المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البحث الأول في زواج المتعة - مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع

[علي السالوس]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌الجزء الأول في العقائد:

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة

- ‌أولا: الإمامة والخلافة

- ‌ثانيا: التفكير في الإمامة وبيعة الصديق

- ‌ثالثاً: الإمامة عند الجمهور

- ‌رابعاً: على وبيعة من سبقه

- ‌خامساً: الخوارج ورأيهم في الإمامة

- ‌سادساً: الإمامة عند الزيدية

- ‌سابعاً: الإمامة عند الإسماعيلية

- ‌ثامناً: عقيدة الإمامة عند الجعفرية

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثانيأدلة الإمامة من القرآن العظيم

- ‌ بين يدى الفصل

- ‌أولا: الولاية

- ‌ثانياً: المباهلة

- ‌ثالثاً: التطهير

- ‌رابعا: عصمة الأئمة

- ‌خامسا: الغدير

- ‌تعقيب

- ‌الفصل الثالثالإمامة في ضوء السنة

- ‌أولا: خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

- ‌ثانيا: روايات التمسك بالكتاب والعترة

- ‌مناقشة الروايات

- ‌الاختلاف حول الحديث

- ‌فقه الحديث

- ‌ثالثا: روايات أخرى متصلة بالغدير

- ‌مناقشة الروايات

- ‌رابعا: روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

- ‌خامسا: روايات لها صلة بموضوع الإمامة

- ‌من يؤمّر بعدك

- ‌الاستخلاف

- ‌يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر

- ‌المهدى

- ‌الفصل الرابعالاستدلال بالتحريف والوضع

- ‌تحريف القرآن الكريم

- ‌الاستدلال بالأحاديث الموضوعة

- ‌أولا: نهج البلاغة

- ‌ثانيا: الصواعق المحرقة

- ‌الطرق التي يعلم بها كذب المنقول

- ‌الفصل الخامسعقائد تابعة

- ‌أولا: عصمة الأئمة

- ‌ثانياً: البداء

- ‌ثالثاً: الرجعة

- ‌رابعاً: التقية

- ‌الجزء الثانى في التفسير وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: التفسير وأصوله عند أهل السنة

- ‌الفصل الأول: علم التفسير

- ‌الفصل الثاني: تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الرابع: تفسير التابعين

- ‌الفصل الخامس: أحسن طرق التفسير

- ‌الفصل السادس: التفسير في القرن الثاني

- ‌الفصل السابع: القرن الثالث وتفسير الطبري

- ‌الفصل الثامن: كتب التفسير بعد الطبري

- ‌القسم الثاني: التفسير وأصوله عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: القرآن الصامت والقرآن الناطق

- ‌الفصل الثاني: الظاهر والباطن

- ‌الفصل الثالث: القرآن الكريم والتحريف

- ‌الفصل الرابع: كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث

- ‌الكتاب الأولتفسير الحسن العسكرى

- ‌الكتاب الثانيتفسير القمي

- ‌الكتاب الثالثتفسير العياشى:

- ‌الفصل الخامسالتبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي

- ‌الفصل السادسالتفسير بعد الطوسي والطبرسي

- ‌أولاً: تفسير الصافى:

- ‌ثانياً: البرهان في تفسير القرآن

- ‌ثالثاً: بحار الأنوار

- ‌رابعاً: تأويل الآيات الباهرة

- ‌خامساً: تفسير شبر:

- ‌سادساً: كنز العرفان

- ‌ثامناً: الميزان

- ‌تاسعاً: التفسير الكاشف

- ‌عاشراً: البيان

- ‌الفصل السابعنظرة عامة لباقي كتب التفسير

- ‌خاتمة الجزء الثاني

- ‌الجزء الثالث في الحديث وعلومه وكتبه ورجاله

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأولالحديث وعلومه عند الجمهور

- ‌الفصل الأول: بيان الكتاب والسنة

- ‌الفصل الثاني: السنة وحي

- ‌الفصل الثالث: اعتصام السلف بالسنة

- ‌الفصل الرابع: تدوين السنة

- ‌الفصل الخامس: الجرح والتعديل

- ‌الفصل السادس: حوار الإمام الشافعي لفرقة ضلت

- ‌الفصل السابع: بعد الإمام الشافعى

- ‌الفصل الثامن: في عصر السيوطي

- ‌الفصل التاسع: الطاعنون في العصر الحديث

- ‌الفصل العاشر: أبو هريرة رضى الله تعالي عنه

- ‌القسم الثاني:الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة

- ‌الفصل الأول: التدوين عند الشيعة

- ‌الفصل الثاني: الجرح والتعديل عند الشيعة والرافضة

- ‌الفصل الثالث: مفهوم السنة عندهم

- ‌الفصل الرابع: مراتب الحديث

- ‌الفصل الخامس: التعارض والترجيح

- ‌الفصل السادس: الكتب الأربعة

- ‌أولا: الجزء الأول من أصول الكافى

- ‌ثانياً: الجزء الثانى من أصول الكافى

- ‌ثالثاً: روضة الكافى

- ‌رابعاً ـ فروع الكافى وبقية الكتب

- ‌ملحق الجزء الثالث: السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌تقديم

- ‌بيان الكتاب والسنة

- ‌القرآن الكريم يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحذر من معصيته

- ‌السنة وحى

- ‌اعتصام السلف بالسنة

- ‌حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

- ‌بعد الإمام الشافعى

- ‌فى عصر السيوطى

- ‌الطاعنون فى العصر الحديث

- ‌أهذا مفكر إسلامى

- ‌أولاً: زعمه أن الشريعة قاصرة وأن الرسول غير معصوم

- ‌ثانياً: التشكيك فى كتاب الله المجيد

- ‌ثالثاً: موقفه من السنة المطهرة

- ‌رابعاً: موقفه من عقائد المسلمين

- ‌خامساً: قوله الكذب بوثنية المسلمين

- ‌أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

- ‌هذا الصوت نعرفه

- ‌الجزء الرابع في أصول الفقه والفقه

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: أصول الفقه

- ‌الفصل الأول: القرآن الكريم

- ‌الفصل الثاني: السنة المطهرة

- ‌الفصل الثالث: الإجماع

- ‌الفصل الرابع: العقل

- ‌الباب الثاني: العبادات

- ‌الفصل الأول: الطهارة

- ‌أولاً: حكم سؤر الآدمى

- ‌ثانياً: اعتبار المذى والودى من موجبات الوضوء

- ‌ثالثاً: غسل الوجه

- ‌رابعا: غسل اليدين

- ‌خامساً: مسح الرأس

- ‌سادساً: حكم الأذنين

- ‌سابعاً: نوع طهارة الرجلين

- ‌ثامنا: المسح على الخفين

- ‌تاسعا: التوقيت في الغسل

- ‌عاشراً: التولية اختياراً

- ‌حادي عشر: غسل مخرج البول

- ‌ثاني عشر: الوطء في الدبر

- ‌ثالث عشر: الأغسال المندوبة

- ‌رابع عشر: قراءة القرآن الكريم ومس المصحفللجنب والحائض والنفساء

- ‌خامس عشر: أقل الطهر بين الحيضتين وأكثر النفاس

- ‌سادس عشر: ما يتعلق بالميت من الأحكام

- ‌سابع عشر: التيمم

- ‌ثامن عشر: النجاسات

- ‌الفصل الثاني: الصلاة

- ‌أولاً: الجمع بين الصلاتين

- ‌ثانيا: الأذان

- ‌ثالثا: المساجد

- ‌رابعا: السجود على ما ليس بأرض

- ‌خامسا: التكلم في الصلاة

- ‌سادسا: صلاة الجمعة

- ‌سابعا: صلاة الجنازة

- ‌ثامناً: النوافل

- ‌الفصل الثالث: الصيام والاعتكاف

- ‌الفصل الرابع: الزكاة والخمس

- ‌الفصل الخامس: الحج

- ‌الفصل السادس: الجهاد

- ‌الباب الثالث: المعاملات

- ‌الفصل الأول: العقود والإيقاعات

- ‌أولا: في التجارة:

- ‌ثانياً: في الإجارة:

- ‌ثالثاً: في الوكالة:

- ‌رابعاً: في النكاح:

- ‌خامساً: في العتق والإيمان:

- ‌سادساً: أخبارهم في العقود والإيقاعات

- ‌خاتمة الفصل (بحثان)

- ‌البحث الأول في زواج المتعة

- ‌البحث الثانى

- ‌الفصل الثاني: الأحكام

- ‌أولا: فى الذبائح:

- ‌ثانيا: فى الأطعمة:

- ‌ثالثا: فى إحياء الموات من الأرض

- ‌رابعا: فى اللقطة

- ‌خامسا: فى الميراث

- ‌سادسا: فى القضاء

- ‌سابعا: فى الشهادات

- ‌ثامنا: في الحدود والتعزيرات

- ‌تاسعا: فى القصاص:

- ‌عاشراً: فى الديات:

- ‌خاتمة الكتاب

- ‌الحكيم والخوئي والخميني:

- ‌مراجع الكتاب

الفصل: ‌البحث الأول في زواج المتعة

‌خاتمة الفصل (بحثان)

‌البحث الأول في زواج المتعة

للأستاذ / على حسب الله

منذ أكثر من ربع قرن كنت في الكويت، وسعدت بصحبة أستاذى الجليل الشيخ على حسب الله قبل وفاته يرحمه الله تعالى، وأخبرنى برغبته في كتابه بحث عن زواج المتعة، فسعدت بهذه الرغبة لما تميز به شيخنا من دقة وعمق في أبحاثة، يدرك هذا جميع طلبته ومن يقرأ كتبه. ونقلت هذه الرغبة لبعض إخواننا من الشيعة، حيث تم لقاء وحوار بينهم، كما أمكن الحصول على المراجع التي تتصل بالموضوع.

وكنت مع شيخنا - يرحمه الله - طوال فترة كتابته للبحث، غير أننى لم أطلع على شيىء مما كتبه إلا بعد الانتهاء من الكتابة، فوجدته بحثا علميا دقيقا قيما، ومع هذا فلا زلت أذكر أن أحد الشيعة الذين زاروه أعطيته نسخة من البحث، ووجدته بعد اطلاعه غاضبا ثائرا، فذكرنى بقول الحق تبارك وتعالى:""وَلَن تَرضي عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "".

والبحث جعله أستاذى في كتابه " الزواج في الشريعة الإسلامية "، وإتماما للفائدة المرجوة رأيت أن أنقله هنا كاملا تاما مع حاشيته.

ص: 1066

نص البحث

زواج المتعة (1) : وجمهور المسلمين على أن العقد لا يصح، لأن المراد به مجرد الاستمتاع دون الولد، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن زواج المتعة، وهو الزواج الذى لا يقصد به إلا الاستمتاع، سواء أعقد بلفظ المتعة أم عقد بغيره.

وذلك لأن أهم مقاصد الزواج سكن الرجل إلى المرأة وبقاء النوع بالتناسل، وتكثير سواد المسلمين، قال تعالى "" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ""(2)، وقال تعالى:"" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ

(1) وجدنا من بعض طلبتنا في جامعة الكويت – وخاصة من ينتسب إلى الشيعة منهم تطلعا إلى معرفة شيء عن حكم المتعة، واطلعنا على كتب ألفها بعض إخواننا من الشيعة في موضوعه فأطلنا في عرض قضيتها من وجهة نظرنا – على غير منهجنا في هذا الكتاب – لا لنقنع إخواننا الشيعة برأينا، فقد وجدناهم يدعون لأئمتهم العصمة، ويعتبرون أقوالهم نصوصاً كنصوص الكتاب والسنة، على حين نعتمد نحن على الكتاب الكريم وما صح من سنة النبى صلى الله عليه وسلم، ولا ندعى العصمة لأحد بعده، وتعد أقوال علماء المسلمين جميعا آراء اجتهادية: للمخطئ فيها أجر، وللمصيب أجران. وكذلك وجدناهم يعدون استباحة المتعة من أصول الدين، ويروون عن أبى عبد الله الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال: ليس منا من لا يؤمن بكرتنا ولا يستبيح متعتنا (ص 85: المتعة في الإسلام للسيد حسين يوسف مكى العاملى الشيعى) .

وإنما بسطنا القول فيها بعض البسط استجابة لرغبة أبنائنا، ولعلنا نجد في أثناء البحث ما قد يجرنا إلى تغيير رأينا، ثم نقول لإخواننا الشيعة: إنهم منا وإن خالفونا في هاتين المسألتين، وليس أحب إلينا من أن يحقق الله أملهم في الرجعة، فتمتلئ الدنيا عدلا كما ملئت ظلماً وجوراً، والله يهدى إلى الحق من يشاء ويعفو بفضله عن كثير.

(2)

الروم: 21.

ص: 1067

حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ""(1)

وقال سبحانه: "" وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً ""(2)، وعن معقل بن يسار أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:" إنى أصبت امرأة ذات حسن وجمال، وإنها لاتلد، أفأتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: تزوجوا الودود الولود، فإنى مكاثر بكم الأمم "(3) .

وهذه المقاصد الشريفة لا تتم لبنى الإنسان على الوجه الأكمل إلا بزواج مستمر دائم، يتعاون فيه الزوجان على العناية بثمرة اجتماعهما.

وإذا كان الخالق سبحانه قد وضع في الإنسان غريزة الجنس لتكون حافزاً إلى زواج يبقى به النوع، ويعمر به الكون ـ فلا شك في أن فتح باب المتعة يحول مجرى هذا الحافز، إذ يجعل كثيرا من الناس يكتفون في قضاء حاجتهم الجنسية بالمتعة، وينصرفون عن الزواج المطلوب بما فيه من تبعات وتكاليف.

وذهب فريق من الشيعة إلى إباحة زواج المتعة، واستدلو لهذا:

1ـ بقوله تعالى: "" فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ""(4) . فقد عبر بالاستمتاع دون النكاح، فدل على اعتبار عقد المتعة كما اعتبر عقد النكاح الدائم.

(1) الأعراف: 189.

(2)

النحل: 72.

(3)

ص 7 جـ 3: الترغيب والترهيب.

(4)

النساء: 24.

ص: 1068

ويرشحه أنه عبر في الآية بالأجور دون المهور.

2ـ بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أباح المتعة لأصحابه، ولم يثبت أنه نهي عنها، فبقيت إباحة الرسول صلى الله عليه وسلم مع دلالة الآية الكريمة دون أن يلحقهما ناسخ.

3ـ بما روى عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين من الإفتاء بحلها.

(أ) فأما تفسيرهم للآية فيرده سياقها، حيث قال تعالى في بيان المحرمات:" حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم والمحصنات من النساء "، أي حرم عليكم التزوج بهؤلاء.. يعنى ذلك الزواج الدائم المعهود في الإسلام، ثم عطف قوله تعالى:"" أُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ "" على قوله: "" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ "".

ومعنى قوله تعالى: "" وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ "" ـ أحل لكم أن تتزوجوا من عدا المحرمات المذكورات

قبل (1) لتبتغوا النساء بأموالكم، أي لتتزوجوهن بالمهور قاصدين ما شرع الله النكاح لأجله، من الإحصان وتحصيل النسل دون مجرد سفح الماء وقضاء الشهوة، كما يفعل الزناة، ففى الآية نهي عن وضع المرأة موضع الذلة والمهانة يجعلها مستأجرة لمجرد سفح الماء، وإبعادها بهذا عن وظيفتها الكريمة في الحياة الإنسانية، ولا نزاع في أن الذى يعقد المتعة ليوم أو يومين ويجوز له أن يشترط العزل كما قالوا، لا يكون غرضه إلا سفح الماء وقضاء الشهوة الحيوانية.

(1) من قواعد الأصول أن أحكام الشارع لا تتعلق بذوات الأشياء، بل تتعلق بأفعال العباد، فإذا ورد الحكم متعلقا بذات فلابد من تقدير فعل إنساني مناسب للمقام؛ فقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (معناه حرم عليكم أكلها، وقوله تعالى " (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ (معناه حرم عليكم التزوج، وقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ (معناه أحل لكم التزوج بما وراء ذلكم، وهكذا! (راجع دلالة الاقتضاء في أصول التشريع) .

ص: 1069

وكما حرم الله المسافحة على الرجال في هذه الآية الكريمة - حرم المسافحة واتخاذ الأخدان على الرجال والنساء جميعا في قوله تعالى: ""مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ""(1)، وقوله سبحانه:"" ُمحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ""(2) وأين الزواج المؤقت بليلة ونحوها من اتخاذ الأخدان؟

ثم رتب بالفاء على ذلك الزواج الذى يعقد للمقاصد التي أرادها الخالق سبحانه: من الإحصان وتحصيل النسل، دون المسافحة واتخاذ الأخدان، قوله تعالى:

"" فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً "".

وحقيقة الاستمتاع فيه تحصيل المتعة واللذة، ويشمل بإطلاقة الوطء والتقبيل وغيرهما، والمعنى استمعتم به ـ بوطء أو غيره ـ منهن، أي ممن تزوجتموهن مما أحله الله لكم ـ فقد وجب إعطاؤهن مهورهن كاملة.

وروى عن ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية: " إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة ـ فقد وجب صداقها كله ".

فالآية دليل على أن المهر يجب أو يتأكد وجوبه كاملا بالاستمتاع، لا بعقد الزواج وحده (3) . ومن زعم أن الاستمتاع هنا مصروف عن معناه إلى عقد زواج مؤقت فعليه الدليل (4) .

(1) النساء: 25.

(2)

المائدة: 5.

(3)

راجع ما يتأكد به المهر فيما يأتى، وانظر ما قاله مالك وأحمد بن حنبل في ذلك، واقرأ ما قلناه في باب المتعة: كتابنا " الفرقة بين الزوجين "

(4)

يعبر القرآن الكريم عن إنشاء العلاقة الزوجية بأحد لفظين: النكاح وهو الكثير، والزواج أحياناً، ودلالة اللفظين على هذا المعنى لغوية وشرعية. أما الاستمتاع فلم يستعمل في* *عقد الزواج، فيبقى على معناه الحقيقى حتى يدل دليل على صرفه عنه إلى غيره، وقبول تفسيرهم للاستمتاع في الآية بعقد زواج مؤقت من غير دليل - هو أول خطأ يقع فيه الباحث في هذا الموضوع، وإذا سلم به تعذر عليه التخلص منه.

ص: 1070

وإنما سميت المهور في الآية أجوراً للإشعار بأنها تعطى في نظير منفعة للزوج، حثا على عدم المماطلة والتهاون في أدائها، وهي تسمية معهودة في الكتاب الكريم حيث قال تعالى في أزواج النبى صلى الله عليه وسلم:"" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ""(1)، وقال سبحانه في التزوج بالمحصنات من المؤمنات ومن الكتابيات:"" الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ 000 وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ""(2)، وقال في التزوج بالإماء:"" فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ""(3) .

وهذا الذى قلناه في تفسير الآية هو المتبادر منها والموافق لما جعله الله تعالى صفة أصلية من صفات المؤمنين، وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة مرتين توكيدا له حيث قال تعالى في سورتى المعارج والمؤمنين "" وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ

(1) الأحزاب: 50.

(2)

المائدة: 5.

(3)

النساء: 25.

ص: 1071

حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ""(1) .

وقد نزلت هذه الآيات الكريمة في وقت لا نجد في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يعد اعترافا من الإسلام بنكاح المتعة فيه، فلا يراد بالأزواج فيه إلا الأزواج المعهودة في زواج دائم، ومن ادعى أن المتمتع بها تدخل في عداد الأزواج في هذه الآية فعليه الدليل.

ولو كان ما ذهبوا إليه في تفسير الآية صحيحا لوجد في المسلمين من يقول لعمر ـ حينما أذاع حرمة المتعة كما سيأتى ـ: أنبأنا الله بغير ما قلت في قوله تعالى: ""فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ""، ولرجع عمر عن قوله واعترف بخطئه (2) ، ولاحتج بها ابن عباس على عبد الله بن الزبير في مناقشتهما الآتية.

وبهذا لا ينبغى لأحد أن يتعلق في إباحة المتعة بشئ من الكتاب الكريم، ويحمل آياته ما لاتحتمل، انتصارا لمذهب اعتنقه، أو رأي قلد فيع غيره، فإن الكتاب الكريم فوق كل مذهب، وأعلى من كل رأي.

(1) 29 - 31: المعارج، 5- 7: المؤمنون.

(2)

وقد وقع مثل هذا حينما نهي عمر عن المغالاة في المهور وعارضته امرأة، وهي حادثة مشهورة، وراجع في التحريم المؤقت فيما يأتى – ما ورد في حرمة التزوج بالمعتدة، من إفتاء عمر بفتوى بلغت عليا رضي الله عنهما فانتقدها وأفتى بغيرها، فلما بلغ ذلك النقد عمر عد فتواه جهالة، وأمر الناس بالرجوع عنها إلى فتوى على فقال: يأيها الناس، ردوا الجهالات إلى السنة.

وأغلب ظنى أن الاتجاه إلى آية النساء للاستدلال بها على إباحة المتعة لم يكن في زمن عمر ولا في زمن ابن عباس وابن الزبير، بل كان بعد ذلك حينما احتدم الجدل في المسألة وأريد تأييد المذهب بشئ من أي الكتاب الكريم.

ص: 1072

والكلام بعد هذا في مسألة النسخ لا يقوم على أساس، بل هو اشتغال بما لاحاجة إليه، ولا فائدة فيه.

(ب) وأما قولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح المتعة لأصحابه فهو حق، ولكنه صلى الله عليه وسلم إنما أباحها بأمر الله لحاجة عارضة في فتح مكة استثناء من الأصل القرآنى العام، ثم نهي عنها عقب الإذن بها نهيا مؤبدا، كما استباح مكة بأمر الله ساعة من نهار، وكما منع إقامة حد السرقة في الحرب.

ومن استعرض الآثار التي وردت في النهي عن المتعة مرتبة بحسب الزمن الذى تعلقت به، وحاول أن يصل منها إلى الحق لوجه الحق دون تأثر بمذهب تجلت له الحقيقة إن شاء الله تعالى، وإليك هذه الآثار بترتيبها الزمنى: -

1ـ روى البخارى ومسلم ومالك وغيرهم عن على رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن المتعة وعن الحمر الأهلية زمن خيبر (صفر سنة 7 هـ) .

وروى محمد بن الحنفية عن على رضي الله عنه أن منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم خيبر ـ " ألا إن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة ".

وليس في الحديثين كما ترى، ما يدل على أن المسلمين فعلوها في خيبر، ولا أن الرسول أمرهم بها حينئذ وليس فيها ولا في غيرها ما يدل على أنه أباحها لهم قبل ذلك، إلا ما روى عن ابن مسعود أنه قال:" كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصى؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، وفى رواية: " ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل "، وفى أخرى: " رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ففعلنا، ثم ترك ذلك "، وفى أخرى: " ثم جاء تحريمها بعد " وفى أخرى: " ثم نسخ " (1) .

وقد يكون المراد بهذا الحديث - إذا اقتصرنا على الرواية الأولى - تيسير أمر الزواج بما قل من المهر، وإن صح ما بعد ذلك ـ فإنه يحمل على ما كان

(1) راجع ص 94، 138 جـ، فتح البارى، وص 268 جـ 6: نيل الأوطار.

ص: 1073

من الغزوات قبل خيبر، وكان الناس قريبى عهد بالجاهلية التي كانت تستباح فيها الحرمات.

فلما فتحت خيبر، وغنم المسلمون فيها مالا، وسبوا نساء - اغتنم النبى صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، فنهي عنها، اكتفاء بما أصابوا من سبايا، فنقل المسلمين في رفق مما كانوا عليه في الجاهلية إلى الأصل العام في صفات المؤمنين وكانت الفترة السابقة فترة تدرج في التشريع، على عادة الإسلام في التدرج في التشريع حتى يكمل الدين بتمام الرسالة، كما تدرج بهم في تحريم الخمر (1) .

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن المتعة في عمرة القضاء (ذى القعدة سنة 7 هـ) ، وقد ضعف بأنه من مراسيل الحسن، ومراسيله كلها ضعيفة، لأنه كان يأخذ عن كل أحد، ولعل الأمر اختلط على الراوى لأن عمرة القضاء كانت في عام خيبر، وإذا صح فإنه يكون من باب تكرار النهي في وقت تدعو الحاجة فيه إلى التذكير بالحرمة. ولا دلالة فيه على أن المتعة كانت مباحة كما قدمنا.

2ـ وروى مسلم بسنده عن سبرة بن معبد الجهنى - أنه غزا مع رسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة (رمضان سنة 8 هـ) ، فأذن لهم في المتعة، ثم نهي عنها فقال:" أيها الناس، إنى كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وقد حرم الله ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيىء منهن فليخل سبيله ولا تأخذوا مماآتيتموهن شيئا ".

(1) وقد توهم بعض الناس أن نهي النبي عن المتعة في وقت ما يدل على أنه كان قد أذن بها قبل هذا النهي، وهو وهم فاسد، وخطأ آخر يتعرض له الباحث في هذا الموضوع، والذين وقعوا فيه اضطروا إلى القول بأن المتعة أبيحت ثم نسخت عدة مرات، وليس في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك. وإنما تكرر النهي عنها تكرر الظروف التي تقتضي التذكير بحرمتها، وهل يدل تكرار النهي عن الزنى وغيره في الكتاب الكريم

على إذن سابق بشيء من ذلك؟

ص: 1074

وفى رواية أخرى عنه " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ولم نخرج منها حتى نهانا عنها ".

وعن الربيع بن سبرة أنه قال: أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة عام الفتح ثلاثة أيام، فجئت مع عم لى إلى باب امرأة ومع كل منا بردة وكانت بردة عمى أحسن من بردتى، فخرجت إلينا امرأة كأنها دمية عيطاء، فجعلت تنظر إلى شبابى وإلى بردته وقالت: هلا بردة كبردة هذا، أو شباب كشباب هذا؟ ثم آثرت شبابى على بردته، فبت عندها، فلما أصبحنا إذا منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى:" ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عن المتعة "، فانتهي الناس عنها ـ

وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام، ثم نهي عنها ".

ويلاحظ في هذا الحديث أن الراوى قال: " عام أوطاس "، ولم يقل:" في أوطاس "، وعام أوطاس هو عام الفتح، فقد كان الفتح في رمضان، وكانت أوطاس ـ أو حنين أو هوازن ـ عقب ذلك في شوال، ولأمر ما كانت أوطاس أقرب إلى ذهن الراوى فذكرها بدل الفتح، وإلا فليس من المعقول أن ينهي الرسول عن المتعة نهيا مؤبدا في رمضان، ثم يبيحها في شوال.

هذا إلى أن حال المسلمين في أوطاس كحالهم في خيبر: غنموا مالا، وسبوا نساء، فكان لهم فيما سبوا ما يغنيهم عن المتعة، ولهذا اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بسبايا أوطاس فقال فيهن:" لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ".

3ـ أخرج الحازمى عن جابر أنه قال: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك (سنة 9 هـ) ، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلى الشام جاءتنا نسوة ـ كنا تمتعنا بهن ـ يطفن برحالنا، فسألنا النبى صلى الله عليه وسلم عنهن فأخبرناه، فغضب وقام

ص: 1075

إلينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم نهي عن المتعة، فتواعدنا يومئذ، فسميت ثنية الوداع.

وأخرج ابن حبان مثله عن أبى هريرة، وفى آخره

فقال صلى الله عليه وسلم: -

" هدم المتعةَ النكاحُ والطلاق والميراث ".

وقد ضعف حديث جابر بأنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك، وضعف حديث أبى هريرة بأنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار، وفى كل منهما مقال.

وعلى فرض صحتهما ليس فيهما إباحة المتعة، ولا التصريح بوقوعها فعلا بل فيهما تقرير التحريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خشى أن يقع فيها - أو أن يكون قد وقع فيها - بعض أصحابه.

4ـ وروى أحمد وأبو داود عن سبرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن المتعة في حجة الوداع (سنة 10هـ) .

وقد ضعف بأنه لو وقع لنقله خلق كثير، ولعله من باب الخلط بين الفتح وحجة الوداع لتشابههما، وعلى فرض صحته يكون توكيدا للنهي السابق عام الفتح وليس منافيا له.

ولعلك تلاحظ معى أن نهي النبى صلى الله عليه وسلم عن المتعة كان يقع حينما تكون هناك تجمعات غير عادية، قد يعتبرها بعض الناس فرصة لاستباحتها كما كانوا يفعلون في الجاهلية.

وإذا كان النهي عنها قد وقع في عدة مواقف - أولها ما روى عن على رضي الله عنه في خيبر - فإن الإذن بها لم يصح بغير علة - كما قال صاحب الفتح - إلا في غزوة الفتح، فهي التي صرح فيها بالإباحة، وهي التي وقع فيها النهي المؤبد عنها.

وانتصار المسلمين في فتح مكة هو ذروة سنام انتصاراتهم في الغزوات السابقة، وبه زال الجفاء وارتفع العداء بين المدينتين العظيمتين، واتصل ما انقطع

ص: 1076

من الرحم بين أهلها، وأيامه أيام عيد كبير لا يقل عن الأعياد العادية التي أباح رسول الله فيها اللعب البرىء، وقال عنها:" إنها أيام أكل وشرب وبعال ". ولم يكن في فتح مكة مثل ما كان في خيبر وأوطاس من سبايا، فأباح صلى الله عليه وسلم المتعة فيه من باب التوسعة وإدخال البهجة والسرور على نفوس جنود بعدوا عن أزواجهم وأهلهم في فرصة لا مثيل لها في تاريخهم، فالإباحة فى الواقع استثنائية، وترك بابها مفتوحا أبدا يعود على المشروع الأصلى بالنقض، إذ يؤدى إلى وضع العلاقة الزوجية موضع المسافحة، ويبعدها عن الغرض المقصود من الزواج الدائم، ولا أدل على هذا من أن يؤدى القول بإباحتها إلى القول بصحة تزوج الرجل المرأة متعة على عرد واحد كما سيأتى. ومن أجل هذا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنها بعد ثلاث كما تقدم.

وإذا كان هذا النهي لم يبلغ بعض الناس - كابن عباس وغيره - فبقى على القول بالحل مطلقا أو عند الضرورة فقد حمله إلى الأمة من تقوم به الحجة على مثله، ومتى صدر الحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وسمعه من تقوم الحجة بسماعه ـ كان على من سمعه أن يبلغه، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:" ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع "، وعلى كل من علمه أن يعمل به، ومن لم يبلغه الخبر لا يكون حجة على من سمعه أو بلغه، فإن من عرف حجة على من لم يعرف، والإثبات مقدم على النفى.

وليس بعجيب أن يجهل بعض الناس حكم المتعة، لأنها ليست من شعائر الإسلام، ولا من الأمور التي تعم بها البلوى، فيحتاج الناس جميعاً إلى معرفة حكمها كما يحتاجون إلى معرفة وجوب الصلاة وحرمة الزنى ونحو ذلك، فقد فتح الإسلام باب الزواج الذى يكون به الإحصان، وتتعلق به مصلحة بقاء النوع على مصراعيه، وحث الناس على ولوجه، فأغناهم عن قضاء وطرهم الجنسى بسواه، والذين أصلح الله قلوبهم بالإسلام، وهذب طباعهم بأدابه إنما يستجيبون لنداء الفطرة من هذا الطريق، ولا تحملهم شهوة جامحة على التطلع إلى

ص: 1077

غيره عملا بقوله تعالى: "" وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ""(1) .

وفى زمن عمر رضي الله عنه وقعت حوادث فردية دلت على أن في الناس من يفعل المتعة جاهلاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أباحها لحاجة عارضة ثم حرمها تحريماً مؤبداً.

ومن ذلك ما روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير ـ أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه. فخرج عمر فزعاً يجر رداءه وقال: " هذه المتعة لو تقدمت فيها لرجمت " يعنى لو أنى علمت الناس من أمرها ما جهلوا، وأذعت بينهم حرمتها ـ لرجمت من يفعلها (2) .

ومنه ما أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن جابر- أنه قال: قدم عمرو بن حريث الكوفة، فاستمتع بمولاة، فأتى بها عمرو حبلى، فسأله فاعترف (3) .

قال جابر: فذلك حين نهي عنها عمر.

ولا يجوز في تقديرنا أن يكون ربيعة بن أمية أو عمرو بن حريث أو غيرهما- إذا صح أن غيرهما قد فعلها ـ لا يجوز أن يكون أحد من هؤلاء قد علم أن الرسول حرمها ثم يقدم على فعلها.

لهذا خطب عمر الناس ـ فيما أخرج ابن ماجه عنه بسند صحيح فقال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو

(1) النور: 33.

(2)

يدل اهتمام خولة بالأمر، ورفعها إياه إلى عمر، وفزعه منه، وقوله هذه المتعة – على أن هذا الفعل لم يكن ذائعاً بين الناس، ولهذا لا يقال: لم لم ينه عنه أبو بكر وعمر قبل ذلك.

(3)

قوله: فسأله فاعترف – يدل على أن من كان يفعل المتعة كان يتحرج من إظهارها وقد ينكرها.

ص: 1078

محصن إلا رجمته بالحجارة "، وروى ابن جرير بسنده، أن عمر بن الخطاب لما ولى أمر الناس خطب فقال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتينى بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها، ولا أجد رجلا من المسلمين متمتعاً إلا جلدته مائة جلدة إلا أن يأتينى بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها " (1) .

قال عمر هذا منذراً ومعلناً في ملأ من الصحابة ولم يعارضه أحد، لا من الحاضرين الذين سمعوه، ولا من الغائبين الذين بلغهم الخبر، ولم يقل له أحد من المسلمين: إنك خالفت آية في كتاب الله، أو أمراً من أوامر رسول الله، مع أنه كان يقبل أن تعارضه امرأة ويرجع إلى قولها، فكان سكوتهم جميعاً تصديقاً له، وإذا عد عمله خروجاً على الدين فكل من سكت عليه يكون شريكاً له في ذلك حتى على رضي الله عنه، ولا نظن أحدا من المسلمين يرضي باتهام أحد من أصحاب رسول الله بالجبن في دين الله.

وفى مسلم أن عمر رضي الله عنه قال في متعة النساء: " إن الله تعالى كان يحل لرسوله ما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله (2) ، فأبتوا نكاح هذه النساء،

(1) يدل هذا الحديث على أن عمر يهدد بالعقوبة كل متمتع محصنا كان أو غيرمحصن، ومن عجب أن يورد بعض المؤلفين فى المتعة هذا النص بتمامه، ثم يستدل به على أن عمر كان يحرم المتعة على المحصن دون غيره (ص 21: المتعة في الإسلام) .

(2)

أي أنه في أثناء نزول الوحي وقبل كمال الشريعة كان الله تعالى يبيح لرسوله ما شاء بما شاء من أسباب عارضة تقتضى الإباحة، كإباحاته مكة ساعة من نهار ثم تحريمها إلى يوم القيامة، وإباحته المتعة ثم تحريمها تحريماً مؤبداً وبكمال الشريعة وانقطاع الوحي أخذت الأحكام وضعها الأصيل الدائم، فلا نسخ ولا استثناء بعد ذلك إلا بدليل.

ص: 1079

أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة " (1) ، وقال في متعة الحج: " أتموا الحج والعمرة كما أمركم ربكم " وفى رواية: " افصلوا حجكم عن عمرتكم، فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم ".

ومن هذا ترى أن عمر رضي الله عنه ما كان يهدد بالعقوبة على متعة الحج بل كان يرشد الناس ـ مصيباً أو مخطئاً ـ إلى ما يراه أكمل لحجهم وعمرتهم، وأكثر ثواباُ لهم، من غير إلزام لأحد منهم، ولهذا قال عبد الله بن عمر - حينما أفتى في متعة الحج بغير ما أفتى أبوه، وسئل عن ذلك -:" إن عمر لم يقل إن المتعة في أشهر الحج حرام، بل قال إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج، وإنما كان يبتغى بذلك الخير للناس، فلم تحرمون ما أحل الله وعمل به رسوله؟ أفسنة رسول الله أحق أن تتبعوا أم سنة عمر؟ "(2) .

وقد تبين مما قدمنا أن عمر كان يعتمد في تحريم متعة النساء على تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وهي التي كان يتهدد من يفعلها ولا عليه بعد هذا أن يقول أحياناً مشدداً ومتوعداً ومنفذاً لأحكام الشريعة التي نصب لإقامتها -:" أنا أحرم المتعة وأعاقب عليها "، فإن كل مسلم ـ فضلا عن ولى الأمر ـ يستطيع أن يقول

(1) قال الفقهاء: إن عمر ما كان يريد بقوله هذا إلا التهديد، لأنه ما كان يجهل أن الحدود تدرأ بالشبهات، وقد درأ هو الحد عن بغى بأجرة، ولعله درأ عنها الحد لأن الناس ما كانوا يجترءون على الزنى في زمنه جرأتهم عليه بعد أن عطلت الحدود.

(2)

راجع ص 67 حـ 7: المحلى، ويظهر أن الحزبية لعبت دوراً هاماً في هذه المسألة عن قصد أو غير قصد، وإلا فلماذا يصور عمر بصورة الطاغية العنيد الذى يعاقب بالحق وبالباطل وينقل قوله بصيغة توهم أنه يتحدى رسول الله، ويشرع من عند نفسه. فيحرم ما أحل الله ورسوله حيث يقول " متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما "، وإذا صح أن يعاقب على متعة النساء فكيف يعاقب على متعة الحج؟ ولماذا يكثر البحث في متعة النساء خاصة، وتؤلف فيها الكتب وليست إلا مسألة فرعية من مسائل الفقه الإسلامي، وما أكثر المسائل التي اختلف فيها الأئمة، وقال فيها بعضهم بالحل وبعضهم بالحرمة، وإذا كان الباعث على الاهتمام بها تعلقها بالأعراض - فما كان أولانا جميعا بالاتفاق على حرمتها

ص: 1080

أنا أحرم الخمر وأحرم الزنى، يعنى أنه يدين بهذا ويعمل به، لا أنه ينشئ تحريماً من عند نفسه، فدعوى أن عمر رضي الله عنه يحرم من تلقاء نفسه دعوى هزيلة رخيصة.

(ج) وأما قولهم: إن ابن عباس وغيره قد أفتوا بإباحتها، وإن من الصحابة من كان يفعلها، فتلك آراء فردية لا ترقى إلى رتبة المعارضة للآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن عمل بعض الناس بها في زمن الرسالة، فضلا عن عملهم بها في زمن أبى بكر وعمر - لا يكون حجة على الإباحة إلا إذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم به وأقره.

وقد تقدم في حديث جابر وأبى هريرة عن غزوة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علم أن نسوة كن موضع متعة سابقة يطفن برحال الجنود - غضب ونهي عن المتعة، لأنه خشى أن تتوجه نفوس الجنود إليها، فلو أنه لم يعلم وتمتعوا بهن - فهل يكون فعلهم هذا حجة على الإباحة إذا قالوا بعد: لقد فعلنا المتعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وقد روى أن عليا رضي الله عنه لما سمع ابن عباس يلين في متعة النساء قال له: " مهلا يا بن عباس، إنك رجل تائه، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية "، وروى البخارى بسنده عن على رضي الله عنه أنه قال لابن عباس:" إن النبى صلى الله عليه وسلم نهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر".

وروى مسلم بسنده عن عروة بن الزبير - أن عبد الله بن الزبير قام بمكة خطيباً فقال " إن ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم - يعرض بابن عباس وكان قد كف بصره ـ يفتون بحل المتعة "، فقال له ابن عباس:" إنك لجلف جاف، فلعمرى لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين "(1) ـ يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) قول ابن عباس هذا لا حجة فيه على بقاء حل المتعة كما قدمنا، ولو كانت إباحتها تستند إلى شيء من الكتاب الكريم ما ترك ابن عباس الاستدلال به في هذا المقام، وهو من أعلم الناس بكتاب الله.

ص: 1081

فقال له ابن الزبير: " فجرب نفسك فوالله لإن فعلتها لأرجمنك بأحجارك".

وقد روى ما يدل على أن فتوى ابن عباس كانت مقصورة على حال الضرورة، فقد روى البخارى عن أبى جمرة أنه قال: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء، فرخص فيها، فقال له مولى له (1) : إنما ذلك في الحال الشديدة وفى النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم.

وروى الحازمى بسنده عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لابن عباس، لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:

قد قلت للشيخ لما طال محبسه

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

وهل ترى رخصة الأطراف آنسة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال ابن عباس: سبحان الله! ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير، لا تحل إلا للمضطر.

وقال الحازمى: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبح المتعة للناس وهم في أوطانهم وبيوتهم، وإنما أباحها لهم في أوقات ضرورة، ثم حرمها عليهم تحريما مؤبدا، لم يخالف فيه إلا طائفة من الشيعة (2) .

(1) قال ابن حجر: أظن عكرمة.

(2)

راجع 768 - 274 حـ 6: نيل الأوطار، 170 حـ 3: سبل السلام،

385 حـ 2: فتح القدير.

ص: 1082

وروى البهيقى عن ابن شهاب الزهرى أنه قال: إن ابن عباس ما مات حتى رجع عن هذه الفتيا.

ومن هذا يتبين:

1ـ أن الآية التي استدل بها الشيعة على الإباحة لا تدل له، بل هي حجة عليهم، ولو صح ما ذهبوا إليه في تفسيرها لعارض الناس بها عمر، ولرد بها ابن عباس على ابن الزبير.

2ـ وأن إباحة الرسول صلى الله عليه وسلم لها لم تثبت بغير علة إلا في غزوة الفتح، والنهي عنها وقع في عدة مواقف منها ما روى عن على رضي الله عنه، وقد رواه الشيعة في كتبهم، وكلها مواقف تجمعات غير عادية كما قدمنا

3ـ والذى روى إباحتها عام الفتح روى مع هذا أن النبى صلى الله عليه وسلم حرمها عقب ذلك تحريماً مؤبدا فكانت الإباحة استثناء من الأصل الأصيل في صفات المؤمنين، وكان التحريم رجوعا إلى ذلك الأصل كما قدمنا.

4ـ وبقاء بعض الناس على القول بالحل مطلقا أو عند الضرورة لعدم علمهم بالتحريم أو عدم ثبوته عندهم لا يؤثر في ثبوت الحكم بالحرمة عند الكافة، كما لايؤثر فيه عمل بعض الناس بها في زمن الرسول، فقد يكون عمله بها في وقت الإباحة الاستثنائية، والعمل بها فى هذا الوقت لا يكون حجة على الإباحة إلا إذا ثبت أن الرسول قد علم به وأقرهم عليه.

ويؤيد هذا قوله تعالى: "" وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللهُ مِن فَضْلِهِ ""، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ".

ص: 1083

فقد أمر الله تعالى من لايستطيع الزواج بأن يجاهد نفسه ويعف عن طلب المرأة، وأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يستعين على ذلك بالصوم، ولو كان هناك ذلك الزواج المؤقت على نحو ما ذكروا من اليسر والسهولة لكان فيه مندوحه عن ذلك.

وروى البخاري بسنده عن أبى هريرة أنه قال: قلت يا رسول الله، إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء فأذن لي اختصي، فسكت عنى، ثم قلت مثل ذلك فسكت عنى، ثم قلت مثل ذلك فسكت عنى، ثم قلت مثل ذلك فقال لي:" يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاق، فاختص على ذلك أو ذر ". ولو كانت المتعة مباحة لنصح الرسول أبا هريرة - وقد وصلت به الحال إلى ما وصلت إليه - بزواج مؤقت لا يكلفه ما يكلف الزواج الدائم من أعباء.

وإذا سلمنا جدلا بأن أدلة الإباحة تعادل أدلة الحرمة في القوة فإنها تكون متعارضة، ولا شك أن دليل الحرمة يقدم حينئذ على دليل الإباحة ـ كما تقرر في الأصول؛ لأن ترك المباح أولى من ارتكاب المحرم، وقد سئل على رضي الله عنه عن الجمع بين أختين وطئا بملك اليمين، فقال:(أحلتهما آية يعنى قوله تعالى: "" فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "" ـ وحرمتهما آية ـ يعنى قوله تعالى "" وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ "" ـ والتحريم أحب إلينا) . وعلى هذا جمهور المسلمين في العالم والحمد لله.

ولا نظن إخواننا من الشيعة يفعلون المتعة، لأنهم لايرضون أن يتمتعوا بالمؤمنة أو بالشريفة حتى لا يذلوها أو يلحقوا العار بأهلها كما قالوا، وهو ما لا يرضاه الله لأحد من عباده المؤمنين، ولعلهم يأنفون من التمتع بالوضيعة، ويأبون- كما يأبى كل شريف عاقل - أن يتمتع ناس ببناتهم، أو أخواتهم.

ولا داعى حينئذ إلى جدل في مسألة ليس لها في الواقع العملى مجال.

ص: 1084

هذا - ومما نلاحظ على ما ورد في المتعة عند إخواننا الشيعة أمور (1) : -

1ـ أنهم رووا عن على رضي الله عنه بسند يرضونه ـ ما روى الشيخان عنه: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله - لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة ثم قالوا: إن هذه رواية شاذة تحمل على التقية، لأنها موافقة لمذاهب العامة، فجعلوا الموافقة لمذاهب العامة حجة لشذوذ الخبر أو حمله على التقية، كأن مخالفة العامة أمر يقصد لذاته. ومن من كانت هذه التقية؟ وما الذى كان يتقيه أكان المتقى أحد الرواة؟ أم كان عليا رضي الله عنه، وحاشاه أن يخشى في الله لومة لائم وهو ما هو شجاعة وشدة بأس.

قد تكون التقية بتجنب المتعة خوفا من معاقبة ولى الأمر، كالذى كان من ابن عباس أيام عبد الله بن الزبير، مع ملاحظة أنه لم يمنعه من الجهر برأيه في شدة وصرامة كما تقدم، أما أن تكون التقية بأن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله - فهذا ما ننزه عنه عليا رضي الله عنه وشيعته رحمهم الله أجمعين.

2 ـ أنهم قالوا بحل المتعة بالبكر التي تعيش بين أبويها بإذن وليها إذا لم تبلغ سن العاشرة، وبغير إذنه إذا بلغت هذه السن، وندع التعليق على هذا للقارئ بعد أن يطلع على ما كتب عنه في كتاب الاستبصار، وندعو الله تعالى ألا نبتلى بصديق أو جار يتسبيح التمتمع ببناتنا أو أخواتنا - ليعفهن كما قالوا - بغير إذن منا.

3 ـ أنهم أفتوا بصحة تزوج الرجل المرأة متعة على عرد واحد أو أكثر (2) ، وقد يشترطون أن تقدر لذلك مدة كيوم أو يومين، لا ساعة أو ساعتين، لعدم انضباط الوقت، وأباحوا له أن يشترط العزل، ونحن لا نعرف الفرق بين الزنى وهذه المتعة، ولعل الفرق بينهما أن من اتفق مع المرأة على عرد واحد مثلا ً - يجب عليه بمجرد فراغه من المواقعه أن يحول وجهه ولا ينظر إليها كما قالوا، أفلا

(1) راجع ص 141 – 154 حـ 3: من كتاب " الاستبصار " للعالم الجليل والفقيه الشيعي أبى جعفر الطوسى المتوفى سنة 460هـ، وص 70 –80 حـ 11: فتح الباري.

(2)

أي مواقعه واحدة أو أكثر، وراجع معنى العرد – بفتح فسكون – في القاموس المحيط.

ص: 1085

نكون معذورين في الجهل بهذا الفرق وقد روى البيهقى عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: " هي الزنى بعينه "(1)

4-

أنهم رووا عن على رضي الله عنه أنه قال: " لولا ما سبقنى به ابن الخطاب ما زنى إلا شفا "(2) ، أي إلا قليل، وفى رواية إلا شقى، وإذا كان الأمر كذلك عنده، وكان هناك نص قرآنى في الموضوع - وهو أبو الحسن القادر على حل المشكلات وأفقه الفقهاء من غير منازع - فلماذا سكت عن عمرولم يعارضه؟ وهل هو أضعف أو أقل شأناً من المرأة التي عارضت عمر في المهر علناً وخضع لرأيها؟! وإذا كان السكوت تقية، وهو ما لا نرضاه لعلى رضي الله عنه فلماذا لم يعلن رأيه، ويبين خطأ عمر فيما ذهب إليه بعد أن آل الأمر إليه؟

وما كان المعقول ـ والمتعة تجوز على عرد أو عردين كما قالوا ـ أن يقول الإمام رضي الله عنه: " لولا ما سبقنى به ابن الخطاب ما زنى أحد "، فإن كل زنى سيكون متعة عندهم، أو ليس الزنى مواقعة رجل لامرأة بتراضيهما؟ أم أن الزنى لا يكون إلا بإكراه؟

على أنا نستطيع أن نفهم هذا الذى روى عن على رضي الله عنه على ضوء ما روى عنه من نهي النبى صلى الله عليه وسلم عن المتعة، ومن إنكاره إباحتها على ابن عباس رضي الله عنه بأن معناه أن ما سبقنى به عمر من إعلان الناس بما خفى على بعضهم من حرمة المتعة وكان من الجائز أن أسبقه إليه وأنادى به ـ لولا هذا لادعى كل زان أنه يستمتع، فلا يعد زانيا ويقام عليه الحد إلا القليل الذى يغفل عن ادعاء المتعة، أي

(1) ص 77 حـ 11 ك فتح البارى، الشيعة يبطلون هذه الرواية لأنها منقطعة لم يذكر لها سند، وقد توفى الصادق سنة 148 هـ، وولد البيهقى سنة 384هـ، والخطب هين، لأن هذه الرواية مرسلة وليست دليلاً في الموضوع عندنا.

(2)

ص 85: المتعة في الإسلام.

ص: 1086

لولا ما فعله عمر لانتشر الزنى بين الناس باسم المتعة، وما وقع تحت طائلة العقوبة إلا قليل، فالكلام موافقة على ما صنع عمر، ورضا به لا معارضة له. والله يهدينا جميعا سواء السبيل. انتهى

ص: 1087