الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث أبي بكر الصديق في البخاري للمرأة التي سألته عن أولي الأمر فقال لها أليس على قومك رؤوس؟ قالت: نعم. قال: فهم (1). فيدل على شمول ذلك؛ وهم أهل اللسان، والقرآن نزل بلسانهم، واستعمالاتهم.
النوع الرابع:
أما النوع الرابع فأولو الأمر الديني، وهم العلماء المتبعون، وهو من أقوال العلماء في الآية (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59).
النوع الخامس:
أما النوع الخامس فالوالدان، ومن أقيم مقامهما تطوعا، ككافل اليتيم، أو بنصب من القضاء لناظر عليه، وعلى من يحتاج لنظر نحو سفيه.
فالوالدان مأمور بطاعتهما في غير معصية بنصوص من القرآن والسنة بلغت حد الضرورة الدينية.
وأما الكافل؛ فلأن طاعته من إصلاح اليتيم، وهذا مأمور به (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220)، فلا يستطيع كافله الإصلاح له إلا إذا أطاعه في توجيهاته الخُلُقية والتعليمية وغيرها.
أما الناظر: فلأنه مُولَّى من حاكم، فطاعته طاعة للحاكم (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
فهؤلاء الأنواع الخمسة يصدق عليهم (وَأُوْلِي الأَمْرِ)، ولكل من هذه الأقسام في طاعته حدودٌ وشروط وتفاصيل للمسائل.
-
حدود طاعة ولي أمر المسلمين:
وحدود طاعة ولي أمر المسلمين في ثلاثة أمور لا رابع لها، ونعني به ولي الأمر الأول وهو
(1) - قولنا «وفي حديث أبي بكر
…
» هو في البخاري برقم 3834 عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسؤول، أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس.
حاكم الدولة، أو رئيسها، أو الملك، أو السلطان، أو الأمير، وطاعته واجبة وهو يدخل دخولا أوليا في الأمر (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59)، والثلاثة الأمور هي:
الأول: طاعة إلزام بالأوامر والنواهي في الشريعة.
الثاني: كل قانون انبثق من الشريعة باستنباط أهله وإقرار الجهات له بالأغلبية الشوروية، فيطاع الأمر فيه بالإلزام.
الثالث: الإلزام في دائرة خدمة المصالح العامة المدركة بمعرفة أهلها وإقرار أغلبية شوروية مؤهلة حرة.
وقلنا «مؤهلة» ؛ لأن شرط أهل الشورى البرلمانية التأهل.
وقلنا «حرة» احترازا من تصويتٍ مأمور لتوجه معين بلا مراعاة للتجرد ومعرفة الحقائق.
وإنما حصرنا طاعته في هذه الأمور الثلاثة بالاستقراء والتتبع لأدلة الشريعة.
فلم نجد رابعا سوى الهوى، وذلك بالانحراف عن الحق والعقد الدستوري للشعب.
والدليل على هذه الثلاثة:
الأول: قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ)(النور: 55).
والدين المرضي هو الإسلام، يقول تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ) (آل عمران: 19).
ويقول تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران: 85).
ويقول تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(الجاثية: 18).
وشريعة الإسلام هي الأحكام في الكتاب والسنة.
والإلزام بتنفيذها على الجهة الكلية واجب الدولة لقوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج: 41).
وقوله تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ)(المائدة: 49).
وقوله سبحانه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ)(يوسف: 40).
وقوله تعالى (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)(الأعراف: 54).
وقوله سبحانه (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: 44).
وقوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة: 45).
وقوله سبحانه (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: 47).
وواجب الحاكم في ذلك هو: الالتزام والإلزام بتنفيذ أحكام الله.
أما الأمر الثاني: فلأن تقنين الشريعة من جهة مؤهلة، وإقرارها بأغلبية الشورى هو من أمر أهل الإيمان (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)؛ فما نتج عن الشورى من قوانين تخدم المصالح العامة ولا تناقض الشريعة فلا مانع من ذلك (1).
أما الأمر الثالث: فلأن إقامة المصالح العامة ودفع المفاسد مشمولة بعموم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة: 2).
فكل ما أمر به الحاكم من البر والتقوى العام فواجبٌ طاعته بأمر (وَتَعَاوَنُوا).
وهو يدل على الوجوب، وبأمر عام (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
ومن لم يطع في ذلك فهو متعاون على الإثم والعدوان، داع إلى الفتنة، وهو محرم.
ولا رابع لهذه الطرق سوى الهوى وحكم الجاهلية، ولا طاعة فيه (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الجاثية: 18).
ويقول تعالى (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ)(المائدة: 48).
(1) - ولأن القانون هو صياغة أحكام الشريعة بتفاصيل جزئية تَحْكُم في الوقائع على صورة مواد معينة في وقائع معينة وهو أشبه بالفقه المذهبي الفروعي، فإنه صياغة لأحكام الشريعة المتعلقة بالوقائع بصورة مختصرة جامعة، وهذا مباح.
أما شرط كون الجهة مؤهلة؛ فلأن القول بغير علم محرم قطعي، فوجب سؤال مؤهل في فقه الشريعة، ولا تقنن الشريعة إلا به، وإن وجد غيره من الخبراء كأدوات مساعدة، أما الحكم الشرعي وإخراجه في صورة محددة جامعة مانعة بشروط وقيود فلا بد له من العالم الفقيه بالشريعة.