الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة
قال الرازي: خبر الواحد: إما أن يقتضي علمًا، أو عمل
اً: فإن اقتضى علماً فإما أن يكون في الأدلة القاطعة ما يدل عليه، أو لا يكون:
فإن كان الأول: جاز قوله؛ لأنه لا يمتنع أن يكون- عليه الصلاة والسلام قاله، واقتصر به على آحاد الناس، واقتصر بغيرهم على الدليل الآخر.
وإن كان الثاني: وجب رده، سواء اقتضى مع العلم عملًا، أو لم يقتضه؛ لأنه لما كان التكليف فيه بالعلم، مع أنه ليس له صلاحية إفادة العلم -كان ذلك تكليفًا بما لا يطاق، اللهم إلا أن يقال: لعله- عليه الصلاة والسلام أوجب العلم به على من شافهه؛ دون من لم يشافهه؛ فإن ذلك جائز، فأما إذا اقتضى عملًا، وكان البلوى به عامًا، فعندنا: لا يجب رده، وعند الحنفية: يجب رده.
لنا وجوه:
أحدها: عموم قوله تعالى: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} وقوله: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} .
وثانيها: أن خبر الواحد العدل في هذا الباب يفيد ظن الصدق فيكون العمل به دافعًا لضرر مظنون؛ يكون واجبًا.
وثالثها: رجوع الصحابة إلى عائشة- رضي الله عنها في التقاء الختانين، مع أن ذلك مما تعم به البلوى.
ورابعها: أن البلوى عام؛ بمعرفة أحكام القئ، والرعاف، والقهقهة في
الصلاة، ووجوب الوتر، مع أنهم يقبلون خبر الواحد فيه، وليس يعصمهم من ذلك أنه قد تواتر النقل بالوتر؛ لأن وجوبها تعم به البلوى، ولم يتواتر نقله.
واحتجوا بالإجماع والمعقول:
أما الإجماع: فهو أن أبا بكر رد حديث المغيرة في الجدة، ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان.
وأما المعقول: فهو أنه لو كان صحيحًا، لأشاعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأوجب نقله على جهة التواتر؛ مخافة ألا يصل إلى من كلف به، فلا يتمكن من العمل به، ولو فعل ذلك، لتوافرت الدواعي إلى نقله، على جهة التواتر.
والجواب عن الأول: أنه إنما كان يجب ذلك الذي قلتم، لو لم يقبلوا فيه إلا خبرًا متواترًا؛ فأما إذا لم يقبلوا خبر الواحد، وقبلوا خبر الاثنين- فلا، وقد قبلوا خبر الاثنين في؛ فلم ينفعكم ذلك.
وعن الثاني: أن ذلك يجب أن لو كان يتضمن علمًا، أو أوجب العمل به على كل حال.
فأما إذا أوجبه؛ بشرط أن يبلغه، فليس فيه تكليف ما لا طريق إليه، ولو وجب ذلك فيما تعم به البلوى لوجب في غيره؛ لجواز ألا يصل إلى من كلف به.
فإن قلتم هناك: (إنه كلف العمل به، بشرط أن يبلغه): قيل لكم مثله فيما تعم به البلوى.
المسألة الثامنة
خبر الواحد إن اقتضى علمًا
قال القرافي: قوله: (إن لم يكن في الأدلة القاطعة ما يدل عليه، فيجب رده؛ لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق):
قلنا: تكليف ما لا يطاق جوازه هو الحق.
سلمنا امتناعه، لكن يشكل بالتواتر؛ فإن دلالته ظنية لا تحصل العلم، ولا يمكن رده لتواتره.
سلمنا أن المتواتر لا يرد، لكن لا سبيل إلى عدم الدليل العقلي إلا بالطلب، وقد علمت أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فلعل ثم دليلاً عقليًا لم نطلع عليه.
قوله: "لنا: قوله تعالى: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} :
قلنا: هذا فعل في سياق الإثبات، فيكون مطلقًا لا عموم فيه، فلا يتناول جميع الموارد، فنحمله على ما لا تعم البلوى.
وكذلك قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ} مطلق؛ لان (جاء) فعل في سياق الإثبات، و (نبأ) نكرة في سياق الإثبات غير أن النكرة إذا وردت مع الشرط فيها الخلاف المتقدم في العموم، فإذا سلم العموم أمكن أن يقال: هو مطلق في الأحوال، فلا يتناول حالة البلوى.
قوله: (العلم به يفيد دفع ضرر مظنون).
قلنا: قد تقدم أن مطلق الظن لم يعتبره صاحب الشرع، بل مراتب خاصة؛ بدليل شهادة الفاسق، وجماعة الكفار، وإنما اعتبر الشرع مراتب خاصة، فلم قلتم: إن هذا منها محل النزاع؟.
قوله: (رجعوا إلى خبر عائشة، وهو ما تعم به البلوى).
قلنا: ذلك حين احتفت به قرائن عظيمة، وهو سؤال الصحابة، وعلم عائشة بذلك مع قرائن أحوال عائشة، ومكانتها من الدين.
وقوله عليه السلام: (خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء)، والأحوال شواهد لا تفي بها العبارات.
فلم قلتم: إنما نحن فيه كله كذلك؟.
قوله:؟ (البلوى عامة في القئ، والرعاف، والقهقهة في الصلاة، والوتر، ولم يتواتر نقله، وقالوا بها.
قلنا: لا نسلم أن أبا حنيفة لم تكن هذه الأحاديث متواترة في زمانه، ولا يلزم من عدم تواترها عندنا عدم تواترها عنده؛ لأنه أدرك الصدر الأول، وعشرة من الصحابة، وهو المجتهد في هذه الأحكام، وأصحابه بعده مقلدون لا يلزمهم هذا السؤال؛ لأنه لا يلزمهم تصحيح مدرك من قلدوه، بل ذلك يقع منهم مناظرة.
وهذا الجواب أمكن أن يقولوه في المناظرة عن إمامهم.
والقاعدة: أن التواتر قد يصير آحادًا من غير عكس، فلا يرد عليهم ما قلتموه.
قوله: (إنما كان يجب الإشاعة أن لو تضمن علمًا).
قلنا: ولو تضمن علمًا لا يلزم حصوله بالإشاعة؛ لأن غايته أن يكون متواترًا كالقرآن، فيبقى يفيد الظن؛ لأجل الدلالة، لا لأجل السند.
قوله: (لو وجب ذلك فيما تعم به البلوى لوجب في غيره).
قلنا: الملازمة ممنوعة؛ لان ما تعم به البلوى الحاجة من المكلفين إليه أشد،