الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه-: (لا يقبل من حديثه إلا ما قال فيه: (حدثني، أو سمعت فلانًا، ولا يقبل، إذا أتى بلفظ موهم).
وقال بعض المحدثين: لا يقبل إلا إذا قال: (سمعت فلانًا). وهؤلاء يفرقون بين أن يقال: (حدثني فلان،) و (أخبرني) فيجعلون الأول دالًا على أنه شافهه بالحديث، ويجعلون الثاني مرددًا بين المشافهة، وبين أن يكون إجازة له، أو كتب إليه، وهذه عادة لهم، وإن لم يكن بينهما فرق في اللغة.
المسألة الرابعة
(في التدليس)
إذا روى الراوي الحديث عن رجل يعرف باسم، فلم يذكره بذلك، وذكره باسم لا يعرف به، فإن فعل ذلك؛ لأن من يروى عنه ليس بأهل أن يقبل حديثه، فقد غش الناس؛ فلا يقبل حديثه، وإن لم يذكر اسمه؛ لصغر سنه، لا لأنه ليس بثقة، فمن يقول:(يكفي ظاهر الإسلام في العدالة) قبل هذا الحديث، ومن يقول:(لا بد من التفحص عن عدالته بعد إسلامه): فمن لا يقبل المراسيل؛ فإنه لا يقبله؛ لأنه لم يتمكن من التفحص عن عدالته؛ حيث لم يذكر اسمه، فهو كالمرسل، ومن يقبل المراسيل، ينبغي أن يقبله؛ لأن عدالته تقتضي أنه لولا أنه ثقة عنده، لما ترك ذكر اسمه؛ فصار كما لو عدله.
المسألة الخامسة
(يجوز نقل الخبر بالمعنى)
وهو مذهب الحسن البصري وأبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهم خلافًا لابن سيرين وبعض المحدثين؛ ولكن بشرائط ثلاث:
أحدها: ألا تكون الترجمة قاصرة عن الأصل؛ في إفادة المعنى.
وثانيها: ألا تكون فيها زيادة، ولا نقصان.
وثالثها: أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء، والخفاء؛ لأن الخطاب تارة: يقع بالمحكم، وتارة: بالمتشابه؛ لحكم وأسرار استأثر الله بعلمها؛ فلا يجوز تغييرها عن وضعها.
لنا وجوه:
الأول: أن الصحابة نقلوا قصة واحدة، بألفاظ مختلفة مذكورة في مجلس واحد، ولم ينكر بعضهم على بعض فيه؛ وذلك يدل على قولنا.
الثاني: أنه يجوز شرح الشرع للعجم بلسانهم، فإذا جاز إبدال العربية بالعجمية، فبأن يجوز إبدالها بعربية أخرى كان أولى، ومن أنصف علم أن التفاوت بين العربية وترجمتها بالعربية أقل مما بينها وبين العجمية.
الثالث: روي أنه- عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أصبتم المعنى، فلا يأس) وعن ابن مسعود: أنه كان إذا حدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو نحوه).
الرابع؛ وهو الأقوى: أنا نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأخبار ما كانوا يكتبونها في ذلك المجلس، وما كانوا يكررون عليها في ذلك المجلس، بل كما سمعوها تركوها، وما ذكروها إلا بعد الأعصار والسنين؛ وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ.
احتج المخالف: بالنص، والمعقول:
أما النص: فقوله- عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرءًا سمع مقالتي،
فوعاها، ثم أداها كما سمعها (قالوا: وأداؤها كما سمعها: هو أداء اللفظ المسموع، ونقل الفقه إلى من هو أفقه منه معناه، والله أعلم: أن الأفطن ربما فطن؛ بفضل فقهه من فوائد اللفظ لما لم يفطن له الراوي؛ لأنه ربما كان دونه في الفقه.
وأما المعقول: فمن وجهين:
الأول: أنه لما جربنا، رأينا: أن المتأخر ربما استنبط من فوائد آية أو خبر ما لم يتنبه له أهل الأعصار السالفة من العلماء والمحققين، فعلمنا أنه لا يجب في كل ما كان من فوائد اللفظ: أن يتنبه له السامع في الحال، وإن كان فقيهًا ذكيًا، فلو جوزنا النقل بالمعنى، فربما حصل التفاوت العظيم، مع أن الراوي يظن أنه لا تفاوت.
الثاني: أنه لو جاز للراوي تبديل لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظ نفسه، كان للراوي الثاني تبديل اللفظ الذي سمعه بلفظ نفسه، بل هذا أولى؛ لأن جواز تبديل لفظ الراوي أولى من جواز تبديل لفظ الشارع، وكذا في الطبقة الثالثة والرابعة، وذلك يفضي إلى سقوط الكلام الأول؛ لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة؛ لكن لا ينفك عن تفاوت، وإن قل، فإذا توالت هذه التفاوتات، كان التفاوت الأخير تفاوتًا فاحشًا؛ بحيث لا يبقى بين الكلام الأخير وبين الأول نوع مناسبة.
والجواب عن الأول: أن من أدى تمام معنى كلام الرجل، فإنه يوصف بأنه أدى كما سمع، وإن اختلفت الألفاظ، وهكذا الشاهد والترجمان يقع عليهما الوصف بأنهما أديا كما سمعا، وإن كان لفظ الشاهد خلاف لفظ المشهود عليه، ولغة المترجم غير لغة المترجم عنه.