الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حرف الفاء]
الفتنة
الفتنة لغة:
مصدر كالفتن والفتون، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ف ت ن) الّتي تدلّ على «الابتلاء والاختبار» يقال: فتنت الذّهب بالنّار إذا امتحنته، «1» وقال الخليل: الفتن: إحراق الشّيء بالنّار كالورق الفتين أي المحترق، وقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ 13) أي يحرقون، قال: وكان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفتنون بدينهم، أي يعذّبون ليردّوا عن دينهم، ومنه أيضا قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) الفتنة (هنا) العذاب، والفتنة (أيضا) أن يفتن الله قوما أي يبتليهم، والفتن: ما يقع بين النّاس من الحروب، ويقال في أمر العشق: فتن بها وافتتن بها أي عشقها، والفتّان: الشّيطان، وفتن وأفتن واحد قال الشّاعر (أعشى همدان) :
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت
…
سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم «2»
وقال الرّاغب: أصل الفتن إدخال الذّهب النّار لتظهر جودته من رداءته واستعمل في إدخال الإنسان النّار، والفتنة: العذاب كما في قوله تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (الذاريات/ 14) ، وتارة يسمّون (بها) ما
يحصل عنه العذاب نحو قوله تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49)، وتارة يستعملونها في الاختبار نحو: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً (طه/ 40) ، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنّهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وهما في الشّدّة أظهر معنى وأكثر استعمالا قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (الأنبياء/ 35)، وقال في الشّدّة: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ (البقرة/ 102)، وقول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49) المعنى: لا تبلني ولا تعذّبني وهم بقولهم هذا وقعوا في البليّة والعذاب، وقد سمّى الله- عز وجل الأموال والأولاد فتنة في قوله عزّ من قائل: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن/ 15) اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وذلك كقوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي لا يختبرون فيميّز خبيثهم من طيّبهم «3» .
وقال الفيروزآباديّ: والفتنة أيضا: إعجابك بالشّيء، والجمع فتن، قال الشّاعر:
وفيك لنا فتن أربع
…
تسلّ علينا سيوف الخوارج
(1) مقاييس اللغة (4/ 472) .
(2)
كتاب العين (8/ 128) .
(3)
المفردات للراغب (372) تحقيق: سيد كيلاني.
لحاظ الظّباء وطوق الحمام
…
ومشي القباج وزيّ التّدارج «1» ، «2»
وقال الجوهريّ: يقال: افتتن الرّجل وفتن فهو مفتون، إذا أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اختبر، والفتون أيضا: الافتتان، يقال: فتنته المرأة، إذا ولّهته، وافتتنته أيضا، والفاتن: المضلّ عن الحقّ، قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: فاتنين (اسم فاعل من فتن) وبنو تميم يقولون: مفتنين (اسم فاعل من أفتن)«3» ، وأمّا قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم/ 6) ، والمفتون معناه الفتنة وهو مصدر كالمعقول والمجلود والمحلوف «4» ، وفتّنته تفتينا فهو مفتنّ أي مفتون جدّا «5» .
وقال ابن منظور: قال الأزهريّ وغيره: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضّة والذّهب إذا أذبتهما بالنّار لتميّز الرّديء من الجيّد، وقال ابن الأعرابيّ:
الفتنة: الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة: الكفر، والفتنة: اختلاف النّاس بالآراء، والفتنة: الإحراق بالنّار، وقيل (أيضا) الفتنة: الظّلم، وقولهم: فلان مفتون في طلب الدّنيا أي غلا في طلبها، وقيل (أيضا) الفتنة الخبرة وذلك كما في قول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (الصافات/ 63) أي خبرة، ومعناه: أنّهم أفتنوا بشجرة الزّقّوم وكذّبوا بكونها، وذلك أنّهم لمّا سمعوا أنّها تخرج في أصل الجحيم، قالوا: الشّجر يحترق في النّار فكيف ينبت الشّجر في النّار؟ فصارت فتنة لهم، وقول الله عز وجل: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس/ 85) .. المعنى لا تظهرهم علينا فيعجبوا ويظنّوا أنّهم خير منّا، فالفتنة هنا: إعجاب الكفّار بكفرهم «6» ، وقال القرطبيّ المعنى: لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدّين، أولا تمتحنّا بأن تعذّبنا على أيديهم «7» ، وفي حديث قيلة:«المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشّجر ويتعاونان على الفتّان» (بفتح الفاء وضمّها) ، الفتّان (بفتح الفاء) ، الشيطان الّذي يفتن النّاس بخداعه وغروره وتزيينه للمعاصي، فإذا نهى الإنسان أخاه عن ذلك (أي عن الفتنة) فقد أعانه على الشّيطان، وقيل: الفتّان: اللّصّ الّذي يعرض للرّفقة في طريقهم فينبغي لهم أن يتعاونوا عليه، وأمّا رواية الضّمّ (الفتّان) فهو جمع فاتن، والمعنى حينئذ، يعاون أحدهما الآخر على الّذين يضلّون
(1) القباج جمع قبجة وهو الحجلة (طائر في حجم الحمام) ، والتدارج جمع تدرج وهو طائر حسن الصورة طويل الذنب.
(2)
بصائر ذو التمييز (4/ 167، 168) .
(3)
أنكر الأصمعي صيغة أفعل من الفتنة، وقد أثبت ذلك الفراء زاعما أنها لهجة بني تميم، ومن ثم يتأوّل إنكار الأصمعي على أنه خاص بلهجة الحجاز، وإذا كانت الصيغتان ترجعان إلى لهجتين مختلفتين فإن معناهما يكون واحدا.
(4)
أي أن المعقول مصدر مثل الغفل والمجلود مصدر كالجلد والمحلوف مصدر كالحلف.
(5)
يشير الجوهري بذلك الى أن التفعيل هنا يفيد الكثرة والمبالغة، انظر الصحاح (6/ 2176) .
(6)
لسان العرب «فتن» (3344) ط، دار المعارف.
(7)
تفسير القرطبي (8/ 236) .