الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولنا «قتالية عند اقتضاء سببه من عدوان» : لقوله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا)(البقرة: 190)، ودفع فتنة عن أهل الإسلام؛ لقوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) (الأنفال: 39)، وهذا عام، فيشمل قتال من منع الناس عن الدخول في الإسلام، أو فَتَنَ من أسلم واستضعفه، وأسباب القتال دائرة على هذا (1).
العلاقات الأمنية:
وتنقسم الأنظمة إلى:
1 -
أنظمة حرب غير معاهدة.
2 -
أنظمة حرب معاهدة.
3 -
أنظمة سلام محايد.
4 -
أنظمة سلام مناصر، كمن دخل في حلف النبي صلى الله عليه وسلم وكمحالفته لليهود ونظام النجاشي.
5 -
أنظمة سلام على الأصل (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ).
6 -
أهل سلام مشروط.
أولاً: أنظمة الحرب غير المعاهدة:
والتعامل معها بما يكف خطرها وبأسها. فمن ذلك:
أ- التعبئة القتالية العامة (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً)(النساء: 84).
ب- وإمكان القتال للمتاخم المحارب عند اقتضاء الأمر وضرورته، والاستعراض العسكري، والمناورات وغيرها.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: 123).
(1) - انظر فقه الجهاد من كتابنا هذا.
والغلظة: منها إظهار قوة الردع، والمناورات، والاستعراضات، والقتال إذنٌ وأمرٌ حين تتوفر دواعيه.
ج- والمعاملة بالمثل العام (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: 36).
د- والرد على العدوان المعين (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(البقرة: 194).
والفرق بين الصورتين أن هذه الأخيرة تمثل استراتيجية الرد السريع، وأما الأولى فهي استراتيجية الردع العام.
هـ- والإعداد الاستراتيجي (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)(الأنفال: 60).
و- وقبول عرض السلام (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(الأنفال: 61).
ي- وحرمة الابتداء بالدعوة للسلام للكافر المحارب الذي يشكل خطرا ويفهم من الدعوة أنها من مصدر وهن؛ للنص (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ)(محمد: 35).
وقولنا «للكافر المعتدي» خرج به الكافر غير المعتدي، فالسلام على الأصل لقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8).
فإن شكل خطرا وجب التعامل معه بما يقتضي المصلحة العامة.
ز- وأثناء المعركة ومباشرتها مع الكفار المحاربين يجوز الدعوة إلى الإسلام، أو السلام المشروط، أو الحرب (1).
ومقابل السلام المشروط تدفع لخزينة الدولة من القادر الذكر البالغ رسوم حماية تسمى الجزية.
(1) - قيدنا هذا بأثناء المعركة ومباشرتها حتى لا تتخذ هذه الخيارات على العموم في كل صور التعامل لوجود أنظمة سلام على الأصل ومحايد ومناصر واستنبطنا ذلك بالاستقراء جمعا بين النصوص، ودفعا لتعارضها؛ ولوجود صراحةٍ في النص وهو «إذا حاصرتم حصنا .. » فدل على وجود معركة، فهذا يقيد ذلك.
ويجوز الاجتهاد في إسقاطها اسما لا حقيقة كما فعل عمر على أهل الكتاب من العرب وأخذ منهم كالزكاة أو ضعفها (1).
وهذه تفرض في قوة محاربة استسلمت في الحرب، ولهم دينهم، وحرياتهم، وأموالهم، وأعراضهم، ومحاكمهم ونظامهم بكامله، إلا ما اقتضاه النظر المصلحي العام من الأمور.
ح- وأما في داخل جزيرة العرب فلا يقبل وجود أي دين بشكل دولة، أو قوة منظمة تستطيع الضرب من الداخل، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» (3)، وليس معناها الأفراد ولا الأقليات الأسرية المسالمة التي لا تحمل أي سلاح، فإنها موجودة من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وبلا نكير (4).
فدل على أن المقصود التواجد العسكري المسلح الذي يشكل خطرا داخليا ونظاما مناوئا.
ولهذا تبطل كل معاهدة من هذا النوع، ويعطون مهلة كأربعة شهر وتنزل على هذا آيات الافتتاحية في سورة براءة (بَرَاءةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) (التوبة: 1)، أي عاهدتم في جزيرة العرب كيانات مسلحة أو داخل الدولة المسلمة ولو خارج الجزيرة، وحملناها
(1) - قولنا «كما فعل عمر» أخرجه البيهقي في السنن برقم 19117 بسند صحيح إلى الشافعي، قال الشافعى: قد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر الغسانى ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ وبهراء وخلط من خلط العرب وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية يضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب ولولا أن نأثم بتمني باطل وددنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجرى صغار على عربي ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به. ووصله من طريق أخرى.
(2)
- أخرج مالك في الموطأ برقم 1584 عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك قال ابن شهاب ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر قال مالك وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق وإبل وحبال وأقتاب ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها.
(3)
- أخرجه البخاري برقم 3053، ومسلم برقم 4319، كلاهما عن ابن عباس.
(4)
- وللجنة الإفتاء بالمملكة اجتهاد خاص هنا في منع دخول العمالات الأجنبية الكافرة جزيرة العرب.