الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما جمعت علم الحسن إلى أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه، غير أنه إذا أشكل عليه شيء كتب فيه إلى سعيد بن المسيب يسأله، وما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن. قال معاذ بن معاذ: قلت للأشعث: قد لقيت عطاء وعندك مسائل، أفلا سألته؟ قال: ما لقيت أحدا بعد الحسن إلا صغر في عيني. وقال قتادة وحميد ويونس: ما رأينا أحدا أكمل مروءة من الحسن. وقال عوف: ما رأيت رجلا أعلم بطريق الجنة من الحسن. عن بكر ابن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى أفقه من رأينا فلينظر إلى الحسن. وقال قتادة: كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام. رمي بالقول في القدر! لكن قال سليمان التيمي: رجع الحسن عن قوله في القدر. قال حميد: سمعت الحسن يقول: خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر. فقال رجل: قاتلهم الله! يكذبون على هذا الشيخ. قال أيوب السختياني: لو رأيت الحسن لقلت إنك لم تجالس فقيها قط.
مات في أول رجب سنة عشر ومائة، وكانت جنازته مشهودة، صلوا عليه عقيب الجمعة.
موقفه من المبتدعة:
- صلى الحسن الجمعة وجلس فبكى، فقيل له ما يبكيك يا أبا سعيد؟ فقال: تلومني على البكاء، ولو أن رجلا من المهاجرين اطلع من باب مسجدكم؛ ما عرف شيئا مما كان عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنتم اليوم عليه إلا قبلتكم هذه. (1)
(1) إغاثة اللهفان (1/ 206).
- عن الحسن قال: أدركت عشرة آلاف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو رأوكم لقالوا: ما لهؤلاء؟ .. مجانين؟ ولو رأيتموهم لقلتم: هؤلاء مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء في الآخرة من حاجة، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب. (1)
- عن الحسن قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا -قال: ووضع يده على خده ثم قال- إلا هذه الصلاة. ثم قال: أما والله على ذلك لمن عاش في هذه النكراء، ولم يدرك هذا السلف الصالح فرأى مبتدعا يدعوا إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعوا إلى دنياه فعصمه الله عن ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذلك السلف الصالح يسأل عن سبيلهم ويقتص آثارهم ويتبع سبيلهم، ليعوض أجرا عظيما. فكذلك فكونوا إن شاء الله. (2)
- وروى الدارمي عن المبارك عن الحسن قال: سننكم -والله الذي لا إله إلا هو- بينهما بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا. (3)
- وعنه رضي الله عنه كان يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا
(1) ما جاء في البدع (ص.130).
(2)
ما جاء في البدع (ص.140) وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 34) وفيه عن أنس وهو خطأ.
(3)
الدارمي (1/ 71 - 72) والباعث (ص.72).
تجادلوهم ولا تسمعوا منهم. (1)
- وعنه قال: لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب. (2)
- وعنه رضي الله عنه قال: أهل الهوى بمنزلة اليهود والنصارى. (3)
- وعنه رضي الله عنه قال: ليس لأهل البدع غيبة. (4)
- وعنه قال: ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة: أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته. (5)
- وعنه قال: ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن بفسقه غيبة. (6)
- وعنه رضي الله عنه قال: صاحب البدعة لا يقبل الله له صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا. (7)
- وعنه قال: صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا -صياما وصلاة- إلا ازداد من الله بعدا. (8)
- وعنه قال: لا يقبل الله من صاحب البدعة شيئا. (9)
(1) أصول الاعتقاد (1/ 150/240) وذم الكلام (ص.189) والإبانة (2/ 3/444/ 395) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 944) والبيهقي في الشعب (7/ 61) وميزان الاعتدال (1/ 3).
(2)
الإبانة (2/ 3/438/ 373) وانظر الاعتصام (1/ 113).
(3)
أصول الاعتقاد (1/ 148/233).
(4)
ذم الكلام (ص.177) وأصول الاعتقاد (1/ 158/280) والكفاية في علم الرواية (ص.43).
(5)
أصول الاعتقاد (1/ 158/278).
(6)
أصول الاعتقاد (1/ 158/279).
(7)
أصول الاعتقاد (1/ 156 - 157/ 270) وذم الكلام (ص.148) والشريعة (1/ 200/144) والباعث (ص.73).
(8)
ابن وضاح (ص.67) وأورده الشاطبي في الاعتصام (1/ 111).
(9)
أصول الاعتقاد (1/ 157/271).
- وعنه قال: أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة. (1)
- وعنه رضي الله عنه قال في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2). قال: وكان علامة حبه إياهم: اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3)
- وعنه رضي الله عنه قال: يا أهل السنة ترفقوا رحمكم الله فإنكم من أقل الناس. (4)
- عن مبارك بن فضالة عن الحسن في هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (5) قال: هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه. (6)
- وكان الحسن البصري يقول: شر داء خالط قلبا يعني الهوى. (7)
- عن الحسن في قوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (8) قال: الكتاب: القرآن. والحكمة: السنة. (9)
- وعنه أن رجلا أتاه فقال: يا أبا سعيد إني أريد أن أخاصمك فقال
(1) أصول الاعتقاد (1/ 159 - 160/ 285).
(2)
آل عمران الآية (31).
(3)
أصول الاعتقاد (1/ 77/68).
(4)
أصول الاعتقاد (1/ 63/19).
(5)
الجاثية الآية (23).
(6)
السير (4/ 570 - 571).
(7)
السنة لعبد الله (ص.25) والسنة للخلال (5/ 34).
(8)
البقرة الآية (129).
(9)
أصول الاعتقاد (1/ 78/70).
الحسن: إليك عني فإني قد عرفت ديني وإنما يخاصمك الشاك في دينه. (1)
- وعنه قال: ذهبت المعارف وبقيت المناكر ومن بقي من المسلمين فهو مغموم. (2)
- وعنه قال: ما لي لا أرى زمانا إلا بكيت منه فإذا ذهب بكيت عليه. (3)
" التعليق:
قال ابن بطة: إخواني فاستمعوا إلى كلام هؤلاء السادة من الماضين، والأئمة العقلاء من علماء المسلمين، والسلف الصالح من الصحابة والتابعين، هذه أقوالهم والإسلام في طرافة ومطاوعة، وعنفوان قوته واستقامته والأئمة راشدون والأمراء مقسطون، فما ظنكم بنا وبزمان أصبحنا فيه وما نعانيه ونقاسيه ولم يبق من الدين إلا العكر، ومن العيش إلا الكدر ونحن في دردى الدنيا وثمادها؟!
- عن مرة سمع الحسن يقول: لا تمكن أذنيك من صاحب هوى فيمرض قلبك، ولا تجيبن أميرا وإن دعاك لتقرأ عنده سورة من القرآن؛ فإنك لا تخرج من عنده إلا بشر مما دخلت. (4)
- عن الحسن البصري قال: لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك
(1) أصول الاعتقاد (1/ 144/215) والإبانة (2/ 3/509/ 586) والشريعة (1/ 189 - 190/ 124) وانظر طبقات الحنابلة (2/ 39).
(2)
الإبانة (1/ 1/184 - 185/ 19).
(3)
الإبانة (1/ 1/186/ 21).
(4)
الإبانة (2/ 3/444 - 445/ 396) وشعب الإيمان (7/ 60).
ما تتبعه عليه فتهلك أو تخالفه فيمرض قلبك. (1)
- عن ابن عيينة قال: سمعت رجلا من أهل البصرة يذكر عن الحسن، قال: ما أدركت فقيها قط يماري ولا يداري ينشر حكم الله فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله. (2)
- عن سفيان بن حسين قال: سمعت الحسن وتلا هذه الآية: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} (3). قال: ابتغاء الضلالة. (4)
- عن الحسن أنه كان يقول: اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله وانتصحوا كتاب الله على أنفسكم. (5)
- وعنه قال: شرار عباد الله يتبعون شرار المسائل يعمون بها عباد الله عز وجل. (6)
- عن الأشعث عن الحسن قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه. (7)
- قال الشاطبي: وخرج ابن وضاح في كتاب (القطعان) حديث
(1) ما جاء في البدع (ص.110) وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 112).
(2)
الإبانة (2/ 3/518 - 519/ 611).
(3)
آل عمران الآية (7).
(4)
الإبانة (2/ 4/606/ 782).
(5)
الإبانة (1/ 2/389/ 283).
(6)
الإبانة (1/ 2/402 - 403/ 304).
(7)
ذم الكلام (ص.292).
الأوزاعي: أنه بلغه عن الحسن: أنه قال: لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده، يعرضون أعمال العباد على كتاب الله، فإذا وافقوه، حمدوا الله، وإذا خالفوه، عرفوا بكتاب الله ضلالة من ضل، وهدى من اهتدى، فأولئك خلفاء الله. (1)
- ونقل عبيد بن حميد بن مهران، قال: سألت الحسن كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (2)، قال: نبذوها -ورب الكعبة- وراء ظهورهم. (3)
- وعن الحسن: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل، وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار، وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا. (4)
- عن الحسن أنه تلا هذه الآية {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (5) قال: قاس إبليس وهو أول من قاس. (6)
- عن أبي التياح قال: قلت للحسن: إمامنا يقص، فيجتمع الرجال والنساء، فيرفعون أصواتهم بالدعاء. فقال الحسن: إن رفع الصوت بالدعاء
(1) الاعتصام (1/ 46).
(2)
آل عمران الآية (105).
(3)
الاعتصام (1/ 75).
(4)
الاعتصام (1/ 135 - 136).
(5)
الأعراف الآية (12) وص الآية (75).
(6)
الدارمي (1/ 65) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 892).
لبدعة، وإن مد الأيدي بالدعاء لبدعة، وإن اجتماع الرجال والنساء لبدعة. (1)
- قال الحسن: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، ولم يأتوا الأمر من قبل أوله؛ قال الله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2)، وما تدبر آياته إلا اتباعه بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن كله ما أسقطت منه حرفا، وقد والله أسقطه كله، ما رئي القرآن له في خلق ولا عمل، وإن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نفس واحد، ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء الورعة، متى كان القراء يقولون مثل هذا؟. لا كثر الله في الناس مثل هذا. قال الحسن: ولقد قرأ القرآن ثلاثة نفر: فرجل قرأ القرآن، فأعده بضاعة؛ يطلب به ما عند الناس، من مصر إلى مصر. وقوم قرؤوا القرآن فثقفوه تثقيف القدح، فأقاموا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به ما عند الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم، وما أكثر هذا الصنف من حملة القرآن. لا كثر الله صنفهم تعالى. قال: ورجل قرأ القرآن، فبدأ بدواء ما يعلم من القرآن، فجعله على داء قلبه، فهملت عيناه، وسهر نومه، وتسربل الحزن، وارتدى الخشوع، فبهم يسقي الله الغيث، وينفي العدو، ويدفع البلاء، فوالله لهذا الضرب من حملة القرآن أقل في الناس من الكبريت الأحمر. (3)
(1) الاقتضاء (2/ 639 - 640).
(2)
ص الآية (29).
(3)
الحوادث والبدع (ص.98 - 99)