الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16 - بابٌ إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ
وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا، فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ: عَسَى الْغُويرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي، قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صالحٌ قَالَ: كَذَاكَ؟ اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ.
(باب: إذا زكَّى رجلٌ رجلًا كَفَاهُ)
سبق بيان الخلاف في (باب: تعديل كم).
والقائلون بالتعدد قالـ[ـوا]: إن السُّؤال من عُمر فيما سيأْتي إنما هو على طَريق الخبَر لا الشَّهادة، ونحن لا نُوجبُه إلَّا إذا كذَّب المَشهودُ له قولَهم، فلا نُسلِّم عدالتَهم.
قال: وكذا في حديث أبي بَكْرة.
(أبو جَميلة) هو بفتح الجيم: سُنَيْن، بضم السين، السُّلَمي، ونونين، وقيل: مَيْسَرة بن يعقوب الطُّهْوي، بضم المهملة، وقيل: بسُكونها، وقد تفتح الطاء، مع سكون الهاء، ففيه ثلاث لُغاتٍ، أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه شَهِد معه حُنَينًا.
(مَنْبُوذًا)؛ أي: لَقِيطًا.
(فلما رآني عُمر) كذا لبعضهم بنونٍ، والوجْه ما عند الأَصِيْلي:(رأَى)، وفاعله مضمرٌ، وهو عريفي المذكور بعد، وعند الهمداني:
(فلما رآني قال: عسى الغوير أبؤسًا، كأنه يتهمني، فقال عريفي)، وهذا أبين وأتمّ كلامًا.
(الغُوير) تصغير غار.
(أبؤسًا) هو الداهية، أو جمع بؤس، وأصل المثل: أن ناسًا كانوا في غار فانهار عليهم، أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلًا لكلِّ شيء يخاف أن يأتي منه شر، أو أن ضرب المثل بذلك أنَّه اتهمه أن (1) يكون صاحبه، فقال ذلك؛ أي: عسى أن يكون باطن أمرك رديًّا.
قال الجوهري: هذا تكلمتْ به الزَّبَّاء لما تنكب قصير اللخمي بالأحمال الطريق المنهج، وأخذ على الغوير، وهو جمع بأس، وانتصب على أنَّه خبر عسى، والغُوير: ماءٌ لكلب، وخبر عسى وإن كان شرطه أن يكون مضارعًا، فيقدر هنا: يكون أبؤسًا، أو عسى أن يأتي الغُوير بشر ونحوه.
قال الشَّاعر:
فأُبتُ إلى فهمٍ وما كِدْتُ آيِبَا
…
وكَمْ مِثْلِها فَارَقْتُها وهِيَ تَصْفِرُ
وقصته: أنَّه وجد منبوذًا، فجاء به إلى عُمر، فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة، فقال: عريفه: يَا أمير المُؤْمنين؛ إنه رجل صالح، فقال: كذلك؟ قال: نعم، فقال: أذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.
(1) في الأصل"أنَّه"، والمثبت من "ف" و "ت".
قال (ط): اتهمه عُمر أن يكون ولده أتاه به للفرض له في بيت المال، ويحتمل أن يكون ظن به أنَّه يريد أن يفرض له ويلي أمرَه ويأخذ ما يفرض له ويصنع ما شاء، فلما قال له عريفه: إنه رجل صالح صَدَّقه، وكان عُمر قسم النَّاس أقسامًا، وجعل على كل ديوان عريفًا ينظر عليهم، فكان الرَّجل النابذ من ديوان الذي زكاهُ عند عُمر.
وفيه أن للإنسان أن يُزكي نفسه، ويخبر بالصلاح إذا احتاج إلى ذلك، وكذا رواه مالك في "الموطأ": فقال: عُمر: أكذلك؟ قال -أي: الرجل-: نعم.
* * *
2662 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أثنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "ويلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صاحِبِكَ" مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ:"مَنْ كانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ".
(قطعتَ عنقه) قال (ن): هو استعارة من الهلاك في الدين.
(لا محالة)؛ أي: البتة.
(أحْسبهُ) بفتح السين، وحُكِيَ الكسر. قال الجوهري: وهو شاذ، أي: أظنه، أي: لا تقطع بتزكية من لا تطلع على باطنه، فيُحكم