الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجع إلى البراءة الأصلية بطلت الشريعة بجملتها؛ لأنها كلها على خلاف البراءة الأصلية، فلو صح ما ذكرتموه فسد المعاش والمعاد، وذلك في غاية البعد.
…
المسلك السادس
(دليل العقل)
قال الرازي: وهو أن العمل بخبر الواحد يقتضى دفع ضرر مظنون؛ فكان العمل به واجبًا.
بيان المقدمة الأولى: أن الراوي العدل، إذا أخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمر بهذا الفعل، حصل ظن أنه وجد الأمر؛ وعندنا مقدمة يقينية: أن مخالفة الأمر سبب لاستحقاق العقاب؛ فحينئذ يحصل من ذلك الظن، وذلك العلم ظن أنا لو تركنا قوله، لصرنا مستحقين للعقاب؛ فوجب أن يجب العمل به؛ لأنه إذا حصل الظن الراجح، والتجويز المرجوح: فإما أن يجب العمل بهما؛ وهو محال، أو يجب تركهما؛ وهو محال، أو يجب ترجح المرجوح على الراجل؛ وهو باطل بضرورة العقل، أو ترجيع الراجح على المرجوح؛ وحينئذ يكون العمل بمقتضى خبر الواحد واجبًا.
واعلم أن هذه الطريقة يتمسك بها في مسألة القياس ونستقضى الكلام فيها سؤالاً وجوابًا-إن شاء الله تعالى-.
وأما المنكرون، فمنهم: من عول على العقل، ومنهم: من عول على النقل.
أما العقل فمن وجوه:
أحدها: لو جاز أن يقول الله تعالى: (مهما غلب على ظنكم صدق الراوي، فاعملوا بمقتضى خبره) جاز أن يقول الله تعالى أيضًا: (مهما غلب على ظنكم صدق المدعى للرسالة، فاقبلوا شرعه وأحكامه) لأنا في كلتا الصورتين نكون عاملين بدليل قاطع؛ وهو إيجاب الله تعالى علينا العمل بالظن، أو إيجاب العقل علينا ذلك، ولما لم يجز ذلك هناك، فكذا هاهنا.
وثانيها: لو جاز التعبد بأخبار الآحاد في الفروع، لجاز التعبد بها في الأصول حتى يكتفي في معرفة الله تعالى بالظن.
وثالثها: الشرعيات مصالح، والخبر الذي يجوز كذبه لا يمكن التعويل عليه في تحصيل المصالح.
فإن قلت: (لم لا يجو أن تكون المصلحة هي إيقاع ذلك الفعل المظنون): قلت: كون الفعل مصلحة: إما أن يكون بسبب ذلك الظن، أو لا بسببه: والأول: باطل؛ لأنه لو جاز أن يؤثر ظننا في صيرورة ما ليس بمصلحة مصلحة، لجاز أن يؤثر ظننا بمجرد التشهي في ذلك؛ حتى يحسن من الله تعالى أن يقول:(أطلقت لك في أن تحكم بمجد التشهي، من غير دليل ولا أمارة) ومعلوم أنه باطل.
وأما الثاني: فنقول: إذا كان كون الفعل مصلحة ليس تابعًا لظننا، فيجوز أن يكون الظن مطابقًا، وألا يكون فيكون، الإذن في العمل بالظن إذنًا في فعل ما لا يجوز فعله؛ وإنه غير جائز.
وأما المعولون على النقل: فقد تمسكوا بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]{وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [البقرة: 169]{إن الظن لا يغنى من الحق شيئًا} [النجم: 28].
والجواب عن الوجوه العقلية: أنها منقوضة بالعمل بالظن في الفتوى، والشهادة والأمور الدنيوية؛ فإن من أخبر أن هذا الطعام مسموم، وحصل ظن صدقه؛ فإنه لا يجوز تناوله، ثم إنا نطالبهم فيها بالجامع العقلي اليقيني، ثم ببيان امتناع الجامع.
وأيضًا: ينتقض بتعويل أهل العالم على الظن في أمر الأغذية، والأشربة، والعلاجات، والأسفار، والأرباح، وأما التمسك بالآيات فسيأتي الجواب عنها في القياس-إن شاء الله-.
المسلك السادس
قال القرافي: (قوله: العمل بخبر الواحد يفضى إلى دفع ضرر مظنون، فكان العمل به واجبًا):
قلنا: ليس مطلق الظن معتبرٌا في الشرع؛ بدليل إخبار الفسقة والكفرة، وجماعة الصبيان، ونحو ذلك؛ فإنه ملغى مع الظن فيه، فحينئذ لا بد من مرتبة خاصة من الظن، وإذا خرج مطلق الظن عن الاعتبار، فلم قلتم: إن تلك المرتبة المعتبرة من الظن وجدت في صورة النزاع؟.
قوله: (ترك العمل بالراجح والمرجوح):
قلنا: لا نسلم؛ فإن العدل الواحد، وجماعة النساء في إثبات الدماء، والكفر، أو غيرهم يغلب على الظن صدقهم، ولا نقضى بالراجل من صدقهم، ولا بالمرجوح من كذبهم، بل يعرض عنهم، ولم يلزم محال،
فكذلك هاهنا. وإنما يلزم ما ذكرتموه أن لو كان ترك العمل بهما معسرًا بالقضاء باعتبار الراجح والمرجوح، فيقضى بالصدق والكذب معًا، أو يعدم ويحجم، أما الإهمال مطلقًا فلا يلزم بحال، وهو الذي ادعاه الخصم.
قوله: (لو اعتبر ظن صدق الراوي لاعتبر صدق المدعى للرسالة):
قلنا: الفرق أن المعجزة أصل الدين كله، فأشبه قواعد العقائد، فاشترط فيه اليقين، بخلاف فروع الدين أمرها أخف، فاكتفى فيها بالظن.
قوله: (لو اكتفى بالظن في الفروع لاكتفى به في الأصول):
قلنا: الفرق أن الظان في الفروع على تقدير خطئه، فهو ينسب إلى الله-تعالى- ما هو جائز عليه، فإن جميع الأحكام الشرعية ونقائضها، وأضدادها جائزة على الله-تعالى- ولوجود الظن في أصول الدينات، فعلى تقدير خطئه يكون الظان نسب إلى الله-تعالى- ما هو كفر، وما هو مستحيل عليه-سبحانه وتعالى فلذلك لم نجز الظن في العقائد، بل ولا التقليد أيضًا لهذا السر، وهذا فرق عظيم بين البابين سمعته من الشيخ عز الدين بن عبد السلام.
قوله: (لو كان الظن مؤثرًا في المصلحة، لجاز أن يعمل بجرد التشهي):
قلنا: الفرق أن الظن إصابته غالبة، وخطؤه نادر، والعقلاء وصحاب الشرع يغلبون الغالب على النادر.
قوله: (احتجوا بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] ونحوه).
قلنا: هذه الآيات ظواهر وعمومات عارضتها عمومات أخر نحو قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ ....} [الحجرات: 6]، وما تقدم معه من العمومات، وإذا حصل التعارض وجب التوفيق بحمل آيات العلم على