الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمّا الآفات المباشرة فقد ذكرها الإمام الغزاليّ بقوله: العجب يدعو إلى نسيان الذّنوب وإهمالها، ويستعظم صاحبه العبادات والأعمال ويتبجّح بها، ويمنّ على الله بفعلها ثمّ إذا أعجب بها نسي آفاتها، ومن لم يتفقّد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، والمعجب يغترّ بنفسه وبرأيه، ويأمن مكر الله وعذابه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكّيها، ويمنعه ذلك من الاستشارة والسّؤال فيستبدّ بنفسه ويكتفي برأيه، وربّما أعجب بالرّأي الخطأ الّذي خطر له فيفرح بكونه من خواطره، ويصرّ عليه، وربّما أودى به ذلك إلى الهلاك خاصّة لو كان هذا الرّأي يتعلّق بأمر من أمور الدّين، ولذلك عدّ العجب من المهلكات، ومن أعظم آفات العجب فتور سعي المعجب لظنّه أنّه قد فاز، وأنّه قد استغنى وهذا هو الهلاك الصّريح الّذي لا شبهة فيه «1» .
وقال في غذاء الألباب: وربّما منع المعجب عجبه من الازدياد في (الطّاعات) ولهذا قيل: عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله، وما أضرّ العجب بالمحاسن «2» .
منشأ العجب وعلاجه:
قال الغزاليّ: علّة العجب الجهل المحض «3» ، ومن أعجب بطاعته (مثلا) فما علم أنّها بالتّوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفّقني، قيل له:
فتلك نعمة من منّه وفضله فلا تقابل بالإعجاب «4» .
وقال الغزاليّ: وعلاجه المعرفة المضادّة لذلك الجهل، أي معرفة أنّ ذلك الّذي أثار إعجابه نعمة من الله عليه، من غير حقّ سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، ومن ثمّ ينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله «5» . وإذا تمّ علم الإنسان لم ير لنفسه عملا ولم يعجب به لأنّ الله هو الّذي وفّقه إليه. وإذا قيس بالنّعم لم يف بمعشار عشرها، هذا إذا سلم من شائبة وسلم من غفلة، فأمّا والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلّب الحذر من ردّه ويخاف العقاب على التّقصير فيه «6» .
هذا في علاج العجب إجمالا، أمّا علاج حالاته تفصيلا فإنّ ذلك يختلف باختلاف ما يحدث به العجب:
فإن كان ناشئا عن حالة البدن وما يتمتّع به صاحبه من الجمال والقوّة ونحوهما، فعلاجه التّفكّر في أقذار باطنه، وفي أوّل أمره وآخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان النّاعمة، كيف تمرّغت في التّراب وأنتنت في القبور حتّى استقذرتها الطّباع.
وإن كان العجب ناشئا عن البطش والقوّة، فعلاج ذلك أنّ حمّى يوم تضعف قوّته، وأنّها ربّما سلبت
(1) إحياء علوم الدين 3/ 370.
(2)
غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي 2/ 225.
(3)
إحياء علوم الدين 3/ 371.
(4)
غذاء الألباب 2/ 225.
(5)
إحياء علوم الدين 3/ 271 (بتصرف واختصار) .
(6)
غذاء الألباب 2/ 226 (بتصرف واختصار) .
منه بأدنى آفة يسلّطها الله عليه.
وإذا كان العجب بالعقل والكياسة، فعلاجه شكر الله تعالى على ما رزق من عقل، والتّفكّر في أنّه بأدنى مرض يصيب دماغه، كيف يوسوس ويجنّ بحيث يضحك منه.
وإن كان العجب بالنّسب الشّريف، فعلاجه أن يعلم أنّه إن خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنّه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بهم فما كان العجب من أخلاقهم، وأنّهم شرفوا بالطّاعة والعلم والخصال الحميدة.
وإذا كان العجب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم، فعلاجه أن يتفكّر في مخازيهم، وأنّهم ممقوتون عند الله تعالى، وما بالك لو انكشف له ذّلهم يوم القيامة.
وإذ كان العجب بكثرة الأموال والأولاد والخدم والأقارب والأنصار، فعلاجه أن يعلم ضعفه وضعفهم وأنّ للمال آفات كثيرة، وأنّه غاد ورائح ولا أصل له.
أمّا إذا كان العجب بالرّأي الخطأ، فعلاجه أن يتّهم الإنسان رأيه وألّا يغترّ به «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التحقير- طول الأمل- العتو- الغرور- اتباع الهوى- الطغيان- القسوة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التواضع- الخشوع- تذكر الموت- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- السماحة- اللين] .
(1) إحياء علوم الدين 3/ 374- 378 (بتصرف واختصار) .