الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغرور)
1-
* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال:
كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة «1» فتمّت، فغضب عمر ثمّ قال: إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الّذين يريدون أن يغصبوهم «2» أمورهم. قال عبد الرّحمن:
فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاءهم «3» ، فإنّهم هم الّذين يغلبون على قربك حين تقوم في النّاس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها «4» عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتّى تقدم المدينة فإنّها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف النّاس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة، في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلت الرّواح حين زاغت الشّمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطّاب فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف.
فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ إنّ الله بعث محمّدا صلى الله عليه وسلم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثمّ
(1) فلتة: فجأة.
(2)
يغصبوهم: يغلبوهم على الأمر.
(3)
غوغاءهم: السفلة المسرعين إلى الشر.
(4)
يطيرها: يطلقها.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه «1» مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا «2» ، وإنّه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزّبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبابكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم، فلمّا دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا:
أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا؛ نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينّهم. فانطلقنا حتّى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك. فلمّا جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم- معشر المهاجرين- رهط، وقد دفّت دافّة من قومكم «3» ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا «4» من أصلنا وأن يحضنونا «5» من الأمر. فلمّا سكت أردت أن أتكلّم- وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحدّ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلّم أبو بكر، فكان هو أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا.
وقد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين فبايعوا أيّهما شئتم- فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بيننا- فلم أكره ممّا قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهمّ إلّا أن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك «6» ، وعذيقها المرجّب.
(1) تقطع الأعناق إليه: أي أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر.
(2)
تغرّة أن يقتلا: أي من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل.
(3)
دفت دافة من قومكم: أي أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا.
(4)
يختزلونا: يعوقوننا عنها.
(5)
يحضنونا: يحبسوه عنا.
(6)
أنا جذيلها المحكّك: وعذيقها المرجّب: أي قد جربتني الأمور، ولي رأي وعلم يشتفى بهما كما تشتفي هذه الإبل الجربى بهذا الجذل، وصغره على جهة المدح.
منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتّى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «1» .
2-
* (عن عليّ- رضي الله عنه قال: تقوى الله مفتاح سداد «2» وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «3» ، أو مرضا حابسا «4» ، أو موتا خالسا «5» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «6» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «7» غوائله، وأقصدتكم معابله «8» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «9» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «10» مذاقه فأسكت نجيّكم «11» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «12» ، وأصابوا غرّتها، وأفنوا عدّتها وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «13» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها) * «14» .
3-
* (وعن عليّ- رضي الله عنه أنّه صاح بغلام له مرّات، فلم يلبّه، فنظر، فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن ذلك فأعتقه) * «15» .
4-
* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا) * «16» .
(1) البخاري- الفتح 12 (6830) .
(2)
السداد: بالكسر: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر.
(3)
الناكس: الراجع.
(4)
الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل.
(5)
الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة.
(6)
الطيات: النيات.
(7)
التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي.
(8)
المعابل: نصل عريض طويل.
(9)
الحنادس: الظلم.
(10)
الجشوبة: خشونة المذاق.
(11)
النجي: القوم يتناجون.
(12)
الدرة: اللبن.
(13)
الغرارة: فعالة من الغرور.
(14)
منال الطالب لابن الأثير 364.
(15)
تفسير القرطبي (10/ 161) .
(16)
الإحياء (3/ 411) .
5-
* (وقال ابن مسعود- رضي الله عنه ما منكم من أحد إلّا وسيخلو الله به يوم القيامة، فيقول له: يابن آدم ماذا غرّك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟) * «1» .
6-
* (دخل أبو الدّرداء- رضي الله عنه الشّام فقال: يا أهل الشّام، اسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا عليه، فقال؛ مالي أراكم تبنون مالا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟ إنّ الّذين كانوا قبلكم بنوا مشيدا وأمّلوا بعيدا وجمعوا كثيرا، فأصبح أملهم غرورا وجمعهم ثبورا ومساكنهم قبورا) * «2» .
7-
* (قال مجاهد- رضي الله عنه في قوله تعالى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (فاطر/ 5) : الغرور:
الشّيطان) * «3» .
8-
* (عن عكرمة في قوله تعالى يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) . قال:
الإنسان: أبيّ بن خلف) * «4» .
9-
* (قال وهب بن منبّه- رحمه الله قال الله لموسى انطلق برسالتي فإنّك بسمعي وعيني وإنّ معك يدي وبصري وإنّي قد ألبستك جنّة من سلطاني لتستكمل بها القوّة في أمري فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي وأمن مكري وغرّته الدّنيا عنّي، جحد حقّي وأنكر ربوبيّتي) * «5» .
10-
* (عن قتادة: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ما غرّ ابن آدم غير هذا العدوّ والشّيطان) * «6» .
11-
* (عن الزّهريّ- رحمه الله قال: من استطاع ألّا يغترّ فلا يغترّ) * «7» .
12-
* (عن أبي حازم قال: لمّا حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة، قال: ائتوني بكفني الّذي أكفّن فيه، أنظر إليه. فلمّا وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي كثير ما أخلف من الدّنيا إلّا هذا، ثمّ ولّى ظهره وبكى وقال: أفّ لك من دار إن كان كثيرك لقليل وإن كان قليلك لكثير وإن كنّا منك لفي غرور) * «8» .
13-
* (قال أبو بكر الورّاق: لو قال لي أحد:
ما غرّك بربّك الكريم؟ لقلت غرّني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة: إنّما قال: بربّك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنّه لقّنه الإجابة؛ وهذا الّذي تخيّله
(1) تفسير القرطبي (10/ 161) .
(2)
أدب الدنيا والدين ص 128.
(3)
البخاري- الفتح 11 (254) .
(4)
الدرّ المنثور (6/ 534) .
(5)
تفسير ابن كثير (3/ 146) .
(6)
تفسير ابن كثير (4/ 481) .
(7)
مسلم ج 1 ص 456، وقد ذكر الزهري ذلك تعقيبا على ما جاء في حديث عتبان من قوله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله قد حرّم على النّار من قال: لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» انظر الحديث تامّا في مسلم 1 (33) ص 455.
(8)
الدر المنثور (3/ 429) .
هذا القائل ليس بطائل لأنّه إنّما أتى باسمه الكريم ينبّه على أنّه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور) * «1» .
14-
* (روى الدّارميّ في سننه عن بعض الفقهاء أنّه قال: يا صاحب العلم اعمل بعلمك، وأعط فضل مالك، واحبس الفضل من قولك إلّا بشيء من الحديث ينفعك عند ربّك، يا صاحب العلم إنّ الّذي علمت ثمّ لم تعمل به قاطع حجّتك ومعذرتك عند ربّك إذا لقيته، يا صاحب العلم إنّ الّذي أمرت به من طاعة الله ليشغلك عمّا نهيت عنه من معصية الله، يا صاحب العلم لا تكوننّ قويّا في عمل غيرك ضعيفا في عمل نفسك، يا صاحب العلم لا يشغلنّك الّذي لغيرك عن الّذي لك، يا صاحب العلم عظّم العلماء، وزاحمهم، واستمع منهم، ودع منازعتهم، يا صاحب العلم عظّم العلماء لعلمهم، وصغّر الجهّال لجهلهم، ولا تباعدهم وقرّبهم وعلّمهم، يا صاحب العلم لا تحدّث بحديث في مجلس حتّى تفهمه، ولا تجب امرأ في قوله حتّى تعلم ما قال لك، يا صاحب العلم لا تغترّ بالله، ولا تغترّ بالنّاس فإنّ الغرّة بالله ترك أمره، والغرّة بالنّاس اتّباع هواهم، واحذر من الله ما حذّرك من نفسه، واحذر من النّاس فتنتهم، يا صاحب العلم إنّه لا يكمل ضوء النّهار إلّا بالشّمس كذلك لا تكمل الحكمة إلّا بطاعة الله، يا صاحب العلم إنّه لا يصلح الزّرع إلّا بالماء والتّراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلّا بالعلم والعمل، يا صاحب العلم كلّ مسافر متزوّد وسيجد إذا احتاج إلى زاده ما تزّود، وكذلك سيجد كلّ عامل إذا احتاج إلى عمله في الآخرة ما عمل في الدّنيا، يا صاحب العلم إذا أراد الله أن يحضّك على عبادته فاعلم أنّه إنّما أراد أن يبيّن لك كرامتك عليه، فلا تحوّلنّ إلى غيره فترجع من كرامته إلى هوانه، يا صاحب العلم إنّك إن تنقل الحجارة والحديد أهون عليك من أن تحدّث من لا يقبل حديثك، ومثل الّذي يحدّث من لا يقبل حديثه كمثل الّذي ينادي الميّت ويضع المائدة لأهل القبور) * «2» .
15-
* (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-:
وكان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدّنيا حزنوا، وقالوا: ذنب عجّلت عقوبته، ورأوا ذلك علامة المقت والإهمال، وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصّالحين، والمغرور إذا أقبلت عليه الدّنيا ظنّ أنّها كرامة من عند الله، وإذا احترفت عنه ظنّ أنّها هوان) * «3» .
16-
* (قال عون بن عبد الله: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحببت، ولا يغرّنّك ثناء من جهل أمرك) * «4» .
(1) تفسير الطبري (19/ 161) .
(2)
سنن الدارمي ج 1 ص 158- 159.
(3)
إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (3/ 404) .
(4)
أدب الدنيا والدين ص 230.
17-
* (قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله- تعالى- يوم القيامة بين يديه. فقال لك: ما غرّك بربّك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول:
غرّني ستورك المرخاة لأنّ الكريم هو السّتّار. نظمه ابن السّمّاك فقال:
يا كاتم الذّنب أما تستحي
…
والله في الخلوة ثانيكا
غرّك من ربّك إمهاله
…
وستره طول مساويكا) * «1» .
18-
* (وقال ذو النّون المصريّ: كم من مغرور تحت السّتر وهو لا يشعر) * «2» .
19-
* (وقال ابن طاهر الأبهريّ:
يا من غلا في العجب والتّيه
…
وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته
…
ولم تخف غبّ معاصيه) * «3» .
20-
* (يقول ابن كثير في الآية الكريمة:
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) هذا تهديد، لا كما يتوهّمه بعض النّاس من أنّه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتّى يقول قائلهم غرّه كرمه بل المعنى في هذه الآية: ما غرّك يابن آدم بربّك الكريم أي العظيم حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء فى الحديث «يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم ما غرّك بي؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» ) * «4» .
21-
* (قال مسعر: كم من مستقبل يوما وليس يستكمله ومنتظر غدا وليس من أجله ولو رأيتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره) * «5» .
22-
* (روى الماورديّ عن بعض البلغاء:
الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة، فاترك الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتننّك دنياك بحسن العواري، فمدّة اللهو تنقطع وعاريّة الدّهر ترتجع ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم؛ وتكتسبه من المآثم) * «6» .
23-
* (نقل الماورديّ عن بعض الحكماء:
الدّنيا إمّا مصيبة موجعة، وإمّا منيّة مفجعة. وقال الشّاعر:
خلّ دنياك إنّها
…
يعقب الخير شرّها
هي أمّ تعقّ من
…
نسلها من يبرّها
كلّ نفس فإنّها
…
تبتغي ما يسرّها
والمنايا تسوقها
…
والأماني تغرّها
فإذا استحلت الجنى
…
أعقب الحلو مرّها
(1) تفسير القرطبي (10/ 161) .
(2)
المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(3)
المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(4)
تفسير ابن كثير (4/ 451) .
(5)
أدب الدنيا والدين للماوردي ص 123.
(6)
المرجع السابق، ص 38، 39.
يستوي في ضريحه
…
عبد أرض وحرّها
فإذا رضت نفسك من هذه الحالة بما وصفت.
اعتضت منها بثلاث خلال إحداهنّ: أن تكفى إشفاق المحبّ وحذر الواثق فليس لمشفق ثقة ولا لحاذر راحة.
والثّانية: أن تأمن الاغترار بملاهيها. فتسلم من عادية دواهيها فإنّ اللّاهي بها مغرور والمغرور فيها مذعور.
الثّالثة: أن تستريح من تعب السّعي لها ووهن الكدّ فيها) * «1» .
24-
* (روى الماورديّ عن بعض الحكماء قوله: إنّ للباقي بالماضي معتبرا وللآخر بالأوّل مزدجرا والسّعيد لا يركن إلى الخدع ولا يغترّ بالطّمع) * «2» .
25-
* (وقال ابن الجوزيّ: من النّاس من يغرّه تأخير العقوبة ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان فنسأل الله أن يميتنا مسلمين) * «3» .
26-
* (قال ابن الجوزيّ: أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسّلامة وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حدّ) * «4» .
27-
* (قيل لبشير: لم لم تتزوّج؟ فقال: على ماذا أغرّ مسلمة وقد قال الله- عز وجل وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228)) * «5» .
28-
* (قال ابن الجوزيّ في الاغترار بالظّواهر: كيف غرّك زخرف تعلم بعقلك باطنه، وترى بعين فكرك مآله؟ كيف آثرت فانيا على باق؟
كيف بعت بوكس؟ كيف اخترت لذّة رقدة على انتباه معاملة) * «6» .
29-
* (قال ابن الجوزيّ: من تفكّر في عواقب الدّنيا أخذ الحذر، ومن أيقن الطّريق تأهّب للسّفر، ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثمّ ينساه ويتحقّق ضرر حال ثمّ يغشاه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (الأحزاب/ 37) ، تغلبك نفسك على ما تظنّ ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب سرورك بغرورك، وسهوك فى لهوك عمّا قد خبّيء لك، تغترّ بصحّتك وتنسى دنوّ السّقم وتفرح بعافيتك غافلا عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك- قبل الممات- مضجعك، وقد شغلك نيل لذّاتك عن ذكر خراب ذاتك) * «7» .
(1) أدب الدنيا والدين ص 116، 117.
(2)
أدب الدنيا والدين ص 123.
(3)
صيد الخاطر لابن الجوزي 484.
(4)
صيد الخاطر 393.
(5)
صيد الخاطر 392.
(6)
صيد الخاطر 146.
(7)
صيد الخاطر ص 4.