الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتمال، وهو أن مذاهب الناس في صيغ الأوامر مشهورة، فربما ظن ما ليس بأمر أمرا):
قلنا: لم يختلف الناس في أن الأمر هل وضعت له هذه الصيغة، أو هذه الصيغة؟ بل اتفق الجميع على أنه لا يسمى أمرا من الألفاظ إلا صيغ مخصوصة نحو: صم، وقم، ونحوه.
فإذا قال: عليه السلام: (صوموا لرؤيته). يقول الناس أجمعون: إن رسول الله عليه السلام أمر بالصوم من غير خلاف.
إنما يختلفون هل المراد الوجوب أم لا؟
وهذا شيء يرجع إلى المعنى دون اللفظ.
والمستفاد من الرواية إنما هو اللفظ، بخلاف الناسي لا تقدح في روايته، غير أنكم إن جوزتم أن يكون سمع لفظ الخبر، فسماه أمرا، أو نحو ذلك.
فهذا قدح في الراوي؛ لأن الشرط في الرواية توفية اللفظ، وعدم تبديله إلا بما يراد فيه، ولا يغير معناه، لكن ظاهر العدالة يأبى ذلك.
(فائدة)
قال القاضي عبد الوهاب في (الملخص): قال جماعة من العلماء: قول الصحابي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى عن كذا، أو فرض كذا لا يقبل
؛ لأنه رواية بالمعنى، فلا بد من ذكر لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعينه.
قوله: لو أوجب على الناس ما يجوز ألا يكون واجبا عليهم قدح ذلك في عدالته).
قلنا: لا نسلم القدح، بل يكفيه في صحة الإسناد والنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم أن يغلب على ظنه.
إنما نسبته إله مرادة ما القطع فليس شرطا، وأين اليقين مع احتمال
المجاز، والاشتراط والتخصيص، ونحوه من الأمور العشرة التي تقدم ذكرها في الإخلال بالمعنى من اللفظ؟ فاشتراط القطع لا سبيل إليه في الفعل.
نعم قد تحصل قرائن تفيد اليقين، لكن لا نسلم أن حصولها شرط.
ولذلك قال عليه السلام: (رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها)، ولم يشترط اليقين.
قوله: (لا يمكنكم العلم بأن هذا الراوي ما أطلق هذه اللفظة إلا بعد علمه بمراد الرسول - صلى الله عليه وسلم إلا إذا علمتم كونه حجة، وأنتم إنما أثبتم كونه حجة بذلك، فيلزم الدور):
تقريره: أن الملجأ لاعتقادنا ذلك في حق الراوي هو اعتقادنا أن روايته حجة، وكونه حجة يتوقف عليه، فيلزم الدور.
ويرد عله أنا لم نستفد أنه لم يطلق اللفظ إلا بعد اعتقاده قطعه بمراد الرسول عليه السلام من كون روايته حجة، بل من ظاهر حال، فتيقنه مراد الرسول عليه السلام مستفاد من ظاهر حاله، ومتوقف على ظاهر الحال، وكون روايته حجة على تيقنه مراد الرسول، فهاهنا ثلاثة أمور ظاهر: متوقف عليه مطلقا، وكونه حجة متوقف مطلقا، وتيقنه مراد الرسول عليه السلام متوقف عليه، فلا دور حينئذ.
قوله: (عن النبي قال قوم: يحتمل أنه أخبره إنسان):
تقريره: أن هذه الصيغة تحتمل في العامل في المجرور أمرين:
أحدهما: تقديره: روايته عن النبي مشافهة.
وثانيهما: نقل لي عن الني عليه السلام.
والأول ظاهر حال الصحابي؛ لأن النفوس مجبولة على طلب علو السند، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، والصحابي متمكن من سؤاله، فلا يتركه تحصيلا لزيادة الظن أو اليقين.
قوله: (قول الصحابي: كنا نفعل كذا، إنما يقصد به أن يعلمنا شرعنا، وليس يكون ذلك إلا وقد كانوا يفعلونه في عهد النبي عليه السلام.
قلنا: يكفي في تنبيهنا على شرعيته أن الرواي رأى السواد الأعظم يفعله، فيغلب على ظنه أنهم على الصواب، فيخربنا بذلك، سواء اطلع على علم النبي عليه السلام أم لا.
وقد كان مالك وجماعة من العلماء يعتمدون على أقضية الصحابة، وإن صدر ذلك من بعضهم، من غير أن ينضم إليه علم النبي - صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لقوله عليه السلام:(أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، فلعل هذا مدرك الراوي.
* * *