الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا هو الدليل الذي استند إليه الطوسي (1) ، وهو استدلال عقلى، فهل يرد بمثل هذا الدليل ما ذكرناه من الأدلة؟!
ولو صح هذا القول لكانت آية التطير في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فقد اختصصن بمضاعفة الأجر، وهذا يجعلهن أقرب إلى التطهير وإذهاب الرجس، كما اختصصن بنزول الوحي في بيوتهن، ولكنا نقول: إن إرادة التطهير وإن كانت حاصلة مع المكلفين، إلا أن أهل البيت بها أخص فهم المقتدى بهم، ولأصحاب الكساء النصيب الأوفى. فهذا التأويل لا يمنع الفضيلة والمزية، ولكنه لا يثبت العصمة.
والاستدلال بآية التطهير بعد هذا يصبح غير مسلم به، فتخصيصها بالخمسة الأطهار غير ثابت، وتأويلها بما يثبت العصمة لا دليل عليه، وهم يرون ثبوت الإمامة لثبوت العصمة. على أن القول بعصمة الإمام نتحدث عنه عند مناقشة الدليل التالي.
*****
رابعا: عصمة الأئمة
ذكرت من قبل ما ذهب إليه الشيعة من القول بعصمة الأئمة، فلا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم، لافرق في ذلك بين سن الطفولة وسن النضج العقلى، ولا يختص هذا بمرحلة الإمامة.
ومما استدلوا به قوله تعالى: - " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ".
(1) وبهذا أيضا استدل العالم المعاصر محمد تقى الحكيم، وذهب إلى أن الإرادة تكوينية لا تشريعية (انظر الأصول العامة للفقه المقارن ص 150) .
قالوا: تدل هذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوماً عن القبائح، لأن الله سبحانه وتعالى نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إما لنفسه وإما لغيره، فإن قيل: إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه، فإذا تاب لا يسمى ظالماً، فيصح أن يناله، فالجواب أن الظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالماً. فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها. والآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت، فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها، فلا ينالها الظالم وإن تاب فيما بعد (1) .
ثم قالوا: إن الله سبحانه وتعالى عصم اثنين فلم يسجدا لصنم قط وهما: محمد بن عبد الله وعلى بن أبى طالب، فلأحدهما كانت الرسالة، وللآخر كانت الإمامة، أما الخلفاء الثلاثة فلم يعصموا، وهم ظالمون ليسوا أهلاً للإمامة.
ونلاحظ هنا:
1.
في تأويل الآية الكريمة (2)" إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " يحتمل جعله رسولاً ُيقتدي به، لأن أهل الأديان، مع اختلافهم، يدينون به، ويقرون بنبوته. ويحتمل إماماً من الإمامة والخلافة، أو الإمامة والاقتداء، فيقتدي به الصالحون. والعهد اختُلف في تأويله: فقيل الرسالة والوحي، وقيل الإمامة، وهو واضح من التأويل السابق، ويؤيده عدة روايات. وعن ابن عباس
…
قال: " لا ينال عهدي الظالمين " قال: ليس للظالمين عهد، وإن عاهدته أنقضه، وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل بن حبان نحو ذلك. وقال الثوري عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: ليس لظالم عهد. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة قال: لا ينال
(1) انظر التبيان 1/449، ومجمع البيان 1/202، ومصباح الهداية 60-63.
(2)
نظر تفسير الماتريدى: ص 279، والطبرى تحقيق شاكر 3/18- 24، وابن كثير1/167، والآلوسى 1/306 -308، والبحر المحيط 1/374 -379، والقرطبى 2/107-109.
عهد في الآخرة الظالمين، وأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به وأكل وعاش، وكذا قال إبراهيم النخعى وعطاء والحسن وعكرمة. وقال الربيع بن أنس: عهد الله الذي عهد إلى عباده دينه، يقول لا ينال الظالمين، ألا ترى أنه قال:
" وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ "(1)
يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق، وكذا روى عن أبى العالية وعطاء ومقاتل بن حيان، وقال جويبر عن الضحاك: لاينال طاعتي عدو لي يعصيني، ولا أنحلها إلا ولياً يطيعني. وروى عن على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا ينال عهدي الظالمين " قال: " لا طاعة إلا في المعروف. فالآية الكريمة إذا اختلف في تأويلها، والقطع بأن المراد هو ما ذهب إليه الجعفرية من التأويل ينقصه الدليل، ورد باقي الأدلة.
2.
ولكن مع هذا فلا خلاف بأن الظالم لا يصلح لإمامة المسلمين، قال الزمخشري: " وكيف يصلح لها من لايجوز حكمه وشهادته، ولا تجب طاعته، ولا يقبل خبره، ولا يقدم للصلاة؟ وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتى سراً بوجوب نصرة زيد بن على رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة كالدوانيقى (2) وأشباهه، وقالت له امرأة: أشرت على بنى بالخروج مع إبراهيم ومحمد بنى عبد الله بن الحسن حتى قتل: فقال ليتنى مكان ابنك وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنما هو لكف
(1) سورة الصافات – الآية 113.
(2)
اللص المتغلب والخليفة الذي ذكره الزمخشري هو هشام بن عبد الملك، وأما الدوانيقى فهو المنصور أخو السفاح، سمى بذلك قيل لبخله، وقد ذكر يعض المصنفين أنه لم يكن بخيلاً (البحر المحيط 1/378) .
الظلمة، فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم " (1)
ا
3.
لايمكن التسليم بأن غير المعصوم لابد أن يكون ظالماً، أو أن غير الظالم لابد أن يكون معصوماً، فبين العصمة وعدم الظلم فرق شاسع، فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالماً ولا يحاسب بالاتفاق، ومن ندر ارتكابه للصغائر وأتبعها بالتوبة والاستغفار لا يكون ظالماً، أما الخطأ والنسيان فمما لايحاسب عليه كما قال صلى الله عليه وسلم:" وُضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(2) . وكما يؤخذ من دراسة قوله تعالى:
" رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا "(3)
4.
في رفض الآلوسى لما ذهب إليه الشيعة قال: استدل بها بعض الشيعة على نفى إمامة الصديق وصاحبيه رضي الله عنهم، حيث إنهم عاشوا مدة مديدة على الشرك، وإن الشرك لظلم عظيم، والظالم بنص الآية لا تناله الإمامة، وأجيب بأن (غاية ما يلزم أن الظالم في حال الظلم لايناله، والإمامة إنما نالتهم رضي الله
(1) الكشاف 1/309 وقال القرطبى (2/109) قال بن خويزمنداد: وكل من كان ظالماً لم يكن نبياً ولا خليفة، ولا حاكماً، ولا مفتياً ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام.
(2)
رواه ابن ماجة وابن أبى عاصم، ورجاله ثقات، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وقال النووى في الروضة وفى الأربعين أنه حسن. ووقع في كتب كثيرين من الفقهاء والأصوليين بلفظ " رفع " بدل " وضع "، وحول الحديث كلام يطول ذكره، انظر المقاصد الحسنة ص 228 – 230 وكشف الخفاء 1/433-434.
(3)
روى الامام مسلم وغيره ما يفيد استجابة ربنا عز وجل لهذا الدعاء، وروى كذلك عند الجعفرية: انظر مجمع البيان 2/404، وانظر كذلك تفسير بن كثير 1/342-343، والقرطبى 3/431-432 والكشاف 1/408.
تعالى عنهم في وقت كمال إيمانهم وغاية عدالتهم) ، ثم قال:" ومن كفر أو ظلم ثم تاب وأصلح لا يصح أن يطلق عليه أنه كافر، أو ظالم في لغة وعرف وشرع، إذ قد تقرر في الأصول أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفى غيره مجاز، ولا يكون المجاز أيضاً مطرداً بل حيث يكون متعارفاً وإلا لجاز صبى لشيخ ونائم لمستيقظ وغنى لفقير وجائع لشبعان وحى لميت وبالعكس، وأيضاً لو اطرد ذلك يلزم من حاف لا يسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافراً قبل سنين متطاولة أن يحنث، ولا قائل به "(1) .
5.
ليس من المقطوع به أن الإمام عليا لم يسجد لصنم قط، ولم أجد أثراً صحيحاً يؤيد هذا، ولكن يرجحه أن الإسلام أدركه وهو صبى، وأنه تربى في بيت النبوة، واقتدى بابن عمه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتخلق بخلقه، ولهذا كان أول من أسلم بعد خديجة رضي الله تعالى عنهما.
والذين لم يسجدوا للأصنام كثيرون كالصحابة الذين عاشوا في بيئة إسلامية في صغرهم فنشئوا على الإسلام، ثم الذين ولدوا في هذه البيئة، فلا اختصاص لأمير المؤمنين هنا.
6.
العصمة من الخطأ كبيره وصغيره، عمداً وسهواً ونسياناً من المولد إلى الممات أمر يتنافى مع الطبيعة البشرية، فلا يقبله العقل إلا بالدليل قطعى من النقل. وهذه الآية الكريمة لا تثبته للأئمة عموماً فضلاً عن أئمة الجعفرية على وجه الخصوص، على أن دلالة القرآن الكريم تتنافى مع مثل هذه العصمة حتى بالنسبة لخير البشر جميعاً الذين اصطفاهم الله تعالى للنبوة والرسالة. وقد أثبتُّ هذا من قبل في بحثى الذي نلت به درجة الماجستير (2) ، وسيأتي الحديث عن العصمة في الفصل الخامس من هذا الجزء.
(1) انظر تفسير الآلوسى 1/307 - 308.
(2)
انظر فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة ج1 ص 37:18.