الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنّ
المن لغة:
المنّ مصدر منّ عليه منّا وهو مأخوذ من مادّة (م ن ن) الّتي تدلّ علي أصلين: أحدهما القطع والانقطاع، والآخر على اصطناع خير، فمن الأوّل:
مننت الحبل: قطعته، قال تعالى: فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (التين/ 6) ومنه: منّ بيد أسداها، إذا قرّع بها.
وهذا يدلّ على أنّه قطع الإحسان. ومن الثّانى: منّ يمنّ منّا، إذا صنع صنعا جميلا «1» .
يقول الرّاغب: والمنّة: النّعمة الثّقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنّعمة، وعلى ذلك قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 164) وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا لله تعالى. والثّاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين النّاس إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المنّة تهدم الصّنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة، وقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا (الحجرات/ 17) فالمنّة منهم بالقول، ومنّة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إيّاهم كما
ذكر «2» .
ومنّ عليه منّا: أنعم، والمنّان من أسماء الله تعالى. ومنّ عليه منّة، أي امتنّ عليه، قال أبو عبيد:
رجل منونة: كثير الامتنان «3» ، ومننت عليه منّا عددت له ما فعلت له من الصّنائع، مثل أن تقول أعطيتك وفعلت لك، وهو تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب، فلهذا نهى الشّارع عنه بقوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264) ومن هنا يقال: «المنّ أخو المنّ، أي الامتنان بتعديد الصّنائع أخو القطع والهدم «4» » . وفي الحديث «ثلاثة يشنؤهم الله، منهم البخيل المنّان» وقد يقع المنّان على الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، واعتدّ به على من أعطاه، وهو مذموم. والمنون من النّساء الّتي تزوّج لمالها فهي أبدا تمنّ على زوجها، والمنّانة كالمنون. وقال بعض العرب: لا تتزوّجنّ حنّانة ولا منّانة «5» » .
وقال أبو حيّان في قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/ 262) ، أصل المنّ القطع، لأنّ
(1) المقاييس (5/ 267) . بتصرف.
(2)
المفردات (494) .
(3)
الصحاح (6/ 2206) .
(4)
المصباح المنير (581) .
(5)
اللسان (6/ 4279) .
المنعم يقطع قطعة من ماله لمن ينعم عليه، والمنّ (أيضا) النّقص من الحقّ والبخس له، ومنه المنّ المذموم، وهو ذكر المنّة للمنعم عليه على سبيل الفخر عليه بذلك والاعتداد عليه بإحسانه» .
وقال- رحمه الله تعالى- قيل نزلت (هذه الآية) في عثمان، وقيل: في عليّ، وقيل: في عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنهم أجمعين- وقد بيّن سبحانه أنّ هذا الجزاء إنّما هو لمن لا يتبع إنفاقه منّا ولا أذى- لأنّهما مبطلان للصّدقة- ولكن يراعي جهة الاستحقاق لا جزاء من المنفق عليه، ولا شكرا له منه، ويكون قصده خالصا لوجه الله تعالى، فإذا التمس بإنفاقه الشّكر والثّناء كان صاحب سمعة ورياء، وإن التمس الجزاء كان تاجرا لا يستحقّ حمدا ولا شكرا، والمنّ من الكبائر لما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنّ المانّ أحد الثّلاثة الّذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم «2» .
وظاهر الآية يدلّ على أنّ المنّ والأذى يكونان من المنفق على المنفق عليه، سواء أكان الإنفاق في الجهاد على سبيل التّجهيز أو الإعانة فيه، أم كان في غير الجهاد، والأذى يشمل المنّ وغيره، ونصّ على المنّ وقدّمه لكثرة وقوعه من المتصدّق، ومنه (مثلا) أن يقول: قد أحسنت إليك، أو يتحدّث بما أعطى فيبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، ومن الأذى أن يسبّ المعطى أو يشتكي منه، أو ما أشبه ذلك «3» .
وقال القرطبيّ في تفسير الآية: المنّ: ذكر النّعمة على معنى التّعديد لها والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه. وقال بعضهم: المنّ: التّحدّث بما أعطى حتّى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه. والمنّ من الكبائر «4» .
منّ عليه يمنّ منّا، أحسن وأنعم، والاسم المنّة ومنّ عليه وامتنّ وتمنّن: قرّعه بمنّة، أنشد ثعلب:
أعطاك يا زيد الّذي يعطي النّعم
…
من غير ما تمنّن ولا عدم
وقال أبو بكر في قوله تعالى: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا (القصص/ 82) يحتمل المنّ تأويلين: أحدهما إحسان المحسن غير معتدّ بالإحسان، يقال: لحقت فلانا من فلان منّة، إذا لحقته نعمة باستنقاذ من قتل أو ما أشبهه.
والثّاني: منّ فلان إذا عظّم الإحسان وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتّى يفسده، ويبغّضه. فالأوّل حسن، والثّاني قبيح، وهو المقصود هنا «5» .
قال القرطبيّ: المنّ غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطيّة وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النّظر لنفسه بعين العظمة وأنّه منعم بماله على المعطى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كلّه
(1) تفسير البحر المحيط 2/ 313.
(2)
انظر هذا الحديث الذي رواه أبو حيان بالمعنى في قسم الأحاديث ص 5568 (الحديث رقم 2 وأيضا الحديث رقم 3) .
(3)
تفسير البحر المحيط 2/ 318- 319.
(4)
القرطبي (3/ 308) .
(5)
لسان العرب (13/ 417، 418) .