الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاف حول الحديث
رأينا فيما سبق ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم، وهذا لا خلاف حول صحته.
ورأينا الروايات الأخرى لهذا الحديث، وظهر ما بها من ضعف. وهنا ملحظ هام وهو أن الضعف أساساً جاء من موطن واحد وهو الكوفة. وهذا يذكرنا بقول الإمام البخاري في حديث رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير.
ومن هنا ندرك لماذا اعتبر ابن الجوزي هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة، وإن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع.
وفى فيض القدير شرح الجامع الصغير ذكر الحديث من مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبرانى رواية عن زيد بن ثابت، وصحح الحديث السيوطى والمناوى، وقال المناوى:" قال الهيثمى: رجاله موثقون، ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال: في حجة الوداع، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي. قال السمهودى: وفى الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة " ا. هـ.
وتحدثنا من قبل عما رواه الإمام أحمد عن زيد بن ثابت، وبينا ضعف الإسناد، وبالنظر فيما رواه الطبرانى نجد موطن الضعف نفسه. فهو من رواية القاسم بن حسان، فقول الهيثمى يعنى توثيق القاسم.
وما ذكره عن حجة الوداع هنا بيناه من قبل. فالتصحيح إذن غير مقبول، غير أننا قد نوافق على عدم جعل الحديث من الموضوعات، ومع هذا فابن الجوزي قد يكون له ما يؤيد رأيه، فليس من المستبعد أن يكون الحديث كوفى النشأة، وأن يكون مصنوعاً في دار الضرب التي أشار إليها الإمام مالك، ومن هنا يمكن أن ينسب إلى عشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بل إلى سبعين
غير أنه لو صح عن صحابى واحد لكفى إلا أن يكون ممن لا يستحق شرف الصحبة.
ولعل من المهم هنا أن نذكر أن الإمام أحمد بن حنبل، وهو ممن أخرج الحديث، ذكر أنه ضعيف لا يصح، فهو إذن غير صحيح بالنسبة إلى أي من الصحابة الكرام.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رفض هذا الحديث وقال: " وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعفه، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: لا يصح "(1) .
وفى عصرنا وجدنا العلامة المحقق الشيخ ناصر الدين الألبانى رحمه الله يذهب إلى تصحيح رواية التمسك بالكتاب والسنة التي أشرنا إليها من قبل، ويوافق السيوطى والمناوى هنا أيضاً فيصحح حديث الثقلين الذي يأمر بالتمسك بالكتاب والعترة، فيذكره في صحيح الجامع الصغير لا في ضعيفه (2) .
وعندما سعدت بلقائه في زيارته الأخيرة لدولة قطر، دار نقاش حول هذا الحديث، وذكرت مواطن الضعف في الروايات التي جمعتها، فقال - زاده الله علماً وفضلاً - إن ضعف هذه الروايات لا يعنى ضعف الحديث، فقد يكون مروياً من طرق أخرى صحيحة لم تصل إليك (3) ، ثم أشار إلى كتابين أخرجا الحديث ولم يكونا من المصادر التي اعتمدت عليها قبل هذا البحث.
أحدهما:
(1) منهاج السنة النبوية 4/105.
(2)
انظر صحيح الجامع الصغير 2/217- حديث رقم 2454.
(3)
كلام الشيخ صحيح، ولذلك فقد جمعت كل ما استطعت جمعه والنظر فيه من الروايات، وقد أرشدني إلى هذا المنهج، وساعدني في التطبيق منذ سنوات العلامة الثبت المحقق الأستاذ محمود شاكر رحمه الله رحمة واسعة.
معجم الطبرانى، فنظرنا فيه ووجدنا في الإسناد القاسم بن حسان، فالرواية إذن غير صحيحة.
والثانى: مستدرك الحاكم وفيه ما يفيد سماع الأعمش من حبيب، ولكن يبقى أيضاً مواطن الضعف الأخرى (1) . ولم يتذكر لماذا صحح الحديث، ولم يتمكن من الرجوع إلى ما كتب نظراً لإبعاده عن داره ومكتبته، وبعد سفره قرأت ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، فلما أبلغ به طلب تصوير الصفحات.
والشيخ الجليل في تصحيحه للحديث أشار إلى تخريج المشكاة، فرأيت الرجوع إليها عسى أن أقف على حجته في التصحيح.
في الجزء الثالث في مشكاة المصابيح (ص 1735) جاءت روايتان للحديث هما رقم 6143، 6144.
قرأت الروايتين والتخريج فكانت المفاجأة مذهلة. وأثبت هنا ما جاء في الكتاب بالنص:
الرواية رقم 6143:
عن جابر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول:" ياأيها الناس: إنى تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي "(رواه الترمذي) .
والرواية الأخرى نصها كما يلى:
وعن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من
(1) راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه، وعن روايتيه لهذا الحديث.
السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما ". (رواه الترمذي) .
هاتان هما الروايتان، أما التخريج فهو كما يلى:
الرواية الأولى: " وقال - أي الترمذي -: حديث حسن غريب.
قلت - أي الألبانى -: وإسناده ضعيف "
الرواية الثانية: " وقال: حديث حسن غريب قلت: وإسناده ضعيف أيضاً، لكنه شاهد للذى قبله ".
هذا ما قرأته، ونقلته بنصه، والضعيف الذي يشهد للضعيف لا يرفعه لمرتبة الصحيح، بل قد لا يزيده إلا ضعفاً، فمن أين جاء تصحيح الشيخ إذن؟
وبعد لقائى بالشيخ الجليل تتبعت روايات الطبراني للحديث في المعجم الكبير، فوجدت خمس عشرة رواية:
تسع منها عن زيد بن أرقم، وهى الرواية رقم 2681 بالجزء الثالث، وفى الجزء الخامس الروايات الثمانية وأرقامها: 4980، 4981، 4982، 5025، 5026، 5027، 5028، 5040 وعرفنا ما صح عن زيد بن أرقم، فلا حاجة للنظر في هذه الروايات.
أما الروايات الستة الباقية فهى كما يلى:
روايتان يرويهما عطية عن أبى سعيد، وهما رقم 2678، 2679 بالجزء الثالث.
وروايتان يرويهما زيد بن الحسن الأنماطى، وهما رقم 2680، 2683، وهما بالجزء الثالث أيضاً.