الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ:"أَنْتِ مِنَ الأَوَّلينَ". فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا ركبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دابَّةٌ لِتَرْكبَهَا، فَصَرَعَتْهَا، فَمَاتَتْ.
(الأخضر) صفة لازمة للبحر لا مخصِّصة؛ إذ كل البحار خضر، والماء وإن قالوا لا لون له، لكن يتوهم منه الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه، وقيل: المراد بالأخضر الأسود.
(مثلها)؛ أي: من التبسم، فسألَتْ عن موجبه فأجابها بالغرض.
(لتركبها فصرعت) يقتضي أن ذلك قبل ذلك، والذي سبق في (باب: الدعاء بالجهاد): (فصرعت عن دابتها)، ويجمع بينهما بأن هنا الفاء فصيحة، أي: فركبت فصرعتها، ومعنى:(عن دابتها)، أي: بسببها وجهتها.
* * *
9 - بابُ مَنْ يُنْكبُ فِي سَبِيلِ اللهِ
(باب: من يُنْكب في سبيل الله)
2801 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ
إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ خَالِي: أتقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُوني حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا، فتقَدَّمَ، فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أَوْمَؤُا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ فَأنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللهُ أكبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبةِ. ثمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلَّا رَجُلٌ أَعْرَجُ صَعِدَ الْجَبَلَ، قَالَ هَمَّامٌ: فَأرَاهُ آخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عليه السلام النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَاناَ، ثُمَّ نسُخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول:
(من بني سُليم) بضم المهملة.
قال الدمياطي: هو وهم، لأن بني سليم هم الذين قتلوا السبعين، ففي حديث ثابت عن أنس جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجالًا يعلمونها القرآن أو السنة، فبعث إليهم سبعين، يقال لهم القُرَّاء منهم خالي حرام.
قال (ك): لأن رِعْلًا هو ابن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بُهْثة -بضم الموحدة وسكون الهاء وبالمثلثة- بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة -بمعجمة ثم مهملة وفاء مفتوحات-، وذكوان هو
ابن ثعلبة بن بُهثة، وَعُصَيَّة هو ابن خُفاف -بضم المعجمة وخفة الفاء الأولى- ابن امرئ القيس بن بُهثة، وقال الجوهري: رِعْل وذَكْوان قبيلتان من بني سُليم، وَعُصَيَّة بطن من سُليم، وسيأتي أواخر (الجهاد) في (باب: دعاء الإمام): أنه صلى الله عليه وسلم دعا على أحياء من بني سُليم حيثُ قتلوا القُرَّاء السبعين.
قال التُّوْرِبِشْتي: المبعوثون كانوا من أورع الناس ينزلون الصفة يتعلمون القرآن، وكانوا رِدْءًا للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة بعثهم صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد يدعوهم إلى الإسلام، فلما نزلوا بئر مَعونة -بفتح الميم وبالنون- قصدهم عامر بن الطُفيل -بضم المهملة- في أحياء من بني سُليم وهم رِعْلٌ وذَكْوان وعصية فقتلوهم.
قال (ك): والطُفيل هو ابن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، فهوازن هو أخو سُليم، وأما بنو عامر فهم أولاد عامر بن صعصعة بمهملات، وحينئذ فلا وهم في كلام البخاري لصحة أن يقال:(أقوامًا) منصوب بنزع الخافض، أي: إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر، وأما مفعول (بعث) فقد اكتفى عنه بصيغة المفعول عن المفعول، أي: بعث بعثًا أو طائفة من جملة سبعين، أو أن لفظ (في) زائدة و (سبعين) هو المفعول، ومثله:
وفي الرحمن للضعفاء كافٍ
وقال تعالى: {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وأهل المعاني يسمونها بـ (في) التجريدية، وقد يجاب أيضًا بأن (من) ليست بيانية بل ابتدائية، أي: بعث من جهتهم، أو بعث بعثًا فيساويه بنو سُليم.
قلت: هذا تأويل بتعسف.
(خالي) هو حرام بن مِلحان بكسر الميم وإهمال الحاء.
(وأن لا)؛ أي: وأن لا تؤمنوني.
(ما نفذه) بالفاء والمعجمة.
(فُزت) بضم الفاء من الفوز، أي: نجوت.
(ثم نسخ)؛ أي: تلاوته، وقال الداودي: سكت عن ذكره لتقادم عهده إلا أن يذكره بمعنى الرواية ليس النسخ بمعنى التبديل، لأن الخبر لا يدخله نسخ، وهذا ضعيف.
(رجلًا) بالنصب، وفي بعضها كتابته بلا ألف على لغة ربيعة.
(يقرأ)؛ أي: في جملة القرآن.
(رِعْل) بكسر الراء وسكون المهملة.
(وَذَكْوان) بفتح المعجمة وإسكان الكاف.
(وَعُصَيَّة) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وشدة الياء.
(لِحْيان) بكسر اللام وسكون المهملة وبياء ثم نون وبفتح اللام أيضًا ابن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر، فاختلف فيهم هل شاركوا القبيلتين في قتل القُراء أو دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهة أُخرى؟، ولفظ:(على رِعْل) بدل من (عليهم) بإعادة العامل كقوله
تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75].
* * *
2802 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنِ الأَسْوَدِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ:"هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ".
الحديث الثاني:
(المشاهد)؛ أي: المغازي لأنها مواضع الشهادة.
(إصبع) فيه عشر لغات.
(دَميت) بفتح الدال صفة للأصبع، والمستثنى منه عام الصفة، أي: ما أنت بأصبع موصوفة بشي إلا بأن دميت، كأنها لمَّا توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة والحقيقة معجزة مسليًّا لها، أي: بشيء، فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت، ولم يكن ذلك أيضًا هدرًا بل كان في سبيل الله ورضاه.
(ما لقيت)، (ما) موصولة، أي: الذي لقيته، وهنا ثلاثة أمور:
أحدها: قيل كان ذلك في غزوة أحد، وفي "مسلم": كان النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت أصبعه.
قال (ع): قال أبو الوليد: لعله (غازيًا) مصحف كما قال في
الرواية الأُخرى: (في بعض المشاهد): وكما في رواية للبخاري: (يمشي إذ أصابه حجر).
فقال (ع): قد يراد بالغار الجمع والجيش لا الكهف، ومنه قول علي: ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين، أي: العسكرين.
ثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، واللهُ تعالى ينفي عنه أن يكون شاعرًا بقوله:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] فجوابه؛ إما أنه رَجَز والرجز ليس بشعر كما قال الأخفش، وإنما يقال لصانعه: الراجز لا الشاعر، وإما أن شرط الشعر القصد، وما يقع اتفاقًا بلا قصد فليس بشعر كما في:{وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13]، والبيت الواحد لا يسمى شعرًا، أو أن قوله:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] ردٌّ على المشركين في قولهم {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5]، أي: إنما يقع على سبيل الندرة لا يلزمه هذا الاسم إنما الشاعر هو الذي ينشد الشعر فيشبِّب ويمدح ويذم ويتصرف في الأفانين، وهو ما برَّأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم منه.
قال (ع): قال بعضهم: هو بغير مدٍّ استغنى عن الاعتذار، وهو غفلة منه، لأن الراوية بالمد، وقال (ن): الرواية المعروفة بكسر التاء، وبعضهم أسكنها.
ثالثها: اختلف في قائل هذا لشعر، فذكر الواقدي أن الوليد بن الوليد بن المغيرة لمَّا كان رفيق أبي بصير في صلح الحديبية على ساحل البحر في محاربة قريش، وتوفي أبو بصير رجع الوليد إلى المدينة فعثر بحرتها فانقطعت أصبعه فأنشده، وفي "محاسبة النفس"