الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعددية
والمعارضة السياسية
التعددية السياسية
والتعددية السياسية جائزة إن قامت على مجرد برامج سياسية للتداول السلمي للسلطة والإصلاح العام، وتجردها لذلك بالطرق السلمية، وبشرط انبثاقها من روح الشريعة الإسلامية.
فإن قامت على مشروع مصلحي خاص، أو مناطقي، أو عنصري، أو أسري، أو على أسس ناقضة أو معارضة للشريعة الإسلامية حرمت، ولا يجوز الترخيص لها.
وتحريم ما قبل القيد الأخير؛ لأن هدف هذه الأحزاب السياسية الوصول للسلطة ببرامج تخدم عموم الشعب، فإن أرادوا الوصول لخدمة أشخاص، أو مناطق، أو أسرة، حرمت؛ لأن تصرف الولاة منوط بالمصلحة العامة؛ ولا مصلحة للعامة في هذه المشاريع الشخصية الصغيرة، ولترتب المفاسد والفتنة على ذلك.
ومن التزم بهذا من الأحزاب والتنظيمات فيعاملون على ظواهرهم وما التزموا به.
ومن ظهرت خيانته أو فساده حوسب وجوزي بالعدل الشرعي والقانون.
ويتعامل مع الجميع بالعدل؛ لأن النظام العام يسع الجميع، فقد تعايش النظام السياسي بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم مع مختلف الطوائف المنافقة المظهرة خلاف ما تبطن.
وامتنع من أي عقوبة سياسية جائزة، أو واجبة؛ للنظر المصلحي «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» (1)، فتسبب تفككاً سياسياً وسمعة سيئة تنفر عن الدخول تحت النظام الإسلامي.
والمعارضة السياسية في اجتهادنا هي تعريفا: عبارة عن رؤية سياسية برامجية لإدارة البلاد تحملها أحزاب تسعى إلى تطبيقها بالوسائل الدستورية السلمية المشروعة.
(1) - حديث «لا يتحدث الناس .. » متفق عليه في البخاري برقم 3518 وفي مسلم برقم 6748 من حديث جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بال دعوى الجاهلية» . قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال «دعوها فإنها منتنة» . فسمعها عبدالله بن أبي فقال قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» .
وهي جائزة بذلك، والمعارضة بشكل أعم شاملة لكل الأعمال المنظمة السلمية غير الرسمية التي تقف ضد مخالفات السلطة.
فقولنا «بشكل أعم» أي لا تقتصر على المعارضة السياسية المترجمة إلى حزبية سياسية.
وقولنا «كل الأعمال المنظمة» خرج بها الأعمال المعارضة العشوائية، فلا تدخل في المعارضة، بل في ردود الفعل والمواقف الآنية بدون مشروع منظم.
وقولنا «كل الأعمال المنظمة» كذلك يشمل كافة الجهود والجهات ولو فردا، ويشمل سائر المنظمات والمؤسسات والنقابات المعارضة.
وقولنا «السلمية» خرج بها الأعمال غير السلمية المسلحة أو الوسائل المستقوية بالعنف.
وقولنا «التي تقف ضد مخالفات السلطة» قلنا هذا القيد؛ لأن الذي يقف ضد السلطة مطلقا في عملها المصلح وغيره يخرج عن المعارضة إلى العدوان.
وفرض على المعارضة القيام بدفع المفاسد ودرئها وتقليلها، بما يخولها الشرع في عموم (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
ولما كان واجب الدولة هو سياسية البلاد بجلب المصالح العامة الغالبة ودفع المفاسد، وهو: معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجب على المعارضة حينئذ القيام بتفعيل دورها المشروع والشرعي، والدستوري، والوطني، وهو داخل في عموم قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2).
ويحرم التقصير في ذلك بسكوت، أو تواطؤ؛ لأن من قام بأمر من الواجبات الكفائية أو العينية، فإنه يجب عليه إقامته بما يسقط الطلب الشرعي.
أما العيني فظاهر (1)، أما الكفائي فلأن فرض الكفاية إذا قام به البعض فقد تعين عليهم، فإن قصروا أثموا، والله يقول (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 33)، وهذا إبطال.
(1) - أي أن العمل إذا كان فرض عين فإنه لا يسقط إلا بفعله، فالدخول فيه فرض عين بخلاف فرض الكفاية فلا يتعين على الشخص إلا إذا لم يقم به أحد، أو دخل فيه الشخص فإنه يتعين عليه تمامه والمعارضة يأتي فيها هذا الحكم لأنها قائمة بفرض الكفاية فيحرم عليها تركه لأنه يتعين عليها بمجرد الدخول في العمل.
ولأن المعارضة عند التقصير في واجبها من منع الظلم على العباد المخول تحت تكليفهم (1)، كمنع تحريف العقد بين الشعب والحاكم الممثل في الدستور، ومنع مظاهر الفساد وحماية القانون، وغير ذلك.
فإن كان بسكوت حرم ولعن فاعله بالنص (2)، وإن كان بتواطؤ من البعض فهو خيانة للأمانة وتعاون على الإثم والعدوان.
والمعارضة السياسية شرطها أن تكون بالوسائل السلمية؛ لأن هذا مما أجازته الشريعة؛ لعدم المانع (3)، بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودرء المفاسد وجلب المصالح.
وقد ثبت في حديث السمع والطاعة «وأن نقول الحق أينما كنا لا نخاف لومة لائم» (4).
وهذا نص يدل على أن قول الحق واجب للسلطة وغيرها للعموم، ولا يعارض بيعة السمع والطاعة؛ لأنه منها في النص؛ ولثبوت فعل المسألة أمام الصحابة في المسجد يوم الجمعة لعمر ولم ينكروا هذه المعارضة (5)، فكان إجماعا، أو فتوى الجماعة، وهذا كاف في الجواز لحرصهم على إنكار المنكر.
(1) - قلنا المخول تحت تكليفهم، أي لأنهم لا يكلفون إلا بما في وسعهم من أعمال المعارضة، فلا يكلفون إقامة المشاريع والبنية التحتية ونحوها مما هو واجب على السلطة.
(2)
- قولنا «فإن كان بسكوت حرم» الضمير في كان راجع إلى التقصير أي إن كان التقصير في تغيير المنكر سكوتاً حرم.
(3)
- قولنا «لعدم المانع» هذا احتجاج على من يدعي المنع الشرعي للمعارضة السياسية فعليهم الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة وأنى لهم ذلك.
(4)
- تقدم تخريجه.
(5)
- قولنا «ولثبوت فعل المسألة .. » القصة مشهورة ولها ألفاظ متعددة منها ما أخرجه البيهقي في المعرفة (13/ 332) ط/ قلعجي عن نافع، مولى ابن عمر، أنه قال: أصاب الناس فتحا بالشام وفيهم بلال، وأظنه قال: ومعاذ بن جبل، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن هذا الفيء الذي أصبنا، لك خمسه ولنا ما بقي ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، فكتب عمر: إنه ليس كما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم، يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال «اللهم اكفني بلالا وأصحاب بلال» قال: فما حال الحول حتى ماتوا جميعا. قال أحمد: وقد ذكر الشافعي في القديم حديث زيد بن الحباب، عن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن بلالا وأصحابه فتحوا فتوحا بالشام فقالوا لعمر:«اقسم بيننا ما غنمنا» فقال «اللهم أرحني من بلال وأصحابه» قال أحمد رحمه الله: قوله رضي الله عنه: إنه ليس على ما قلتم، لا يريد: ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ..
وليست المعارضة السياسية خروجا عن الجماعة، ولا على الحاكم؛ لأن الخروج المحرم هو البغي المسلح؛ ولأن المعارضة تنصر الجماعة بالوسائل السلمية، فهذه نصرة لا خروج؛ ولأن المعارضة تطالب بالإيفاء بعقد الجماعة في الدستور، وهذا واجب على كل قادر (1).
ولأن المعارضة السياسية متفق على وجودها وآلياتها وأشكالها في عقد الدستور، والإيفاء بالعقود أمر شرعي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1).
ويجوز التشهير بالمناكر السياسية، والمفاسد العامة الناتجة عنها عبر الصحف، وفي المنابر والمحافل والإعلام، وهو مشمول بعموم قوله تعالى (لَاّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ) (النساء: 148).
ولأن التشهير العام حصل من بلال وجماعة أيام عمر للمطالبة ببعض ما يرونه حقا، ولم ينكر عليهم أحد.
ولأن هذا متفق عليه في عقد القانون بين الشعب والحاكم فجاز؛ لأن كل شرط بين عاقدين يعمل بها إلا ما عارض الشرع، وليس هذا كذلك.
والأوامر بالستر على المسلم منزل على معصية شخصية غير متعدية (2) لا كقتل بل يجب الشهادة على القاتل؛ لأنها مظلمة واقعة على الغير فوجب دفعها بما بين الشرع وتجب الشهادة فيها عند اقتضاء لزومها.
فإن كانت المعصية متعلقة بمظالم العامة جاز إنكارها على رؤوس العامة (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)(الشورى: 40).
ومع هذا فقد يجب قبل التشهير المحاورة المحصورة بين لجنة والحاكم (3)، فإن أبى كرر له
(1) - قولنا «وهذا واجب على كل قادر» أي المطالبة، فيجب على كل قادر من الشعب أن يطالب السلطة بالإيفاء والالتزام بعقد الشعب معها، وهو الدستور، وما انبثق منه من القوانين؛ لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
(2)
- قولنا «غير متعدية» أي لا يتعدى ضررها إلى الآخرين قاصرة على الشخص نحو شرب خمر.
(3)
- قولنا «فقد يجب
…
» التعبير بقد؛ لأنه لا يمكن أن نطلق الوجوب على الإطلاق لعدم إمكان هذه الوسيلة في كل حالة وهي تشكيل لجنة ناصحة تحاور الحاكم، فإذا كانت ممكنة فهل تجب شرعا قبل التشهير السلمي، يمكن أن نقول بالوجوب في حالة ما إذا كان الانتقال إلى وسيلة التشهير السلمي يعقد الأمور أكثر مما لو شكلت لجنة للحوار والمصالحة.
الأمر حتى تقام عليه الحجة، فإن استعصى شُهِرَ دَفْعُ المظلمة ليكون أدفع له وأزجر، ولأن المفاسد إن لم تدفع إلا بهذه الوسائل وجبت في الجملة؛ لأنها وسيلة لواجب وأحاديث النهي عن الخروج كلها دائرة على المعنى المسلح لأدائها إلى ما في النص من المحذور وهو «يقتل برها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها» (1). وهذه عادة الفتنة المسلحة لعدم إمكان الانتقائية والتحاشي، فيعم الفساد، وهذا منكر.
والإنكار للمنكر غير الفرح به، فلا يجوز الفرح بالمنكر ولو نكاية بظالم؛ لأن الفرح بالمنكر منكر.
والواجب هو الإنكار، وهو غير الفرح به.
ويجب على السلطة والمعارضة تحقيق ما يدعون إليه من: حريات وقبول الآخر وتبادل سلمي للسلطة داخل تنظيماتها، وكذا المحاسبة الحقيقية وترك الظلم والكيد والتآمر من متنفذي التنظيمات سلطة ومعارضة على البعض في إطارات التنظيم الواحد، فإن لم يفعلوا فهو نوع عبث؛ لأن قاعدة التغيير المنصوصة هي (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11) (2).
ولأن الله مقت من فعل ذلك فقال تعالى (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)(الصف: 3).
ويحرم تضخيم الأمور فوق حجمها، أو تحجيم الأمور، فإن هذا من الكذب وصفة أهل النفاق في قوله تعالى (وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ) (التوبة: 48).
وهذا يعم كل كذب وتزوير وقلب للحقائق عبر وسائل الإعلام والصحافة، ومؤسسات الدولة، والفعاليات، وتصوير المواقف العامة والخاصة.
ويجب القيام بالعدل ولو من سلطة لمعارضة وعكسه لقوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(المائدة: 8).
(1) - تقدم الحديث وتخريجه.
(2)
- فإذا لم تغير التنظيمات من سياساتها الداخلية في تنظيماتها خالفوا سنة التغيير فيدخلون في جهد وإرهاقات بلا تحقيق كثير من التغيير.