الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة)
1-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل:
أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهتّه «1» » ) * «2» .
2-
* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما هذه الرّيح؟ هذه ريح الّذين يغتابون المؤمنين» ) * «3» .
3-
* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «4» .
4-
* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه قال:
مرّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فيعذّب في البول وأمّا الآخر فيعذّب في الغيبة» ) * «5» .
5-
* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا: لا يأكل حتّى يطعم «6» ولا يرحل حتّى يرحل له، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اغتبتموه» . فقالوا: يا رسول الله إنّما حدّثنا بما فيه. قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه «7» » ) * «8» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة) معنى
6-
* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا:
بلى، يا رسول الله قال ثلاثا «9» :«الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متّكئا فجلس فقال: ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور» ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور، فما زال يقولها حتّى قلت لا يسكت «10» .» ) * «11» .
(1) بهته: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل.
(2)
مسلم (2589) .
(3)
ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 515) واللفظ له، وقال: رواه أحمد وابن أبي الدنيا ورواة أحمد ثقات، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 484) : سنده صحيح.
(4)
أبو داود 4 (4880) واللفظ له وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 104) : سنده جيد.
(5)
أحمد في المسند (5/ 35- 36)، وابن ماجة (1/ 349) واللفظ له وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 485) : أخرجه أحمد والطبراني بإسناد صحيح.
(6)
أي أنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه، وخادم يوكله، وساق يسقيه، ولا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة.
(7)
أي كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه، ولكن يكره ذكرها ويجب سترها، ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقا.
(8)
قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 506) : رواه الأصبهاني بإسناد حسن.
(9)
أي ثلاث مرات.
(10)
عند مسلم، من رواية بشر بن المفضّل «حتى قلنا ليته سكت» .
(11)
البخاري- الفتح 10 (5976) واللفظ له، ومسلم (87) .
7-
* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه كان يصلّي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوّز رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«يا معاذ، أفتّان أنت؟» (ثلاثا) . «اقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ونحوهما» ) * «1» .
8-
* (عن أبي وائل عن عبد الله- رضي الله عنهما أنّه ارتقى الصّفا فأخذ بلسانه، فقال: يالسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثر خطأ ابن آدم في لسانه» ) * «2» .
9-
* (عن اللّجلاج- رضي الله عنه أنّه كان قاعدا يعتمل في السّوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول:«من أبو هذا معك» ؟ فسكتت، فقال شابّ حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال:«من أبو هذا معك؟» ؟ قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلّا خيرا، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«أحصنت» ؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتّى أمكنّا ثمّ رميناه بالحجارة حتّى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) * «3» .
10-
* (عن معاوية- رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» ) * «4» .
11-
* (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «5» .
12-
* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب النّاس يوم النّحر، فقال:«يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. قال: «فأيّ بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام. قال: «فأيّ شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في
(1) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) ، والنسائي (2/ 102) وأبو داود (600) مختصرا.
(2)
الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 534) وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.
(3)
أبو داود (4435) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3728- 3729) .
(4)
أبو داود (4888) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (4088) .
(5)
رواه أحمد في المسند (1/ 190) واللفظ له، وأبو داود (4876) وقال الألباني: صحيح، وهو في الصحيحة رقم (1433) . وصحّح إسناده المرفوع من الحديث أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «المسند» (3/ 190) .
بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه، فقال:«اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلّغت؟» .
قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما: «فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «1» .
13-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «2» على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل.
قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «3» . إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «4» .
قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «5» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.
قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «6» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فهد «7» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.
قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «8» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «9» طباقاء، كلّ داء له داء «10» شجّك «11» أو فلّك أو جمع كلّا لك
…
الحديث) * «12» .
14-
* (عن علىّ- رضي الله عنه قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فيك مثل من عيسي. أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة
(1) البخاري- الفتح 3 (1739) واللفظ له، ومسلم (66) .
(2)
غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(3)
لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(4)
عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(5)
زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(6)
زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.
(7)
زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد.
(8)
زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء.
(9)
زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح، وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم.
(10)
كل داء له داء: أي جميع أمراض الناس فيه.
(11)
شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد.
(12)
البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له.
الّتي ليس به، ثمّ قال:«يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «1» .
15-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت: قلت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حسبك من صفيّة كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: «ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «2» .
16-
* (عن عائشة- رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، وآذن بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «3» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا.
لم يهبّلن «4» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «5» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «6» من وراء الجيش فأدلج «7» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه.
حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش. موغرين في نحر الظّهيرة «8» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره. عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة.
(1) أحمد في المسند (1/ 160) وقال محققه الشيخ أحمد (2/ 354، 355) : إسناده حسن.
(2)
أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502- 2503) وقال: حديث صحيح.
(3)
عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(4)
لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(5)
العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(6)
قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(7)
فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل.
(8)
موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثمّ يقول:«كيف تيكم؟» فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «1» وهو متبرّزنا. وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي.
حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «2» قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلّم ثمّ قال:«كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة هوّني عليك. فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «3» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت قلت: سبحان الله وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت، فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «4» لي دمع ولا أكتحل بنوم «5» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «6» يستشيرهما في فراق أهله. قالت فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «7» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «8» فتأكله. قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر.
فاستعذر «9» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت فقال
(1) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
(2)
في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(3)
وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(4)
لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(5)
ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(6)
استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل.
(7)
أغمصه: أي أعيبها به.
(8)
الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(9)
استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «1» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه.
فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «2» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي.
فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلّم ثمّ جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد.
يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي:
أجب عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي.
قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عز وجل فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها.
قالت: فو الله ما رام «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عز وجل على نبيّه صلى الله عليه وسلم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «4» عند
(1) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل.
(2)
فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(3)
ما رام: أي ما فارق.
(4)
البرحاء: هي الشدة.
الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «1» من العرق، في اليوم الشّاتى، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال:«أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه.
فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عز وجل هؤلاء الآيات براءتي.
قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عز وجل: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:
هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟
فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «2» من أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «3» فهلكت فيمن هلك) * «4» .
17-
* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر- رضي الله عنه بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال:«أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «5» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» .
(1) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(2)
تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(4)
البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له.
(5)
الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.
فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «1» .
18-
* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة.
فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عز وجل وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» . فتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت.
ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق «5» . أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بلغ تبوكا فقال، وهو جالس في القوم بتبوك «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا
…
الحديث) * «7» .
19-
* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم،
(1) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) .
(2)
ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(3)
أصعر: أميل.
(4)
تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(5)
مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به.
(6)
النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7)
البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له.