المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل - مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع

[علي السالوس]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌الجزء الأول في العقائد:

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة

- ‌أولا: الإمامة والخلافة

- ‌ثانيا: التفكير في الإمامة وبيعة الصديق

- ‌ثالثاً: الإمامة عند الجمهور

- ‌رابعاً: على وبيعة من سبقه

- ‌خامساً: الخوارج ورأيهم في الإمامة

- ‌سادساً: الإمامة عند الزيدية

- ‌سابعاً: الإمامة عند الإسماعيلية

- ‌ثامناً: عقيدة الإمامة عند الجعفرية

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثانيأدلة الإمامة من القرآن العظيم

- ‌ بين يدى الفصل

- ‌أولا: الولاية

- ‌ثانياً: المباهلة

- ‌ثالثاً: التطهير

- ‌رابعا: عصمة الأئمة

- ‌خامسا: الغدير

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثالثالإمامة في ضوء السنة

- ‌أولا: خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

- ‌ثانيا: روايات التمسك بالكتاب والعترة

- ‌مناقشة الروايات

- ‌الاختلاف حول الحديث

- ‌فقه الحديث

- ‌ثالثا: روايات أخرى متصلة بالغدير

- ‌مناقشة الروايات

- ‌رابعا: روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

- ‌خامسا: روايات لها صلة بموضوع الإمامة

- ‌من يؤمّر بعدك

- ‌الاستخلاف

- ‌يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر

- ‌المهدى

- ‌الفصل الرابعالاستدلال بالتحريف والوضع

- ‌تحريف القرآن الكريم

- ‌الاستدلال بالأحاديث الموضوعة

- ‌أولا: نهج البلاغة

- ‌ثانيا: الصواعق المحرقة

- ‌الطرق التي يعلم بها كذب المنقول

- ‌الفصل الخامسعقائد تابعة

- ‌أولا: عصمة الأئمة

- ‌ثانياً: البداء

- ‌ثالثاً: الرجعة

- ‌رابعاً: التقية

- ‌الجزء الثانى في التفسير وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: التفسير وأصوله عند أهل السنة

- ‌الفصل الأول: علم التفسير

- ‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الرابع: تفسير التابعين

- ‌الفصل الخامس: أحسن طرق التفسير

- ‌الفصل السادس: التفسير في القرن الثاني

- ‌الفصل السابع: القرن الثالث وتفسير الطبري

- ‌الفصل الثامن: كتب التفسير بعد الطبري

- ‌القسم الثاني: التفسير وأصوله عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌الفصل الثاني: الظاهر والباطن

- ‌الفصل الثالث: القرآن الكريم والتحريف

- ‌الفصل الرابع: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأولتفسير الحسن العسكرى

- ‌الكتاب الثانيتفسير القمي

- ‌الكتاب الثالثتفسير العياشى:

- ‌الفصل الخامسالتبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

- ‌الفصل السادسالتفسير بعد الطوسي والطبرسي

- ‌أولاً: تفسير الصافى:

- ‌ثانياً: البرهان في تفسير القرآن

- ‌ثالثاً: بحار الأنوار

- ‌رابعاً: تأويل الآيات الباهرة

- ‌خامساً: تفسير شبر:

- ‌سادساً: كنز العرفان

- ‌ثامناً: الميزان

- ‌تاسعاً: التفسير الكاشف

- ‌عاشراً: البيان

- ‌الفصل السابعنظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌خاتمة الجزء الثاني

- ‌الجزء الثالث في الحديث وعلومه وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأولالحديث وعلومه عند الجمهور

- ‌الفصل الأول: بيان الكتاب والسنة

- ‌الفصل الثاني: السنة وحي

- ‌الفصل الثالث: اعتصام السلف بالسنة

- ‌الفصل الرابع: تدوين السنة

- ‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

- ‌الفصل السادس: حوار الإمام الشافعي لفرقة ضلت

- ‌الفصل السابع: بعد الإمام الشافعى

- ‌الفصل الثامن: في عصر السيوطي

- ‌الفصل التاسع: الطاعنون في العصر الحديث

- ‌الفصل العاشر: أبو هريرة رضى الله تعالي عنه

- ‌القسم الثاني:الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: التدوين عند الشيعة

- ‌الفصل الثاني: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌الفصل الثالث: مفهوم السنة عندهم

- ‌الفصل الرابع: مراتب الحديث

- ‌الفصل الخامس: التعارض والترجيح

- ‌الفصل السادس: الكتب الأربعة

- ‌أولا: الجزء الأول من أصول الكافى

- ‌ثانياً: الجزء الثانى من أصول الكافى

- ‌ثالثاً: روضة الكافى

- ‌رابعاً ـ فروع الكافى وبقية الكتب

- ‌ملحق الجزء الثالث: السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌بيان الكتاب والسنة

- ‌القرآن الكريم يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذر من معصيته

- ‌السنة وحى

- ‌اعتصام السلف بالسنة

- ‌حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

- ‌بعد الإمام الشافعى

- ‌فى عصر السيوطى

- ‌الطاعنون فى العصر الحديث

- ‌أهذا مفكر إسلامى

- ‌أولاً: زعمه أن الشريعة قاصرة وأن الرسول غير معصوم

- ‌ثانياً: التشكيك فى كتاب الله المجيد

- ‌ثالثاً: موقفه من السنة المطهرة

- ‌رابعاً: موقفه من عقائد المسلمين

- ‌خامساً: قوله الكذب بوثنية المسلمين

- ‌أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

- ‌هذا الصوت نعرفه

- ‌الجزء الرابع في أصول الفقه والفقه

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أصول الفقه

- ‌الفصل الأول: القرآن الكريم

- ‌الفصل الثاني: السنة المطهرة

- ‌الفصل الثالث: الإجماع

- ‌الفصل الرابع: العقل

- ‌الباب الثاني: العبادات

- ‌الفصل الأول: الطهارة

- ‌أولاً: حكم سؤر الآدمى

- ‌ثانياً: اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء

- ‌ثالثاً: غسل الوجه

- ‌رابعا: غسل اليدين

- ‌خامساً: مسح الرأس

- ‌سادساً: حكم الأذنين

- ‌سابعاً: نوع طهارة الرجلين

- ‌ثامنا: المسح على الخفين

- ‌تاسعا: التوقيت في الغسل

- ‌عاشراً: التولية اختياراً

- ‌حادي عشر: غسل مخرج البول

- ‌ثاني عشر: الوطء في الدبر

- ‌ثالث عشر: الأغسال المندوبة

- ‌رابع عشر: قراءة القرآن الكريم ومس المصحفللجنب والحائض والنفساء

- ‌خامس عشر: أقل الطهر بين الحيضتين وأكثر النفاس

- ‌سادس عشر: ما يتعلق بالميت من الأحكام

- ‌سابع عشر: التيمم

- ‌ثامن عشر: النجاسات

- ‌الفصل الثاني: الصلاة

- ‌أولاً: الجمع بين الصلاتين

- ‌ثانيا: الأذان

- ‌ثالثا: المساجد

- ‌رابعا: السجود على ما ليس بأرض

- ‌خامسا: التكلم في الصلاة

- ‌سادسا: صلاة الجمعة

- ‌سابعا: صلاة الجنازة

- ‌ثامناً: النوافل

- ‌الفصل الثالث: الصيام والاعتكاف

- ‌الفصل الرابع: الزكاة والخمس

- ‌الفصل الخامس: الحج

- ‌الفصل السادس: الجهاد

- ‌الباب الثالث: المعاملات

- ‌الفصل الأول: العقود والإيقاعات

- ‌أولا: في التجارة:

- ‌ثانياً: في الإجارة:

- ‌ثالثاً: في الوكالة:

- ‌رابعاً: في النكاح:

- ‌خامساً: في العتق والإيمان:

- ‌سادساً: أخبارهم في العقود والإيقاعات

- ‌خاتمة الفصل (بحثان)

- ‌البحث الأول في زواج المتعة

- ‌البحث الثانى

- ‌الفصل الثاني: الأحكام

- ‌أولا: فى الذبائح:

- ‌ثانيا: فى الأطعمة:

- ‌ثالثا: فى إحياء الموات من الأرض

- ‌رابعا: فى اللقطة

- ‌خامسا: فى الميراث

- ‌سادسا: فى القضاء

- ‌سابعا: فى الشهادات

- ‌ثامنا: في الحدود والتعزيرات

- ‌تاسعا: فى القصاص:

- ‌عاشراً: فى الديات:

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌الحكيم والخوئي والخميني:

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

تكفلت كتب علوم الحديث ببيان ما يتصل بالجرح والتعديل، ولعل أول كتاب ألف في علوم الحديث هو المحدث الفاصل بين الراوى والواعى للرامهرمزى، المتوفى سنة 360 هـ. ولكن قبل هذا بكثير كان لبعض الأئمة الأعلام ما يتصل بالجرح والتعديل من أحكام عامة، وبيان لمن تقبل روايتهم ومن ترد وذكر لأسماء كثير من هؤلاء الرواة. وتوسع بعضهم في ذكر هذه الأسماء فيما يعرف بكتب الرجال، ومن أقدمها وأنفعها ما كتبه الإمام البخارى في تاريخه الكبير، وفى الضعفاء، وكان أثره واضحاً، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم المتوفى سنة 327 هـ.

وكتب علوم الحديث حفظت لنا آراء الأئمة من الجرح والتعديل، ولكن قبل أن ننظر في هذه الكتب أريد أن أثبت هنا بعض ما جاء في غيرها سابقا لها، وأكتفى ببعض ما كتبه ثلاثة من الأئمة:

أولهم الإمام الشافعى، صاحب كتاب الرسالة، الذى يعد أول ما صنف في أصول الفقه، وفى هذا الكتاب، تحدث الإمام عن خبر الواحد فقال:

ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معانى الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه. إذ شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقى ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبى ما يحدث الثقات خلافه عن

ص: 645

النبي. ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبى أو إلى من انتهى به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت. (ص 370: 372) .

ثم قال بعد هذا: ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته. وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق. فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثاً حنى يقول فيه " حدثنى " أو " سمعت "(ص 379: 380) .

وقال أيضاً: ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح، لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته.

وأهل الحديث متباينون:

فمنهم المعروف بعلم الحديث، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوى الرحم والصديق، وطول مجالسة أهل التنازع فيه. ومن كان هكذا كان مقدما في الحفظ، إن خالفه من يقصر عنه، كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه.

ويعتبر أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له.

وإذا اختلفت الرواية استدللنا عن المحفوظ منها والغلط بهذا، ووجوه سواه، تدل على الصدق والحفظ والغلط. (الرسالة: ص 382: 383) .

ونأتى بعد الإمام الشافعى إلى الإمام مسلم، حيث تحدث في مقدمة صحيحه عن حال بعض الرواة وبين طبقاتهم. وبعد أن بين من تقبل أحاديثهم قال (ص 45) :" فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ". وسمى بعضهم وقال: " وأشباههم

ص: 646

ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار، وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضا عن حديثهم.

وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها. فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا نستعمله " (ص: 46) .

ويأتى بعد هذا باب النهى عن الرواية عن الضعفاء، والاحتياط في تحملها، ثم باب بيان أن الإسناد من الدين، وبين فيه وجوب عدم الأخذ إلا عن الثقة الثبت، ونبه إلى أمر هام حيث روى عن أبى الزناد قوله:" أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله "(1) .

وعن يحيى بن سعيد القطان قال: " لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث "، وفسر الإمام مسلم هذا بقوله: يجرى الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب.

وقال النووى في شرحه: معناه ما قاله مسلم أنه يجرى الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك، لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه، ويروون الكذب ولا يعلمون أنه كذب. وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو: عمدا كان أو سهوا أو غلطا (2) .

وفى الكشف عن معايب رواة الحديث أورد مسلم بعض الأخبار التي تذكر أسماء بعض الكذابين والوضاعين، ومن هؤلاء جابر بن يزيد الجعفى، وروى عن غير واحد أن جابرا كان يؤمن بالرجعة، وفسرها النووى بقوله: معنى

(1) صحيح مسلم 1 / 72. وقال النووى: أبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، وكان الثورى يسميه: أمير المؤمنين في الحديث.

(2)

انظر ص 79.

ص: 647

إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليا ـ كرم الله وجهه ـ في السحاب، فلا نخرج - يعنى مع من يخرج من ولده حتى ينادى من السماء: أن اخرجوا معه، وهذا نوع من أباطيلهم، وعظيم من جهالاتهم اللائقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية (ص: 85) .

ومما رواه مسلم أيضاً أن جابرا قال: إن عندى لخمسين ألف حديث، ما حدثت منها بشئ. ثم حدث يوما بحديث فقال: هذا من الخمسين ألفا، وفى خبر زاد أنها عن النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى خبر أيضاً قال جابر: عندى سبعون ألف حديث عن أبى جعفر عن النبى صلى الله عليه وسلم كلها.

وروى عن الإمام سفيان بن عيينه أنه قال: سمعت رجلا سأل جابرا عن قوله عز وجل:

{فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (1)، فقال جابر: لم يجئ تأويل هذه الآية. قال سفيان: وكذب. فقلنا لسفيان: وما أراد بهذا؟ فقال: لإن الرافضة تقول أن عليا في السحاب، فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادى مناد من السماء، يريد عليا أنه ينادى: اخرجوا مع فلان. يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية، وكذب، كانت في إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم.

وروى عن سفيان أيضاً قال: سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث، ما أستحل أن أذكر منها شيئا وأن لى كذا وكذا (2) .

(1) سورة يوسف: الآية 80.

(2)

انظر الأخبار المتصلة بجابر في صحيح مسلم 1 / 85 - 87. ووفاته كانت سنة 128 هجرية في عصر الإمام الصادق، والأخبار التي وضعها افتراء على الأئمة لا تذكر أسماء من يأتى بعده، ولذلك ذكر عليا في السحاب، ولم يذكر اسم من يخرج من ولده، أما الذين وضعوا الروايات بعد إمامهم الثانى عشر في النصف الثانى من القرن الثالث وما بعدها فإنهم ذكروا* *خروجه. وللرجعة معنى آخر أيضاً عند الشيعة كما سبق بيانه في الفصل الخامس من الجزء الأول.

ص: 648

ثم ذكر الإمام مسلم عدداً غير قليل ممن لا تقبل روايتهم (1)

، ثم قال: " وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمى رواة الحديث، وأخبارهم عن معايبهم، كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا غاية لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا. وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن

(1) ذكرت ما يتصل بجابر لنقارن بين ما قاله الأئمة الأعلام من طعن فيه وبيان لأكاذيبه، وبين ما يقوله الشيعة الاثنا عشرية:

فهم يعتبرونه من اصحاب الأصول الأربعمائة التي نتحدث عنها في القسم الثانى، وجاء في ترجمته عندهم ما يأتى:

وثقه بن الغضايرى وغيره، وروى الكشى وغيره أحاديث كثيرة تدل على مدحه وتوثيقه وروى فيه ذم يأتى ما يصلح جوابا عنه في زرارة، وضعفه بعض علمائنا، والأرجح توثيقه. وقال الشيخ: له أصل، وروى أنه روى سبعين ألف حديث عن الباقر، وروى مائة وأربعين ألف حديث، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر، فيكون عظيم المنزلة عندهم لقولهم: اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا (وسائل الشيعة: 20 / 151) .

وترجمة زرارة بن أعين التي أشار إليها صاحب الوسائل هنا جاء فيها ما يأتى:

وروى أحاديث في ذمه ينبغى حملها على التقية، بل يتعين، وكذا ما ورد في حق أمثاله من أجلاء الإمامية بعد تحقق المدح من الأئمة (وسائل الشيعة ك 20 / 196) . وجاء في حاشية الوسائل (19 / 338) . جابر بن يزيد الجعفى من أصحاب الإمامين الباقر والصادق، تابعى روى عنهما، مات أيام الصادق سنة 128 هجرية، له كتب وأصل، وروى أن الصادق ترحم عليه، وقال: إنه كان يصدق علينا، وكان باب الإمام الباقر، وفيه أحاديث كثيرة رواها الكشى وغيره تدل على مدحه وعظيم شأنه.

ص: 649

معايب رواة الحديث وناقلى الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتى بتحليل أو تحريم

إلخ. (1)

وللإمام مسلم في بيان علل الحديث كتاب التمييز:

بين فيه الدواعى إلى الجرح والتعديل، ثم أورد باب ما جاء في الترقى في حمل الحديث وأدائه والتحفظ من الزيادة فيه والنقصان (ص 127) . وبعد هذا أخذ يبين علل بعض الأخبار والروايات كالخطأ أو الوهم في الإسناد أو المتن، أو فيهما معا، وأشار إلى شىء من التصحيف، وما يدفعه الأخبار الصحاح، ثم قال بعد هذا كله (ص 171) :

" واعلم رحمك الله، أن صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس، العارفين بها دون غيرهم، إذ الأصل الذى يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة، من عصر إلى عصر من لدن النبى صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم في المذهب، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار، من نقال الأخبار وحمال الآثار.

وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح. وإنما اقتصصنا هذا الكلام لكى ننبه من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم، والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله، أو سقطوا من أسقطوا منهم. والكلام في تفسير ذلك يكثر، وقد شرحناه في مواضع غير هذا، وبالله التوفيق، في كل ما نؤم ونقصد ".

وبعد الإمامين الشافعى ومسلم نأتى إلى الثالث وهو ابن أبى حاتم في كتابه الجرح والتعديل الذى أشرت إليه من قبل، حيث جعل لكتابه مقدمة بدأها ببيان

(1) انظر مقدمة صحيح مسلم ص 105.

ص: 650

مرتبة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم بمعرفة السنة وأئمتها، ثم تحدث عن التمييز بين الرواة وبيان طبقاتهم، فقال (ص 5: 7)

التمييز بين الرواة: قال أبو محمد: فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شئ من معانى كتاب الله ولا من سنن رسوله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة النقل والرواية، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.

ولما كان الدين هو الذى جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.

وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه، ليعرف به أدلة هذا الدين وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهم هؤلاء أهل العدالة، فيتمسك بالذى رووه، ويعتمد عليه، ويحكم به، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيكشف عن حالهم وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها، إن كذب فكذب، وإن وهم فوهم، وإن غلط فغلط، وهؤلاء هم أهل الجرح فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به ولا يعمل عليه، ويكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار، ومن حديث بعضهم الآداب الجميلة والمواعظ الحسنة والرقائق والترغيب والترهيب هذا أو نحوه.

ص: 651

طبقات الرواة: ثم احتيج إلى تبيين طبقاتهم ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقيب والبحث عن الرجال والمعرفة بهم - وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.

ويعرف من كان منهم عدلا في نفسه من أهل الثبت في الحديث والحفظ له والإتقان فيه - فهؤلاء هم أهل العدالة. ومنهم الصدوق فى روايته الورع فى دينه الثبت الذى يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد ـ فهذا يحتج بحديثه أيضاً.

ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط – فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.

ومنهم من قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ـ ممن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال منهم الكذب، فهذا يترك حديثه ويطرح روايته ويسقط ولا يشتغل به.

وبعد هذا تحدث ابن أبى حاتم عن الصحابة الكرام فقال (ص 7: 8)

الصحابة: فأما أصحاب رسول الله فهم الذين شهدوا الوحى والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل. وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده - بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة فقال عز ذكره في محكم كتابه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء

ص: 652

عَلَى النَّاسِ} ففسر النبى صلى الله عليه وسلم عن الله عز ذكره قوله " وسطا " قال: عدلا. فكانوا عدول الأمة، وأئمة الهدى وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة.

وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم والجرى على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم فقال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية (1) .

ووجدنا النبى صلى الله عليه وسلم قد حض على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها، منها أن دعا لهم فقال: نضر الله امرأ سمع مقالتى فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره. وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته: فليبلغ الشاهد منكم الغائب. وقال: بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عنى ولا حرج.

ثم تفرقت الصحابة رضى الله عنهم في النواحى والأمصار والثغور وفي فتوح البلدان والمغازى والإمارة والقضاء والأحكام، فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذى هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكموا بحكم الله عز وجل، وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظائرها من المسائل، وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.

وبعد الصحابة قال عن التابعين (ص 8: 9) .

التابعون: فخلف بعدهم التابعون الذين اختارهم الله عز وجل لإقامة دينه وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وآثاره،

ص: 653

فحفظوا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نشروه وبثوه من الأحكام والسنن والآثار وسائر ما وصفنا الصحابة به رضى الله عنهم، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله عز وجل ونهيه بحيث وضعهم الله عز وجل، ونصبهم له إذ يقول الله عز وجل:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} " الآية "

حدثنا عبد الرحمن محمد بن يحيى، أنا العباس بن الوليد الترسى، نايزيد بن زريع، ثنا سعيد، عن قتادة قوله عز وجل:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} التابعين.

فصاروا برضوان الله عز وجل لهم وجميل ما أثنى عليهم بالمنزلة التي نزههم الله بها عن أن يلحقهم مغمز، أو تدركهم وصمة، لتيقظهم وتحرزهم وتثبتهم، ولأنهم البررة الأتقياء الذين ندبهم الله عز وجل لإثبات دينه وإقامة سنته وسبله، فلم يكن لاشتغالنا بالتمييز بينهم معنى، إذ كنا لا نجد منهم إلا إماما مبرزا مقدما في الفضل والعلم ووعى السنن وإثباتها ولزوم الطريقة واحتبائها، رحمة الله ومغفرته عليهم أجمعين - إلا ما كان ممن ألحق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس يلحقهم، ولا هو في مثل حالهم: لا في فقه ولا علم ولا حفظ ولا إتقان، ولا ثبت ممن ذكرنا حالهم وأوصافهم ومعانيهم في مواضع من كتابنا هذا، فاكتفينا بها وبشرحها في الأبواب مستغنية عن إعادة ذكرها مجملة أو مفسرة في هذا المكان.

وفى ص 9، 10 جاء الحديث عن أتباع التابعين ومراتبهم:

أتباع التابعين: ثم خلفهم تابعو التابعين وهم خلف الأخيار وأعلام الأمصار في دين الله عز وجل، ونقل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وإتقانه، والعلماء بالحلال والحرام، والفقهاء في أحكام الله عز وجل وفروضه وأمره ونهيه، فكانوا على مراتب أربع.

ص: 654

مراتب الرواة: فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث - فهذا الذى لا يختلف فيه ويعتمد على جرحه وتعديله، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال.

ومنهم العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق في نقله، الورع في دينه، الحافظ لحديثه المتقن فيه، فذلك العدل الذى يحتج بحديثه، ويوثق في نفسه.

ومنهم الصدوق الورع الثبت الذى يهم أحيانا وقد قبله الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه.

ومنهم الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو - فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.

وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة، ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولى المعرفة منهم الكذب -– فهذا يترك حديثه ويطرح روايته. انتهى المنقول من كلام ابن أبى حاتم.

وننتقل بعد هذا إلى كتب علوم الحديث:

وأولها المحدث الفاصل للرامهرمزى المتوفى سنة 360هـ. ومما جاء في موضوعنا ما أثبته تحت عنوان: " القول فيمن يستحق الأخذ عنه " بدأه بما يبين رأى الإمام مالك حيث قال:

القول فيمن يستحق الأخذ عنه:

حدثنا عبد الله بن الصقر السكرى، ثنا إبراهيم بن المنذر الجزامى، ثنا

معن - وقال مرة محمد بن صدقة الفدكى أحدهما أو كلاهما - قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على

ص: 655

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث. قال الحزامىّ: فذكرت ذلك لمطرف بن عبد الله فقال: ما أدرى ما تقول، غير أنى أشهد لسمعت مالكا يقول: أدركت ببلدنا هذا - يعنى المدينة - مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة، يحدثون، فما كتبت عن أحد منهم حديثا قط. قلت: لم يا عبد الله؟

قال: لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدثون. قال: وقال مالك: كنا نزدحم على باب ابن شهاب (ص 403: 404) .

وانتقل المؤلف بعد هذا إلى الإمام الشافعى، حيث نقل عنه ما ذكرته من قبل، ثم قال:

قال الشافعى: وكان ابن سيرين والنخعى وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن من عرف.

قال الشافعى: وما لقيت أحدا من أهل العلم يخالف هذا المذهب (ص 405) .

وجاء بعد هذا بآراء آخرين غير مالك والشافعى.

وبعد الرامهرمزى يأتى كتاب علوم الحديث للحاكم المعروف بتشيعه، ولكنه لم يكن رافضيا، ولذلك أترك النقل منه هنا وأبقيه عند الحديث عن الجرح والتعديل عند الشيعة الاثنى عشرية ليتضح الفرق بين الشيعة والرافضة.

ومن الكتب المتقدمة فى علوم الحديث الكفاية في علم الرواية، لأبى بكر أحمد بن على بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادى، والمتوفى سنة 463 هـ.

وتحدث عن الرواية عن أهل الأهواء والبدع فقال (ص 125) :

والذى يعتمد عليه في تجويز الاحتجاج بأخبارهم اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهاداتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل، ثم استمرار عمل التابعين والخالفين بعدهم على ذلك لما رأوا من تحريهم الصدق وتعظيمهم

ص: 656

الكذب، وحفظهم أنفسهم عن المحظورات من الأفعال، وإنكارهم على أهل الريب والطرائق المذمومة، ورواياتهم الأحاديث التي تخالف آراءهم ويتعلق بها مخالفوهم في الاحتجاج عليهم، فاحتجوا برواية عمران بن حطان وهو من الخوارج، وعمرو بن دينار، وكان ممن يذهب إلى القدر والتشيع وكان عكرمة إباضياً، وابن أبى نجيح وكان معتزليا، وعبد الوارث بن سعيد وشبل بن عياد، وسيف بن سليمان، وهشام الدستوائى، وسعيد بن أبى عروبة وسلام بن مسكين، وكانوا قدرية وعلقمة بن مرثد، وعمرو بن مرة، ومسعر بن كدام، وكانوا مرجئة، وعبيد الله بن موسى وخالد بن مخلد، وعبد الرزاق بن همام وكانوا يذهبون إلى التشيع، في خلق كثير يتسع ذكرهم، دوّن أهل العلم قديما وحديثاً رواياتهم واحتجوا بأخبارهم فصار ذلك كالإجماع منهم، وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب.

باب ذكر بعض المنقول

عن أئمة أصحاب الحديث في جواز الرواية عن أهل الأهواء والبدع قد اسلفنا الحكاية عن أبى عبد الله الشافعى في جواز قبول شهادة أهل الأهواء غير صنف من الرافضة خاصة، ويحكى نحو ذلك عن أبى حنيفة إمام أصحاب الرأى وأبى يوسف القاضى.

وبعد هذا ذكر عدة روايات منها:

بسنده عن حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعى يقول: لم أر أحدا من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة (ص: 126) .

وعن أبى يوسف قال: أجيز شهادة أهل الأهواء أهل الصدق منهم إلا الخطابية والقدرية الذين يقولون أن الله لا يعلم الشئ حتى يكون.

وعن ابن المبارك قال: سأل أبو عصمة أبا حنيفة: ممن تأمرنى أن أسمع الآثار؟ قال: من كل عدل في هواه إلا الشيعة، فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتى السلطان طائعا، أما إنى لا أقول إنهم يكذبونهم أو

ص: 657

يأمرونهم بما لا ينبغى ولكن وطأوا لهم حتى انقادت العامة بهم. فهذان لا ينبغى أن يكونا من أئمة المسلمين (ص: 126) .

وعن عبد الرحمن بن مهدى قال: من رأى رأيا ولم يدع إليه احتمل، ومن رأى رأيا ودعا إليه فقد استحق الترك (ص: 127) .

وقيل لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله سمعت من أبى قطن القدرى؟

قال: لم أره داعية، ولو كان داعية لم اسمع منه.

قلت ـ أى الخطيب البغدادى: إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة خوفا أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها كما حكينا في الباب الذى قبل هذا عن الخارجى التائب قوله: كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا (ص: 128) .

وعن أبى داود قال: ليس في أصحاب الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج (ص: 130) .

ص: 658