " الحديث: قال: إنه حسن صحيح. وفى صحيح مسلم: " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءه، ثم رفع رأسه مبتسماً. فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتى يوم القيامة " الحديث.

ص: 355

وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس أنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره أن المراد به نهر في الجنة، لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير، ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه.

[انظر فتح الباري 8 / 732، وراجع مجموع الأحاديث المتصلة بالموضوع في الدر المنثور 6 / 401 ـ 403] .

نتائج الجمع:

هذه هي الأحاديث الشريفة في التفسير التي أمكن جمعها. وأشرنا من قبل إلى دور السنة بالنسبة للقرآن الكريم، فلا حاجة للإعادة، ولكن نذكر هنا بعض الملاحظات، في ضوء هذه الأحاديث:

1 ـ بين الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام ما لا علم لهم به، ولا طريق إلى معرفته إلا بهذا البيان النبوى، مثل الأمور المتعلقة بالأمم السابقة، وأنبيائهم، أو الأمور الغيبية كبعض ما سيحدث يوم القيامة وأشار إليه القرآن الكريم، واحتاج إلى بيان.

2 ـ ونلاحظ كذلك أن بعض الصحابة رضي الله عنهم فهموا بعض الآيات الكريمة فهما خاطئاً، فصحح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهموا، وبين لهم مراد الله تعالى، وذلك مثل قوله تعالى:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} . وقوله عزوجل: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} .

3 ـ بين الرسولصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قد يغيب عن الصحابة كلهم أو بعضهم، مثل: تعريف المسكين، والصلاة الوسطى، ومفاتح الغيب..إلخ.

ص: 356

4 ـ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل أحيانا صحابته ليتأكد من صحة فهمهم، كما سأل عن الشجرة الطيبة، والصحابة بدورهم كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم فيما غاب عنهم، كالسؤال عن " الذين يحشرون على وجوههم "، وعن {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من نوقش الحساب هلك ".

5 ـ لعل هذه الأحاديث الشريفة هي أكثر ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير آيات من كتاب الله العزيز، إلى جانب بيانه صلى الله عليه وسلم لما أجمل في القرآن الكريم من أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية وغيرها.

وهذه الأحاديث قليلة بلا شك، وهى وما يصح مثلها تعتبر وحدها عند جمهور المسلمين الحجة التي لا ترد، لأنها قول المعصوم صلى الله عليه وسلم. وهنا يظهر الفرق جلياً بين جمهور المسلمين والشيعة الجعفرية، فالشيعة يعتبرون أئمتهم جميعاً معصومين، فأقوالهم كأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ولهم ما للرسول صلى الله عليه وسلم من بيان مجمل الكتاب، أو تقييد مطلقه، أو تخصيص عامة، لأن أقوالهم تدخل ضمن مفهوم السنة كمصدر من مصادر التشريع، ولها دورها بالنسبة للقرآن الكريم.

ولهذا عندما ندرس كتب التفسير عندهم فإنا سنجد أن بعض التفاسير تعتبر في معظمها حجة عندهم، لأنهم يرون أنها مأخوذة عن الأئمة

ص: 357