الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلك الخامس
(القياس)
قال الرازي: أجمعوا على أن الخبر الذي لا يقطع بصحته مقبول في الفتوى، والشهادات؛ فوجب أن يكون مقبولًا في الروايات، والجامع تحصيل المصلحة المظنونة، أو دفع المفسدة المظنونة، بل الروايات أولى بالقبول من الفتوى؛ لأن الفتوى لا تجوز إلا إذا سمع المفتي دليل ذلك الحكم، وعرفت كيفية الاستدلال به، وذلك دقيق صعب يغلط فيه الأكثرون.
أما الرواية: فلا يحتاج فيها إلا إلى السماع، فإذن الرواية أحد أجزاء الفتوى، فإذا كانت الفتوى مقبولة من الواحد؛ فلأن تكون الرواية مقبولة كان أولى.
فإن قيل: هذا قياس؛ وإنه لا يفيد اليقين؛ على ما تقدم.
ثم نقول: الفرق بين الفتوى، والشهادة، وقبول خبر الواحد من وجهين:
الأول: وهو أن العمل بخبر الواحد يقتضى صيرورة ذلك الحكم شرعًا عامًا في حق كل الناس، والعمل بالشهادة والفتوى ليس كذلك.
ولا يلزم من تجويز العمل بالظن الذي قد يخطئ وقد يصيب في حق الواحد-تجويز العمل به في حق عامة الخلق.
الثاني: العمل بالفتوى ضروري؛ لأنه لا يمكن تكليف كل واحد في كل واقعة بالاجتهاد، وكذا الشهادة ضرورية في الشرع؛ لأجل تمييز المحق عن
المبطل، أما العمل بخبر الواحد، فغير ضروري؛ لأنا إن وجدنا في المسألة دليلًا قاطعًا، عملنا بهن وإلا رجعنا إلى البراءة الأصلية.
ولا يلزم من جواز العمل بالظن عند الضرورة جواز العمل به لا عند الضرورة؛ وإنه قياس فاسد.
والجواب: أما السؤال الأول، فحق، وأما الفرق الأول، فملغي بشرعية أصل الفتوى؛ فإنه أمر لكل بإتباع الظن، وأما الفرق الثاني، فضعيف؛ لأنه لا ضرورة في الرجوع إلى الشهادة، والفتوى؛ لإمكان الرجوع إلى البراءة الأصلية.
(المسلك الخامس)
قال القرافي: (قوله: الفرق الأول ملغي؛ لأنه ينتقض بأصل الفتوى؛ لأنه أمر لجميع الخلق بإتباع الظن):
قلنا: الفرق بني النقض وصورة النزاع أن أصل الفتوى عام لكل أحد في أمر غير عام، بل يختص بصورة جزئية، فهو عام في جزئيات فروعيت ثمرته وغايته، وهي الجزئيات المختصة، بخلاف الرواية أصل عام في أمور عامة. فالأصل العام وفروعه عامة، فكان الحظر فيه أكثر.
قوله: (لا ضرورة في الرجوع الشهادة والفتوى لإمكان الرجوع إلى البراءة الأصلية):
قلنا: لو فتح باب الرجوع إلى البراءة الأصلية في الحقوق التي تثبت بالشهادات ضاعت الأموال، وكثرت الغصوب، وضاعت الدماء والأموال، والأعراض، وذلك خلاف المعلوم بالضرورة من الملة المحمدية، واشتمالها على تكميل المصالح، ودرء المفاسد، ولولا الفتوى لضاع أمر العباد، ومتى