الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة الدكتور عائض بن عبدالله القرني
..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد طالعتُ كتاب (المقدمة في فقه العصر) لفضيلة الشيخ العلامة الدكتور فضل بن عبدالله مراد ووقفتُ مع الكتاب وقفات تأمل وتدبر ووجدتُ المؤلف صاحب همة جياشة ونفس وثّابة وذاكرة متقدة فذكرني بلمعان البرق اليماني، في تجرد الأمير الصنعاني، وفهم المجتهد الشوكاني، وصبر المفتي العمراني، كيف وهو من أوطانهم، وقد درج في وديانهم.
ألا أيها الركب اليمانيون عرجوا
…
أسائلكم هل سال (نعمان) بعدنا
علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
…
وحب إلينا بطن نعمان واديا
وقد استعرضت كتابه المقدمة في ليال معدودات فذكرني بمقدمة ابن خلدون في مسألة الإبداع والإمتاع، والتجديد والاختراع، فقد صمد إلى فقه النوازل والمستجدات وحوادث العصر، فأصل لها أحكاماً شرعية، وفتاوى مرعية، وعصمها بالنصوص، عصمة الخواتم بالفصوص، تحدث عن مرافق الدولة الإسلامية، فقنن لها أحكاماً نبوية، فتناول شأن الدولة من أدناها إلى أقصاها، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأسلوب واضح مشرق ينم عن ذاكرة عالم محقق، وفقيه مدقق مع البعد عن الخلافيات، والإغراق في المنقولات، ولما أنست بخمائل هذا الكتاب وجدتُ سماحة الشريعة ويسر الدين ومواكبة العصر والإلمام بشؤون الحياة فصار الكتاب جواباً عملياً لمن سأل عن مواكبة الشريعة للنوازل والمستجدات، وصلاحيتها للحوادث والملمات، ولغة الكتاب غضة طرية، كأنه روضة ندية، كأنه جنة عذبة الثمار، ندية الأزهار، من جمال الآيات والآثار، وحسن الإيراد والإصدار، ولو قُيل رأيي في عنوان الكتاب لسميته:(فقه العصر)؛ لأنه كفى وشفى، ورقّ وصفى، فقد قيد الشوارد وحبس الأوابد، ومن سلاسته وعذوبته انغمست في مطالعته كأنني أطالع كتاب تاريخ يشجيني بأخباره أو أسامر سِفراً أدبياً يبهجني بأشعاره فلم أجد في هذا الكتاب جمود التقليد ولا غبار التعصب ولا مشاكسة المخالف ولا تصعيب العبارة أو
غموض الحجة أو خفاء الدليل، بل هذا لعمري الشهد المصفّى، والعذب الزلال والسهل الممتنع، فكأنه المقصود بقول أبي الطيب:
قطف الرجال القول قبل نباته
…
وقطفت أنت القول لما نوّرا
أو قول أبي العلاء المعري في عبدالوهاب بن نصر المالكي:
إذا تكلّم أحيا مالكاً جدَلاً
…
ويُنشرُ الملك الضليل إن شعرا
أو قول أحد شعراء الشافعية في شيخ الإسلام بن تيمية:
وقّاد ذهن إذا سالت قريحته
…
يكاد يخشى عليه من تلهبه
وكنتُ سعدتُ بالجلوس مع الدكتور فضل مراد في الدوحة بقطر في رمضان المنصرم في مجلسين عامرين ماتعين فوجدتُ الاسم على المسمى رأيتُ فضلاً بلغ به المراد، وعلماً غزيراً بعد كدٍ وجدٍ وجلاد، أدركت بعدها السبب في هذه الثمرة اليانعة، والآثار النافعة التي قدمها لنا هدية في (فقه العصر) فأقول له سلم بنانك، وسعد جنانك، وطاب زمانك، وذهبت أحزانك، جعل الله لك بكل حرف في الجنة مقعدا، وبكل قطرة حبرٍ من الكوثر موردا، وتقبل الثناء العاطر، والدعاء الماطر، وجمعنا الله بك في الفردوس الأعلى.
شذرات من كلمة مسجلة للسيد العلامة/ محمد بن علي عجلان
أحد كبار علماء اليمن، عضو مجلس الشورى
في فعالية تدشين «ثورة الفقه الإسلامي المعاصر» بهذا الكتاب
والتي أقيمت ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي بصنعاء -الأربعاء 9/ 10/2013 م
* «هذا اللقاء المبارك كان حقيقة لقاء مفاجئا ولقاء علميا ولقاء كبيرا بكل ما تحمله الكلمة من معاني
…
وكان من حقه أن تحتفل به اليمن وأن تحتفل به أمة الإسلام كافة لترى مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية.».
* «تلتفت إلى مستجدات العصر التي تتسارع حثيثا والتي تفتح مجالات وآفاق من المعرفة كبيرة واسعة وتتلفت: أين فقهها، أين نظامها، أين فتواها، أين ميزانها الشرعي؟ فلا تجد إلا شذرات من أصول وشذرات فروع من هنا وهناك تحتاج إلى الفقيه المجتهد المعاصر الجامع بين فقه الواقع الذي يعيش فيه ومعطيات العصر الزاخرة بالتنوع العلمي في مختلف الميادين والمجالات وبين فقه النص الشرعي الفقه الصحيح السليم والرأي السديد الثاقب
…
مع مبدأ كل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم».
* «إن الولد البار الشيخ الدكتور فضل بن عبدالله مراد قد دفع عنا وعن علماء الشريعة الإسلامية واجبا كنا نراه أنه من الواجبات الملحة ومن الفرائض المحتمة ومن الأشياء العاجلة،
ونقف عنده وأمامه موقف العاجز لأنه يحتاج إلى خوض غمار يحتاج إلى شجاعة يحتاج إلى قوة علم يحتاج إلى قوة إرادة يحتاج إلى فراغ يحتاج أيضا إلى توفيق من الله سبحانه وتعالى. فمن الله عزوجل علينا بهذه الموهبة المباركة وجاء فضيلة هذا الشيخ المبارك فسد بهذه المقدمة المباركة مسدا كبيرا ..... وصدقت حكمة القائلين من قبلنا: كم ترك الأول للآخر.».
* «شكر الله لك وشكر الله لكم حضوركم
…
وأنا أشير عليه (الرئيس عبدربه منصور هادي) عند طباعة الكتاب أن يتبنى دعوة عامة تجوب آفاق الأرض وتجمع فقهاء الإسلام من البلاد العربية والإسلامية في تركيا والقارة الهندية وغيرها، وحيث ما وجد فقيه وباحث محقق ينبغي أن يدعى، وينبغي أن يؤتى به للاحتفال بظهور هذا الكتاب، وينبغي أن تقدم فيه الدراسات» ..
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديمنا
الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فكتابي هذا «المقدمة في فقه العصر» هو فتح خالص من الله، لا فضل لي فيه ولا يد ولا مِنَّة ولا حول ولا قوة، بل الفضل كله لله، وله وحده المنة والنعمة، وبه الحول والقوة وحده لا شريك له، وأسأله تعالى كما فتح به أن يتقبله عنده خالصا لوجهه الكريم، وأن يفتح له قلوب خلقه، وأن يرزقه القبول، وأن ينفع به إلى يوم القيامة، ويكتب لي رضوانه ولوالديّ وأهلي وذريتي ومشايخي ولإخواني والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
* هذا الكتاب «المقدمة في فقه العصر» ألفته لكل سياسي أو قائد، لكل ملك ورئيس وأمير وسلطان وحاكم، أو موظف أو طبيب أو حقوقي أو عسكري، أو مدني، أو اقتصادي، أو امرأة وطفل ورجل وشاب، للمجتمع المدني، للقبيلة، للإنسان، للإعلاميين والفنانين، للتكنولوجيين، للتربويين والمعلمين، للدعاة، للسياح، للجاليات والأقليات، للمرور، للمستثمرين، للبنوك، للعلماء والدعاة وطلاب العلم والمفكرين، لكل أمٍ وأب، لكل مسلم ومسلمة .. لكل إنسان ..
* هذا الكتاب نتاج ربع قرن من التراكم المعرفي منَّ الله به علينا، اشتغالا بالطلب للعلم على أهله والدراسة والتدريس والمطالعة والكتابة والبحث
…
كل ما وقع تحت يدي من كتب علم الشريعة بفروعه: في القرآن وعلومه وتفسيره، والحديث ومصطلحه وعلله ورجاله، والفقه وأصوله وقواعده، ومقاصد الشريعة، والعقائد، واللغة، وكذلك كتب الأدب وكتب ومؤلفات وبحوث وفتاوى مسائل العصر المختلفة السياسية والاقتصادية والطبية وقضايا الحقوق والحريات والإنسان والمال والدولة والعقائد والأديان
…
الرسائل والدوريات والصحافة والإلكترونيات والإدارة وتنمية الذات، بل وكتب الطب أثناء دراستي في المعهد العالي للعلوم الطبية والصحية، وكتب التاريخ والسير والروايات، وكل ما يخدم المعارف الشرعية والعلمية والإنسانية الواقعية والنظرية؛ ونتيجة لهذا منَّ الله عليَّ وألهمني أن أقدم كتابا للعصر في فقه العصر يجمع أبوابه المختلفة المتشعبة ومسائله المشتتة، ما ذكر منها وما لم يذكر، وتم ذلك بفضل الله عزوجل وفتحه وتوفيقه وحده في أربعة وعشرين بابا ستراها واحدا بعد واحد.
وأقصد بفقه العصر: التأصيل والتقعيد والتكييف للمسائل الواقعة وإعطائها حكمها مستنبطا ذلك من النصوص ودلالاتها ومقاصد الشرع وقواعد الشريعة وأصولها العامة والفقهية.
فلتنظر إلى محاسنه بأنها نعمة من الله، وإلى ما اطلعت عليه مما تنقده فأجر عليه لسان العذر والاعتذار، ويكفي أني قد فتحت بابا كان مقفلا دعت إليه المجامع الفقهية في توصياتها وقراراتها والهيئات وكبار علماء العصر، ونظري صواب يحتمل الخطأ والزلل عادة ابن آدم وحسبي أني لا أعلم أني خالفت نصا من القرآن أو صحيح السنة أو مقاصد وقواعد الشرع القاطعة، وكان الأمر في تأليفه جار على تكرار النظر والاجتهاد في مقصودات النصوص ومدلولاتها وعللها وحكمها ودلالات قواعد الشريعة ومقاصدها قاصدا ما يرضي الله ويوافق مراده فيما أنزل سبحانه من قوله تعالى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78). وقوله (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ)(الزمر: 55)، مع أن ما أنزله الله كله حسن، فأمره باتباع الأحسن دليل على بذل الوسع في معرفته، ولا بد أن يكون هذا الأحسن نسبياً باعتبار واقع المكلف وحاله ومآله وقوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (الزمر: 18) مثله أو قريب منه.
* كان بعض المستنبطين في هذا العصر يستفيدون مما عالجه القانون الوضعي الغربي للمسائل، ثم يعرضونه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم تبدأ عمليات التخريج والتكييف لإصدار حكم مناسب، أما هذا الكتاب فنرجو أن يستفيد منه القانون الوضعي، وإذا شرحناه وفصلناه كمشروع تالٍ إن شاء الله، وإذا فصلنا كل فقه على حياله بإصدار مناسب كمشروع يتلوه، وإذا ترجم للغات عديدة كمشروع ثالث، فسيكون بإذن الله مرجعا يستفيد منه القانون في العالم، والحياة الإنسانية، لا لشيء إلا لأنه مستنبط من قانون الكون والحياة المعصوم وهو القرآن والسنة الصحيحة، ومقاصدهما وقواعدهما وأصولهما.
أقول هذا ليعلم العالم ما عندنا من الرحمة الرسالية الخاتمة القائمة على العدل والإحسان والاعتدال والتوسط والمساواة والحريات وإعطاء كل ذي حق حقه ومحاربة الظلم والتخلف والبغي والعدوان والغلو والتطرف (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء: 107)، وأعتبر خدمة الإنسانية لإفادتهم بهذا عبادة وفريضة.
ولا أقدمه ككتاب لا يقبل الخطأ؛ لأن هذا غير ممكن لإنسان، بل أقدمه للناس كمقدمة لدليل الحياة الطيبة التي نرجوها للبشرية.
* لقد التزمت في كتابي هذا إلزام الأئمة الأربعة ونصيحتهم وتوصيتهم لي ولنا جميعا، وهي أن لا نقلدهم، بل نأخذ من حيث أخذوا، فعملت بهذا الأمر وبهذه النصيحة الناصحة؛ لأن الدين النصيحة، ولأن العمل
بها أحد أركان الربحية الربانية الشاملة للحياتين (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(العصر: 1 - 3).
* برغم الظروف والصعوبات، برغم ندرة الأمن أثناء ثورة الربيع العربي -فرع اليمن، برغم الاضطرابات المختلفة والتنقلات الظروفية، فتح الله بهذا الكتاب المستنبط للحياة المعاصرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومقاصد الشريعة وأصولها وقواعدها، ومن اطلع فيه على خلاف نص من القرآن والسنة الصحيحة وقواطع مقاصدها وقواعد وأصول الشرع فأنا متراجع عنه؛ لأنه زلة قلم لا يسلم منها بشر، وواجب النصيحة يلزمه مراسلتي لذلك.
* هذا الكتاب أريده مقدمة لنهضة فقهية وفكرية وحياتية جديدة شاملة، فأسأل الله أن ينفع به وأن يحقق المقصود منه.
* المجامع الفقهية .. بعد أن انتهيت من الكتاب وبدأت في تقديمه للطبع كنت أقرأ في قرارات المجامع الفقهية على سبيل المراجعة لأني كنت قرأتها قبل سنين، فسجدت لله شكرا لمّا طالعتها؛ لأن المسائل التي نوقشت وصدر بها قرارات وإن كانت لا تمثل 10% من مسائل هذا الكتاب إلا أني حمدت الله كثيرا؛ لأن ما ذهبت إليه من الاجتهاد في المسائل وافق ما ذهبت إليه المجامع إلا في النادر كالتأمين، وليس معنى هذا أن مخالفتي فيها للمجمع علامة على الخطأ فيما ذهبت إليه أو ذهب إليه المجمع؛ لأنها مسألة اجتهادية ولي أدلتي فيها وأرى ضعف كافة أدلة من منع في هذه المسألة مع احترام قوله واعتباره لمن أراد العمل به، وقد نقلت جملة صالحة من أهم فتاوى المجامع الفقهية في محلها من الكتاب كما ستراه بإذن الله، وأنبه إلى أني لما اطلعت على توصيات المجمع الفقهي بخصوص الدعوة إلى الكتابة والبحث في مسائل العصر الهامة والكبرى كالعلاقات الدولية والسياسات وحقوق المرأة والطفل والإنسان وغيرها حمدت الله كثيرا لأن هذا الكتاب وافق تلك التوصيات المتكررة من المجامع في تأليفٍ كهذا يجمع مسائل العصر، ورغم أني لم أعلم بهذه التوصيات حتى كنت قد انتهيت تماما من الكتاب لكني حمدت الله على هذا التوفيق حيث خدمت بابا عظيما أوصى به علماء العصر في المجامع، فأسأل الله أن ينفع به وأن يكتب له القبول ويجعله خالصا لوجهه الكريم.
* خَرَّجتُ أدلة هذا الكتاب بفضل الله عزوجل كما ستراه، فأما الآيات فأذكر السورة ورقم الآية في موضعها، أما الأحاديث الشريفة فقد بحثت عنها من مظانها وذلك أني قد كتبتها من محفوظاتي أثناء التأليف، ثم خَرَّجتها متبعا قواعد هذا العلم الشريف في بحث الإسناد ورجاله واتصاله والشذوذ والعلة، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به، وإن كان في غيرهما وأثبت صحة الحديث بتتبع لمخارجه وأسانيده وشواهده وأقوال أهل العلل والنقد فيه اكتفيت بموضع أو موضعين، أذكر بعد ذلك أو قبله الحكم على الحديث، وإن كان الحديث يحتاج إلى كثرة المتابعات والشواهد لتقويته والنظر في علله بتوسع والجواب
والرد في ذلك فأسهب في التخريج اضطرارا كما ستراه في حديث «على اليد ما أخذت» وحديث «لا ضرر ولا ضرار» والحديث الساقط «أيما قرض جر نفعا فهو ربا» ومثله «الكالئ بالكالئ» ، وكذلك في الزيادة المنكرة الشاذة في حديث «اعتداد المختلعة بحيضة» ، فهذه وأمثالها ناقشتها على قواعد هذا العلم ناقلا أقوال النقاد الكبار كابن المديني والبخاري والترمذي وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين والدارقطني والبيهقي، وكذلك الذهبي ثم الحافظ ابن حجر والزيلعي والبوصيري ومغلطاي وابن الملقن وابن عبدالهادي وابن القطان وعبدالحق الأشبيلي وابن عبدالبر وابن رجب وابن حزم وابن دقيق العيد وابن المنذر والنووي وغيرهم.
ولم آلُ جهدا في التحقيق والتمحيص في مثل هذه المواطن، ولم أعتمد في التصحيح والتضعيف على التقليد أبدا، إلا أنه يمكنني استثناء مواضع في لوحات الخاتمة، حيث اعتمدت على بعض الأئمة من المتقدمين والمتأخرين بل والمعاصرين في أحكام بعض أحاديث نظرا لضيق الوقت، ولأن هذا الباب الخاتم للكتاب كانت فيه هذه الأحاديث في الترغيب والترهيب، فاكتفيت بالنقل عن الأئمة.
* المقصد السادس للشريعة «حفظ الجماعة العامة» .. منّ الله علينا بدراسة علم المقاصد على مشايخي في العلم كالعلامة عبدالكريم زيدان والعلامة حسن الأهدل رحمه الله، والعلامة محمد الشنقيطي .. ثم اُخْتِرْتُ من هؤلاء الأعلام لتدريس الموافقات والفروق والأصول وقواعد الفقه.
وقد درَّست هذه العلوم، خاصة الموافقات «جزء المقاصد» زهاء أحد عشر عاما، وقد فتح الله علينا في هذا العلم بحصر وجمع كافة مقاصد الشريعة وتقديمها للأمة في ثوب جديد نسأل الله أن يمن بإتمامه وطبعه، حيث جمعت المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية في بضع وخمسين مقصدا.
ومن هذه المقاصد الضرورية التي أضفناها لهذا العلم المقصد الضروري السادس للشريعة، وهو «حفظ الجماعة العامة» ، ونعني بالجماعة المجتمع والشعب ودولته والأمة، وقد وافقني على هذا كثير من علماء الأمة في اليمن وخارجها، ومنهم شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي -حفظه الله. وقد كنت أدرجت فقه المقصد السادس في هذا الكتاب في فقه مستقل ثم رأيت تأخيره مع مجموعة أخرى تصدر في مؤلف أو مؤلفات كفقه الجرائم والفقه الأكبر وفقه القواطع وفقه النفس وفقه الأديان والعقائد وفقه النهضة الشاملة وفقه القضاء وفقه التنمية البشرية وفقه الآداب والفضائل والمكارم وغيرها. فنسأل الله أن يمنّ بذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولن آلو جهدا بإذن الله عزوجل في مشروعي القادم الذي هو شرحي للكتاب في الاستقصاء والمناقشة لمسائل العصر لأفتح من الكتاب ما قد ينغلق على البعض؛ وليتبين لمن قد يسارع في نقد بعض المسائل التي عرضتها واخترتها الملاذَ الفقهي الموسع بالتعليل والتدليل والنقل عن فقهاء العصر وغيرهم، حتى يعلم أني لم أختر القول الذي ذهبت إليه جزافا، وإنما عن تمحيص وتأن ومراجعة، وكم من مسألة طال النظر
فيها شهورا يتصل فيها النهار بالليل وأصلي الفجر بوضوء العشاء في كثير من الأيام، وأجزم بإذن الله أن هذا الكتاب سيسر الله به صدور الراسخين في العلم من العلماء الكمل، وسيستفيد منه أهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ولن يسلم في بعض مواضعه من نقد إما نصحا وإما مكابرة، وهذه عادة ما يكتبه الإنسان؛ لأنه قاصر مقصر لولا رحمة الله ولطفه، ولكني أكرر أن من اطلع في كتابي هذا على ما يخالف نصا صريحا من القرآن أو السنة الصحيحة خاليا عن المعارضة بمثله فليراسلني لأصحح ذلك.
* تنبيه .. هذا مؤلف جديد بترتيب جديد لعصر جديد باجتهاد جديد.
* أشكر الله تعالى أولا وأخيرا وقبل كل شيء وأحمده حمدا يليق بجلاله، حمدا يرضيه عني، إنه أهل التقوى وأهل المغفرة والقبول، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» ، فأشكر كل من أسدى لي التوجيه أو النصح أو الملاحظة وعلى رأسهم شيخنا الإمام القرضاوي.
وشيخنا العلامة المجتهد المطلق القاضي محمد بن إسماعيل العمراني.
وشيخنا العلامة المجدد عبدالمجيد الزنداني الذي أُلْهِبَ حماسا بهذا الكتاب حتى عزم على حشد مؤتمرٍ دولي للعلماء لأجل الكتاب.
وشيخنا الأستاذ الدكتور حسن مقبولي الأهدل رحمه الله. والبروفيسور صالح صواب.
وأقول للأخ مطهر حمود قيس: شكر الله لك جهودك في طباعة الكتاب على الحاسوب وجعله في ميزان حسناتك وبارك فيك وفي أهلك وزوجتك ومالك وولدك وما تحب، فأنا كثير الامتنان لك في ذلك مع صبر وجلد وسهر ومثابرة.
وفي الحقيقة فالأخ أبو ياسين لا أجد كيف أعبر عن شكري وامتناني له إلا أن أقول: الرجال مثلك قليل، والنبلاء مثلك قليل، والخبراء في الطباعة مثلك قليل، والإخوة مثلك قليل، ويكفي أنه كلما قرأ إنسان على وجه الأرض هذا الكتاب فله فيه الأجر والثواب إلى يوم القيامة بفضل من الله ورحمته، فجزاه الله الخيرات الوافرات.
وأشكر كذلك الأستاذ علي الجرادي والأستاذ علي العِمراني وزير الإعلام حاليا وقد كنا في جلسة مع مجموعة من السياسيين والصحفيين فطلب مني أن أقرأ شيئا من فقه الدولة وكان الكتاب لا يزال مخطوطا، ولم يكن بعد الأستاذ علي العِمراني وزيرا للإعلام آنذاك «قبيل ثورة الربيع العربي» ، فلقي منه الكتاب غاية الإعجاب والتحفيز لإكماله.
وأشكر الدكتور عبدالرزاق الأشول وزير التربية حاليا، وكنت قد أريته الكتاب وطالعنا معه جزء التربية والتعليم، فما بخل بالتوجيه والمشورة والإشادة حتى قال «هذا عمل إبداعي استثنائي» وقد استأذنته أن أضع عنه هذه العبارة.
وأشكر الأستاذ محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء وقد رأى بعض أجزاء الكتاب وطلب مني أن آتي إليه بعد التمام ليقدم للكتاب ومؤلفه وجهوده الوطنية والعامة ونضالاته كما قال، ولولا مشاغله الكبرى في إدارة البلاد لذهبت إليه.
ولا أنسى أنه أبدى رغبته الشديدة في أن تتولى الدولة هذا المشروع طباعة ودعما إن رغبت أنا في ذلك.
وأشكر العقيد الركن عبدالملك الحطامي الذي قال عن الكتاب في رسالة على صفحتي على الفيسبوك «سيكون كمقدمة بن خلدون» .
وأشكر الأستاذ محمد قحطان الذي أشاد وشجع بعد اطلاعه على الجزء السياسي منذ باكورة الكتاب وكان لا يزال مخطوطا.
وأشكر الأستاذ إبراهيم مجاهد شوعي رئيس صحيفة أخبار اليوم الذي أبدى استعداده لحملة إعلامية لنشر الكتاب.
وأشكر اللواء علي محسن على تقديمه وإشادته بقوله عن البحث «ثورة فقهية جديدة» .
وأشكر الشيخ العلامة عبدالرحمن المصباحي أستاذ التفسير بجامعة الإيمان إذ سمع أجزاء من مخطوطة الكتاب فقال: إن كان هذا الكتاب على هذا المنوال فسيكون من أعظم كتب الإسلام في عصرنا، وكان كثيرا ما يزورني ويثني على دروسنا في صحيح البخاري التي كنت ألقيها بعد المغرب أمام زهاء الألف بل أكثر من طلاب ومشايخ الجامعة، حتى قال إنه نور وفتح، وقال إنه كان يسمع من هذه الأنوار والفتوح من إمام العصر شيخه ابن باز وكذا العلامة الشنقيطي حيث كان يدرس عليهما.
وأنا أكتب هذا لا فخرا ولا رياء، أعوذ بالله من ذلك، لكن شكرا لله وتحدثا بفضله ونعمه.
وأشكر زميلي العلامة المحدث د. عبدالجبار المراني، وهو كثير العلم والمطالعة، وكان قد رأى جزءا من لوحات الخاتمة إذ قال في رسالة:«لم أقرأ لأحد في قوة الاستنباط مثل د. فضل مراد» ، وهذه الشهادة من زميل عالم أحمد الله عليها.
وأشكر الشيخ «أبو فهد عبدالله بن فهد بن غراب» على نصائحه الغالية واهتمامه البالغ بالكتاب وإخراجه وبمؤلف الكتاب.
كما أخص بالشكر الأستاذ القدير رضوان البركاني، الخبير في البنوك الإسلامية الذي أمدني بكثير من المعلومات وأجاب عن كثير من الاستفسارات التي أفادتني في تكييف المسائل الاقتصادية المعاصرة في البنوك وما جرى مجراها.
وأشكر الأستاذ القدير والكاتب والمحلل والمراجع اللغوي عبدالملك شمسان المقرمي الذي قرأ الكتاب كاملا وراجعه وبذل فيه من الجهد والنصح ما يشكر عليه، فقد اعتنى بالكتاب من جهة التصحيح اللغوي والمطبعي وعلامات الترقيم كما طلبت منه ألا يقتصر على ذلك، بل لمعرفتي به كرجل من أهل الفكر قلت له أن يقرأ الكتاب كقارئ، فماذا سيقترح حينئذ؟ فأفاد وأجاد في هذا الباب .. فجزاه الله خير الجزاء.
وممن راجع الكتاب مراجعة لغوية وتدقيقية زميلي العلامة الدكتور عبدالواحد الخميسي خريج جامعة الإيمان قسم القضاء والفتوى (دكتوراه) وهو مدرس التفسير وأستاذ اللغة ورئيس قسمها بجامعة الإيمان .. شكر الله له وجزاه الله خيرا.
ولا أنسى أن أخص بالتقدير والاحترام الإعلامي القدير الأستاذ عبدالله غراب -مدير مكتب الـ «BBC» على ما بذله من جهود حثيثة إعلامية وترويجية للكتاب، فشكر الله له جهوده. ومعه شكر للأستاذ خالد الأبارة.
وأخص بالشكر الجزيل الدار الناشرة للكتاب وهي «الجيل الجديد» ومديرها العام محمد عبدالله الآنسي، وكذلك الأستاذ أبو حسان خالد أبا زيد على ما بذله من وسع واهتمام وتقديم للملاحظات بين يدي الطباعة.
وأخيرا .. أخص بالدعاء والثناء والشكر والدتي العزيزة الصابرة المحتسبة على صلواتها ودعواتها، وأدعو وأستغفر لوالدي الذي استشهد أواخر السبعينات 79 م على يد الزحف الأحمر وأنا في سن الخامسة أو السادسة، جعله الله في عليين، وأشمل بالدعاء كذلك أولادي وأهلي قائلا (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74).
وأشمل بالدعاء كذلك مشايخي وإخوتي وأولادهم وعشيرتي وأصدقائي وطلابي والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ولله الحمد أولا وآخرا، وأسأل الله تعالى الأجر والمثوبة.
د. فضل بن عبدالله مراد
اليمن - صنعاء
ليلة الجمعة 27 ذي الحجة 1434 هـ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، الموافق 1 نوفمبر 2013 م