الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو أمر الحاكم على المنبر بسفك دم معصوم محرم وجب الرد عليه ومقاطعته.
أو سَبَّ الدين، أو أمر بما يهدم أصوله القطعية، فالواجب هنا على الحاضرين كافة الإنكار عليه، أو الانسحاب من مكان الحفل أو الجمع؛ للنص (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء: 140).
ويجمع بينهما؛ لأنه أوقع وأدفع للمنكر.
وللشعب اتخاذ آليات التغيير السلمي، وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي الحديث «من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (1).
ومع ما تقدم من أمور في آليات التغيير في كلامنا، فلا بد من استقلال الكلام على أظهر آليات الاحتجاجات والتغيير والتعبير السلمي، وهي المظاهرات والإضرابات والاعتصامات والعصيان المدني، فنقول وبالله التوفيق:
المظاهرات والمسيرات:
يمكن تعريف المظاهرات والمسيرات بأنها تنظيم سلمي لسير جماعي مدني غير رسمي من وإلى مكان معين في زمن معين للمطالبة بأمر معين علنا.
فإن لم يصاحبها سيرٌ فهو مهرجان أو فعالية.
فإن صاحبها مكث في مكان إلى تحقيق المطلب فهو اعتصام.
فإن كان شعبيا عاما، أي من عموم الشعب والجمهور وطال وتوقفت به حركة النظام فهو عصيان مدني.
وقولي: «تنظيم سلمي لسير جماعي» ، خرج به السير الجماعي الخارج مخرج العادات في نقاط التجمع ونحوها وصولا، أو انطلاقا.
وقولنا: «غير رسمي» ، خرج به العروض والاحتفالات ونحوها.
(1) - تقدم تخريجه.
وقولنا: «من وإلى مكان معين» ، خرج به الفعاليات والمهرجانات.
وقولنا: في «زمن معين» ، لا بد منه؛ لأن الزمن المعين المتفق عليه شرط للحشد والسير، وإلا لم تكن مسيرة.
وقولنا: «للمطالبة بأمر معين» ، خرج به السير جماعات لنحو دراسة أو لقاء أو عبادة كحج، أو السير الرسمي في العروض المدنية والعسكرية والفعاليات والرياضات.
وقولنا: «علنا» ، خرج به المظاهرة الصامتة، فإنها لا تعد مظاهرة في الأصل الغالب إلا بإعلان المطالبات، وتُرَدَّد جهراً شعارات ملفوظة ومكتوبة عادة، فإن كانت مسيرة صامتة أعلن عن مطلبها قبل ذلك ليعرف.
والمظاهرات الأصل فيها الجواز، فإن كانت لنصرة قاطع شرعي أو مظلوم، أو قضية عامة أو خاصة كدعم المقاومة الفلسطينية وجبت إن لم يتم إلا بها استقلالا أو استكمالا.
وكل ما يخدم الواجب الذي لم يتم القيام به فهو واجب، مثل: وجوب تحرير فلسطين من العدو الغاصب الكافر، فإن القيام بهذا التحرير الواجب لم يتم إلى الآن، فكل وسيلة تصب فيه وفي خدمته واجبة، من مظاهرات وفعاليات وتبرعات، وإحياء للذكرى وبناء مؤسسات وتشكيل نقابات لحماية الأقصى وحماية المواطنين والسجناء وعمل أفلام وثائقية مستمرة وتعليم الأجيال في مناهج الدراسة ذلك، وكل وسائل النصرة للقضية مطلوبة حتى لا تضيع القضية وتنساها الأجيال ويُطبَّع على وجود دولة الاحتلال الصهيوني.
ومَنْ مَنَعَ المظاهرات من الفقهاء فهو إنما منعه في بلد معين نظرا لظروفها (1).
وتبقى المظاهرات على أصل الإباحة إلا إن ترتب عليها إزهاق الأنفس، وإتلاف الأموال، وتخريب المصالح، فإن حصل شيء منه بلا قصد من البعض وجب كفه وردعه، فإن ظهر كونه مندسا حُقِّق معه؛ لأنه ساع بالفتنة، فوجب كف يده وإظهار شأنه للعامة لتبيين سبب فعله الدافع له أو الجهة الآمرة ابتغاء الفتنة.
وكذا يبين للناس حتى لو فعل ذلك من تلقاء نفسه.
(1) - وذلك مثل فتوى علماء المملكة العربية السعودية لأنها مقيدة بالنص في الفتوى بالمنع في بلد الحرمين لعلل تخص ذلك البلد وظروفها. وفتاواهم صحيحة، لكن لا يقاس عليها غيرها في التحريم؛ لأن لكل بلد واقعا وفقها وفقهاء.
والدليل على جواز كشفه قوله تعالى (لَاّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ)(النساء: 148). ولا يشمله أحاديث ستر المؤمن؛ لأن ذلك فيمن ارتكب محرما في نفسه غير متعدٍ ضرره، وإلا لزم ستر القاتل.
فهذا أراد فسادا ينسبه لغيره ظلما وعدوانا؛ ليمنع الوصول إلى حق أو نصرة مظلوم بمظاهرة وقد فعل ذلك.
ولا يندفع هذا الرمي العام بالكذب إلا ببيان عام للعامة، فتعين، ولفعل يوسف لدفع التهمة عن نفسه، ولم يقدم الستر على فاعلات ذلك (1)؛ لتعلقه بمظلمة عمت فلا تدفع إلا ببيان عام، وشرع من قبلنا شرع لنا ولم يرد في هذه المسألة ما يخالفه في شرعنا.
فيبقى أمر الاقتداء على وجهه (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: 90).
ولأن من قصد فضح مسلم بإلصاق تهمة كذب به فجزاؤه مثله بالبيان العام لفضح كذبه؛ لأن جزاء سيئة سيئة مثلها، فجاز فضح كذبه علنا (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40)، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194).
ولأن الله يقول (لَاّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَن ظُلِمَ)(النساء: 148).
ومن أتلف شيئا ضمنه شخصيا حال مظاهرة أو غيرها.
فإن ادعى إغراء فلان له فأثبت الدعوى عوقب معه.
ويحقق للوصول إلى الجناة، فإن لم يتبين شخص من أتلف لكثرة المظاهرة، أو لكثرة من فعل ذلك شرع على المسلمين تعويضه ببذل وعام؛ لأنه ضرر فاحش على خاصٍ منسوب لنازلة عامة ظاهرةٍ، فدفعه من التعاون على البر والتقوى.
فإن لم يحصل ذلك عُوِّض وجوبا من مال المسلمين العام من خزينة الدولة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودى قتيلا لم يعلم قاتله من بيت المال؛ لأن دم المسلم لا يسقط، وكذا ماله لا يسقط
(1) - قال تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) (يوسف: 51 - 51).