الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
(في كيفية رواية غير الصحابي)
قال الرازي: وهذا أيضا على سبع مراتب:
المرتبة الأولى: أن يقول الراوي: (حدثني فلان، أو أخبرني فلان، أو سمعت فلانا)، فالسامع يلزمه العمل بهذا الخبر، وأما أن السامع كيف يروي؟ فنقول: إن الراوي: إن قصد إسماعه خاصة ذلك الكلام، أو كان هو في جمع، قصد الراوي إسماعهم -فله أن يقول ها هنا: (أخبرني، وسمعته يحدث عن فلان (.
أما إن لم يقصد إسماعه، لا على التفصيل، ولا على الجملة -فله أن يقول:(سمعته يحدث عن فلان (لكن ليس له أن يقول: (أخبرني) ولا (حدثني)، لأنه لم يخبره، ولم يحدثه.
المرتبة الثانية: أن يقال للراوي: هل سمعت هذا الحديث عن فلان؟ فيقول: (نعم) أو يقول بعد الفراغ من القراءة عليه: (الأمر كما قرئ علي) فها هنا العمل بالخبر لازم على السامع.
وله أيضا أن يقول: (حدثني، أو أخبرني، أو سمعت فلانا) ألا ترى أنه لا فرق في الشهادة على البيع بين أن يقول البائع، وبين أن يقرأ عليه كتاب البيع؛ فيقول:(الأمر كما قرئ علي).
المرتبة الثالثة: أن يكتب إلى غيره: بـ (إني سمعت كذا من فلان) فللمكتوب
إليه أن يعمل بكتابه، إذا علم أنه كتابه، وإذا ظن أنه خطه، جاز له ذلك أيضا؛ لكن ليس له أن يقول:(سمعت، أو حدثني) لأنه ما سمع، ولا حدث؛ بل يجوز أن يقول:(أخبرني) لأن من كتب إلى غيره كتابا؛ يعرفه فيه واقعة، جاز له أن يقول:(أخبرني).
المرتبة الرابعة: أن يقال له: (هل سمعت هذا الخبر؟ فيشير برأسه، أو بأصبعه) فالإشارة ها هنا كالعبارة في وجوب العمل، ولا يجوز أن يقول:(حدثني، أو أخبرني، أو سمعته) لأنه ما سمع شيئا.
المرتبة الخامسة: أن يقرأ عليه: (حدثك فلان) فلا ينكر، ولا يقر بعبارة، ولا بإشارة -فها هنا: إن غلب على الظن: أنه ما سكت؛ إلا لأن الأمر كما قرئ عليه، وإلا كان ينكره- لزم السامع العمل به؛ لأنه حصل ظن أنه قول الرسول عليه -الصلاة والسلام- والعمل بالظن واجب.
واختلفوا في جواز الرواية: فعامة الفقهاء والمحدثين جوزوه، والمتكلمون أنكروه.
وقال بعض أصحاب الحديث: ليس له إلا أن يقول: (أخبرني قراءة عليه. وكذا الخلاف فيما لو قال القارئ للراوي بعد قراءة الحديث عليه: (أرويه عنك؟) فقال: (نعم). فالمتكلمون قالوا: لا تجوز له الرواية عنه ها هنا أيضا.
حجة الفقهاء: أن الإخبار -في أصل اللغة- لإفادة الخبر والعلم، وهذا السكوت قدا أفاد العلم بأن هذا المسموع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فوجب أن يكون إخبارا.
وأيضا: فلا نزاع في أن لكل قوم من العلماء اصطلاحات مخصوصة
يستعملونها في معان مخصوصة؛ إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني، أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعا، والحقيقة مغلوبة؛ ولفظ (أخبرني، وحدثني) ها هنا كذلك؛ لأن هذا السكوت شابه الإخبار في إفادة الظن؛ والمشابهة إحدى أسباب المجاز.
وإذا كان هذا الاستعمال مجازا، ثم استقر عرف المحدثين عليه، صار ذلك كالاسم المنقول بعرف المحدثين، أو كالمجاز الغالب، وإذا ثبت ذلك، وجب جواز استعماله قياسا على سائر الاصطلاحات.
حجة المتكلمين: أنه لم يسمع من الراوي شيئا؛ فقوله: (حدثني، وأخبرني، وسمعت) كذب.
والجواب: ما تقدم من أنه بعد هذا النقل العرفي، لا نسلم أنه كذب.
المرتبة السادسة: المناولة: وهي أن يشير الشيخ إلى كتاب يعرف ما فيه، فيقول: قد سمعت ما في هذا الكتاب؛ فإنه يكون بذلك محدثا، ويكون لغيره أن يروي عنه، سواء قال له:(أروه عني) أو لم يقل له ذلك، فأما إذا قال له:(حدث عني ما في هذا الجزء) ولم يقل له: (قد سمعته) فإنه لا يكون محدثا له؛ وإنما جاز التحدث له، وليس له أن يحدث به عنه؛ لأنه يكون كاذبا.
وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور، فليس له أن يشير إلى نسخة أخرى من ذلك الكتاب، ويقول:(سمعت هذا) لأن النسخ تختلف، إلا أن يعلم أنهما متفقتان.
المرتبة السابعة: الإجازة، وهي: أن يقول الشيخ لغيره: (قد أجزت لك أن تروي ما صح عني من أحاديثي).