الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
النكاية الشخصية:
والوقيعة في ذوات الأشخاص بالتهكم والسخرية في هيئته، أو لبسه، أو كلامه لا تخدم المبادئ ولا تعالج القضايا.
بل هو من النكاية الشخصية المحرمة في عموم النص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ)(الحجرات: 11).
واللمز والتنابز بالألقاب من الفسوق (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ)(الحجرات: 11).
حكم الرسم والكاريكاتير والتصوير الإعلامي:
والكاريكاتير الهادف جائز لعدم المانع الصحيح الصريح الخالي عن المعارض بشرط قصد الفكرة والمبادئ، لا التهكم المبتذل بشخص في ذاته أو خواصه.
ولا يدخل في الرسم المختلف فيه؛ لأن الشريعة أجازت لُعب الأطفال المصورة؛ لأنها قاصدة للترفيه والتعليم، «وكان لعائشة لعبة خيل ذي أجنحة تلعب به» (1).
«وكان الصحابة يصنعون لأولادهم اللعبة من العهن» (2).
والكاريكاتير الهادف لدفع مفاسد عامة وجلب مصالح كهذا في الحكم، وقد يكون بعضه أكبر مصلحة منه؛ فجاز.
(1) - قولنا «وكان لعائشة لعبة خيل .. » فيه حديث أخرجه أبو داود برقم 4934 عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفى سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال «ما هذا يا عائشة» . قالت بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال «ما هذا الذي أرى وسطهن» . قالت فرس. قال «وما هذا الذي عليه» . قالت جناحان. قال «فرس له جناحان» . قالت أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة قالت فضحك حتى رأيت نواجذه. قلت: وسنده صحيح، رجاله رجال الشيخين إلا شيخ أبي داود محمد بن عوف وهو ثقة.
(2)
- قولنا «وكان الصحابة .. » فيه حديث أخرجه البخاري برقم 1960 عن الربيع بنت معوذ قالت أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم قالت فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
وكذلك التصوير والتوثيق الإعلامي لا تشمله أحاديث النهي عن التصوير؛ لأن العلة كانت لحداثة الناس بعبادة التصاوير والأصنام وكان المقصود منها ذلك في الغالب؛ فمنعت لأجل ذلك.
ولهذا طمس رسول الله صلى الله عليه وسلم كل التصاوير بظل وبغير ظل في داخل الكعبة وخارجها (1)؛ لأنها تعبد من دون الله، ولم يكن منها سوى هذه المفسدة الكبيرة.
وهذا كله بخلاف التصوير والتوثيق الإعلامي اليوم؛ فمصالحه غالبة عند توجيهها.
مع أنه بعيد عن تلك العلة التي لأجلها حرم التصوير، فجاز كفرض كفاية لعظيم مصالحه، لذلك أجازه أكابر علماء العصر إلا ما ندر خلافه.
والعلة الأخرى التي لأجلها منع الرسم والنحت هي: مضاهاة خلق الله (2).
والمقصود من فعل ذلك بقصد ذلك؛ لأنه يجوز بإجماع رسم الشجر والماء والجبل حتى في زمنه صلى الله عليه وسلم وما بعده (3).
وهذه كلها من خلق الله.
فدل على أن المقصود بالمضاهاة هو دفع الشرك بالله بتصوير ذوات الأرواح؛ لغلبة أدائها إلى عبادتها أو التذكير بذلك.
(1) - أخرج البخاري برقم 1601 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه. وفي رواية «لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط» .
(2)
- قولنا «مضاهاة خلق الله» هذه العلة منصوصة في حديث الصحيحين (البخاري 5954 ومسلم 5650) واللفظ للبخاري عن عائشة، رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت: فجعلناه وسادة، أو وسادتين.
(3)
- قولنا «يجوز بإجماع رسم الشجر
…
» فيه حديث أخرجه مسلم برقم 5662 جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني رجل أصور هذه الصور فافتني فيها. فقال له ادن منى. فدنا منه ثم قال ادن منى. فدنا حتى وضع يده على رأسه قال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقول «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم» . وقال إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له. فأقر به نصر بن على.
هذا هو مقصد العلة أو نصها، وهو مضاهاة خلق الله.
وهي في ظاهرها تدل أن من لم يقصد ذلك جاز له التصوير؛ بدليل جواز تصوير الشجر وما لا روح فيه مع أنه خلق الله.
والمقصود بحديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة (1) هو:
المنع من تعليق تلك التصاوير المرسومة والمنحوتة، ولم يكن يصنع ذلك إلا للتعظيم والعبادة، فمنعت أصلا.
ولو لم يقصد بها ذلك عند من علقها بدليل منعها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم مع استحالة أن يقصد بها ذلك في بيته.
هذه هي العلة الأصلية في نصوص كثيرة.
أما في نفس النص «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلبٌ أو صورة» ؛ فالعلة هي: مجرد الوجود للصور للإطلاق والعموم.
وإنما قيدنا المنع (بالمعلقة) للنص الآخر في قوله صلى الله عليه وسلم «إلا رقما في ثوب» (2)، يعني إلا صورة في بساط يداس فلا تضر.
ومعلوم أن التوثيق والتصوير الإعلامي ليس كذلك، لا في صحف، ولا تلفزة، ولا غيرهما.
والتلفزة أظهر في الجواز؛ لأنها كالصورة المتحركة في المرآة، وهي غير محرمة قطعا؛ فدل على الفرق، ولو أن شخصا نقل صورة آخر بمرايا في أوضاع معينة تأخذ كل واحدة عن الأخرى حتى انتقلت إلى خارج مكان الشخص الواقف أمام المرآة التي تناقلت صُوَرَه، فهل يقول عالم بمنع هذا .. ! ؟
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- قولنا «وإنما قيدنا المنع
…
» قلت: الاستثناء وارد في الصحيحين (البخاري برقم 5958، ومسلم برقم 5639)، واللفظ للبخاري، عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة. قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة. فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد، عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال «إلا رقما في ثوب» .