الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول
في إثبات كون القياس حجة
قال القرافى: قال إمام الحرمين: منع بعضهم القياس عقليًا ونقليًا، وهو مذهب منكرى النظر.
وقال الأصوليون والقياسيون والفقهاء بإثباتهما.
وقيل: المعتبر القياس العقلي دون الشرعي، وهو مذهب النظام وطوائف من الروافض، والإباضية، والأزارقة، ومعظم فرق الخوارج.
وقيل: يحرم القياس النظري، ويجب القياس الشرعي، قاله ابن حنبلٍ والمقتصدون من أتباعه، ولا ينكرون إفضاء النظر للعلم، بل ينهون عن ملابسته.
وقال الغزالي في (المستصفى): أما تحقيق مناط الحكم فلا خلاف بين الأمة في جوازه إذا وقع في تحقيق مناط الحكم، كتعيين القيم، وتعين من يصلح للإمامة.
وتنقيح مناط الحكم أقر به أكثر منكري القياس، كإيجاب العتق في حديث الأعرابي المفسد لصومه.
وتخريج المناط هو: استنباط علة الحكم من محل لم يتعرض فيه للمناط، كتحريم الخمر والربا في البر، فتعليله بالإسكار والطعم هو الذي عظم فيه الاختلاف.
قوله: (الاعتبار دال على القدر المشترك، فلا يدل على النوع الذي ليس إلا عبارة عن مجموع جهة الاشتراك، وجهة الامتياز):
قلنا: هذه عبارة فيها بعد، وهو يريد بجهة (الاشتراك) العلة الشرعية، وجهة (الامتياز) كون الأصل متفقًا على ثبوت الحكم فيه، والفرع مختلفًا فيه، وهو القياس الشرعي، فكان يكفيه أن يقول:(القياس الشرعي) من غير تطويل، ولا عبارة بعيدة.
قوله: (لا بد للماهية من نوع تصير فيه إلى الوجود، وليس البعض أولى من البعض):
قلنا: يكون ذلك كالأمر بجميع المطلقات، كقوله تعالى:{فتحرير رقبة} [النساء: 92] يتخير المكلف بين رقاب الدنيا، ولا يلزم التعميم، ولا التعطيل، وكذلك شاة من أربعين، ودينار من أربعين دينارًا.
قوله: (والآية عامة؛ لأن ترتيب الحكم على المسمى يقتضي أن علة ذلك الحكم هو ذلك المسمى):
قلنا: ادعيتم العموم اللفظي، وأبيتم عموم الحكم بالعلة، وهذا غير العموم اللفظي، بل هو قياس، فيلزم منه إثبات بالقياس بل بأضعف أنواع القياس، وهو أن ترتيب الحكم على الوصف، إنما هو من باب افيماءات التي هي أضعف في إثبات العلة من التنصيص على العلة، بل الصحيح أن الآية فعل في سياق الإثبات، فيكون مطلقًا لا عموم فيه، بل القدر المشترك الذي لا دلالة فيه على خصوص نوع من جهات ذلك المشترك.
قوله: (يحسن أن يقال: (اعتبروا إلا الاعتبار الفلاني):
قلنا: قد تقدم أن الاستثناء أربعة أقسام:
ما لولاه لعلم اندراجه، كالاستثناء من النصوص.
وما لولاه لظن اندراجه، كالاستثناء من العمومات.
وما لولاه لجار اندراجه، من غير علم ولا ظن، كالاستثناء من محال
المدلول، نحو: أكرم رجلاً إلا زيدًا، وعمرًا، وخالدًا، أو أزمانه، نحو: صل إلا عند الزوال، وبقاعه نحو: صلِّ إلا [على] المزبلة، ومن الأحوال كقوله تعالى:{لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} [يوسف: 66]، وقد تقدم بسطه في الاستثناء والعمومات.
وهاهنا هو من المحال، فلا حجة فيه على الاندراج الذي ادعيتموه، فلا عموم، بل عموم الصلاحية لا عموم الشمول، ومقصودكم الثاني دون الأول.
قوله: (السؤال عام في كل السمعيات، فلا يكون له تعلق بخاصية هذه المسألة):
قلنا: تقدم كلام التبريزي أن مسائل الأصول قطعية، ونحن نستدل عليها بظواهر النصوص، والمصحح لذلك أنا نريد بكل نص منها ذلك الظاهر بقيد إضافته لما معه من الأمور الحاصلة بالاستقراء التام من النصوص، وأقضية الصحابة، ومناظراتهم وفتاويهم، وتصرفات أحوالهم في الأحكام الشرعية؛ فإن الاستقراء التام في هذه الأمور من الكتاب والسنة وأحوال السلف يفيد القطع، فكل ظاهر نحن نريد الدلالة به يفيد إضافته لهذا الأمر، فيكون كل ظاهر مفيدًا للقطع حينئذ، وليس في الممكن وضع تلك الأمور كلها في كتاب، فتعينت الإشارة إليها فقط، فالمسائل قطعية، والمدرك كذلك، غير أن الإشارة إليها حاصلة في الكتب لا جملتها، فلا تنافى بين كون الظواهر المذكورة تفيد الظن، وكون المطلوبات قطعية، وقد تكرر هذا البحث مرارًا، وهو يحتاج إليه في هذا العلم؛ لأن الجمهور مجمعون على أن المسائل الأصولية قطعية، ولا يتقرر إلا بهذا الطريق، فليضبط.