الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - بابٌ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ
2650 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ:"أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ". وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:"لَا أَشْهَدُ عَلَى جَورٍ".
(باب: لا يَشهَد على جَوْرٍ)
الحديث الأول:
(بدا)؛ أي: ظهَر، أي: نَدِمَ مما كان منَعه أولًا.
(بنت رَوَاحة) بفتح الراء، وخفَّة الواو، وبمهملةٍ، اسمها: عَمْرَة، وسبق الحديث في (باب: ما لا يُردُّ من الهديَّة).
(جور)؛ أي: مَيْل عن الاعتِدال، والمَكروه جَورٌ أيضًا، فلا يُؤخذ منه أنَّه حرامٌ، فقد قال الجُمهور بالجَواز.
* * *
2651 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ قَرْني، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ". قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ قَرْنينِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ".
الثاني:
(جمرة) بالجيم، وبالراء، وفي الحديث:"إنَّ خير الأُمة الصَّحابة، ثُمَّ التابِعون، ثُمَّ تبَعُ التَّابعين".
(بعد قرنه) في بعضها: (بعدُ) مبنيًّا على الضمِّ على نيَّة الإضافة.
والقَرْنُ: أهل زمانٍ واحدٍ، أي: أهل عصر متقاربةٌ أسنانُهم، مشتقٌّ من الأقران في الأمر الذي يجمعُهم، وقيل: لا يكون قَرنًا حتى يكون في زمانٍ، أو رئيسٍ يجمعُهم على ملَّةٍ أو رأْيٍ، [أو مذهبٍ، قيل: سبعون سنةً، أو ثمانون سنةً، أو مائةٌ، أو مائةٌ وعشرون](1)، والمُراد هنا الصَّحابة.
(قومًا) في بعضها: (قوم)، فيحتمل أنَّه منصوبٌ كُتب بلا ألفٍ بناءً على لُغة ربيعة، أو اسم إنَّ ضمير الشَّأْن محذوفٌ على ضَعْف.
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
(ولا يؤتمنون)؛ أي: لا يثِق النَّاسُ بهم، ولا يَعتقدونَهم أُمَناء، أي: تكون لهم خِيانةٌ ظاهرةٌ بحيث لا يبقَى للناس اعتمادٌ عليهم.
(ويشهدون) يحتمل: يتحمَّلون بلا تحمُّلٍ، أو يُؤدُّون بلا طلَبٍ.
وشَهادة الحِسْبة وإنْ جاز تأديتُها بلا طلَبٍ لكنَّ المَذموم هنا المُراد عُموم شهادتهم في هذا وفي غيره، وقد جُمع بين هذا وبين حديث:"خَيْرُ الشُّهَداء الذي يَأْتي لشَهادتهِ قَبْل أن يُسألها"، فإنَّ ذاك في حُقوق اللهِ تعالى، وللذَّمِّ فيما كان في حُقوق الآدميين، وقيل: المَذموم الشَّهادة على الغَيب في أمرِ الخلْق، فيشهد لقَومٍ أنهم من أهل النَّار، ولغَيرهم بغير ذلك.
(وَيَنْذرُون) بفتح الباء، وكسر الذال المُعجمة وضمها، مِن النَّذْر الحامِل على نفْسك تبرُّعًا من عبادةٍ أو صدقةٍ.
ولا يُعارِض هذا حديثَ النَّهي عن النَّذْر، بل هو تأكيدٌ لأمره، وتحذيرٌ من التَّهاوُن به بعد إيجابه.
* * *
2652 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ يَجيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ".
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ.
الثالث:
(السمن) أي: يحبُّون التوسُّع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السِّمَن، وفي الحديث:"يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يسمنون"، أي: يتكثَّرون بما ليس فيهم، ويدَّعون ما ليس لهم من الشَّرَف، وقيل: جمعهم الأموال، وقال المُهلَّب: معناه ليس لهم إلا كثْرة الأكل، ولا رغبةً لهم في الآخرة؛ لغلَبة شهَوات الدُّنيا عليهم.
قال: والشَّهادة المَذمومة أن يقول في اليَمين: أُشهِدُكما.
(وقال إبراهيم) النَّخَعي: (كانوا يضربوننَا على الشَّهادة)، أي: قَولِ الرَّجل: أشهَدُ بالله ما كان كذا، على معنى الحَلِف، فكُرِه ذلك كما كُرِه الحَلِف والإكثار منه؛ وإنْ كان صادقًا فيها، واليمين قد تُسَمَّى شهادةً، كما قال تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6]، وقال إبراهيم: وكانوا يَنهوننَا ونحن غِلْمان أن نحلِف بالشَّهادة والعَهْد.
(تسبق) وجه تقدُّم الشَّهادة على اليمين وبالعكس أنَّه على حالَين، حتى لا يَلزم دَورٌ، أي: أنهم يحرِصون على الشَّهادة مَشغُوفين بترويجها، يحلِفُون على ما يَشهدون به، فتارةً يحلفون قبل أن يَأْتُوا بالشَّهادة، وتارةً بالعكس.
ويحتمل أن يكون مثلًا في سُرعة اليَمين والشَّهادة، وحِرْص الرجل عليها حتى لا يَدري بأيِّهما يَبتدئ، فكأنه يَسبِق أحدُهما الآخر من قِلَّة مبالاته بالدِّيْن.