الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فنهاه)؛ أي: نهيَ تنْزيهٍ.
* * *
14 - بابُ شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ
(باب شَهادة المُرضِعة)
2660 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"وَكيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ دَعْهَا عَنْكَ"، أَوْ نَحْوَهُ.
(دعها)؛ أي: اترُكْها بعيدةً متجاوزةً.
(عنك) ومرَّ الحديث في (باب: الرِّحلة في طلَب العِلْم).
(حديث الإفك) أصل معناه الكَذِب، والمراد الكَذِب على عائشة رضي الله عنها، وكانت قصَّتُها في غَزوة المُريسِيع، قيل: في رمضان سنة ستٍّ، وسيأتي في ذلك إشكالٌ في ذكر سَعْد بن مُعاذ فيه.
* * *
15 - بابُ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا
2661 -
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ
أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا. زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ في هَوْدجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدجَ، فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا،
فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نائِمٍ، فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِيءَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أتيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نزلُوا مُعَرِّسِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتكَيْتُ بِهَا شَهْرًا، يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإفْكِ، وَيَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يدخلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ:"كيْفَ تِيكُمْ"؟ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتبرَّزُنًا، لَا نَخْرُجُ إلا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نتَّخِذ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ في الْبَرِّيَّةِ، أَوْ في التَّنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحِ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أتسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ! أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَقَالَ:"كَيْفَ تِيكُمْ"؟ فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي
إِلَى أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأمِّي مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا؟! قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زيدٍ حِينَ استَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا نَعْلَمُ وَاللهِ إلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كثيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَالَ:"يَا بَرِيرَةُ" هَلْ رَأَيتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ"؟ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنِ الْعَجينَ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ في أَهْلِي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا، وَمَا كانَ يدخلُ عَلَى أَهْلِي إلا مَعِي"، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا وَاللهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ؛ إِنْ كَانَ مِنَ
الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وِإنْ كَانَ مِنْ الْخَزْرجَ أَمَرْتنا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، قَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبِدِي. قَالَتْ: فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ في مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكُثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ في شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كنْتِ ألمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي الله وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ"، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالتهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا
مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئة -وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئة- لَا تُصَدِّقُوني بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلَا إلا أَبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ في شَأْنِي وَحْيًا، وَلأَنا أَحْقَرُ في نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ في أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ في يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي:"يَا عَائِشَةُ! احْمَدِي الله فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ"، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: لَا، وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إلا الله، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الَآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا في بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي
كَانَ يُجْرِي عَلَيهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ:"يَا زينَبُ! مَا عَلِمْتِ؟ مَا رَأَيْتِ"؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهْيَ الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرعِ.
2661 / -م - قَالَ: وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَهُ.
(باب تَعديل النِّساءِ بعضِهنَّ بعضًا)
(وأفهمني) عدَلَ عن: حدَّثني أو أخبرني؛ للإشعار بأنه فَهَّمه بعض معاني الحديث ومقاصدَهُ لا لفظَه.
(أَحْمد) في بعض النسخ: (أَحْمد بن يونسُ)؛ أي: شيخ الإِسلام.
(طائفة)؛ أي: بعضًا.
(أوعى)؛ أي: أحفَظ وأحسَن إيرادًا، وسَرْدًا للحديث، لا يُقال: بين قَوله أوَّلًا: (كلُّهم حَدَّثني طائفةً)، وثانيًا:(وعَيتُ عن كلٍّ منهم الحديثَ) تَنافٍ؛ لأن المراد بالحديث البعض الذي حدَّثه منه، فإنَّ الحديث يُطلَق على الكُلِّ والبعض.
وهذا الذي فعلَه الزُّهْرِيّ مِن جمْعه الحديثَ عنهم جائزٌ بلا
كراهةٍ؛ لأنَّ الكلَّ أئمةٌ حفَّاظٌ ثقاتٌ على شَرْط البُخَارِيّ، وقد اتفَقوا على أنَّه لو قال: حدَّثني زيدٌ أو عمرو، وهما ثِقَتان جاز الاحتِجاج به.
(وبعض حديثهم) يُؤَول إلى أنَّ بعض مَن حدَّث يُصدِّق بعضًا، فنسبة التَّصديق للحديث لاستِلزامه ذلك.
(زعموا) سبَقَ مرَّاتٍ أن الزَّعم يُطلَق على القَول المُحقَّق، ونسبة الزَّعم إليهم؛ لأن بعضهم صرَّح بالبعض، وبعضُهم صدَّق الباقي، ولم يقُل صريحًا.
(أقرع) قال أبو عُبَيد: عَمِل بالقُرعة ثلاثةٌ من الأنبياء: يُونس، وزَكريا، ومحمَّد صلى الله عليه وسلم، فلا معنى لقَولِ مَن أبطلَها.
(فأيتهن) هو الوَجْه، ويُروى:(فأَيُّهنَّ).
(الحجاب)؛ أي: آيةُ الحِجَاب.
(هَوْدجَ) هو القُبَّة التي تُحمل فيها المرأة، وهي الخِدْر، وهو بفتح الهاء، والدال، والجيم.
(وقفل): رجَعَ.
(آذن) من الإيذان، أو مِن التَّأْذين، أي: أَعلَم.
(بالرحيل) مَن نَصَبَ، وأسقَط الباء؛ فهو إغراءٌ مَحكيٌّ.
(قضيت شأني)؛ أي: قَضاء الحاجَة، يُكنى بذلك عَمَّا يُستقبَح ذِكرُه.
(الرحل) مَتاع المُسافِر، ومَحِلُّه.
(عِقد) بكسر العَين، أي: قِلادةٌ.
(جَزْع) بفتح الجيم، وسُكون الزاي: الخَرَز اليَمَاني، وهو الذي فيه سوادٌ وبياضٌ.
(أظفار) كذا الرِّواية بالهمزة، وقال (خ)، وغيره: الصَّواب: ظَفَارِ، بفتح الظاء، وكسر الراء، مبنيٌّ، كحَذَامِ، مدينةٌ باليمَن يُنسب إليها الجَزْع، وكذا ذكَرهُ البُخَارِيّ في (كتاب المَغازي)، فما هنا وَهمٌ.
وبعضهم وجَّه الأوَّل بأنَّ الأَظْفار عُودٌ طيِّبُ الرِّيح، فجاز أن يُجعَل كالخَرَز، فيُتحلَّى به؛ إما لحُسْن لَونه، أو طِيْب ريحه.
وقيل: الظُّفْر نَوعٌ من العِطْر، وقيل: هو ما اطمَأَنَّ من الأرض.
(يَرْحَلون) بفتح الياء، وتخفيف الحاء، قال (ع): رحَلْتُ البعير، مخفَّفًا، شدَدْتُ عليه الرَّحْل، وعند أبي ذَرٍّ: بضمِّ الياء، وتشديد الحاء، وكذا:(فرحلوه) بتشديد الحاء، لكنَّ المعروف التَّخفيف، وفي بعضها:(يَرحَلُون إليَّ)، وفي بعضها:(لي).
(لم يغشهن)؛ أي: لم يكُنَّ سَمينات، وفي روايةٍ في (المغازي):(لم يَهبُلهنَّ اللَّحم) بضم الباء وكسرها، أي: لم تَكثُر شُحومهنَّ عليهنَّ.
(العُلقة) بضم العين: البُلْغة، وأصله شجرٌ يَبقى في الشِّتاء تعلَق الإبلُ، أي: تَجتزئ به حتَّى تُدرِك الرَّبيعَ، ويُقال للعُلْقة أَيضًا: بُلْغةٌ من القُوت.
(فبعثوا)؛ أي: أَقاموه.
(استمرّ) استَفْعَل مِن مَرَّ، ومنه شجَرٌ مُستمِرٌّ، أي: ذاهِبٌ.
(فأممت) بتشديد الميم، أي: قصَدتُ، وحكى السَّفَاقُسيُّ تخفيفَها.
(فظننت)؛ أي: علِمتُ.
(سيفقدوني) بنونٍ واحدةٍ، إما بحذف نونٍ أُخرى، وإما مشدَّدةٍ، ويُروى بنونيَن مَفكُوكًا.
(صَفوان بن المُعَطّل) بضم الميم، وفتح المهملة، وتشديد الطَّاء المهملة المفتوحة.
(السُلَمي) بضم المهملَة، وفتح اللام.
(الذكواني) بفتح المُعجَمة، كان رجُلًا خَيِّرًا فاضِلًا عَفيفًا، قُتِل في غَزاة أَرمينية شَهيدًا سنةَ تسعَ عشْرةَ.
(سواد)؛ أي: شخصَ.
(فاستيقظت)؛ أي: تنبَّهتُ من نَومي.
(باسترجاعه)؛ أي: بقوله: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، فيحتمل أنَّه شَقَّ عليه ما جَرى عليها، أو يكون عدَّها مُصيبةً لمَا وقَع في نفسه أنَّه لا يَسْلَم من الكلام.
(فوطئ يَدَهَا)؛ أي: وَطِيء صَفوان يدَ الرَّاحلة ليَسهُل الرُّكوب عليها، ولا تحتاج إلى مساعدته إيَّاها.
(مُعرسين)؛ أي: نازِلين، فهو دليلٌ لقَول أبي زَيْدٍ: التَّعْرِيس هو
النُّزول في أبِي وقْتٍ كان، وإنْ كان المَشهور أنَّه النُّزول آخِرَ اللَّيل.
(نحو الظهيرة)؛ أي: وقْت القائِلة وشِدَّة الحرِّ، والنَّحر: هو الأول والصَّدر، والمعنى: أنَّ الشَّمس إذا بلغَت مُنتهاها من الارتفاع فكأَنَّها وصلَتْ إلى النَّحر، وهو أعلى الصَّدر، والظَّهيرة شِدَّة الحرِّ.
(فهلك)؛ أي: ارتكَب سبَب الهلاك، وهو الإِفْك.
(تولى)؛ أي: تقلَّد، وتَصدَّى.
(أُبَيّ) بضم الهمزة، وفتح الموحَّدة، وتشديد الياء.
(بن) صفةٌ لعبد الله، فيُكتب بلا أَلْفٍ.
(سَلَول) بفتح المُهملة، وخفَّة اللام الأُولى، غير مُنصرِفٍ، علَمٌ لأُم عبد الله.
(يفيضون)؛ أي: يُشيعون الحديثَ، مِن الإفاضَة، وهو التَّكثير، والتَّوسعة، والدَّفْع.
(يَريبني) بفتح الياء وضمّها؛ لأنَّ رابَ وأَرابَ بمعنًى من الشَّكِّ والوَهم.
(اللُطْف) بضم اللام، وسكون الطاء، ويُروى بفتحهما معًا أَيضًا، وهي روايةٌ كما قال ابن الأَثير، ومعناه: البِرُّ والرِّفْق.
(تيكم) إشارةٌ لمؤنَّثٍ، والخِطاب لجمْع مذكَّرٍ، كما في: ذلِكُم، في إشارة المذكَّر، وهذا يدلُّ على لُطْفٍ من حيث سُؤاله عنها، وعلى نَوعِ جَفاءٍ من قوله:(تِيْكُم).
(نقهت) قيل: بَرَأَتْ وَزْنًا ومعنًى؛ قاله (ع)، وحكى الجَوْهريّ، وابن سِيْده الكَسْرَ أَيضًا، والنَّاقِهُ الذي بَرأَ من المرض، وهو قَريبُ عهدٍ به، لم يَتراجَع إليه كما في صِحَّته.
(أم مِسْطَح) علَمًا: بكسر الميم، وسُكون السِّين، وفتْح الطاء المهملتَين، واسمها: سَلْمَى، وكانتْ من أشدِّ النَّاس على ابنِها مِسْطَح في شَأْن الإِفْك.
(قِبَل) بكسر القاف: جِهَةَ.
(المناصع) بنونٍ، ومُهملتَين: مَواضع خارجَ المدينة يتبرَّزون فيها.
(متبرزهما) اسم المكان، بدَلٌ، أو بيانٌ للمَناصِع.
(الكُنُف) جمع كَنِيْف، والكَنِيْف هو السَّاتِر.
(الأول) بلفْظ المفرَد والجمْع؛ للأَمْر أو للعرَب.
قال ابن الحاجِب: الرِّواية المَشهورة الإفْراد، ومنه قولكَ: الرِّجالُ الأُخَر.
قال: ووجْه رواية الجمْع أن يُقدَّر العرَب اسمَ جمعٍ تحته جُموعٌ، كلُّ واحدٍ عرَبٌ، أو جماعةٌ، فتصير مفردةً بهذا التَّقدير.
(البرية): البَادِيَة.
(التنزه)؛ أي: طلَب النَّزاهة بالخُروج إلى الصَّحراء، تُريد أنَّهم بعدُ لم يتخلَّقوا بأخلاق العجَم.
(رُهْم) بضم الرَّاء، وسُكون الهاء.
(عَثَرت) بفتح المثلَّثة.
(مِرطها) بكسر الميم: الكِسَاء من الصُّوف.
(تَعَسَ) بفتح العين، كما قال الجَوهَري، وبالكسر، قاله (ع).
ومعناه: العِثَار، أو الهَلاك، وأتعَسَه الله، أي: دعَا عليه أنْ لا يَستقِيل من عَثْرته، وكلام ابن الأَثير يقتضي أنَّ الأعرَف كسْرُ العين.
(يَا هنتاه) بسُكون النُّون (1) على الأشهر، وبفتْحها، قال في "النِّهاية": وبضم الهاء الأخيرة، وتُسكَّن، أي: يَا هذهِ.
قال (خ): وقيل: كأنَّها تنسِبُها إلى البَلَهِ وقِلَّة المعرفة بالشَّرِّ ومكائد النَّاس، يُقال: امرأةٌ هَنْتاه، أي: بَلْهاء، وأصلُه: يَا هَنَةُ، فأُلحق الألف والهاءُ به، وهذه اللَّفظة تختصُّ بالنِّداء.
(إلى أبوي) في بعضها: (آلى أَبوَيَّ).
(وضيئة) بالهمز: حسَنَة، فَعيلةٌ من الوَضاءَة.
(ضرائر) جمع ضَرَّة، وهنَّ زوجات الرَّجل؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ تتضرَّر بالأُخرى.
(أكثرن)؛ أي: عيَّبْنَها، ونقَصْنَها.
(يَرْقأ) بالهمز، أي: يَنقطِع، وَرَقِأَ الدَّمعُ: سكَنَ.
(1)"النُّون" ليست في الأصل.
(اكتحل) المُراد: لا أَنامُ، فاستُعير له ذلك.
(استلبث)؛ أي: لَبِثَ، ولم يَنْزل.
(أهلك) بالرَّفع والنَّصب، وسبق أول (الشَّهادات).
(كثير) فَعِيْلٌ يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث.
وإنما قال عليٌّ ذلك لمَصلحةٍ، ونصيحةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اعتِقاده؛ لمَا رأى من انزعاجه وقَلَقه، فأراد الأَخْذ بخاطِره، لا عداوةً لعائشة رضي الله عنها.
(بَريرة) قيل: هذا وهمٌ؛ لأنَّ بَرِيْرَة إنما اشتَرتْها عائشةُ وأعتقتْها بعد ذلك، ولهذا لمَّا عتَقت واختارتْ نفسَها، جعَل زوجُها يطُوف وراءَها ويَبكي، فقال لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"لَو راجَعتيهِ"، فقالت: أَتأْمُرني؟ فقال: "إنَّما أنَا شافِعٌ"، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا عبَّاسُ، ألا تَعجَبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَريرةَ، وبُغضِها له"، والعبَّاس إنما قَدِم المدينةَ بعد الفتْح.
والمَخْلَص مِن هذا الإشكال: أنَّ تفسير الجارية ببَرِيْرَة مُدرَجٌ في الحديث من بعض الرُّواة ظنًّا منه أنَّها هي.
(أغْمِصه) بفتح الهمزة، وسُكون المُعجَمة، وكسر الميم، وإهمال الصَّاد، أي: أَعيبُه.
(الداجن) الشَّاة التي أَلِفَت البُيوت، ولا تخرج إلى الرَّعي، ومعناه: لا عيبَ فيها أصلًا.
(فاستعذر)؛ أي: طلَبَ مَن يَعذُره منه، أي: يُنصِفُه.
(من يعذرني) قال (خ): يحتمل وجهين: مَن يقُوم بعُذره في ما يأْتي إليَّ منه من المكروه، ومَن يقُوم بعُذري، أي: يُعاتبه على سُوء فعله.
وقال (ن): معناه: مَن يقُوم بعُذري إنْ كافَأْتُه على قُبح فِعاله، ولا يَلومُني على ذلك.
وقيل: معناه: مَن يَنصرُني، والعَذير: النَّاصِر.
(رجلًا)؛ أي: صَفْوان.
(سعد بن مُعاذ) سيِّد الْأَنصار.
قال (ع): هذا مُشْكلٌ؛ لأنَّ هذه القِصَّة كانت في غزوة المُرَيْسِيع -بضم الميم، وفتح الراء وسكون التَّحتانية، وبمهملتين- وهي غزوة بني المُصْطَلِق، وكانت في رمضان سنة ستٍّ، وسعد بن مُعاذ ماتَ في إثْر غَزاة الخنْدق من الرَّمية التي أصابتْه، وذلك سنة أربعٍ مُنصرَف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من بني قُرَيظة بلا خلافٍ.
وكذا قال ابن عبد البَرِّ: إنما راجعَ سعدُ بن عُبادةَ أُسيدَ بن حُضَير، فذكْر سعد بن مُعاذٍ وهمٌ.
وقال ابن إسحاق: إن المُتكلِّم أوَّلًا وآخِرًا هو أُسَيد لا سعد.
قال (ع): فيُجاب بأن موسى بن عُقْبة ذكَر أن المُرَيْسِيع كانت سنة أربعٍ، وهي سنة الخنْدق، فيَحتمل أن المُرَيْسِيع وحديث الإِفْك كانا
في سنة أربعٍ قبل الخندق.
وقال الوَاقِدي: المُرَيْسِيع كانت سنة خمسٍ، والخندق وقُرَيظة بعدها؛ فلا وهمَ.
(فقامَ سعدُ) بالضم بلا تنوينٍ، ويُروى بالتنوين.
قال أبو ذَرٍّ: هذا هو الصَّحيح، وأما ما وقَع في بعض النُّسخ:(سَعْد بن عُبادة)، فهو خطأٌ؛ لأنَّ سعد بن عُبادة هو الذي قامَ من بني الخَزْرج.
وقال غيره: الذي وقَع في بعض النسخ: (سعد بن عُبَادة) إما عن أُسامة، وإما عن هشام.
(الأوْس) بفتْح الهمزة، وسُكون الواو، ثم مهملة.
(الخَزْرجَ) بفتح المعجمة، وسُكون الزَّاي، وفتح الراء، وبالجيم: قَبيلتان من الْأَنصار.
(احتملته) كذا لأكثرهم، وفي بعض النسخ:(اجتَهلتُه) بالجيم والهاء، وصَوَّبه الوَقْشِي، وصوَّبَهما (ع)، فقال: احتَمل الرَّجلُ: إذا غَضِبَ.
قال يعقوب: فمعنى: احتَملتُه؛ أي: أغضَبتُه، ومعنى اجتَهلتُه: حملتُه على أن يَجهَل، أي: يقول قَول أهل الجَهْل.
(منافقًا)؛ أي: يفعل كفِعْل المُنافق، ولم يُرِد النِّفاقَ الحقيقيَّ.
(هَمُّوا)؛ أي: قصَدوا المُحاربة، وتَناهَضوا للنِّزاع.
(فَخَفَّضَهُمْ)؛ أي: سَكَّتَهم، وهَوَّن عليهم الأَمرَ، مِن الخَفْض: وهو الدَّعَة والسُّكون.
(ألممت)؛ أي: فَعلْتِ مع أنَّه ليس من عادتِك.
(قَلَصَ) بقافٍ، ولامٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ: ارتفَع؛ لاستِعظام ما بَغَتَني من الكلام، وتخلَّف بالكُليَّة.
(ووقر)؛ أي: سكَن، وثبَت، مِن الوَقار، وهو الرَّزانَة والحِلْم.
(وقلت لأبي) إلى آخره، جوابُهما بـ:(لا نَدري)، أي: لم يَقِفا في ذلك على حُكم زائدٍ على ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبْل نُزول الوحي من حُسْن الظنِّ بها.
(إلَّا أَبا يوسف)؛ أي: إلَّا مثْل يَعقُوب، وهو الصَّبْر.
(ما رام)؛ أي: ما بَرِحَ، أي: ما فارَقَ مجلسَه، مِن رامَ، يَرِيمُ، رَيمًا، فأما مَن طلَب الشَّيءَ: فرَامَ، يَرُومُ، رَوْمًا.
(البُرَحاء) بضم الباء، وفتح الرَّاء، ممدودٌ، مِن البَرْح: وهو أشدُّ ما يكون من الكَرْب.
(الجُمَان) بضم الجيم، وتخفيف الميم، جمع جُمانَة: وهو اللُّؤلؤ الصِّغار، وقيل: حبَّةٌ تُعمل من الفِضَّة كالدُّرَّة، شبَّهتْ قطَراتِ عَرَقه صلى الله عليه وسلم بحبَّات اللُّؤلُؤ في الصَّفاء والحُسن.
(سُرِّيَ) بكسر الراء المشدَّدة، أي: كُشِفَ وأُزيلَ عنهُ، والتشديد فيه للمُبالغة.
(والله لا أقوم إليه) قالتْه إِدلالًا عليهم، وعِقابًا؛ لكونهم شَكُّوا في حالها، مع علْمهم بحُسن طريقَتِها، وجميل حالِها، وتنَزُّهها عن هذا الباطل الذي افتَراه الظَّلَمة، لا حُجَّةَ لهم فيه، ولا شُبهة.
(أُثَاثة) بضم الهمزة، ومثلَّثةٍ مكرَّرةٍ، وضبَطه المُهلَّب بفتْحها، ولم يُتابَع عليه.
(لقرابته) وذلك لأنَّ أُم مِسْطَح -سَلْمى- هي بنت خالَة أبي بكر الصِّدِّيق.
(أحمي)؛ أي: أمنعُ من المَأْثَم، فلا أَكَذِبُ فيما سمعتُ وفيما أبصرتُ، فيُعاقبَني الله في سمعي وفي بصري، ولكن أصدُق حمايةً لهما.
(تُسَامِيني)؛ أي: تُنازِعُني الحُظْوة، والمُساماةُ: مفاعلةٌ من السُّمُوِّ، وهو الارتفاع، فهي تُضاهيني بحُسنها ومكانِها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(الورع) الكَفُّ عن المَحارِم.
(مثله) بالنَّصب.
وفي الحديث من الأحكام وغيرها: روايةُ الحديث الواحِد عن الجَماعة، عن كلِّ واحدٍ قِطعةً مبهمةً منه، والقُرعة بين النِّساء، وسفَر الرَّجل بزَوجته، وغَزوُهنَّ، وخِدْمة الرِّجال لهنَّ في الأَسفار، وخُروج المرأة لقَضاء حاجتها بلا إذْن الزَّوج، ولُبْسهنَّ القَلائدَ، وتأَخُّر بعض الجَيْش ساعةً للحاجة، والتعجُّب بلفْظ التَّسبيح، والتجسُّس عن الأُمور لمَن له بها تعلُّق، وأما غيره فمنهيٌّ عنه، والحَلِف بدُون استِحلاف، واستِحباب الاقتِصاد في الأَكل، وعَون المُنقطِع، وإنقاذ
الضَّائع، وإكرامُ ذوي الأَقدار، وحُسْن الأَدَب مع الأجنبيَّات، لا سيَّما مع الخَلْوة بهنَّ عند الضَّرورة، والتمشِّي قُدَّامها لا بجنْبِها ولا مِن ورائها، والإيْثار بالرُّكوب، والاستِرجاع عند المَصائب، وتوقُّف ارتحال العسكر على أمر الأمير، وأنَّ من يُركِب المرأة على البعير لا يُكلِّمها إذا لم يكُن مَحرَمًا؛ لسُكوت حَمَلة الهَوْدَج، والإعْلامُ بالارتحال، وأن يُستَر عن الإنسان ما يُقال فيه إذا لم يكُن في ذِكْره فائدةٌ، ومُلاطَفة الرجُل زوجتَه، وحُسْن المُعاشَرة، والتَّقليل من اللُّطف عند العارِض المُقتضي لذلك؛ ليُتفطَّن فيُسأل عن سبَبه فيُزيلَه، والسُّؤال عن المريض، وخُروج المرأة مع رفيقتِها لتأنسَ بها ولا يَتعرَّض لها أحدٌ، ومُشاوَرة الرَّجل بِطانتَه فيما يَنوبُه من الحادِثات، وخُطبة الإِمام النَّاسَ عند نُزول أمرٍ مهمٍّ، واشتِكاؤُه إلى المُسلمين ممن تعرَّضَ له بإيذاءٍ في نفسه أو أهله، واعتِذاره فيما يُريد أن يُؤدِّبَه به، والحثُّ على التَّسوية، وتفويض الكلام إلى الكبار؛ لأنهم أعرف بالمقاصِد؛ واللائقِ بالمَقامات، والاستِشهاد بآياتِ القُرآن، وسَبُّ المتعصِّب للمُبطِل كما سبَّ أُسيدٌ سعدًا، والمبادرة بتَبشير مَن تجدَّدت له نعمةٌ ظاهرةٌ أو اندفعتْ عنه بَلِيَّةٌ، وصِلَة الأرحام وإنْ كانوا مُسيئين، والصَّفْح عنهم، والإنْفاقُ في سبُل الخيرات، والإتْيان بالذي هو خيرٌ مما حلَفَ عليه، وكراهةُ إيصال الخير للإنسان الذي آذى أهل الفَضْل، وحُرمة التشكُّك في تَبْرئة عائشة من الإفْك، والتعصُّب للمُبطِل، وعدَم خُروج المرأة إلى دار أبَوَيها إلَّا بإذنهِ، ووُجوب تعظيم أهل بَدْر والذَّبُّ
عنهم، والمُبادَرة إلى قَطْع الفِتَن والخُصومات، والتثبُّت في الشَّهادة، والغضَب عند انتِهاك حُرمة أمرٍ مهمٍّ، واهتِمامُهم بدَفْع ذلك، وفَضيلة أبي بكرٍ، وعائشة، وصَفْوان، وسَعْد بن مُعاذ، وأُسَيد بن حُضَير، وزَينب بنت جَحْشٍ رضي الله عنهم، فهذه خمسون مسألةً، أو أكثر.
قال (ط): اختُلف في تعديل النِّساء، فأجازَه أبو حنيفة لسُؤال النبيِّ صلى الله عليه وسلم بَريرةَ، وزَيْنب.
وقال الآخرون: إنما هو إبراءٌ من الشَّرِّ، والتَّعديل المُتنازَع فيه هو فيما يُوجب أخْذ المال ونحوه.
وفيه أَنَّ الاعتِراف بشيءٍ من الباطل لا يَحِلُّ، وأن عاقِبة الصَّبر الجميل فيه الغِبْطة والعِزَّة في الدَّارَين.
وفيه أنَّ الوحي ما كان يَأْتيه حين أراد؛ لبَقائه شهرًا لا يُوحى إليه.
وفيه تَرْك حدٍّ لمَا يُخشى من تفريق الكلِمة، كما تَرَك صلى الله عليه وسلم حدَّ ابن سَلُول.
وفيه أنَّ العصبيَّة تنقُل عن الاسم، كما قالت: وكان قبلَ ذلك رجلًا صالحًا.
وفيه أنَّ العفْو عن المُسيء مما يغفره الله من الذُّنوب.
قال (ش): ذكر البُخَارِيّ في (الاعتصام) معلَّقًا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حدَّ الرَّامِيْن، وقد أسنَده أبو داود، وهم: حسَّان بن ثابِت، ومِسْطَح، ويقُولون: إنَّ المَرأة: حَمْنَة بنت جَحْش.
* * *