الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو شخصية عملها الحاكم أو النظام (1) لم تبلغ حد الهدم لأصول الدين وكلياته الكبرى (2)، ولا تبلغ أن تكون هدما للعقد الدستوري المبرم عليه البيعة (3)، ولم تبلغ حد الكثرة التي تكون فسادا في الأرض (4).
ومعلوم أن الاستدلال بالنصوص يلزم فيه:
ألا يعطى الفرعُ حكمَ الأصل المنصوص عليه إلا بتحقق العلة في الفرع؛ فإذا وجد نوع استئثار بالسلطة من الحاكم مع غلبة إصلاحه في الأرض، فيعطى هنا حكم الصبر مِنْ نصّ، ومن نص آخر ينكر عليه بالتي هي أحسن؛ لعدم تعارض الصبر والإنكار، إذ الصبر هو ترك الخروج المسلح والسمع والطاعة بالمعروف.
أما إن وجدت العلة وهي «الأثرة» ووجد معها مظالم وسفك للدماء وفساد في الأرض، من إهلاك التعليم، والتنمية، والزراعة، والموارد، وإفقار الشعب، وارتهان سيادة الدولة؛ فيحرم حينئذ أن يعطى نفس الحكم الذي يعطى لتصرف واحد، وهو الصبر عند وجود الأثرة وبعض المنكرات.
ولا يعطي هذا الحكم على إطلاقه إلا من لم يبلغ درجة النظر في فقه النصوص، أو بلغها ولم يمحص المسألة ويعطها حقها من النظر، أو فعل ذلك فغلبته رغبة دنيا أو رهبة سلطان وهو على كل حال ظالم لنفسه.
وإذا وجدت العلة في الفرع:
فإن كانت ذات العلة نحو «الاستئثار بالحكم» فهذا ما يسمى عين العلة (5)، وهو أعلى مراتب التعليل؛ فإن لم توجد ذات العلة بل وجد أمرٌ أعم منها نحو: وجود منكرات بقلة، فهذا يشمل الاستئثار، وبعض المخالفات والأخطاء السياسية، والتجاوزات التي لا تخرجه عن دائرة
(1) - لحديث «من رأى من أميره ما يكره» .
(2)
- لحديث «لا، ما صلوا» ، وحديث «السمع والطاعة ما أقام فيكم كتاب الله» .
(3)
- لقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة: 1)، فمن أبطل شرطا من أصول العقد أبطله؛ لأنه يناقض المقصود منه.
(4)
- لقوله تعالى (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)(الشعراء: 151 - 152).
(5)
- وقد تكون هذه جنس علة؛ لأن الاستئثار متعدد ومتنوع.
القبول به مع معالجة ذلك الأمر فيه.
فالأمر الجامع لهذه الأمور هو «مناكر بقلة» ، فهذا يصلح علة لكنه يسمى جنس علة، ففي حال قلة منكر يحكم بالصبر، بمعنى عدم الخروج.
وعليه فالناظر في حال الحكام لتنزيل الأحكام الشرعية عليهم، فلا بد له أن يستعمل ما في النص من العلل بعينها مع عدم وجود غيرها في الحاكم.
وينزل عين تلك العلة على عين ذلك الحاكم، ويعطيه عين الحكم.
وهنا سيجد أن من العلل المنصوصة «يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون» (1).
فهذه في الجملة عين علة، وحكمها منصوص «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان» رواه أحمد وابن حبان والبزار وهو في مسلم بلفظ «ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون» .
وكذلك علة إهلاك الشعب في النص «هلاك أمتي على يد أغيلمة من قريش» ، جنس علة تشمل أنواع الإهلاك، والفساد، وتدل على غلبته (2).
وحكمها في النص «لو أن الناس اعتزلوهم» (3).
فإذا وجد الناظر نفس العلة نزل على الحاكم أو النظام نفس الحكم، ولا يصح إعطاؤها حكم الصبر؛ لأن علته غير هذه، وهي عيناً كالاستئثار، أو جنسا نحو منكرات نادرة أو غير غالبة على المصالح.
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- لأنه لا يبلغ درجة الهلاك العام إلا بغلبة كثيرة، والحديث تقدم تخريجه.
(3)
- تقدم تخريجه.