الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه اللهو والترفية
الأصل في اللهو والترفيه أنه مباح ما لم يرد نص على التحريم.
فمن اللهو والترفيه المباح:
1 -
الرياضة بسائر أنواعها خاصة ألعاب القوى.
2 -
كرة القدم، لعبا ومشاهدة، بشرط عدم القمار فيها.
والواجب لبس ما يستر من السراويل إلى الركبة للرجل.
3 -
أما المرأة فلا تلعب الكرة إلا بين النساء بلا توثيق، أو تصوير، يمكن تسريبه لإيذاء الأعراض، وعدم مشاهدة أجنبي من الرجال لها، لا بمباشرة ولا بتصوير.
لأن ما يحصل أثناء اللعب أشد من ضرب الرجل المنهي عنه (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)(النور: 31).
وهو قياس مجمع عليه، ويسمى قياس الأولى.
4 -
السباحة، وهي العوم في الماء بلا غرق. وهو علم لا ينسى، وتعلمه مما ينبغي، وقد قال عمر «علموا أولادكم
…
» (1).
(1) - قولنا «وتعلمه مما ينبغي .. » قلت: ورد الحث عليه في السنة النبوية، فمنها ما أخرجه النسائي في الكبرى بسند صحيح برقم 8889 عن عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبدالله وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان قال: فأما أحدهما فجلس فقال له صاحبه: أكسلت؟ قال: نعم فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب، لا يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعلم الرجل السباحة. وقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبدالوهاب بن بخت وهو ثقة برقم 9390. وقال الحافظ في الدراية برقم 976 «بإسناد حسن». وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد. أما أثر عمر «علموا أولادكم السباحة .. » فقد أخرجه أحمد بإسناد حسن برقم 323 عن أبي أمامة بن سهل قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي فكانوا يختلفون إلى الأغراض فجاء سهم غرب إلى غلام فقتله فلم يوجد له أصل وكان في حجر خال له فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر رضي الله عنه إلى من ادفع عقله فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له. وفي رواية القراب في «فضائل الرمي» برقم 15 عن مكحول الدمشقي، أن عمر بن الخطاب، كتب إلى أهل الشام:«أن علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية» . وسنده لا بأس به إلى مكحول.
ويلبس ما يستر عورته ما بين سرته وركبته.
فلا يلبس شفافا، ولا قصيرا لا تستتر العورة معه وإلا حرم.
5 -
وأما المرأة: فالسباحة لها جائزة بشرط عدم مشاهدة أجنبي لها، لا بحضور ولا بتصوير.
ويشترط لبس ما يستر العورة للمرأة أمام المرأة.
فتستر ثدييها، وما بين سرتها وركبتها بساتر غير شفاف، ولا ضيق يصف العورة لونا أو جرما.
ولا يجوز لبس «المايوه» ولو أمام النساء؛ لأنه يصف العورة وصفا واضحا، ولا يستر ما بين سرة وركبة، ويدخل تحت نص «كاسيات عاريات» (1).
ولا يجوز لبس المايوه إلا منفردة، أو أمام زوج لا يشاهدها غيره من رجال، أو نساء محارم أو أجانب.
6 -
ويجوز مشاهدة المسابقات الرياضية في السباحة، والمشاركة فيها بالشروط السابقة.
فإن اختل شرط حرم، كما هو حاصل في مسابقات الرجال والنساء من لبس ما يستر لون بشرة السوأتين فقط، مع انكشاف ما عداهما، لقصر شديد، وضيق مطاطي شديد يصف ما تحته.
فهذا محرم لبساً ومشاهدة بين الرجال للرجال أو النساء للنساء، أو بين الجنسين (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 27).
وهذا يمكن معه رؤية السوءات، فحرم.
7 -
لعب الشطرنج، والبلياردو، والورق، فالأصل في الكل الإباحة؛ ولعدم المانع المنصوص، أو ما هو في معناه.
(1) - تقدم تخريجه، وتقدم نقل تفسير العلماء لذلك.
ويشترط في ذلك عدم القمار، ولا غلبة ضياع الأوقات، ولا تضييع الواجبات والفرائض، ولا اختلاط كثير مؤثر بالمتهافتين والمتهتكين؛ لأنه يأخذ من أخلاقهم وأعمالهم، ومن حرم هذه الأمور من العلماء من المتقدمين والمعاصرين إنما حرمها لملاحظة غلبة هذه المفاسد.
8 -
لعب الأتاري وسائر الألعاب الإلكترونية، وغيرها ثلاثية الأبعاد أو ثنائية أو غيرها، كلها الأصل فيها الإباحة، ويشترط في ذلك:
أ) عدم اشتمال اللعب على الصور العارية، ونعني بها التي تظهر الرجال والنساء من شخصيات اللعبة الأساسية أو الثانوية، تظهرهم بما لا يليق من لبس «كاس عار» يصف السوأتين شكلا وحجما، لضيق وقصر، ويصور هذه الشخصيات ببطولية، ورقي خلقي وأخلاقي، مما يولد انغراس مفاهيم تعليمية وتفكيرية وأخلاقية خاطئة شرعيا ومجتمعيا ووطنيا.
فتؤثر على الشباب تأثيرا سلبيا خاطئا، وهذه مفاسد عامة خاصة، ودفع المفسدة واجب شرعا.
ب) عدم الذهاب لممارسة هذه اللعب في محلات أو نواد، أو مراكز مختلطة بين الجنسين؛ لكثرة الفساد.
ج- أو أماكن يكثر فيها من لا خلاق له ولا دين ولا خُلُق؛ لأن طول مجالسة هؤلاء وخلطتهم تؤدي إلى الفساد.
لذلك قال الله (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(النساء: 140)، فنهى عن الجلوس مع المنافقين والكافرين والمستهزئين بالدين.
ونهى عن القيام في مسجد الضرار؛ لأنه وكر للنفاق والمرضى والمتآمرين ومن لا دين له ولا خلق (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(التوبة: 108).
فإذا كان النهي عن الصلاة في مسجد؛ لأجل ما فيه من الضرر والمفاسد، مع أن الصلاة
من أعظم الطاعات، فالملاهي والمنتديات وغيرها أولى وأحرى بالنهي إن وجدت فيها المفاسد، ألا يذهب إليها أصلا.
ولذلك أوجب الله على رسوله إزالة مسجد الضرر وهدمه، فأحرقه صلى الله عليه وسلم وأزاله (1).
ومن باب أوجب، وأشد في الفرضية: على الدولة منع كل ملهى أو منتدى يفسد الدين والأخلاق.
فإن لم تقم الدولة بذلك وجب على جماعة المسلمين؛ لأنهم مكلفون بذلك على وجه الكفاية (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران: 104)، والأصل أن الدولة تنوب عنهم في ذلك، فلما قصرت استقر الفرض عليهم.
ويحرم التقصير في ذلك والتهاون والذهاب ولو نادرا ولو بلا مباشرة لمحرم؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان.
9 -
ومن الرياضات تعلم الرماية لقول عمر «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل» (2)، ولأنها من القوة «والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله
…
» (3).
10 -
ومن أنواع اللهو والترفيه:
الرحلات الترويحية، والأولى كونها للنظر والتأمل، يقول تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: 20).
ولا تسافر المرأة إلا مع محرم لها.
ولا يُدْمَن الشات، والنت، والفضائيات؛ لأنها تضييع للوقت والعمر فيما لا يفيد.
فإن كان في محرم كالتواصل بالنساء، ورؤية المجون، والعورات المحرمة فالواجب سرعة تركها، والإقلاع عنها، والندم وعدم العَوْد، ويتوب الله على من تاب.
(1) - قلت: انظر تفسير الطبري عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا)(التوبة: 107).
(2)
- تقدم تخريجه قبل قليل.
(3)
- أخرجه مسلم برقم 6945 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان» .
وأما الفن والتمثيل والإنشاد والفناء والتصوير والرسم والترفيه الإعلامي فكل هذا مذكور في الأبواب التالية.
وبالجملة، فالرياضة خاصة في عصرنا قد توسعت كثيرا مما يجعلنا نلجأ إلى وضع قاعدة عامة فيها وهي: الإباحة العامة ما لم تناقض نصوص الشرع وقواطعه وقواعد ومقاصده، أو يترتب عليها ضرر لا يتسامح فيه الشرع على الأنفس والأموال، فكل رياضة أدت إلى الإعاقات البدنية أو القتل أو ضرر بالغ حرمت، وكذا كل رياضة أدت إلى إتلاف الأموال أو الإسراف فيها في غير المقاصد والمصالح المرعية فكذلك، وما أدى كذلك من الرياضات إلى التفريط في الفرائض الشرعية فلا شك في حرمتها؛ لأن الله لما حرم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام علل ذلك بذكر بعض مفاسدها من إثارة العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فما أدى من الرياضات إلى هذه ونحوها من المقاصد فله حكم التحريم.