الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (لو كانت أفعال الله- تعالى- وأحكامه لدفع حاجة العبد، اندفعت جميع الحاجات):
قلنا: نحن لا ندعي أن الله- تعالى- يدفع كل حاجة، بل إنه- تعالى- ما شرع شرعًا إلا لدفع حاجة، ولا يلزم من ذلك استيعاب دفع الحوائج.
كما أن قولنا: (ما أعطى الملك أحدًا اليوم شيئًا إلا بسبب فقره)، أن يكون استوعب الفقراء، ولا نصفهم.
(سؤال)
قال النقشواني: لم لا يجوز أن يقال: إن أفعال الله- تعالى- وأحكامه كلها خيرات
، والمفاسد إنما جاءت من قبل العبد، كما أن النار تذيب الحديد والشمع، وتعقد البيض، والشمس تسود الوجه، وتبيض الثوب.
فخلق الله- تعالى- القدرة- في العبد- على الفعل وأنواعه مصلحة، وهو يستعملها في الفساد، فهو من قبله، لا من قبل الله تعالى؟.
(تنبيه)
قال سراج الدين على قوله: (لو كان الحكم عين هذا الوصف- وهو في الأزل كان الحكم أزليًا):
لقائل أن يقول: هو معارض بمثله
، ودفعه يعرف بالتأمل.
قلت: تقريره: أن هذا الوصف- أيضًا- لو كان مقتضيًا للحكم، فإما في الأزل، فيلزم القدم، أو لا في الأزل، فيلزم استصحاب العدم، وقد تقدم دفع هذا السؤال.
وقال على قوله: (اختيار المكلف إن كان من فعل الله- تعالى- لزم الجبر، ويعود المحذور):
لقائل أن يقول: إنه يشعر بذلك عند الإيجاد، لكنه لا يبقى، ولا نسلم أن الإمكان علة المقدورية، بل شرطها، ثم تعلق إرادة أحد القادرين بالمقدور مشروطة بالشعور، فإذا عدم الشرط عدم المشروط، فلا يكون عزمه واختياره منشأ المفسدة، وأما الإمكان فلا شك أن التأثير متوقف عليه، والمتوقف على وجوده: إما سبب أو شرط؛ لأن المانع متوقف على عدمه، فكذلك منع سببية الإمكان بأن يكون شرطًا.
وجوابه: أنه لو كان شرطًا لكان غير السبب، وغير الإمكان قبل الإيجاد.
أما الوجوب والاستحالة- وكلاهما مانع من التأثير- فلا يكون أحدهما سبب التأثير.
وجوابه عما أورده في المؤثرين: أن كليهما صالح للتأثير، فيس عدم إرادة أحدهما، وثبوت إرادة الآخر أولى من العكس، فيلزم تعلقهما، ومنه ينشأ المحال.
وقال التريزي أول المسألة: المناسب الغريب حجة، خلافًا لبعضهم.
قال: ولا خلاف بين القياسين في المؤثر والملائم؛ فإن أبا زيد وإن حصر المعتبر في المؤثر، لكنه ذكر في أمثلته ما يدل على أنه سمى الملائم مؤثرًا.
ثم قال: لو كان الحكم معللًا بغير الوصف المقارن لظهر.
ومنهم من قال: غيره لم يكن علة في الأزل وإلا لزم قدم الحكم، والأصل استمراره على العدم، وهو باطل؛ لأنه ينقلب علينا في الوصف الظاهر.
قال: وقد أكثر المصنف في القدح في الغريب؛ استنادًا إلى امتناع تعليل أفعال الله- تعالى- شغفًا بالقدح في القياس، ويرجع حاصل الكل إلى سلب الفعل الاختياري بالكلية أو من العبد؛ لوقوع أفعاله بقدرة الله- تعالى-
ومعلوم أن النزاع في هذه المسألة مسبوق بتسليم قاعدة القياس وكونه حجة، ومن ضرورتها صحة تعليل أحكام الشرع برعاية مصالح العباد، فكيف يصح إنكاره من القائلين بالقياس؟
ثم يلزم منه امتناع التعليل بالملائم وبالمؤثر، بل يمتنع دعوى التأثير والملاءمة.
على أنا قد أثبتنا الأفعال الاختيارية، وامتناع التكليف بالمحال، نفتدلك الآن على تعليل أفعال الله- تعالى- وأحكامه وقوعًا لا وجوبًا بقوله تعالى:{المص} إلى قوله: {لتنذر به وذكرى} [الأعراف: 2]، {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [النساء: 64]، وفي آية أخرى:{إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4]، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]، {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} [البينة: 6]، {يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم} إلى قوله:{لنبين لكم} [الحج: 5] إلى ما يكثر عدده من هذا.
ويخصص مصالح العبد قوله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29]، {فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره} [إبراهيم: 32].
{وأنزلنا من السماء ماء طهورًا لنحيي به بلدة} [الفرقان: 48]، {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل} إلى قوله:{وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام} [الأنفال: 11]، و {فجرنا فيها من العيون} [يس: 34]، {ليأكلوا من ثمره} [يس: 35]، {أنا صببنا الماء صبًا} إلى قوله:{متاعًا لكم ولأنعامكم} [عبس: 32].
{أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها} [النازعات: 31، 32]، ولو جمع مثل هذا من القرآن لبلغ جزء.
[وأما المعقول فأوجه:
أحدها: أن الله- تعالى- رءوف، وليس من صفة الرءوف الإعراض عن مهام المحاويج، وأرباب الضرورات في حالة اضطرارهم، مع العلم بحالهم والقدرة على قضائها، لاسيما إذا لم ينقص به من خزائنه شيء]
* * *