الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما من فرغ نفسه ووقته لذلك فأجرته جائزة بإجماع. وعليه استقرت المذاهب، والفتاوى، وهي كما يأخذ المجاهد والقضاة والحكام وقد قلت قديما نظما:
وأجرة للحج والمنافع
…
والعلم والقرآن أفتى الشافعي
ومالك وأحمد روايهْ
…
ومنع النعمان ذو الدرايهْ
وظيفة المعلم:
والمعلم موظف أجير مؤتمن أمانة كبيرة، ومقتضى العقد قائم على ذلك.
ولا يدرس إلا كفؤ مؤهل ذو خلق لا سيء ولا متهتك (1).
= المعلمين؟ قال: «درهمهم حرام» . وبحديث المغيرة ابن زياد عن عبادة بن نسى، عن الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن الصامت أنه قال:(علم رجل من أهل الصفة سورة من القرآن فأهدى إليه قوسا، فقال له رسول الله: إن سرك أن يطوقك الله طوقا من نار فاقبلها).
والمغيرة بن زياد ضعيف، وأبو جرهم غير معروف، وأبو المهزم مجمع على ضعفه، وحديث ابن مسعود ضعيف، ومحال أن تعارض هذه الأحاديث إذا تساوت طرقها في النقل والعدالة، وأما إذا كان بعضها ضعيفا فالصحيح منها يسقط الضعيف. وأما قول الطحاوي: إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضا فرض، فغلط؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض، فكيف تعليمه؟ وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد ما تقوم به الصلاة، وغير ذلك فضيلة ونافلة، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضا الصلاة ليس بفرض متعين عليهم، وإنما هو على الكفاية، ولا فرق بين الأجرة على الرقى وعلى تعليم القرآن؛ لأن ذلك كله منفعة. وقوله عليه السلام:«إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره، فسقط قولهم. وقد أجاز مالك أجر المؤذن، وكره أجر الإمام، وأجاز الشافعي جميع ذلك بحديث ابن عباس وأبي سعيد. قال المهلب: ومما يدل على جواز أخذ الأجرة على ذلك، أن الذين أخذوا الغنم تحرجوا من قسمتها وأكلها حتى سألوا رسول الله عن ذلك، فأعلمهم النبي أنها حلال لهم أخذ الأجر عليه، وأكد تأنيسهم، وطيب نفوسهم بأن قال «اضربوا لي معكم بسهم» . انتهى كلام ابن بطال وهو غاية في الجودة.
قلت: وقد أجمع العلماء على أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن وتدريس العلوم النافعة إن كانت من الدولة فلا خلاف في جوازها، وإنما خلاف الحنفية المذكور في الاستئجار على تعليم القرآن والحديث والفقه ونحوها من العلوم الشرعية، وهو قولهم القديم، وقد رجع متأخروهم عن هذا القول، فوافقوا الجمهور في الجواز، وما اخترناه من القول هو الأقرب في الجمع بين النصوص، والله أعلم.
انظر حاشية ابن عابدين 3/ 282، ومطالب أولي النهى 3/ 641، والمغني لابن قدامة 6/ 417.
(1)
- المؤهل يكون بشهادات أو إجازات أو خبرات استفاض معرفتها، والكفاءة تشمل القدرة، وهي تمثل القدرات =
فالكفاءة القدرة العملية، والمؤهل القدرة العلمية وحسن الخلق، وما بعده هو حسن السيرة والسلوك في العرف الوظيفي الآن، والحفاظ على الشعائر والقيم الدينية والمجتمعية.
ولا يجوز الغياب إلا بعذر لا تلاعب، ولا البدل إلا بمثله في الكفاءة ولضرورة وبإذن الجهة المسئولة.
ويجب الإحسان في التعليم لسائر المواد، والرفق مع الطالب، والنصح له، وبذل الوسع؛ لأن هذا مقتضى العقد، فهو من الإيفاء المأمور به (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1).
ويجوز الضرب المؤدب لا المتلف إن اقتضى الأمر ذلك. وقد قرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن ابن عباس طفلا (1).
ويجب على الدولة توفير وسائل التعليم المطلوبة لتحقيق المقصد منه من معامل وتطبيقات وتكنولوجيا، ويستعمل كل ما استحدث من الوسائل؛ لأن الشريعة قاصدة للإحسان (وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195).
= العلمية وهي بحسب العمل، ففي وظيفة المدرس قدرته على إلقاء الدرس أمام الطلاب وما يتعلق بذلك.
وهذه الخصلة من الكفاءة مطلوبة ضرورة إذ لا يمكن لمن لا يستطيع التدريس عمليا أن يوظف مدرسا ولو كان مؤهلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم «إنك ضعيف وإنها أمانة» ومعنى الضعف جار هنا.
وأما اشتراط الخلق فهو شرط يفسره ما بعده في قولنا «ولا متهتك» . وسيء الخلق هو الفاحش البذيء والمتهتك هو عديم الالتزام بالقيم دينا وعرفا.
ومن كان هذا حاله آذى الناس وضر، ولا بد من دفع ضرره وأذاه؛ لأن ذلك أمر شرعي ودفعه هنا اشتراط حسن الخلق والسلوك والحفاظ على الشعائر والقيم الدينية والمجتمعية، وهي ما تسمى عند الفقهاء «العدالة» .
(1)
- قولنا «وقد قرص رسول الله .. » الحديث متفق عليه (البخاري برقم 183، ومسلم برقم 1825) واللفظ له، عن ابن عباس أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين -وهى خالته- قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام فصلى. قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح.
ومن أتلف شيئا من أثاث وغيره بتفريط ضمنه.
ويحرم الغش بكافة صوره لعموم «من غش فليس منا» (1)، ومن أقبحه انتحال شخصية الغير، والاختبار عنه، والغشاش كذاب خائن، ومن أعطاه شهادة عالماً بحاله فهو شاهد زور (2) خائن للأمانة كذاب، وكذلك من سكت تواطؤاً أو عاون؛ لقوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة: 78 - 79).
فإن أخذ عليه مالا كثرت الذنوب، وهو رشوة (3)، ويجب خلع وفصل من يثبت تهاونه وتمريره وتعاونه على الغش من مدراء ومسئولين، وموجهين، أو مدرسين؛ لأنه ثبت فسقه بالخيانة، وهذه ولاية أمانة.
ويحقق مع المتورط قبل ذلك؛ لأن ذلك من تمام العدل والله يأمر بالعدل والإحسان (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)(النحل: 90)، فإن تعهد بعدم العود فهل يُقبل منه؛ لأن من تاب تاب الله عليه؟
(1) - قولنا: لعموم «من غش .. » ، الحديث في صحيح مسلم برقم 294، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا» . وفي رواية لمسلم «من غش فليس مني» .
(2)
- قولنا «فهو شاهد زور» وهي من أكبر الكبائر للحديث الذي أخرجه البخاري برقم 5976 ومسلم برقم 269، واللفظ له، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا- الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور» . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. ولقوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(الحج: 30).
(3)
- قولنا «وهو رشوة» لأنه دفع مال لآخر في باطل طلبا لموافقته عليه، وفي النص «لعن الله الراشي والمرتشي» ، وهذا الحديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود برقم 3582 بسند حسن عن عبدالله بن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. وإنما حسناه لأجل الحارث بن عبدالرحمن، وهو صدوق كما قال الحافظ وغيره. ورواه الترمذي برقم 1337، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه كذلك بسند حسن من حديث أبي هريرة، وإنما حسناه لأجل عمر بن أبي سلمة فإنه صدوق، ولأجل هذين الحديثين قال الترمذي: حسن صحيح، فجمع بين الوصفين وهما الحُسْن باعتبار السند وبين الصحة باعتبار الحديثين فيكون حسنا لذاته صحيحا لغيره كما هو معلوم في هذا الفن، وقد اكتفى الألباني بقوله: صحيح. وقول الترمذي أجمع.
هذا لا يجيء هنا؛ لأن المال العام لا يتصرف فيه إلا بالمصلحة وليس رد مثل هذا من المصلحة العامة.
ويمكن النظر في قبول تعهد بعض الحالات بحسب قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» .
وعلى الدولة تشجيع العلم وإكرام المعلم والمتعلم، وتشجيع المبدعين والمتفوقين، لأداء هذا إلى تحقيق المصالح العامة، وهي مطلوبة شرعا فكذلك وسائلها؛ لأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد (1).
ويجب حضور طاقم التدريس كاملا من مدراء ومدرسين في أول دقيقة للدوام إلى آخر دقيقة؛ لأن هذا مقتضى العقد معهم.
ويعفى عن نحو خمس دقائق لجريان العرف الوظيفي على التسامح فيها بلا تكرار كثير خارج عن الحد المتسامح فيه، وإلا حرم وحوسب؛ لأن تكرارها لمن معه ست حصص يومية مثلا، ينتج عنه غياب نصف ساعة في اليوم، وفي ستة أيام ثلاث ساعات، وفي شهر اثنتي عشرة ساعة، أي: ما يعادل ست عشرة حصة شهريا.
ويجب على الدولة إصلاح المناهج على أربعة مستويات:
1.
المناهج الشرعية العامة التي تحافظ على الدين والعقيدة واللغة والهوية الإسلامية وتعلم هذا القدر فرض؛ لأن حفظ الدين وما يتعلق به هو أول المقاصد الكبرى للشرع.
2.
المناهج العلمية التكنولوجية التي تنهض بالأمة.
3.
المناهج التطبيقية والبحثية.
4.
المناهج الفكرية والمجتمعية والأدبية والسياسية والاقتصادية؛ لأن هذه المستويات تحقق الإحسان الكلي المأمور به (وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: 195)، ولأن هذه من القوة وهي مطلوب شرعي (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
(1) - قولنا «الوسائل تأخذ أحكام المقاصد» : هذه قاعدة شرعية مشهورة ذكرها الفقهاء بعبارات مختلفة، انظر: الفروق للقرافي (1/ 302)، ومع كونها تأخذ أحكام المقاصد إلا أنها أخفض رتبة منها بالإجماع. نقله القرافي في الفروق (1/ 202) ط/ دار الكتب العلمية.
وقد قرر ابن عبدالسلام هذه القاعدة وشرحها في كتاب «قواعد الأحكام» صـ 46 - ط/ دار المعارف -لبنان.