الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الكفاية المالية العادلة للمعلم:
وأما الكفاية المالية العادلة للمعلم؛ فلأن وظيفته هي عقد إجارة، وعقد الإجارة عقد معاوضة محضة.
وقاعدة عقود المعاوضات المنع من الغبن الفاحش؛ لأنه من الظلم، ومن أكل أموال الناس بالباطل، وهو منصوص على حرمته.
والغبن الفاحش هو: دفع العوض غير العادل بنقص كثير لا يتسامح الناس فيه غالباً.
وراتب المعلم العادل هو: القائم على ضروريات حياته، وحاجياته، وتحسينياتٍ حافظة لمروءته. وإنما قلنا «تحسينات حافظة لمروءته» ؛ لأن ما حفظ المروءة من التحسينات له حكم الحاجيات (1).
وعلى هذا فالراتب العادل يكون كافيا له ولأسرته، مأكلا ومشربا وملبسا وسكنا -ولو بإيجار- وعلاجا اعتياديا (2)، ومواصلاته، وفواتير الخدمات من كهرباء وماء، فهذه ضروريات وحاجيات.
ومن التحسينيات القائمة مقام الحاجيات له:
كفاية راتبه لاتصالاته المعتادة، ولياقة ملبس بتوسطٍ له ولأسرته، وتوسط في أثاث، وإكرام ضيف، وصلة رحم بهدية، أو مال في مناسبات جرت العادة عليه كنحو عيد.
وقلنا «بهدية» أو «مال» ؛ لأن الصلة بالزيارة مستمرة طوال العام بما جرت به العادات، ويرفع به قطع الرحم.
فالراتب العادل: قائم بذلك على وجه التوسط العرفي.
ولما كان المعلم وغيره من موظفي الدولة يبذل ثلث عمره في دوام رسمي بمعدل ثمان ساعات يومياً، في مقر عمله ست ساعات، وساعة سابقة وأخرى لاحقة في الغالب للوصول
(1) - هذه قاعدة هامة مقاصدية فتح الله بها، وهي «التحسينات الحافظة للمروءة لها حكم الحاجيات» ، وهذه القاعدة تضم إلى قاعدة العلماء المشهورة «الحاجيات لها حكم الضروريات» ، وإنما قيدنا التحسينات بهذا القيد؛ لأنها واسعة ويتعذر إن أطلقنا كفاية الراتب لها، فلزم هذا القيد.
(2)
- قلنا ذلك احترازا من عدم كفايته للحالات غير العادية، المزمنة والمستعصية ..
إلى عمله والرجوع إلى منزله باستمرار لا يقطعه إلا الموت، أو المرض المقعد، أو التقاعد بعد عشرين أو ثلاثين سنة، وهو عامل في المصلحة العامة.
فإن كان راتبه المعاوض به لذلك لا يوفر له طوال هذه المدة بناء سكن بأدنى مستوياته، ولا ملبس يليق به ولا بعياله، ولا أثاث كريم، أو تعليم له ولأولاده في مراحله الأساسية والثانوية، أو في مراحله الجامعية والعليا، ولا يستطيع به رعاية صحية لنوازل المرض في نفسه وأهله، ولا امتلاك سيارة للقيام بحاجياته، بل يظل محتاجا طوال شهره ودهره مدينا لا للترفهات؛ بل لتوفير المواد الغذائية الضرورية له ولأسرته.
فهذا الوضع حيث كان، وأينما كان في دولة مسلمة أو كافرة وضعٌ مخالف لمقصد الشريعة في تكريم الإنسان وإيتائه حقوقه بالعدل، والله سبحانه يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).
ويقول (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ)(الرحمن: 60).
فالموظف معلما كان أو غيره، قائم بإحسان في دوامه خدمةً للمصلحة العامة وللدولة، عمرَه وشبابَه؛ يجب في حقه معاوضته في راتبه بإحسان مقابل إحسانه.
ويعدل معه كأمثاله الوسط في مجتمعات العالم، وهذه هي أجرة المثل العادل، بخلاف الذي يماثله في المظلومية، أو يكون أكثر منه مظلومية، فهذا لا يقاس عليه.
فوجب تعديل قوانين الرواتب؛ لتكافِئ بتوسط حاجيات وضروريات وتحسينات الموظفين، فإن لم يكن ذلك كذلك فهو غبن فاحش محرم، وظلم ممنوع، وانتهاز للناس وجهودهم بغير عدل ولا إحسان.
ويحق للموظفين في الدولة ونحوهم من القطاعات الخاصة إقامة النقابات للمطالبة بحقوقهم وتسوياتهم؛ لأنه تعاون على البر والتقوى المشمول بعموم النص (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)(المائدة: 2).