الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغلول
الغلول لغة:
مصدر قولهم: غلّ يغلّ إذا خان في الفيء أو الغنيمة أو غيرهما، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على «تخلّل شيء وثباته، كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء إذا أثبتّه فيه كأنّك غرزته، ومن الباب الغلول في المغنم، وهو أن يخفى الشّيء فلا يردّ إلى القسم، كأنّ صاحبه قد غلّه بين ثيابه» «1» .
وقال الرّاغب: أصل الغلل تدرّع الشّيء وتوسّطه، ومن ذلك الغلل للماء الجاري بين الشّجر، والغلول وهو تدرّع الخيانة، والغلّ: العداوة يقال منه:
غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن (وعداوة) ، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان، وأغللت فلانا: نسبته «2» إلى الغلول «3» ، وقال الفيروزآباديّ: يقال: غلّ غلولا وأغلّ إغلالا إذا
خان «4» ، وقيل: خان في الفيء خاصّة، وقول الله تعالى:
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 161) قرأها بعضهم «5» : أن يغلّ (بفتح الياء وضمّ الغين) وقرأها الآخرون «أن يغلّ» (بضمّ الياء وفتح الغين)«6» ، والمعنى على القراءة الأولى «يغلّ» : يخون، والمعنى على القراءة الثّانية يحتمل أمرين، الأوّل: يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، والثّاني: يخوّن أي ينسب إلى الغلول «7» ، وقال ابن منظور في توضيح معنى القراءة الأولى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال: أي يخون أمّته. وتفسير ذلك أنّ الغنائم جمعها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجاء جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم غنائمنا، فقال عليه الصلاة والسلام:«لو أفاء الله عليّ مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما، أترونني أغلّكم مغنمكم؟» قال ابن منظور: وكان أبو عمرو (بن العلاء) ، ويونس يختاران
(1) مقاييس اللغة (4/ 376) .
(2)
المفردات للراغب ص 363 (ت: محمد سيد كيلاني) .
(3)
يشير الراغب بذلك إلى أن صيغة أفعل من الغلول لها معنيان: الأول: الصيرورة، والآخر: النسبة إلى الشيء، وإلى أن الصيغة الأولى لازمة (أغلّ أي صار ذا غل) ، والأخرى متعدية (أغل فلانا أي نسبه إلى الغلول) .
(4)
يشير الفيروزآبادي بذلك إلى أن صيغة فعل وأفعل بمعنى واحد إذا اشتقتا من الغلول.
(5)
قرأها كذلك أبو عمرو وابن كثير وعاصم.
(6)
قرأها كذلك باقي السبعة (حمزة والكسائي ونافع وابن عامر) . انظر في ذلك: كتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (ت: أوتو برتزل) ص 91، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 243) .
(7)
بصائر ذوي التمييز (4/ 144- 145) بتصرف يسير.
هذه القراءة، وكان يونس يقول: كيف لا يغلّ؟ بلى ويقتل «1» . وقال ابن برّيّ مرجّحا هذه القراءة أيضا:
قلّ أن تجد في كلام العرب: ما كان لفلان أن يضرب، على أن يكون الفعل مبنيّا للمفعول، وإنّما تجده مبنيّا للفاعل، كقولك: ما كان لمؤمن أن يكذب، وما كان لنبيّ أن يخون، وما كان لمحرم أن يلبس، وبهذا (الدّليل اللّغويّ) يعلم صحّة قراءة من قرأ «يغلّ» على إسناد الفعل للفاعل دون المفعول «2» ، وقال أبو عليّ الفارسيّ: والحجّة لمن قرأ «يغلّ» أنّ ما جاء من التّنزيل من هذا النّحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو قوله سبحانه ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ (يوسف/ 38) ، وقوله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (آل عمران/
145) . ولا يكاد يجيء منه نحو «ما كان زيد ليضرب» ، وقد روي أنّ عبد الله بن عبّاس قيل له: إنّ ابن مسعود يقرأ «يغلّ» فقال: بلى والله ويقتل. وعنه أيضا: قد كان النّبيّ يقتل فكيف لا يخوّن. وقد احتجّ للقراءة الثّانية أيضا «يغلّ» بأنّ المعنى إمّا: أن ينسب إلى ذلك أي لا يقال له غللت، وذلك كقولهم: أكفرت فلانا أي نسبته إلى الكفر، كما في قول الشّاعر:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم
أي نسبتني إلى الكفر، قال أبو عليّ: ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحد أن يغلّه فيأخذ من الغنيمة الّتي حازها.. لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، فالغلول وإن كان كبيرا فهو بحضرته صلى الله عليه وسلم أعظم (إثما)«3» .
وقال الخليل: رجل مغلّ أي مضبّ على غلّ، والمغلّ أيضا: الخائن. والغلول: خيانة الفيء، ومن ذلك ما جاء في الحديث:«لا إسلال ولا إغلال» أي لا خيانة ولا سرقة «4» ، قال الجوهريّ:
ويقال: لا رشوة «5» ، وقال ابن الأثير: الإغلال:
الخيانة أو السّرقة الخفيّة، (فأمّا الإغلال فهو من قولهم أغلّ الرّجل إغلالا إذا خان، قال النّمر بن تولب:
جزى الله عنّا جمرة ابنة تولب
…
جزاء مغلّ بالخيانة كاذب) «6» .
وأمّا الإسلال فهو من قولهم: سلّ البعير وغيره في جوف اللّيل إذا انتزعه من بين الإبل، وأمّا الغلول:
فهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل
(1) يعني كلام يونس (وهو من أئمة نحاة البصرة) أنّ سبب ترجيحه لهذه القراءة هو ضعف المعنى في القراءة الأخرى لأنه يجوز للسفهاء أن يخوّنوا أنبياءهم بل ويقتلوهم كما حدث مع أنبياء بني إسرائيل.
(2)
لسان العرب «غلل» (3286) ط. دار المعارف.
(3)
الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي، ت: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي (2/ 396) ، وقد سبق ليونس تعليل أشبه بهذا، وما ذكره ابن بري راجع أيضا إلى ما ذكره أبو علي، بيد أن أبا علي احتج بأسلوب القرآن وابن بري بكلام العرب، وكلاهما مصيب إن شاء الله.
(4)
كتاب العين (4/ 348) .
(5)
الصحاح (5/ 1784) .
(6)
ما بين القوسين من كلام الجوهري في الصحاح (5/ 1784) .