الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمّد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال:
فحلبت فيه حتّى علته رغوة «1» فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت:
يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت «2» أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إحدى سوءاتك «3» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «4» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» «5» .
وفي رواية أحمد «فأتاني الشّيطان ذات ليلة فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة فاشربها، قال (المقداد) فما زال يزيّن لي حتّى شربتها
…
الحديث) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغي والإغواء)
1-
* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أمّا ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأمّا سواع فكانت لهذيل، وأمّا يغوث فكانت لمراد، ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الطّلاع «7» . أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا، وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ «8» العلم عبدت) * «9» .
(1) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحتي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة.
(2)
فلما عرفت
…
إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكونه أذهب نصيب النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة.
(3)
إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي.
(4)
ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله.
(5)
مسلم (2055) .
(6)
السابق، نفسه.
(7)
كلب وهذيل ومراد وبني غطيف وهمذان وحمير، أسماء قبائل عربية وآل ذي الطلاع بطن من حمير.
(8)
تنسخ العلم: أي زال ونسي.
(9)
البخاري- الفتح 8 (4920) .
2-
* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه قال: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والحرّ والعبد، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم) * «1» .
3-
* (قال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: فَبِما أَغْوَيْتَنِي (الأعراف/ 16) المعنى: فبما أضللتني) * «2» .
4-
* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 202) هم الجنّ يوحون لأوليائهم من الإنس ثمّ لا يسأمون) * «3» .
5-
* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 201- 202) هذا خبر من الله تعالى عن فريقي الإيمان والكفر بأنّ فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلّهم الشّيطان تذكّروا عظمة الله وعقابه فكفّتهم رهبته عن معاصيه، وأنّ فريق الكافرين يزيدهم الشّيطان غيّا إلى غيّهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله تعالى، ولا يحجزهم تقوى الله وخوف المعاد منه عن التّمادي فيها والزّيادة منها، فهم أبدا في زيادة من ركوب الإثم والشّيطان يزيدهم أبدا، لا يقصر الإنسيّ عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشّيطان من مدّه منه) * «4» .
6-
* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (الأعراف/ 175) قوله تعالى: فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ يقول: فكان من الهالكين لضلاله وخلافه أمر ربّه وطاعة الشّيطان) * «5» .
7-
* (عن ابن زيد- رضي الله عنه في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) يعني: شرّا أو ضلالا أو خيبة. ومن ذلك قول الشّاعر:
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره
…
ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما) * «6» .
8-
* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما غيّ واد في جهنّم وإنّ أودية جهنّم لتستعيذ من حرّه أعدّه الله للزّاني المصرّ على الزّنا، ولشارب الخمر المدمن عليه، ولآكل الرّبا الّذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزّور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا ليس منه) * «7» .
9-
* (وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله
(1) أبو داود 4 (4611) .
(2)
تفسير الطبري (8/ 98) .
(3)
المرجع السابق (9/ 108) .
(4)
تفسير الطبري (9/ 108) .
(5)
المرجع السابق (9/ 84، 85) .
(6)
تفسير القرطبي (11/ 125) .
(7)
المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
عنه- الغيّ (في الآية السّابقة) واد في جهنّم بعيد القعر خبيث الطّعم) * «1» .
10-
* (وعن كعب- رضي الله عنه قال (في الآية نفسها) : غيّ: واد في جهنّم أبعدها قعرا، وأشدّها حرّا، فيه بئر يسمّى البهيم، كلّما خبت نار جهنّم فتح الله تعالى تلك البئر فتسعر بها جهنّم) * «2» .
11-
* (حكى النّقّاش- واختاره القشيريّ- في قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) أي فسد عليه أمره أي فسد عيشه بنزوله إلى الحياة الدّنيا، قال القرطبيّ: وهو تأويل حسن، وقيل معناه جهل موضع رشده، أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها «3» ، وقال القشيريّ: يقال عصى آدم وغوى ولا يقال له عاص ولا غاو كما أنّ من خاط مرّة يقال له (خاط) ولا يقال له خيّاط ما لم تتكرّر منه الخياطة، قال القرطبيّ: وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإمّا أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوّة) * «4» .
12-
* (عن قتادة والحسن والضّحّاك في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ (الأعراف/ 202) المعنى وإخوان الشّياطين وهم الفجّار من ضلّال الإنس، تمدّهم الشّياطين في الغيّ، وقيل للفجّار إخوان الشّياطين لأنّهم يقبلون منهم، قال القرطبيّ، وهذا أحسن ما قيل في الآية) * «5» .
13-
* (روي أنّ طاووسا جاءه رجل في المسجد الحرام، وكان متّهما بالقدر، وكان من الفقهاء الكبار، فجلس إليه، فقال له طاووس: تقوم أو تقام؟
فقيل لطاووس: تقول هذا لرجل فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، يقول إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي (الحجر/ 39) ويقول هذا: أنا أغوي نفسي) * «6» .
14-
* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:
فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) : المعنى: فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وهذا لأنّ كفر إبليس- لعنه الله- ليس كفر جهل، بل هو كفر عناد واستكبار «7» ، وقيل معنى الكلام هو القسم أي (فبحقّ) إغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم على صراطك أو في صراطك «8» ، ودليل هذا القول قوله عز وجل في سورة (ص/ 82) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ 82) وكأنّ إبليس أعظم قدر إغواء الله إيّاه لما فيه من التّسليط على العباد، فأقسم به إعظاما لقدره عنده «9» ، وقيل الباء بمعنى اللّام «10» كأنّه قال:
(1) تفسير القرطبي (11/ 125) . وتفسير ابن كثير (3/ 135) .
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 135) .
(3)
تفسير القرطبي (11/ 257) .
(4)
تفسير القرطبي (11/ 257) .
(5)
تفسير القرطبي (7/ 351) .
(6)
تفسير القرطبي (7/ 175) .
(7)
وعلى هذا تكون الباء للسببية.
(8)
المراد أن هنا حرف جر محذوف تقديره «على» أو «في» .
(9)
وعلى ذلك تكون الباء للقسم.
(10)
أي اللام التعليلية، وهذا يرجع إلى المعنى الأول لأن التعليل والسببية متقاربان.