الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهضة التصنيعية:
والنهضة التصنيعية في الأمة من فروض الكفاية، وهو فرض عين على الدولة، إذ لا يجوز تخلف المسلمين عن غيرهم من الأمم؛ لما في ذلك من الإذلال والامتهان والضعف المؤدي إلى إطماع عدوهم في ثرواتهم وأوطانهم، فواجبٌ العمل على قيام قوة تصنيعية ضرورية وحاجية، عسكرية ومدنية، بدءا بأهمها.
ولا بد من التدرج والبدء بالأوليات الضرورية والحاجية للمجتمع والدولة، وصولا إلى تحقيق عموم ذلك.
فالصناعات المتعلقة بالضرورات والحاجيات الغذائية والدوائية والتعليمية والعسكرية مقدمة على غيرها؛ لتعلقها بالضروريات والحاجيات المنزلة منزلتها.
ثم سائر وسائل التكنولوجيا ومتطلبات العصر والشرع أمر بالبدء بالضروريات والحاجيات؛ لأنها تتعلق بأخص الأمور الإنسانية التي تحفظ الإنسان وتقيمه وتدفع عنه الفساد والأضرار والتلف والحاجة والضيق والحرج.
وكذا ينبغي إنشاء مؤسسة وطنية اقتصادية تقوم بالتصنيع والإنتاج والاستثمارات والاستيراد والتصدير، وتمد كامل مرافق الدولة باحتياجاتها، وتحد من تعاملهم مع السوق التجاري؛ لأن ذلك يوفر الجودة وعدم الاستغلال للدولة والعبث بمشترياتها والمال العام، ويوفر ربحية بسعر منافس يورد لخزينة الدولة، وكل هذا من تمام النظر الشرعي في أموال المسلمين.
ويقوم بإدارة المؤسسة الخبراء الأمناء العدول الأكفاء، لا خائن ولا فاسق ولا سفيه، مع الرقابة والمحاسبة والمقاضاة والتضمين للإتلافات وخلع المفسدين.
ويجري هذا الأمر في كل ما ذكرناه.
البنية الصحية:
ومن مقاصد الشرع الكبرى حفظ النفس، ومن أظهر وسائلها الرعاية الصحية، فلابد من إقامة وتطوير وتأهيل البنية التحتية الطبية شاملة لبناء مستشفيات متخصصة وعامة في العواصم الكبرى داخل الدولة، ويليها شبكة المستوصفات والمراكز الطبية في سائر المدن
والمديريات التي توفر العلاج العام والإسعاف والطوارئ ودفع الأضرار المرضية والمتلفة، وإنقاذ الحالات الطارئة التي تحصل كثيرا في حوادث السير والبناء والقتال واعتداء الضواري والأفاعي والحرائق، وحالات الولادة المتعسرة، والحمِّيات الشديدة الخطر المتلفة للنفس أو المسببة للعجز، وحالات الأطفال ولقاحاتهم الهامة الدافعة للمتلفات عنهم.
ومن أهم الخدمات الطبية الضرورية الحاجية أن يعد لاستقبال الحالات المتعذرة والحرجة المستشفيات المركزية المتخصصة لذلك.
وهذا كله من خدمة مقصد عظيم للشريعة، وهو حفظ النفس وإحياؤها (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32).
وما سبق ذكره هو من المصالح الكبرى التي تأمر بها الشريعة وتطلبها، ومن القوة المأمور الإعداد لها، ومن الإحسان العام والشامل المأمور به (وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195) وهو من الإصلاح الشامل المقصود شرعا (إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)(هود: 88) وهو من العمل المأمور به والمسئول أمام الله ورسوله والمؤمنين (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة: 105)، (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) (هود: 61).
وهو من وسائل التمكين والاستخلاف الشرعي والإلهي المقصود في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور: 55).
وهو من وسائل دفع ما حذر الله منه من المفاسد (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)(الأعراف: 56)، (سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) (البقرة: 205)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41).