المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريف القرآن الكريم - مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع

[علي السالوس]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌الجزء الأول في العقائد:

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة

- ‌أولا: الإمامة والخلافة

- ‌ثانيا: التفكير في الإمامة وبيعة الصديق

- ‌ثالثاً: الإمامة عند الجمهور

- ‌رابعاً: على وبيعة من سبقه

- ‌خامساً: الخوارج ورأيهم في الإمامة

- ‌سادساً: الإمامة عند الزيدية

- ‌سابعاً: الإمامة عند الإسماعيلية

- ‌ثامناً: عقيدة الإمامة عند الجعفرية

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثانيأدلة الإمامة من القرآن العظيم

- ‌ بين يدى الفصل

- ‌أولا: الولاية

- ‌ثانياً: المباهلة

- ‌ثالثاً: التطهير

- ‌رابعا: عصمة الأئمة

- ‌خامسا: الغدير

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثالثالإمامة في ضوء السنة

- ‌أولا: خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

- ‌ثانيا: روايات التمسك بالكتاب والعترة

- ‌مناقشة الروايات

- ‌الاختلاف حول الحديث

- ‌فقه الحديث

- ‌ثالثا: روايات أخرى متصلة بالغدير

- ‌مناقشة الروايات

- ‌رابعا: روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

- ‌خامسا: روايات لها صلة بموضوع الإمامة

- ‌من يؤمّر بعدك

- ‌الاستخلاف

- ‌يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر

- ‌المهدى

- ‌الفصل الرابعالاستدلال بالتحريف والوضع

- ‌تحريف القرآن الكريم

- ‌الاستدلال بالأحاديث الموضوعة

- ‌أولا: نهج البلاغة

- ‌ثانيا: الصواعق المحرقة

- ‌الطرق التي يعلم بها كذب المنقول

- ‌الفصل الخامسعقائد تابعة

- ‌أولا: عصمة الأئمة

- ‌ثانياً: البداء

- ‌ثالثاً: الرجعة

- ‌رابعاً: التقية

- ‌الجزء الثانى في التفسير وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: التفسير وأصوله عند أهل السنة

- ‌الفصل الأول: علم التفسير

- ‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الرابع: تفسير التابعين

- ‌الفصل الخامس: أحسن طرق التفسير

- ‌الفصل السادس: التفسير في القرن الثاني

- ‌الفصل السابع: القرن الثالث وتفسير الطبري

- ‌الفصل الثامن: كتب التفسير بعد الطبري

- ‌القسم الثاني: التفسير وأصوله عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌الفصل الثاني: الظاهر والباطن

- ‌الفصل الثالث: القرآن الكريم والتحريف

- ‌الفصل الرابع: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأولتفسير الحسن العسكرى

- ‌الكتاب الثانيتفسير القمي

- ‌الكتاب الثالثتفسير العياشى:

- ‌الفصل الخامسالتبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

- ‌الفصل السادسالتفسير بعد الطوسي والطبرسي

- ‌أولاً: تفسير الصافى:

- ‌ثانياً: البرهان في تفسير القرآن

- ‌ثالثاً: بحار الأنوار

- ‌رابعاً: تأويل الآيات الباهرة

- ‌خامساً: تفسير شبر:

- ‌سادساً: كنز العرفان

- ‌ثامناً: الميزان

- ‌تاسعاً: التفسير الكاشف

- ‌عاشراً: البيان

- ‌الفصل السابعنظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌خاتمة الجزء الثاني

- ‌الجزء الثالث في الحديث وعلومه وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأولالحديث وعلومه عند الجمهور

- ‌الفصل الأول: بيان الكتاب والسنة

- ‌الفصل الثاني: السنة وحي

- ‌الفصل الثالث: اعتصام السلف بالسنة

- ‌الفصل الرابع: تدوين السنة

- ‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

- ‌الفصل السادس: حوار الإمام الشافعي لفرقة ضلت

- ‌الفصل السابع: بعد الإمام الشافعى

- ‌الفصل الثامن: في عصر السيوطي

- ‌الفصل التاسع: الطاعنون في العصر الحديث

- ‌الفصل العاشر: أبو هريرة رضى الله تعالي عنه

- ‌القسم الثاني:الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: التدوين عند الشيعة

- ‌الفصل الثاني: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌الفصل الثالث: مفهوم السنة عندهم

- ‌الفصل الرابع: مراتب الحديث

- ‌الفصل الخامس: التعارض والترجيح

- ‌الفصل السادس: الكتب الأربعة

- ‌أولا: الجزء الأول من أصول الكافى

- ‌ثانياً: الجزء الثانى من أصول الكافى

- ‌ثالثاً: روضة الكافى

- ‌رابعاً ـ فروع الكافى وبقية الكتب

- ‌ملحق الجزء الثالث: السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌بيان الكتاب والسنة

- ‌القرآن الكريم يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذر من معصيته

- ‌السنة وحى

- ‌اعتصام السلف بالسنة

- ‌حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

- ‌بعد الإمام الشافعى

- ‌فى عصر السيوطى

- ‌الطاعنون فى العصر الحديث

- ‌أهذا مفكر إسلامى

- ‌أولاً: زعمه أن الشريعة قاصرة وأن الرسول غير معصوم

- ‌ثانياً: التشكيك فى كتاب الله المجيد

- ‌ثالثاً: موقفه من السنة المطهرة

- ‌رابعاً: موقفه من عقائد المسلمين

- ‌خامساً: قوله الكذب بوثنية المسلمين

- ‌أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

- ‌هذا الصوت نعرفه

- ‌الجزء الرابع في أصول الفقه والفقه

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أصول الفقه

- ‌الفصل الأول: القرآن الكريم

- ‌الفصل الثاني: السنة المطهرة

- ‌الفصل الثالث: الإجماع

- ‌الفصل الرابع: العقل

- ‌الباب الثاني: العبادات

- ‌الفصل الأول: الطهارة

- ‌أولاً: حكم سؤر الآدمى

- ‌ثانياً: اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء

- ‌ثالثاً: غسل الوجه

- ‌رابعا: غسل اليدين

- ‌خامساً: مسح الرأس

- ‌سادساً: حكم الأذنين

- ‌سابعاً: نوع طهارة الرجلين

- ‌ثامنا: المسح على الخفين

- ‌تاسعا: التوقيت في الغسل

- ‌عاشراً: التولية اختياراً

- ‌حادي عشر: غسل مخرج البول

- ‌ثاني عشر: الوطء في الدبر

- ‌ثالث عشر: الأغسال المندوبة

- ‌رابع عشر: قراءة القرآن الكريم ومس المصحفللجنب والحائض والنفساء

- ‌خامس عشر: أقل الطهر بين الحيضتين وأكثر النفاس

- ‌سادس عشر: ما يتعلق بالميت من الأحكام

- ‌سابع عشر: التيمم

- ‌ثامن عشر: النجاسات

- ‌الفصل الثاني: الصلاة

- ‌أولاً: الجمع بين الصلاتين

- ‌ثانيا: الأذان

- ‌ثالثا: المساجد

- ‌رابعا: السجود على ما ليس بأرض

- ‌خامسا: التكلم في الصلاة

- ‌سادسا: صلاة الجمعة

- ‌سابعا: صلاة الجنازة

- ‌ثامناً: النوافل

- ‌الفصل الثالث: الصيام والاعتكاف

- ‌الفصل الرابع: الزكاة والخمس

- ‌الفصل الخامس: الحج

- ‌الفصل السادس: الجهاد

- ‌الباب الثالث: المعاملات

- ‌الفصل الأول: العقود والإيقاعات

- ‌أولا: في التجارة:

- ‌ثانياً: في الإجارة:

- ‌ثالثاً: في الوكالة:

- ‌رابعاً: في النكاح:

- ‌خامساً: في العتق والإيمان:

- ‌سادساً: أخبارهم في العقود والإيقاعات

- ‌خاتمة الفصل (بحثان)

- ‌البحث الأول في زواج المتعة

- ‌البحث الثانى

- ‌الفصل الثاني: الأحكام

- ‌أولا: فى الذبائح:

- ‌ثانيا: فى الأطعمة:

- ‌ثالثا: فى إحياء الموات من الأرض

- ‌رابعا: فى اللقطة

- ‌خامسا: فى الميراث

- ‌سادسا: فى القضاء

- ‌سابعا: فى الشهادات

- ‌ثامنا: في الحدود والتعزيرات

- ‌تاسعا: فى القصاص:

- ‌عاشراً: فى الديات:

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌الحكيم والخوئي والخميني:

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌تحريف القرآن الكريم

وفى عصرنا وجدنا كتابا طبع منه ملايين النسخ، أو مئات الآلاف على أقل تقدير، حاول مؤلفه أيضا أن يفسد المجتمع المسلم المعاصر، وأن يشككه في عقيدته الصحيحة، ويزين له باطل هذا الرافضي، وهذا الكتاب المشهور هو كتاب المراجعات لعبد الحسين شرف الدين الموسوي، وقد رددت عليه بكتابي" المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى ".

وفى هذا الفصل أتناول شيئا من كتابى الرافضيين، والرد عليهما، وبيان بعض ما جاء فيهما من الباطل والضلال، كما نبين منهج الرافضة في التضليل، والله عز وجل هو المستعان.

‌تحريف القرآن الكريم

للاستدلال بالقرآن الكريم على عقيدة الرافضة، سلكوا كغيرهم من الفرق الضالة مسلك التحريف في النص والمعنى، وسنرى هذا بوضوح وجلاء عند دراستنا لكتب تفسيرهم، وبيان موقفهم من القرآن الكريم، وكذلك عند عرضنا لكتابهم الأول ـ والأعلى عندهم ـ في الحديث، وهو كتاب الكافى، وذلك أثناء عرض الأبواب والأخبار المتصلة بالقرآن المجيد.

وعبد الحسين في كتابه نرى المراجعة الثانية عشرة تدور حول ما أسماه

" حجج الكتاب "، وذكر فيها كثيرا من الآيات الكريمة، وحرف معناها حتى بدا القرآن الكريم كأي كتاب من كتب الفرق الضالة وليس " ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"، " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ " فعلى سبيل المثال جاء في هذه المراجعة أن الرافضة هم مراد الله تعالى فيمن ذكر أنهم أصحاب الجنة، والمتقون، وخير البرية،

إلى آخره، أما خير أمة

ص: 158

أخرجت للناس من الصحابة الكرام الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه، فهؤلاء في زعم خليفة ابن سبأ هم أصحاب النار، والفجار، والكفار، وكذلك خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، حيث خصهما بمزيد من الطعن؛ فهما في زعمه الجبت والطاغوت وأئمة الضلال. وهكذا يستمر هذا الرافضي اللعين في زندقته وضلاله مما يوجب إقامة الحد عليه.

وما ذكره هذا الرافضي يردده غلاة الرافضة في كتبهم واستدلالاتهم. ومعظم ما ذكره هنا سبقه إليه ابن المطهر الحلى، حيث جاء بأربعين آية كريمة، وحرف معناها لتتفق مع ضلاله. وقد أثبتها كاملة شيخ الإسلام وأجاب

عنها، وفصل بطلان الاستدلال بها في الجزء السابع من منهاج السنة (من بدايته إلى ص 297) ولولا الإطالة لنقلت تلك الصفحات، ففيها إقناع وإمتاع، وفضح للغلاة الرافضة. وسأكتفى هنا بذكر جزء جاء في بداية الرد على البرهان الأول، وهو نفسه الدليل الأول الذي ذكرته في الفصل الثانى من هذا الباب، وهو ما يتعلق بقوله تعالى

" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ

رَاكِعُونَ " (55: المائدة) بعد ذكر كلام الرافضي قال شيخ الإسلام:

والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا، بل كل ما ذكره كذب وباطل، من جنس السفسطة، وهو لو أفاده ظنونا كان تسميته براهين تسمية منكرة؛ فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين، كقوله تعالى:

" وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "(سورة البقرة: 111) .

ص: 159

وقال تعالى:

" أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "(سورة النمل: 64) .

فالصادق لابد له من برهان على صدقه، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم.

وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب، فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل. وسنبين إن شاء الله تعالى عند كل واحدة منها ما يبين كذبها، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب.

ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون كذبا عليه، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس. فإن كان قول الواحد الذي لم يُعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهانا، فإنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين لا تتناقض.

بل سنبين إن شاء الله تعالى قيام البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر، لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق، وأن القرآن حق، وأن دين الإسلام حق ـ تناقض ما ذكره من البراهين، فإن غاية ما يدّعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول.

وهذا لأن أصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام، وروجوها على أقوام، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل، فقبلها لهواه، ولم ينظر في حقيقتها. ومنهم من كان له نظر فتدبرها

ص: 160

فوجدها تقدح في حق الإسلام، فقال بموجبها، وقدح بها في دين الإسلام، إما لفساد اعتقاده في الدين، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام.

ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب؛ فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلَّطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبها عند من لم يعلم أنها كذب، وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام.

وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين، وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة العُبيْديين إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة، ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضُلَاّل، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في علىّ، ثم في النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في الإلهية، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد.

ثم نقول: ثانيا: الجواب عن هذه الآية حق من وجوه: الأول: أنا نطالبه بصحة هذا النقل، أو لا ُيذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة؛ فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبى، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات، الصادقين في نقلها، ليس بحجة باتفاق أهل العلم، إن لم نعرف ثبوت إسناده. وكذلك إذا روى فضيلة لأبى بكر وعمر، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم.

فالجمهور ـ أهل السنة ـ لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته: لا حكما، ولا فضيلة، ولا غير ذلك. وكذلك الشيعة.

وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها، بطل الاحتجاج به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبى نُعيم أو الثعلبى أو النقاش أو ابن المغازلى ونحوهم.

ص: 161

الثانى: قوله: " قد أجمعوا أنها نزلت في علىّ " من أعظم الدعاوى الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علىّ بخصوصه، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع.

وأما ما نقله من تفسير الثعلبى، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبى يروى طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبى أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك. ولهذا يقولون:" هو كحاطب ليل ".

وهكذا الواحدى تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح والضعيف.

ولهذا لما كان البغوى عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبى والواحدى، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبى، لم يذكر في تفسيره شيئا من هذه الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبى، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبى، مع أن الثعلبى فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يمّيز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال.

وأما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقىّ بن مخلد، وابن أبى حاتم، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وأمثالهم ـ فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات.

دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. بل ولا ُيذكر مثل هذا عند ابن حُميد ولا عبد الرزاق، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع، ويروى كثيرا من فضائل علىّ، وإن كانت ضعيفة، لكنه أجل قدرا من أن يروى مثل هذا الكذب الظاهر.

وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد، من جنس الثعلبى والنقَّاش والواحدى، وأمثال هؤلاء المفسرين، لكثرة ما

ص: 162

يروونه من الحديث ويكون ضعيفا، بل موضوعا. فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى، لم يجز أن نعتمد عليه، لكون الثعلبى وأمثاله رووه، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب؟ !

وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يبيّن كذبه عقلا ونقلا، وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله، حيث قال:" قد أجمعوا أنها نزلت في علىّ " فيا ليت شعرى من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور؟ فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يُقبل من غير أهل العلم بالمنقولات، وما فيها من إجماع واختلاف.

فالمتكلم والمفسّر والمؤرخ ونحوهم، لو ادّعى أحدهم نقلا مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه، فكيف إذا ادّعى إجماعا؟ !

الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقَلَ من كتبهم، هم ـ ومن هم أعلم منهم ـ قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدَّعَى، والثعلبى قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول: نزلت في أبى بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناسا يقولون: هو علىّ. قال: فعلىُّ من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله.

وروى ابن أبى حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح، حدثنا علىّ بن أبى طلحة، عن ابن عباس في هذه، قال:" كل من آمن فقد تولَّى الله ورسوله والذين آمنوا ". قال: وحدثنا أبو سعيد الأشجّ عن المحاربىّ، عن عبد الملك بن أبى سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علىّ عن هذه الآية، فقال:" هم الذين آمنوا ". قلت: نزلت في علىّ؟ قال: علىّ من الذين آمنوا. وعن السدى مثله.

الوجه الرابع: أنّا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبى إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون.

ص: 163

وأما نقل ابن المغازلى الواسطى فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذب عَلىَ من له أدنى معرفه بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.

واستمر شيخ الإسلام إلى أن ذكر تسعة عشر وجها.

والملاحظ أن ابن المطهر كان أكثر ترتيبا وتنظيما من خلفه رافضى المراجعات، وأنه كان ضالا غاليا رافضيا خبيثا، ومع هذا كله كان أقل فحشا وسوءا من عبد الحسين.

والملاحظ أيضا أن عبد الحسين ذكر المراجع التي رجع إليها ابن المطهر، غير أنه أضاف إليها مراجع أخرى، فأكثر من النقل من الصواعق المحرقة، وسيأتي الحديث عنه لفضح منهج هذا الرافضي في نقله من الكتب، كما نقل من مراجع تحتاج إلى وقفة خاصة.

من هذه المراجع صحيح البخاري!

ومن المسلم به بين جمهور الأمة أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، فكيف يستدل به هذا الرافضي؟ ! وما عهدناه يستدل بغير الموضوع والباطل. فلننظر ماذا أخذ من صحيح البخاري.

قال الرافضي: وقال ـ أي الله عز وجل فيهم وفى خصومهم:

" هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ"(19: الحج)

وقال في الحاشية: أخرج البخاري في تفسير سورة الحج بالإسناد إلى علي قال: أنا أول من يجثو بين يدى الرحمن للخصومة يوم القيامة. (قال البخاري) : قال قيس: وفيهم نزلت: " هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ "، قال: هم الذين

ص: 164

بارزوا يوم بدر: على وصاحباه حمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وصاحباه عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.

قلت: نزول هذه الآية الكريمة في الذين بارزوا يوم بدر من المسلمين وكفار قريش أخرجه الإمام البخاري في التفسير وفى المغازي من صحيحه، كما أخرجه غيره. والاختصام هنا واضح أنه بين المسلمين وغيرهم وهم الكفار، وبينت الآية الكريمة جزاء الذين كفروا، وما سيلقونه في جهنم.

ومن المعلوم أن الذين خرجوا للمبارزة أولا كانوا من الأنصار، فرفض المشركون، فخرج هؤلاء الثلاثة الكرام. وكان خلفهم جيش المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر الصديق في العريش، وهو مركز القيادة، وليس معه غيره. وممن شهد بدرا عمر وعثمان (1) رضي الله عنهم جميعا. والرافضى جعل هذه المراجعة لحجج الكتاب التي تثبت ما عليه الرافضة من القول بإمامة على ومن بعده، وتبطل ما عليه جمهور المسلمين من مبايعة أبى بكر بالخلافة، ومن بعده من الخلفاء الراشدين. وهذا يعنى أن الرافضي ـ لعنة الله عليه ـ جعل الرافضة وحدهم هم المسلمين، وجعل الخلفاء الراشدين الثلاثة ومن بايعوهم هم الذين كفروا، وقطعت لهم ثياب من نار.

أي أن الآية الكريمة ـ بحسب فريته ـ لم تجعل الاختصام بين المسلمين وكفار قريش، وإنما في أهل بدر أنفسهم ممن كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولهم من كان معه في العريش حيث كان أول الخلفاء الراشدين بعد ذلك.

فالرافضى أخذ الخبر الصحيح من البخاري، ثم وضع أهل بدر ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ بدلا من كفار قريش! ! انظر كيف يفترى على الكذب!

(

(1) تخلف عثمان على امرأته رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكانت مريضة، فتوفيت وجاءت البشرى بالفتح حين دفنت، فضرب له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسهمه من الغنيمة، وبأجره من المشهد، فهو بدرى ـ جوامع السيرة النبوية لابن حزم ص 88.

ص: 165

ومع كل هذا الكفر والفجور فسينسب للإمام البشرى إعجابه بحججه، واتهامه لمن خالف هذا الرافضي! ولذلك أثبت يقينا أن المراجعات المنسوبة لشيخ الأزهر البشرى، علامة زمانه، افتراها عليه الرافضي عبد الحسين)

هذا هو أحد خبرين أخذهما من صحيح البخاري.

وإليك الخبر الثانى:

قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(56: الأحزاب)

نقل الرافضي عن البخاري ومسلم أيضا ما يأتي:

" فقالوا: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، الحديث " ثم قال الرافضي: " فعلم بذلك أن الصلاة عليهم جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية ". ا. هـ.

قلت: هذه رواية متفق على صحتها، ولكن من الآل؟

ذكرت عند آية التطهير أن طائفة من العلماء احتجوا على أن الآل هم الأزواج والذرية بما جاء في الصحيحين عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل: كيف نصلى عليك؟ فقال: " قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته. . . إلخ " فهذه الرواية مفسرة للرواية الأولى. ونحن نعرف موقف الرافضة من أمهات المؤمنين.

والرافضة يزعمون أن فرقتهم هي مذهب أهل البيت في الأصول والفروع، وزعمهم يحتاج إلى وقفة من البداية لتجلية هذا الأمر، وإزالة هذا اللبس والتلبيس، فقد كان لهذا أثره على السذج من الناس الذين لا يعرفون حقيقة هذه الفرقة.

ص: 166

ومن المعروف أن عشرات الفرق من الشيعة ينازع بعضها بعضا في هذا الزعم، بل إن عبد الله بن سبأ ـ الذي وضع فكرة الوصي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبنتها فرق الغلاة ـ يزعم أنه هو نفسه من أتباع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونحدد أولا المراد بالأهل:

جاء في المعجم الوسيط تحت مادة أهل:

أهل يأهل أهلا وأهولا: تزوج، وأهل المكان أهولا: عمر بأهله، وأهل فلانة: تزوجها.

والأهل: الأقارب والعشيرة والزوجة.

وأهل الدار ونحوها: سكانها.

وفى معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية قال في مادة أهل: أهل: يحدد معناه بما يضاف إليه.

فأهل الرجل: زوجه، وعشيرته، وذوو قرباه.

وأهل الدار: سكانها.

وأهل الكتاب، وأهل الإنجيل، وأهل القرية، وأهل المدينة،

إلخ: من يجمعهم الكتاب، أو الإنجيل

إلخ.

ثم أشار إلى الآيات الكريمة التي ورد فيها كلمة أهل.

وروى الإمام البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال:

" بنى على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك.. فتقرى حجر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة (1) .

(1) صحيح البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم..".

ص: 167

من هذا نرى أن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم: زوجاته أمهات المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنهن، وذريته وذوو قرباه ـ رضي الله تعالى عنهم: كعلى بن أبى طالب، وابن عباس وأبيه، وجعفر، وغيرهم. وأهل السنة والجماعة يقدرون أهل البيت جميعا حق قدرهم، وينزلون هؤلاء الأطهار منزلتهم، ويأخذون بما صح عنهم من الأحاديث والآثار، وكتبنا تشهد بذلك: انظر مثلا ما روى عن فضائلهم في كتب السنة المشرفة، وما روى عنهم من الأحاديث الشريفة والآثار.

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يختص أحدا بعلم دون غيره، وإنما علم صحابته الكرام، وأهل بيته الأطهار، وعلى الأخص زوجاته أمهات المؤمنين.

والصحابة الكرام جميعا ـ سواء منهم من كان من أهل البيت ومن كان من غيرهم من المهاجرين والأنصار، هم خير أمة أخرجت للناس، شهد لهم ربهم عز وجل في كثير من آيات كتابه البينات المحكمات، وكفى بالله شهيدا، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أعظم شهادة من لا ينطق عن الهوى، المبلغ والمبين عن الله سبحانه وتعالى.

وعن هؤلاء الصحابة الكرام، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، نقل إلينا كتاب ربنا العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة نبينا المطهرة، وما يتصل بهما من البيان والأحكام، فتم علينا نعمة الله تبارك وتعالى.

ولذلك اشتهر قول أبى زرعة الرازى:

" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق. وذلك أن القرآن حق، والرسول حق، وما جاء به حق. وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به أليق، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق ".

ص: 168

هذا موقف جمهور المسلمين من خير القرون، فما موقف عبد الحسين وفرقته؟

أما موقفهم من غير أهل البيت من الصحابة الكرام، فليس موقف انتقاص فقط كما قال أبو زرعة، وإنما سنجد في كتبهم التي قال عنها عبد الحسين في مراجعات تأتى فيما بعد: بأنها مقدسة، ومتواترة ـ ما يشيب لهوله الولدان. سنجد الطعن والتفسيق، بل التكفير والنفاق.. لمن؟ لخير أمة أخرجت للناس!! وسيأتي هذا مفصلا في موضعه من كتابنا هذا.

وما موقفهم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أمهات المؤمنين، وهن أول المراد من أهل البيت، فهن: الصديقة بنت الصديق، عائشة رضي الله عنهما المعلوم منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلتها العلمية وما استدركته على الصحابة

إلخ، غير أنها بنت خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى متواترا عن على رضي الله تعالى عنه، وعن غيره، وهذه الفرقة ترى أنه أول من اغتصب الخلافة، وموقف أم المؤمنين من أمير المؤمنين على معروف ـ وإن نقل مشوها، ولذلك فهم لا يأخذون شيئا من علمها الذي علمها إياه زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يعتبرونها ـ والعياذ بالله ـ كافرة لأنها اشتركت في الحرب ضد الإمام، وهذا واضح فيما سبق من بيان عقيدة الإمامة عندهم.

وأم المؤمنين حفصة لم تسلم من طعن هذه الفرقة، لموقفهم من أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه: ففي قوله تعالى:

" ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا "(1) نرى الطعن في تفسير هذه الفرقة:

(1) التحريم - 01

ص: 169

يقول أحد علمائهم، بل علامتهم المجلسى:" لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريض، بل التصريح بنفاق عائشة وحفصة وكفرهما!! "(1) .

كما طعنوا في أمهات المؤمنين: أم حبيبة، وصفية وسودة رضي الله تعالى عنهن (2) . (انظر إلى ما ذكره عبد الحسين من الكتب المقدسة التي تحمل علم أهل البيت!!)

ولم يقف الأمر عند أمهات المؤمنين، بل طعنوا في غيرهن من أهل البيت: فهذا مثلا عبد الله بن عباس، حبر الأمة وترجمان القرآن، وأبوه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا قالوا فيهما؟

من أهم كتبهم وأقدمها التي يرى عبد الحسين وغيره أن كل ما جاء فيه صحيح: تفسير على بن إبراهيم القمي، وستأتى دراسة مفصلة لهذا الكتاب، ونجد القمي يروى أن ابن عباس، وأباه، نزل فيهما قوله تعالى:" وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً"(3)، وفى أبيه نزل قوله تعالى:" وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "(4)

(1) بحار الأنوار جـ 22 ص 33.

(2)

انظر كتابى: بين الشيعة والسنة. دراسة مقارنة في التفسير وأصوله، ص 255.

(3)

72: الإسراء.

(4)

34: هود، وانظر فرية القمي في تفسيره 2 / 23.

ص: 170

ولم يقف أمر هؤلاء القوم عند هذا الحد، بل تجرءوا على بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهن جميعا وأرضاهن! أي والله بنات النبي نفسه صلى الله عليه وسلم!

فقوم عبد الحسين لا يريدون أن يكون لأحد شرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم غيرعلى رضي الله تعالى عنه، ولذلك الذين اجترءوا على القرآن الكريم وقالوا بتحريفه، منهم من ذكر أن سورة الشرح أسقط الصحابة منها: وجعلنا عليا صهرك (1) .

فإذا كان علي من أهل البيت، وله شرف الزواج من إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عثمان من أهل البيت أيضا (2) ، وله شرف الزواج من اثنتين ـ لا واحدة فقط من بنات النبي الطاهرات صلى الله عليه وسلم، فرقية تزوجها بعد إسلامه، وهاجر بها إلى الحبشة، ثم إلى المدينة حيث ماتت بعد بدر بثلاثة أيام. وأصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم هي أم كلثوم، كانت لابن عمها عتبة بن أبى لهب، وطلقها قبل أن يدخل بها، وكانت هي التي لا تزال بغير زواج بعد أن تزوج على أختها فاطمة الزهراء، فتزوجها عثمان بعد موت أختها رقية عنده سنة ثلاث من الهجرة.

أما أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جميعا ـ فهى زينب، تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. وهو ابن هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة رضي الله عنها، وهو كما نرى من نسبه يعد من أهل البيت.

هؤلاء هن بنات النبي الأربعة، والأزواج الثلاثة، فما موقف هذه الفرقة من هؤلاء السبعة، وهم جميعا من أهل البيت؟

(1) سيأتي الحديث عن موقف هذه الفرقة من القرآن الكريم في الجزء الثانى.

(2)

انظر بيان قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم في كتاب " ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه " للشيخ محب الدين الخطيب: ص 5، 6.

ص: 171

رأينا من قبل عند بيان عقيدتهم في الإمامة كيف أنهم جعلوا فاطمة الزهراء وزوجها ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فوق الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين، فيعتبر هذا عندهم من ضروريات المذهب، أي أن من لم يعتقد هذا فليس مؤمنا، وواضح أن هذا من مقالات الغلاة وعقائدهم الباطلة وذو النورين بايع الشيخين، وتولى الخلافة بعدهما، فهو في زعمهم ممن اغتصب هذا المنصب الإلهي، ولذلك فإن كتبهم ـ التي أشار إليها عبد الحسين واعتبرها مقدسة متواترة ـ تجعله من الكفار والمنافقين والعياذ بالله.

وأبو العاص ولدت له زينب ابنته أمامه التي جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حملها وهو يصلى. وتزوج على أمامه هذه بعد موت خالتها فاطمة. ومات أبو العاص في خلافة أبى بكر الصديق في ذى الحجة سنة اثنتى عشرة (1) .

أما أخوات الزهراء الطاهرات فماذا قالوا عنهن؟

قال أحد علمائهم: " رقية وزينب كانتا ابنتى هالة أخت خديجة، ولما مات أبوهما ربيتا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبتا إليه كما كانت عادة العرب في نسبة المربى إلى المربى. وهما اللتان تزوجهما عثمان بعد موت زوجيهما "(2) . ا. هـ.

ومعلوم أن زينب بنت خير البشر صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها عثمان، ولم يمت زوجها قبلها، فقد مات في خلافة أبى بكر ـ كما ذكر من قبل ـ زوجها أبو العاص. أما هي فقد ماتت في أول سنة ثمان من الهجرة. وأخرج مسلم في الصحيح بسنده عن

(1) انظر ترجمة أبى العاص في باب الكنى من الجزء الرابع من الإصابة لابن حجر،

ص 121: 123 ترجمة رقم 692.

(2)

انظر زبدة البيان ـ حاشية ص 575.

ص: 172

أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اغسلنها وترا، ثلاثا أو خمسا، واجعلن في الآخرة كافورا ".

وزوجها أبو العاص ابن هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة، فهل تزوج أخته بنت أمه هالة؟ !

أفيعتبر هذا المفترى الكذاب من أتباع أهل البيت؟ ! أم أن أهل البيت الأطهار منه براء، ومن أمثاله سائر الغلاة الروافض؟

أما الطاهرتان رقية وأم كلثوم فهما اللتان تزوجهما ذو النورين. وفى كتاب منهاج الشريعة، الذي ألفه محمد مهدى للرد على منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية، جاء الحديث عن أختى الزهراء رضي الله عنهن في أكثر من موضع.

ومما قاله: " ما زعمه ـ أي ابن تيمية ـ من أن تزويج بنتيه لعثمان فضيلة له من عجائبه، من حيث ثبوت المنازعة في أنهما بنتاه "(1) وقال: " لم يرد شىء من الفضل في حق من زعموهن شقيقاتها بحيث يميزن به ولو عن بعض

النسوة " (2) .

وقال: " قد عرفت عدم ثبوت أنهما بنتا خير الرسل صلى الله عليه وسلم وعدم وجود فضل لهما تستحقان به الشرف والتقدم على غيرهما "(3) .

أهؤلاء إذن أتباع مذهب أهل البيت؟ أم أعداء أهل البيت الأطهار؟ وما الفرق بينهم وبين دعوى ابن سبأ وحقيقته؟

ولتأكيد أن الرافضة كاذبون في زعمهم حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نذكر شيئا من سيرة آل البيت الأطهار يفضح هؤلاء الرافضة:

(1) منهاج الشريعة 2 / 289.

(2)

المرجع نفسه 2 / 290.

(3)

منهاج الشريعة 2 / 291.

ص: 173

زوج على ابنته عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهذا يؤكد معنى طيبا يجمع بين الخليفتين الراشدين يفهمه أي عاقل، فإذا بالرافضة يقولون:" ذاك فرج غصبناه "!! ويفترون روايات تذكر أن عليا زوج ابنته خوفا من عمر وتهديده له!! (انظر وسائل الشيعة 14 / 433 ـ 434) .

وهذا ليس إساءة إلى عمر وحده كما يظهرون، وإنما هو إساءة أشد إلى على الذي يسلبه ما عرف عنه من شجاعة وإقدام، فيبدو ذليلا جبانا!! وسيأتي لهذا مزيد بيان في الجزء الرابع عند الحديث عن النكاح.

ونترك هذا ونأتى إلى ما يبين مدى حب آل البيت الأطهار للخلفاء الراشدين الثلاثة الذين عرفنا موقف الرافضة منهم، وسأترك كتب جمهور المسلمين وآتى إلى كتاب من كتب الشيعة ألفه السيد أبو القاسم الخوئى الذي كان المرجع الأعلى للشيعة بالعراق، وهو كتاب معجم رجال الحديث:

ونقرأ في هذا الكتاب الأرقام الآتية للتراجم وهى:

(7618، 8729، 8731، 8787، 8788، 14000، 14002) .

هذه التراجم لسبعة رجال فمن هم؟

كلهم من آل البيت الأطهار، وكلهم أبو بكر أو عمر أو عثمان.. تأمل! فأما الإمام على فقد اختار أسماء إخوانه الثلاثة جميعا فسمى بهم أبناءه، منهم أبو بكر وعثمان اللذان قتلا مع أخيهما الحسين في واقعة الطف. وقتل أيضا عمر مع أبيه الحسين، وأبو بكر بن الحسن مع عمه الحسين، وعمر بن الحسن مع عمه الحسين.

هؤلاء آل البيت الأطهار: على والحسن والحسين، وأولادهم أبو بكر وعمر وعثمان، فاعتبروا يا أولى الأبصار، وتدبروا سيرة آل البيت الأطهار، وبراءتهم من الرافضة الفجار.

ص: 174

وفى كتاب كشف الأسرار (ص 17، 18) يقول السيد حسين الموسوي تحت عنوان:

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت: "إن من الشائع عندنا معاشر الشيعة، اختصاصنا بأهل البيت، فالمذهب الشيعي كله قائم على محبة أهل البيت – حسب رأينا – إذ الولاء والبراء مع العامة – وهم أهل السنّة – بسبب أهل البيت، والبراءة من الصحابة، وفى مقدمتهم الخلفاء الثلاثة، وعائشة بنت أبى بكر بسبب الموقف من أهل البيت، والراسخ في عقول الشيعة جميعاً صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، ذَكَرهم وأنثاهم، أنّ الصحابة ظلموا أهلّ البيت، وسفكوا دماءهم واستباحوا حرماتهم.

وإن أهل السنّة ناصبوا أهل البيت العداء، ولذلك لا يتردد أحدنا في تسميتهم بالنواصب، ونستذكر دائماً دم الحسين الشهيد رضي الله عنه ولكن كُتبنا المعتبرة عندنا تُبيّن لنا الحقيقة، إذ تذكر لنا َتذمُّرَ أهلِ البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم، وتذكر لنا ما فعله الشيعة الأوائل بأهل البيت، وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام، ومن الذي تسبب في مقتلهم واستباحة حرماتهم.

قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: " لو ميزت شيعتى لما وجدتهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين، ولو تمحّصتهم لما خلص من الألف واحد "" الكافى / الروضة "(8/338)

وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: " ياأشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لّوددت ُ أنّى لم أركم ولم أعرفكم، معرفةُ جرّت والله ندماً وأعقبت سَدَماً (1)

قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرَّعتمونى نغب التهمام أنفاسا، وافسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى

(1) السدم: الهم. والنُّغَب: جمع نغبة كجرعة وجُرع. والتهمام: الهم.

ص: 175

لقد قالت قريش: إن ّ ابن أبى طالب رجل شجاع ولكن لا علم َ له بالحرب، ولكن ْ لا رأي َ لمن لا يطاع ". " نهج البلاغة " (ص 70، 71)

وقال لهم موبّخاً: منيت بكم بثلاث، واثنتين: " صُمُّ ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعُمْى ذوو أبصار، لا أحرار وصُدُق‘ عند اللقاء، ولا إخوان‘ ثقة عند البلاء

قد انفرجتم عن ابن أبى طالب انفراجَ المرأة عن قُبُلها ". " نهج البلاغةَّ " (ص 142)

قال لهم ذلك بسبب تخاذلهم وغدرهم بأمير المؤمنين رضي الله عنه، وله فيهم كلام كثير.

وقال الإمام الحسين رضي الله عنه في دعائه على شيعته: " اللهم إنْ متَّعهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرْضِ الولاة عنهم أبداً، إنَّهم دَعَوْنا لينصرونا ثم عَدَْوا علينا فقتلونا ". " الإرشاد المفيد "(ص 241) .

وقد خاطبهم مرة أخرى ودعا عليهم، فكان مما قال:

" لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدباء، وتهافتم كتهافت الفراش، ثم نقضتموها، سفهاً وبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونَبَذَةِ الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا، ألا لعنةُ الله على الظالمين ". " الاحتجاج "(2/24) .

وهذه النصوص تبيّن لنا مَنْ هم قتلةُ الحسين الحقيقيون، إنهم شيعة أهل الكوفة، أي أجدادنا، فلماذا نُحَمل أهلَ السنة مسؤولية مقتل الحسين رضي الله عنه؟!

ولهذا قال السيد محسن الأمين: " بايع الُحسَيْنَ من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم، وقتلوه ". " أعيان الشيعة "(القسم الأول)

ص: 176

وقال الحسن رضي الله عنه: " أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنّهم لي شيعة، ابتغوا قتلى وأخذوا مالى، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقنُ به من دمى، وآمن به في أهلي خير من أن يقتلونى، فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقى حتى يدفعوا بى إليه سلماً، والله لأن أُسالمه وأنا عزيز خيرُ من أن يقتلنى وأنا أسير ". " الاحتجاج "(2/10) .

وقال الإمام زين العابدين رضي الله عنه لأهل الكوفة: " هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبى وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق، ثم قاتلتموه وخذلتموه

بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول لكم: قاتلتم عترتى، وانتهكتم حرمتى؛ فلستم من أمتى ". " الاحتجاج " (2/32)

وقال أيضاً عنهم: " إن هؤلاء يبكون علينا فَمَنْ قتلَنا غيرُهم؟ ". " الاحتجاج "(2/29) .

وقال الباقررضي الله عنه: " لو كان الناس كلّهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً، والربع الآخر أحمق ". " رجال الكشّي "(ص 79) .

وقال الصادق رضي الله عنه" أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثى ما استحللت ُ أن أكتمهم حديثاً ". " أصول الكافى "(1/496) . انتهى. هذا بعض ما قاله العالم الشيعي.

بعد بيان موقف الرافضة من أهل البيت الأطهار نعود مرة أخرى للنظر في المراجع:

ص: 177

ومن المراجع التي ذكرها عبد الحسين تفسير مجاهد، ومجاهد كما نعلم تلميذ حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وذكرت من قبل طعن الرافضة فيهما.

قال الرافضي:

عن تفسير مجاهد ويعقوب بن سفيان عن ابن عباس في قوله تعالى:

" وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا "، أن دحية الكلبى جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه، فنفر الناس إليه، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب على المنبر إلا عليا والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأباذر والمقداد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد نظر الله إلى مسجدى يوم الجمعة، فلولا هؤلاء لأضرمت المدينة على أهلها نارا، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط. وأنزل الله فيمن بقى مع رسول الله في المسجد قوله تعالى:

" يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ" الآية.

قلت: نظرت في تفسير مجاهد، وهو مطبوع، فلم أجد ما سبق. ثم نظرت في الدر المنثور (6 / 220 ـ 221) فوجدت الروايات المختلفة التي ذكرت من بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تنص على أبى بكر وعمر. وأول هذه الروايات هي ما روى عن جابر بن عبد الله، وفيها:" لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا: أنا فيهم، وأبو بكر، وعمر ".

والحافظ ابن حجر في الفتح عند شرحه لحديث جابر الذي أورده البخاري في كتاب الجمعه من صحيحه، وفيه. " ما بقى مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا " قال ابن حجر:

ص: 178

وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال: " أنا فيهم " وله في رواية هشيم " فيهم أبو بكر وعمر ".

ثم قال: وروى العقيلى عن ابن عباس " أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار ".

وليس في أي رواية من الروايات كلها ذكر للحسن أو الحسين.

أما الآية الأخيرة وهى رقم 36 من سورة النور فلم يذكر في تفسيرها وأسباب النزول ما ذكره الرافضي من أن الرافضة هم رجال التسبيح!! فقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما: -

" فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ " الآية قال: هي المساجد تكرم ونهى عن اللغو فيها "وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ" يتلى فيها كتابه " يُسَبِّحُ " يصلى " لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ " صلاة الغداة " وَالْآصَالِ " صلاة العصر، وهما أول ما فرض الله من الصلاة، وأحب أن يذكرهما، ويذكرهما عباده. (الدر المنثور 5 / 50) .

وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك في قوله تعالى: - " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ " قال: هم في أسواقهم يبيعون ويشترون، فإذا جاء وقت الصلاة لم يلههم البيع والشراء عن الصلاة.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس" رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ...." قال: عن شهود الصلاة المكتوبة. وأخرج الفريابى عن عطاء مثله.

ص: 179

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عمر أنه كان في السوق، فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم، ثم دخلوا المسجد. فقال ابن عمر: فيهم نزلت " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ "(الدر المنثور 5 /52) .

ولم أجد في جميع الروايات أن آية سورة النور نزلت فيمن بقى يوم الجمعة. ولو أنها نزلت فيهم فأولهم بلا ريب الصديق والفاروق كما جاء في الأخبار الصحيحة.

قال الرافضي: أخرج المحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب في أسباب النزول بأسانيدهم إلى ابن عباس في قوله تعالى: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً "(274: البقرة)

قال: نزلت في على بن أبى طالب.

قلت: أصحاب الكتب ذكروا عليا وغيره، فقالوا: نزلت في أصحاب الخيل، فيمن يربطها في سبيل الله لا رياء ولا سمعة. ولا خيلاء، وقالوا: نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة. (انظر أصحاب هذه الكتب ورواياتهم في الدر المنثور 1 / 363) وما أكثر الصحابة الكرام الذين كانوا ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية! ومثل على ما كان ليبخل لو كان عنده مال، لكنه لم يكن كثير المال كما هو معلوم، وأصحاب الأموال الذين كانوا ينفقونها في سبيل الله مشهود لهم، وأولهم أبو بكر الصديق، الذي نزل فيه قول الله تعالى:

"وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىوَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى".

ص: 180

والمحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب لم يذكروا أحدا آخر غير أبى بكر الصديق. (انظر جميع الروايات في الدر المنثور 6 / 359 ـ 360) ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر " وقال: " وواسانى بنفسه وماله "(راجع صحيح البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة تجد الحديثين الشريفين وغيرهما من فضائل الصديق، وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن شهد له الله ـ عزوجل، والرسول صلى الله عليه وسلم، يأتي هذا الرافضي فيقول بكفره، وأنه الجبت، وكفر الأمة الإسلامية التي أقرت بيعته، وبعد هذا العداء للإسلام وأهله ينسب الرافضي اللعين نفسه لأهل البيت الأطهار!! ثم يفترى الكذب على الإمام الأكبر شيخ الأزهر فينسب له أنه وافقه بل أعجب بهذا التكفير!!) .

قال الرافضي:

وفى جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: (وَمِنَ الناسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد ((1)

ثم قال: أخرج الحاكم (3، 4) عن ابن عباس قال: " شرى على نفسه ولبس ثوب النبي " الحديث. وأخرج أيضا عن على بن الحسين قال: " إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله على بن أبى طالب إذ بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ا. هـ.

قلت: لا شك أن عليا رضي الله تعالى عنه قد شرى نفسه حتى ولو لم يصح الخبر عن ابن عباس، لكن الروايات كلها لم تخصه بسبب النزول، لا عند الحاكم ولا عند غيره، بل إن الحاكم في الجزء نفسه ذكر أن الآية الكريمة نزلت في صهيب، وصحح الخبر، ولم يتعقبه الذهبي (3 / 398) .

(1) البقرة: الآية 207.

ص: 181

وقبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى أحب أن أصفع هذا الرافضي وأمثاله بحديث شريف أخرجه الحاكم الذي عرف عنه التشيع وهو ما رواه بسنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تبارك وتعالى اختارنى، واختار لي أصحابا، فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا. فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ".

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (جـ 3 ص 632)

إذن عندما نلعن هذا الرافضي فإننا ننفذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سب الصحابة الكرام وعلى الأخص خيرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو أبو بكر الصديق، فعمر الفاروق، بل قال بأنهما الجبت والطاغوت، والصحابة الذين بايعوهما كفار آمنوا بالجبت والطاغوت!

فمن كان عدوا لهؤلاء فهو عدو لله ولرسوله وملائكته، يستحق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من اللعنة والخسران يوم القيامة.

إذن يجب أن نضع الأمور في نصابها، ونزنها بميزان الشرع وحكم الله تعالى ورسوله الكريم، حتى لا يأتىأحد ويقول: كيف تلعن مسلما؟ وأين أنت من دعوة التقريب؟ ! أقول: قد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف لا نلعنه؟ أما التقريب فهذا الرافضي له كتاب عنوانه " الفصول المهمة في تأليف الأمة "، انتهى إلى وجوب أن ترتد الأمة كلها فتصبح رافضة مثله! !

فالتقريب إذن لا يكون مع مثل هذا الرافضي اللعين، عدو الإسلام والمسلمين، وإنما يكون مع الشيعة من غير الرافضة.

ص: 182