الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزينة إلا على من نُصَّ عليهم، والفيديو كليب كشف للعامة ما حرم الله كشفه عليهم.
الرابع: التواشيح الدينية، والتراثية؛ فهي جائزة ما لم يصاحبها المعازف؛ فيجري فيها الخلاف.
والحاصل: أن التقوى خير من الفتوى، فما كان حراما بَيِّنا كالفيديو كليب الماجن فيحرم مشاهدته أو سماعه.
وما كان حلالا بينا كالأناشيد بدف أو بغيره؛ فيجوز مشاهدته وسماعه.
وما كان بين ذلك؛ فهو المتشابه.
ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كما في نص الحديث (1).
حكم التمثيل
التمثيل في الأفلام والمسارح والمسلسلات؛ الأصل فيه الإباحة؛ لأنها من المسائل المسكوت عنها، وما سكت عنه فقد نص الله على أنها من العفو في قوله (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: 101)، ما لم يشتمل على محضور. فمن المحضور:
1 -
تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والرسل.
والدليل قوله تعالى (لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا)(النور: 63)؛ فإذا حرم الله دعاءه كأي شخص منا؛ فبالأولى تمثيله من أي شخص أنه هو، فإنه أبلغ في المنع.
والرسل والأنبياء في الحرمة واحدة؛ لأن منزلة الرسالة والنبوة واحدة ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم علي فصلوا على الأنبياء فإنهم أرسلوا كما أرسلت» (2).
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- قولنا «والرسل والأنبياء في الحرمة واحدة» لا خلاف على هذا وهو أمر قطعي معلوم من الدين بالضرورة، وأما الحديث الذي أوردناه فقد ورد بهذا المعنى أحاديث وكلها متكلم فيها، قال الحافظ في فتح الباري (11/ 169) عند قول البخاري (باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم: أي استقلالا أو تبعا ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين أخرجه الترمذي والحاكم وحديث بريدة رفعه لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله الحديث أخرجه البيهقي بسند واه وحديث أبي هريرة رفعه صلوا على أنبياء الله الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف وحديث ابن عباس رفعه إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني أخرجه الطبراني ورويناه في فوائد العيسوى وسنده ضعيف أيضا وقد ثبت عن ابن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه قال ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند صحيح وحكى القول به عن مالك وقال ما تعبدنا به وجاء نحوه عن عمر بن عبدالعزيز وعن مالك يكره وقال عياض عامة أهل العلم على الجواز وقال سفيان يكره أن يصلي إلا على نبي ووجدت بخط بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز أن يصلي إلا على محمد وهذا غير معروف عن مالك وإنما قال أكره الصلاة على غير الأنبياء. انتهى. وقد حسن العلامة الألباني بعض طرق الحديث في الصحيحة.
وقوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)(النساء: 163).
2 -
ومن المحضور تمثيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء)(الأحزاب: 32).
ولنفس الدليل السابق في حق الرسول، فهو ليس كأحد من الناس في التعامل، فله منزلته الخاصة، ونساؤه كذلك بالنص.
فهو وعائلته صلى الله عليه وسلم لا يجوز تمثيلهم.
والدليل الثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله وفعله وإقراره تشريع.
فأيُّ مَظهر أو مشيةٍ أو لِبْسةٍ سيظهر بها الممثل ستكون دعوى في أن هذا شرع يقتدى به، وهذا كذب.
ومثله سائر الأنبياء لأن سيرتهم تشريع؛ لأن الله يقول (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: 90).
وكذلك تمثيل الخلفاء الأربعة لقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (1).
فلبسهم وأحكامهم وقضاياهم وسمتهم سنة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فتمثيل هؤلاء ممنوع لاشتماله على كثير مما يحتاج إلى دليل على صحته، ولا دليل إلا على بعض ذلك، والممثل
(1) - تقدم تخريجه.
يمثلهم بتفصيل، فكان أكثر ذلك دعوى في أن هذه سنتهم وهديهم وسمتهم ونحن مأمورون بالاقتداء بسنتهم، فالممثل يحتاج إلى دليل على أن هذه الحادثة كان صلى الله عليه وسلم لابسا كذا وكذا، أو جالسا أو قائما، وغير ذلك، وكذا القول في الأربعة.
وهو أمر يحتاج لحجة وسياق صحيح منقول تفصيلي، ولا طريق إليه إلا الظن والتخمين ولا يصلح طريقا للنقل.
فتبين من هذا أن تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الخلفاء يعتبر ادعاء نقل لكافة ما يظهر من قول وفعل وتقرير ولبس وهيئة وسمت أنه كذلك.
وهذا نقل يتعلق به تشريع؛ فمنع.
أما تمثيل بقية الصحابة، ومن بعدهم من الشخصيات؛ فيبقى على أصل الجواز.
ويشترط في تمثيلهم التوثيق التاريخي الشديد، ونشر محاسنهم وفضائلهم، ونشر ما استفاض صحةً، وترك ما اختلفوا فيه كأيام الفتنة؛ لقلة الروايات الثابتة؛ بل أكثرها زيف وكذب.
وأما التمثيل مطلقا فهو جائز بشروط كعدم ارتكاب المعاصي والمحرمات من فواحش ومجون وعري، فتمثيل الزنى ومواطن العري والمجون من المحرمات. لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور: 19).
والفعل المنكر لا يبرره المقصد الحسن؛ بدليل حديث خرق السفينة (1).
ومن المحرم تمثيل نوم الزوج مع الزوجة؛ لأن نوم الأجنبية مع الأجنبي في سرير واحد محرم، وهو من موجبات التعزير والعقوبة؛ لأنها دياثة وقلة مروءة وفسق ومقدمة للزنا.
(1) - حديث السفينة في البخاري برقم 2686 عن النعمان بن بشير، رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي، ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه، وأهلكوا أنفسهم.
ولو كانا زوجين حقيقة لحرم تصوير ونشر ما بينهما؛ لحديث «أتتحدثون عما يصنع أحدكم مع زوجته فإنما مثل من يفعل ذلك كمثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون» (1)، وجعل الفعل من فعل الشياطين دليل على تحريمه.
والقاعدة التي يمكن أن نقعدها هي: تمثيل الحرام حرام.
لأن التمثيل فعل، وفعل الحرام حرام.
وفي تمثيل شرب الخمر وجهٌ إن كان ليس بخمر.
وأما الفواحش، والزنى، والرقص، والعري، والمجون، وأمور السرير، والعورات وما أمر الله بستره؛ ففعله تمثيلاً كفعله حقيقة، فينطبق عليه أنه فَعَلَ حراما.
أما الأقوال الممثلة:
فيجب تجنب النطق بكلمة الكفر، كسب الله ورسوله ودينه، ومن فعل ارتد، ولو تمثيلا (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة: 65 - 66). فسمى الاستهزاء عن طريق اللعب بهذه الأمور الكبيرة من الكفر.
والتمثيل ليس حقيقة بل لعب، فله نفس الحكم.
ولذلك قال الله مكفرا اليهود والنصارى في قولهم الكفر (يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ)(التوبة: 30)، أي يماثلون.
ومن مَثَّل أنه يدوس المصحف فداسه حقيقة فهو مرتد، ومن نطق بسب الله أو دينه أو آياته أو رسله فهو كذلك. ولا يقبل التمثيل في هذا.
وأما غير ذلك من المباحات والبطولات والواجبات والأمور الاجتماعية فلا مانع من تمثيلها.
(1) - تقدم تخريجه.
ويمكن للإعلام أن يوصلوا رسالة الحق بلا ارتكاب محضور بكل سهولة ويسر، لكن يقع من يقع في المحضورات؛ نتيجة لعدم الاستقلالية الإعلامية لحضارتنا الإسلامية، وفكرها، ومجتمعها.
بل تبعوا غيرهم، فنقلوا لنا حضارتهم وفكرهم وعادات وأخلاق مجتمعهم؛ ولهذا فإيجاد منتجين لتغطية هذه الفجوة يحملون الرسالة ومشروعها، ويحملون حضارة هذه الأمة العظيمة إلى غيرهم، واجب كفائي.
وهو من الدعوة ونصرتها، لأن الإعلام لسان العصر ومن أسلحته الفاعلة.
فوجب؛ لأن الشريعة داعية إلى بناء المصالح ودفع المفاسد.
وترك هذا الباب يأتي بمفاسد كبيرة على الأجيال والأمة بأسرها، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وفكريا فوجب دفع هذه المفاسد.
فإن كانت لا تدفع المفاسد الإعلامية إلا بإعلام قوي في سائر أصنافه: التمثيلي، والتوثيقي، والإخباري وغيره؛ فإنه يجب بفرضِ الكفاية.