الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحينئذ: فإما ألا ينعدم من الراجحة شيء، وهو محال؛ لمعارضة المرجوحة لما ساواها من الراجحة، وعدم أولوية العدم بإحداهما، وإن اعدم من الراجحة ما ساوى المرجوحة، فهو- أيضًا- محال؛ لأنهما لو عدمتا لوجدتا؛ لكون علة عدم كل واحدة منهما وجود الأخرى.
وأما سراج الدين فقال: إذا لم يعدم المساوي المساوي فالمرجوح أولى ألا يعدم الراجح.
ويرد عليه أنه بقى عليه أن الراجحة تعدم المرجوحة؛ لأن الدعوى كانت عامة.
(تنبيه)
زاد التبريزي فقال: العقلاء مجمعون على حسن ركون البحر عند غلبة السلامة
؛ لظهور الريح الكثير، وحسن التعليل بالريح، وحسن الامتناع منه خوف الهلاك.
ولو انخرمت المناسبة بالمعارض لما عقل الجمع بينهما، ولذلك يستحسن قتل الجاسوس مع استحسان المن عليه استكشافًا لسر الخصم، وكذلك الإقدام على السلم، وبيع الغائب، والامتناع منهما. قال: فإن قيل: استحسان الطرفين بناء على أن مصالح الأعيان والأشخاص تختلف باختلاف أحوالهم، ولا سبيل إلى درك دقائق مصالح الخلق، وإذا ظهر أصل المصلحة في فعل العاقل، كفى ذلك عذرًا في حسن المباشرة؛ حملًا للإقدام على تعين الأهم في نظره؛ لأنه عاقل، وهو أعلم به.
قال: قلنا: يلزم ألا يسفه أحد في تصرفاته؛ فإنه لا يخلو عن مصلحة، وإن قلت: وهو أعلم بالأهم عنده.
ولأنه يحسن من العقلاء سؤال الجازم بأحدهما الإتيان بالآخر، كسؤال الجازم بركوب البحر ألا يركبه، وسؤال الجازم بقتل الجاسوس ألا يقتله، ولو كان كما قلتم، لكان سؤاله حملًا له على السفه؛ وهو قبيح.
ولأن ما ذكرتموه إنما يصح أن لو صرح ببناء تصرفه عليه، أما مجرد إقدامه، فلعله بناه على معنى آخر، فلا يلزم تعيينه ليبنى عليه اعتقاد الرجحان، وقد حصل المقصود؛ إذ المقصود سقوط المطالبة بالترجيح لتحقيق المناسبة، وقد حصل.
ولأن الشرع ورد بالرخص: كالقصر، والفطر، وأجمع العلماء على تعليلها، مع العلم بأنها لو انعكست لكانت- أيضًا- معقولة المعنى، بل هو جابر في كثير من العزائم: كقطع يد السارق، وقتل الجماعة بالواحد، ولو تقيدت المناسبة بالرجحان لاستحال ذلك؛ لانحصار الرجحان في أحد الطرفين.
ولأنه يلزم منه ألا يصلح انتفاء تعليل الحكم بالمانع، وقد صح.
بيان الأول: أن اقتضاء السبب ينخرم بالمانع، وانتفاء الحكم عند انتفاء السبب الواجب، فتمتنع إضافته إلى غيره.
وبيان الثاني: [نقرره في مسألة] بيان تخصيص العلة.
قال: ولو سلمنا انخرام المناسبة بالمعارضة- ومع ذلك- فيدعى رجحانها في محل التعليل إجمالًا؛ لأن حجة الرجحان ضعيفة تدق، وتخفى، وتتعذر، فقد يترجح المهم على الأهم في جنسه؛ لتفاوتهما في الكلي والجزئي، والإبطال والإبدال، والنقض والإهمال والظهور والاحتمال، ومراتب المقدار، ولهذا قطع يد السارق حفظًا للمال، وأبيح الدفع عنه بالقتال،
وترك الصوم والصلاة بالإكراه، والفطر والقصر في السفر، وركوب البحر لغرض التجارة، وإذا ثبت ذلك فالشارع أعلم بدقائق هذه الأمور، واحتمال التفاوت قائم في كل مورد، فيجب اعتقاده تنزيلًا للحكم الشرعي على وفق العقول؛ فإن احتمال خفاء معنى آخر هو مبنى الحكم أبعد من احتمال خفاء وجه الرجحان، وإن طال البحث.
قال: واستدلال المصنف باطل بالأمزجة المختلفة، والطبائع إذا اجتمعت وباصطكاك الأجرام؛ فإنه لابد وأن يتأثر أحدهما بالآخر مع قيام هذا التقسيم، ثم هو بعيد عن التحقيق؛ لأن الكلام في بطلان المناسبة، لا في مطلق المصلحة والمفسدة، والمناسبة حكم المصلحة والمفسدة لا عينها.
ثم لا يلزم من عدم المناسبة عدم الحكم، لجواز ثبوته بعيدًا.
ولأن من شرط الانخرام التعاند في الاقتضاء؛ ليتعذر الوفاء بحكم كل واحد منهما، وإنما يتحقق ذلك بالإضافة إلى حكم واحد، وفي الصلاة في الدار المغصوبة مفسدة الغصب تقتضي تحريم الغصب، وهو تهديد يتعلق بالفعل المتوقع، ومصلحة الصلاة تقتضي الاجتزاء بالواقع المتضمن لها، فلم يتوارد تعلقًا ولا اقتضاء، فإذن لا تعارض؛ لأن مفسدة الغصب لا تندفع بعد وقوعها بنفي إجزاء الصلاة، ولا مصلحة الصلاة- التي هي في ضمن الواقع- تتأثر بالمنع السابق على الوقوع.
نعم لا ننكر أنه ربما اختل مقصود الزجر عن الغصب بإجزاء الصلاة من حيث فوات تأكيد داعية الامتناع من ذلك الوجه، وربما اختل مقصود التقرب بالصلاة بارتكاب المنهي عنه في مطاوى الامتثال، ولكن لا يخفى أن كل واحد منهما يقتضي نفي حكم الآخر تكميلًا لمقصوده، ومبالغة فيه، فيكون
مرجوحًا بالإضافة إلى الاقتضاء المتأصل لحكمه المقصود، فلا جرم يلغي كل واحد منهما من الوجه المرجوح، ويعتبر من الوجه الراجح؛ وفاء بتحقيق مناسبة الراجح، وانخرام المرجوح.
هذا وجه [تقرير] أن المناسبة لا تنخرم بالمعارض، وهو الأشهر.
وأما بيان الانخرام فمن أوجه خمسة تقدم عليها مقدمة، وهي أن المناسبة التي ندعي انخرامها هي ملاءمة بين الوصف والحكم توجب حسن إسناده إليه في نظر العقلاء، وحينئذ نقول: مفسدة الفعل منافية لتلك الملائمة لا محالة، ويستحيل حصول الأثر مع قيام المنافي إلا إذا ترجح المؤثر.
والثاني: أن العقلاء متفقون على استقباح الورود به، وإنما الخصم يزعم إسناده للمعارض، وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أن الاستقباح ضد الاستحسان، الذي هو إخبار عن تلك الملائمة، فكيف يجتمعان؟
الثاني: لو كان كذلك لوجب ألا يثبت الاستقباح- أيضًا- كما لم يثبت الاستحسان الذي هو مقتضى المصلحة تسوية بينهما في الإعمال.
الثالث: المصلحة إذا صارت معارضة بمفسدة، فلا فائدة في الفعل؛ لاستواء الترك معه في صلاح حال المكلف؛ فإنا نعلم أن حال وضع درهم في الكيس وأخذ مثله، يساوي حال عدم الوضع والأخذ في عدم الفائدة، ولا خفاء في عدم المناسبة ما لا فائدة فيه.
الرابع: العقلاء حصروا الأفعال في: المصلحة، والمفسدة، والعبث الذي لا مصلحة فيه ولا مفسدة فيه، ولا يمكن أن يقال: إن المصلحة هي المتضمنة نفعًا ولا ضرر فيه، ولا أن المفسدة ما تمحض ضررًا لا نفع فيه؛ لأن المحض لا وجود له في عالم الكون والفساد، فما من فعل يسمى مصلحة إلا ويتضمن