الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2730 / -م - رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، اخْتَصَرَهُ.
(ورواه حماد) وصله أبو يعلى، أي: اختصر حماد، أو لم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:(كيف بك)، وفعله وهو كان عامل، والقرينة لفظ:(عن النبي صلى الله عليه وسلم).
قيل: استنبط منه البخاري جواز الخيار في المساقات للمالك لا إلى أمد؛ لأن هذه المساقاة مع أهل خيبر لم تكن معينة لقوله: (ما أقركم الله)، ومفهومه: أنه متى أراد إخراجهم أخرجهم.
* * *
15 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُصَالَحةِ مَعَ أَهْلِ الحربِ، وَكتَابَةِ الشُّرُوط
2731 -
و 2732 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَني الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ بِالْغَمِيم فِي
خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ"، فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلتهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ"، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا يَسْألوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نزلَ بِأقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يتبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نزحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَطَشُ، فَانتزَعَ سَهْمًا مِنْ كنَانتَهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نزلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيةِ، وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا لَمْ نَجئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاؤُا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْني وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ؛ فَإنْ شَاؤُا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَده! لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تنفَرِدَ سَالِفَتِي،
وَلَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَه"، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أتى قُرَيْشًا، قَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئتمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَناَ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! ألسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تتَّهِمُوني؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: ألسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئتكُمْ بِأهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُوني آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنِّي وَاللهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لأَرَى أَشْوابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلَا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَم أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذ بِلِحْيتهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ
يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ! ألسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقتلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا الإسْلَامَ فَأقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ". ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كنَانة: دَعُوني آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا فُلَانٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ"، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ
الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُوني آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْئِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا مِكْرَزٌ، وَهْوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ"، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأخْبَرَنِي أيوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ"، قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ، اكتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم"، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كمَا كنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اكتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، ثُمَّ قَالَ:"هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْناَكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كذَّبْتُمُوني، اكتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلهِ: "لَا يَسْألوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَا تتحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْناَ ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينكَ، إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ"، قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَأَجِزْهُ لِي"، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجيزِهِ لَكَ، قَالَ:"بَلَى، فَافْعَلْ"، قَالَ: مَا أَناَ بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَرٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْناَهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نبَيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: ألسْتَ نبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: "بَلَى"، قُلْتُ:"ألسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّناَ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: "بَلَى"، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِيننَا إِذًا؟ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهْوَ نَاصِرِي"، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَتأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، فَأخْبَرْتُكَ أَنَّا نأتِيهِ الْعَامَ"؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ:"فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ"، قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! ألَيْسَ هَذَا نبَيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: "ألسْنَا عَلَى الْحَق وَعَدُوُّناَ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِيننَا إِذًا؟ قَالَ: أيُّهَا الرَّجُلُ! إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهْوَ نَاصِرُهُ،
فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِه، فَوَاللهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنأتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأخْبَرَكَ أَنَّكَ تأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، قَالَ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نبَيَّ اللهِ! أتحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ؛ نَحَرَ بُدْنه، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ -رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- وَهْوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يأكلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ
أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ. فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِني أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ:"لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا"، فَلَمَّا انتهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ"، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سيفَ الْبَحْرِ. قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأرْسلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ بِاللهِ وَالرَّحِم لَمَّا أَرْسَلَ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهْوَ آمِنٌ، فَأرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حَتَّى بَلَغَ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنهُ نبَيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.
(باب: الشروط في الجهاد)
(بالغَمِيم) بفتح المعجمة وكسر الميم: وادٍ بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وبضم الغين وفتح الميم؛ قاله (ع)، ولم يذكره البكري إلا بالفتح، وذكر شعرًا قد صغر فيه بالضم موضع قريب من مكة.
(طليعة)؛ أي: مقدمة الجيش.
(بِقَتَرَة) بفتح القاف والمثناة: الغبار الأسود.
(نذيرًا)؛ أي: منذرًا لهم بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش.
(حَلْ) بفتح المهملة وسكون اللام: زجر للناقة إذا حملها على السير، فإذا كررت قلت في الأولى: حَلِ بكسر اللام، وسكنت اللام في الثانية كما في بَخٍ بَخْ، وصَهٍ صَهْ، ويقال أيضًا: حَوْث زجرًا للبعير بفتح المهملة وسكون الواو وبمثلثة، وحلحلت القوم: أزعجتهم عن موضعهم.
(فألحت) من الإلحاح، أي: لزمت مكانها ولم تنبعث بل بالغت في البروك.
قلت: وفي "النهاية": وقيل: إنما يقال: ألح الجمل وخلأت الناقة، وهذا الحديث يرد هذا القول.
(خلأت) بمعجمة مع الهمز: خربت وتصعبت، والخِلاء -أي: بالكسر- في الإبل كالحِران في الدواب الخيل ونحوها.
(القَصْوَاء) بفتح القاف والمد أصله الناقة التي قطع طرف أذنها،
لكن لقبت به ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وليس بها شيء من ذلك.
(ذلك)؛ أي: الخِلاء.
(بخلق)؛ أي: بعادة.
(حابس الفيل) هو الله تعالى، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]، وحكمة ذلك أنه لو دخل مكة عَامَئذٍ لم يؤمن وقوع قتال كثير، وقد سبق في العلم القديم إسلامُ جماعة منهم، فحبس عن ذلك كما حبس الفيل، إذ لو دخل أصحاب الفيل لقتلوا خلقًا، وسبق في علم الله إيمان قوم، ويخرج من أصلابهم من يؤمن.
قال (ش): كذا قالوا، ويمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان خرج إليهم على أنهم إن صدوه عن البيت قاتلهم، فصدوه فبركت الناقة، فعلم أنه أمرٌ من الله، فقاضاهم على اعتمار العام القابل، وقصة الفيل: أن أبرهة الحبشي بعث الفيل بعسكر لهدم الكعبة واستباحة الحرم، فلما وصل إلى ذي المجاز امتنع الفيل من التوجه نحو مكة ولم يمتنع عن غيرها.
(خُطَّة) بضم المعجمة وفتح الطاء المهملة مشددة، أي: خصلة أو أمرًا عظيمًا، كأنه يستحق أن يُخَطَّ في الدفاتر، وفيه إشارة إلى الجنوح إلى المصالحة، وترك القتال في الحرم.
(ثَمَد) بفتح المثلثة والميم: الماء القليل الذي لا مادة له.
(يتبرضه) كالتفسير لما قبله، والتبرض بإعجام الضاد: أخذ الشيء بمشقة قليلًا قليلًا.
(فلم يلبثه) من الإلباث أو من التلبيث.
(نزحوه)؛ أي: أخذوا ماءه كله.
(شكي) مبني للمفعول.
(فأمرهم) الذي ائتمر ونزل بالسهم، روى ابن سعد من طريق ابن مروان: حدثني أربعة عشر من الصحابة أنه ناجية ابن الأعجم، وقيل: ابن جُنْدب، وقيل: البراء، وقيل: عَباد بن خالد، ووقع في "الاستيعاب": خالد بن عُبادة.
(يجيش)؛ أي: يفور ماؤه ويرتفع كما يجيش المرجل بما فيه.
(بالري)؛ أي: بما يرويهم.
(صدورا)؛ أي: رجعوا.
(بُدَيْل) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون الياء.
(ورقاء) مؤنث الأوراق.
(الخُزَاعِي) بضم المعجمة وخفة الزاي والمهملة: أسلم يوم الفتح على الأصح.
(عَيْبة) بمهملة مفتوحة وياء ساكنة ثم موحدة: موضع سره
وأمانته، وأصله حقيقةً الثياب، شبّه صدر الإنسان الذي هو مستودع سره بالعيبة التي هي مستودع خير الأثواب.
(تِهامة) بكسر المثناة اسم: ما نزل عن نجد ومكة منها.
(لُؤَي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء.
(أعداد) جمع عِد بكسر العين، وهو الماء الذي لا انقطاع له
كالبئر والعين، وقيل هو بِلُغة تميم: الكثير، وبِلُغة بكر بن وائل: القليل.
(العُوذ) بضم المهملة وآخره معجمة جمع عائذ: النوق، وهي الحديثة النتاج.
(المطافيل) جمع مُطْفِل بضم الميم، وهي الأُم التي معها طفلها، وأصله مطافل فأشبعت الكسرة ياءً.
قال ابن قتيبة: يريد النساء والصبيان، ولكنه استعار ذلك؛ يعني: أن هذه القبائل قد احتشدت لحربك وساقت أموالها معها.
(نَهِكتهم) بكسر الهاء وفتحها: أضعفتهم وأبلغت في ذلك.
(ماددتهم)؛ أي: صالحتهم.
(أظهر): أغلب، وهذا إنما هو منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الفرض والمجارَاة مع الخصم بزعمه، وإلا فهو جازم بأن الله يظهره على الدِّين كُله.
(جَمُّوا) بالجيم من الجمام، أي: استراحوا، يقال: جم الفرس: إذا تُرِكَ ولم يُرْكب، وأصله من جم الشيء، أي: أكثر، ولذلك قال ابن الأثير: أي: استراحوا وكثروا، لأن القتال يقلل الجيش لما يقتل بينهم وتركه يكثره.
(تنفرد سالفتي)؛ أي: ينفصل مقدم عُنقي، أي: حتى أُقتل.
(ولينفَّذن) بتشديد الفاء، أي: ليمضينّ وليتمنّ أمره.
(هات) فعل أمرٍ مضى على ترك الياء التي هي لامه مثل غازٍ.
(عُروة) أسلم بعد ذلك، ودعا قومه إلى الإسلام، فقتلوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مثله مثل صاحب ياسين في قومه".
(بالوالد)؛ أي: بمثله في الشفقة والمحبة، وهو كان سيدًا مُطاعا من أشرافهم.
(استنصرت)؛ أي: دعوتهم للقتال نصرة لهم.
(عُكاظ) بضم المهملة وخفة الكاف ومعجمة: اسم سوق بناحية مكة كانت العرب تجتمع بها في كل سنة مرة.
(بلّحوا) بموحدة وشدة اللام أو تخفيفها وحاء مهملة، أي: تأخروا، يقال: بلح بلوحًا وبلح بليحًا، وبلح الفرس: انقطع جَرْيه، وبلحت الرَّكية: انقطع ماؤها، وبلح الغريم: امتنع من الأداء، مأخوذ من البلح وهو الذي لا يبدو فيه نقطة الإرطاب.
(خُطَّةَ رُشْدٍ)؛ أي: خصلة فيها رشد، يقال: خذ خطبة الإنصاف، أي: انتصف.
(آته) جزم في جواب الأمر، وبالرفع استئناف.
(استأصلت)؛ أي: استوعبهم إهلاكًا.
(اجتاح) بتقديم الجيم، يعني الإهلاك أيضًا.
(وإن تكن الأُخرى) جوابه محذوف للعلم به، أي: فلا يخفى إذا غلبوا ما يفعلون بكم، أو كانت الدولة للعدو أو نحو ذلك، وفيه رعاية الأدب حيث لم يصرح إلا بشق غالبيته صلى الله عليه وسلم.
(فإني) كالتعليل لظهور شق الغلوبية.
(أشوابًا) بمعجمة وموحدة، أي: أخلاطًا، وفيه رواية:(أوباشًا)، أي: جماعة من قبائل شتى.
(خليقًا)؛ أي: جديرًا وهو فعيل يستوي فيه الواحد وأكثر، وفي بعضها:(خلقًا) بلفظ الجمع.
(امصص) بفتح الصاد والمهملة الأولى فعل أمر من مصص بالفك، كذا قيَّده الأَصِيلي، وفيه أصل مطرد في المضاعف إذا كان مفتوح الثاني.
(بَظْر) بفتح الموحدة وسكون الظاء المعجمة، وهي الجلدة التي تقطعها الخاتنة من فرج المرأة عند الختان.
(اللات) اسم الصنم، وهذا شتم له.
(يد)؛ أي: مِنَّة ونعمة، وفيه أن التصريح باسم العورة عند الحاجة ليس خروجًا عن حد المروءة.
(أخذ بلحيته) قيل: هي عادة للعرب كثيرة، وأكثر من يستعملها أهل اليمن يقصدون بها الملاطفة، وإنما منعه المغيرة من ذلك تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعه من ذلك تألفًا له واستمالةً لقلبه.
(المِغْفر): زَرَد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
(أهوى)؛ أي: مال إليها بيده ليأخذها.
(غُدر) بوزن عُمر، أي: غَدَّار، يريد المبالغة في وصفه بالغدر.
(في غَدْرتك)؛ أي: في إطفاء ثائرة غدرك، ودفع شر خيانتك ببذل المال ونحوه، وكان بينهما قرابة، والغَدْرة بالفتح: الفعلة، وبالكسر: اسم لما فعل من الغدر.
(فأقبل) بصيغة المتكلم.
(وأما المال) إلى آخره، فيه دليل على أن أموال أهل الشرك إذا أخذوها عند الأمان مردودة إلى أربابها.
(فلست منه في شيء)؛ أي: ما عليَّ، ففيه أن الحربي إذا أتلف مال الحربي ثم أسلم يضمنه، وهو أحد الوجهين لأصحابنا.
(يقتتلون)؛ أي: يختصمون.
(قيصر) غير مصروف، لأنه لقب أعجمي، وهو لكل ملك من الروم.
(وكسرى) -بفتح الكاف وكسرها- لكل ملك من الفرس.
(والنجاشي) -بتشديد الياء وتخفيفها- لقب لمن مَلَكَ الحبشة.
(إن) نافية في الكل.
(نُخامة) هي البصاق الغليظ.
(وَضوء) بالفتح: الماء.
(يُحِدون) بضم أوله وكسر المهملة.
(رجل من بني كِنانة) هو الحُلَيْس بن علقمة سيد الأحابيش؛ ذكره الزبير بن بكار في "الأنساب" وكِنانة بكسر الكاف وخفة النونين: قبيلة من تغلب وهم بنو كعب، وكِنانة قبيلة من مضر أيضًا.
(قلدت) هو تعليق شيء في عنق البدنة ليعلم أنها هَدْي.
(وأشعرت)؛ أي: الطعن في سنامها، فيسيل الدم علامة أنه هَدْي.
(مِكْرَز) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء وبزاي، ابن حفص بمهملتين، ابن الأحنف بمعجمة وفاء، العامري.
(سُهيل) تصغير سهل.
(من أمركم) فاعل سهل، و (من) فيه زائدة أو تبعيضية، أي: سهل بعض أمركم، وهذا القدر مرسل تابعي.
(اللهم)؛ أي: يا الله، فالميم بدل من حرف النداء، أو هي: وأمنا بخير، فحذف بعض حروفه للتخفيف.
(قاضَى)؛ أي: فاصل وأمضى أمرهما عليه.
(وإن كذبتموني) جوابه محذوف.
(والله لا) نُخلي.
(تتحدث) استئناف.
(ضُغْطَة) بضم المعجمة وسكون المعجمة بعدها وآخره مهملة.
قال في "الصحاح": أخذته ضغطة: ضيقت عليه لتكرهه على الشيء.
(أبو جَنْدل) بفتح الجيم، اسمه العاصي.
(يَرْسف) بإهمال السين: يمشي فيها مشي المقيد.
(بين أظهر)؛ أي: بين المسلمين، و (أظهر) مقحمة.
(فأجزهُ) بجيم وزاي أو براء، فإن قيل: لمَ ردَّ أبا جَنْدل وقد قال مِكْرَز: أجزناه لك؟ قيل: لأن المتصدي للعقد سهيل، فالاعتبار بالمباشر، وإنما رده لأنه كان يأمن عليه من القتل.
(الدنيّة) بتشديد الياء صفة لمحذوف، أي: الحالة الدنية؛ أي: الخسيسة، والأصل فيه الهمز ولكن خفف.
(ولست أعصيه) فيه تنبيه لعُمر، وأنه إنما فعل ذلك لمَّا أطلعه الله بحبس الناقة عن أهل مكة ما في غيبه لهم من الإبلاع في الإعذار إليهم، وأنه لم يفعل ذلك برأي نفسه بل بوحي.
(بِغرْزة) الغرْز للإبل بمنزلة الركاب للسرج، أي: صاحبه ولا يخالفه، فاستعار للتمسك بذلك، لأنه الذي يمسك بركاب النبي صلى الله عليه وسلم (1) ويسير بسيره.
(أعمالًا)؛ أي: من المجيء والذهاب والسؤال والجواب، وهذا مرسل من الزُّهْري، فلم يكن هذا من عمر شكًّا بل طلبًا لكشف ما خفي عليه، وحثًّا على إذلال الكفار كما عرف من قوته في نصرة
(1) في "ف" و"ت": "الركاب" بدل: "النبي صلى الله عليه وسلم" وجاء على هامش الأصل: "في الأصل: بركاب الركاب".
الدين، وأما جواب أبي بكر بمثل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من الدلائل الباهرة على عظم فضله ورسوخه وشدة اطلاعه على معاني أمور الدين، وفيه أن للإمام أن يعقد الصلح على ما يراه مصلحة للمسلمين، وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي، وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها، وإنما وافقهم في ترك كتابة الرحمن، ورسول الله، ورده الجائي للمصلحة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما المصلحة المترتبة عليه فهي ما ظهر في عاقبتها من فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا لاختلاطهم بسبب الصلح للمسلمين، واطلاعهم على معجزاته الظاهرة ومكارمه الباهرة وغير ذلك، وفيه جواز بعض المسامحة في بعض أمور الدنيا ما لم يكن مضرًا بأصوله لاسيما إذا رجي سلامة في الحال وصلاح في المآل، وفيه تقليد الهَدْي، وإقامة الرئيس الرجال على رأسه في مواضع الخوف، وإنما المنهي ما يفعل من ذلك كبرًا وجبروتًا، والتفاؤل بالاسم الحسن، وفيه الرد لأبي جَنْدل لما سبق من المعنى في ذلك وكذا رد أبي بصير، لأنه كان له عشيرة يذُبُّون عنه.
(ما قام منهم رجل) ليس ذلك مخالفة لأمره، بل لأنهم كانوا ينتظرون إحداث الله لرسوله في ذلك أمرًا خلاف ذلك فيتم لهم قضاء نسكهم، فلما رأوه جازمًا وفعل النحر والحلق علموا أنه ليس وراء ذلك غاية تنتظر فبادروا إلى الائتمار بقوله والائتساء بفعله، وفيه جواز مشاورة النساء، وقبول قولهن إذا كن مصيبات.
(غمام)؛ أي: ازدحامًا.
(بعصم) جمع عصمة، وهي ما يعتصم به من عقد وسبب، أي: لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا عُلقة زوجية، والآية فيها أن المهاجرات لا ترد إليهم، فيكون ناسخًا لما في الحديث من مخالفة ذلك، ونسخ السنة بالقرآن، وذلك على رواية:(لا يأتيك منا أحد)، أما على رواية:(رجل)، فلا إشكال.
(أبو بصير) اسمه عبيد بن أَسيد بفتح الهمزة.
(الرجل)؛ أي: الأول صاحب السيف، أو الرجل الآخر وهذا أقرب لفظًا والأول معنى.
(بَرد)؛ أي: مات وهو كناية، لأن البرودة لازمة للموت.
(ذُعْرًا) بضم المعجمة وسكون المهملة، أي: فزعًا وخوفًا.
(قد والله) إن قيل: القياس: والله لقد، أو فالله، قيل: القسم محذوف والمذكور مؤكد له.
(ويل أُمه) أصله دعاء عليه، ولكن هنا للتعجب على إقدامه في الحرب، وإيقاد نارها، وشدة النهوض لها، وفي بعضها:(ويلمه)، بحذف الهمزة تخفيفًا، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ويل أمه، وقال الجوهري: إذا أضفته ليس فيه إلا النصب.
(مِسْعَر) بكسر الميم للآلة أو بضمها اسم فاعل أسعر، وجواب
(لو) محذوف يدل عليه السياق، أي: لو فرض له أحد ينصره لإسعار الحرب لأثار الفتنة، وأفسد الصلح، فعلم منه أنه سيرده إليهم إذ لا ناصر له، وقال ابن مالك: يحتمل أن يكون أصله: وي لأُمه بضم اللام بتبعية الهمزة فحذفت الهمزة، ويروى أيضًا بالكسر، ومسعر بالنصب تمييزًا له.
(سيف) بكسر المهملة، أي: ساحل، والإضافة للإتيان لا للتمييز.
(ينفلت) بالفاء، أي: يتخلص.
(يناشده) يقال: ناشدتك الله والرحم، أي: سألتك بالله وبحق القرابة.
(لما أرسلت)؛ أي: إلا أرسلت، نحو:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]، أي: لم تسأل قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إرساله إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش.
(فمن) جزاء شرط مقدر، أي: إذا أرسل رسول الله عز وجل فمن أتى من الكفار مسلمًا فهو آمن من الردِّ إلى قريش، فكتب النبي إليه أن يقدم عليه، فقدم الكتاب وأبو بصير في النزع فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه رضي الله عنه.
وفيه أن من جاء إلى غير بلد الإمام ليس على الإمام ردُّه.
* * *
2733 -
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: فَأخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَم الْكَوَافِرِ؛ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتيْنِ قَرِيتةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعيِّ، فتَزَوَّجَ قَرِيتةَ مُعَاوِيَةُ، وَتَزَوَّجَ الأُخْرَى أَبو جَهْم، فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَداءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} ، وَالْعَقَبُ: مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأتهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءَ الْكُفَّارِ اللَّائِي هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِي قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْألهُ أَبَا بَصِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
(يمتحنهن)؛ أي: بالحلف والنظر في الأمارات.
(أزواجهم) في بعضها: (أزواجهن)، وتأويله أن الإضافة بيانية، أي: أزواج هي هن، وفيه تكلف.
(قريبة) بضم القاف وفتحها.
(أُمية) بضم الهمزة.
(ابنة جَرْوَل) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو وبلام، الخزاعي وهي أُم عبد الله بنِ عُمر، قيل اسمها: كُلثوم.
(أبو جهم) عمار بن حذيفة، هذه رواية عُقيل عن الزهريّ، والسابق في رواية معمر عنه: أنها تزوجت بصفوان بن أُمية.
(فأتاكم)؛ أي: سبقكم.
(فعاقبتم) قال في "الكشاف": من العَقبة وهي النوبة، شبَّه ما حكم به على المسلمين والمشركين من أداء المهور بأمر يتعاقبون فيه، ومعناه: فجاءت عقبكم من أداء المهور.
(يعطى) مبني للمفعول.
(من صداق) متعلق به.
(من ذهب) مفعول ما لم يسم فاعله.
(ما أنفق) هو المفعول الثاني.
(الثقفي) سبق قريبًا أنه قرشي، فهما روايتان.
(في المدة)؛ أي: مدة المصالحة.
(الأخَنْس) بفتح الهمزة وفتح المعجمة وسكون النون ثم مهملة.
(شريق) بفتح المعجمة وكسر الراء والقاف الثقفي، وهذا الحديث أطول حديث في "الجامع".
* * *