الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوزيع العادل للمال العام ومراعاة الشرائح الضعيفة:
وما يوزع من المال العام بين الناس، يجب أن يكون بالعدل، فيعطى بحسب الحاجة، وإذا تساوت الحاجة أو تقاربت تساوى العطاء، وإن تباينت تباين العطاء بحسب ذلك.
ويُقَدَّم الفقير والمسكين المتربة ممن لا مصدر له للدخل، لا بعمل يشتغل به؛ نظرا لانعدام الأعمال ووفور البطالة، أو لعجز في بدنه، ولا بكافل يكفله وينفق عليه.
ودليله أن الفقر والمسكنة جعلهما الله عمدة في علل الإنفاق.
ويقدم من هؤلاء صاحب العيال، وكذا الضعفة من النساء والمسنين والمعاقين واليتامى والأطفال، وكذا الضعفة من الرجال في بدن أو عقل أو عيٍّ.
ودليل ذلك: أن الله خص في يوم المسغبة والمجاعة مسكينا ذا متربة، مراعاة لشدة حاجته.
وقرنه باليتيم؛ لأنه مثله غالبا؛ لعدم الكافل.
فهذه المراعاة تدل على اعتبار شدة الحاجة علة في التقديم.
ويُغاث المتضررون جراء الكوارث أو الحروب من النازحين والماكثين، ويقدم الأشد تضررا في إسعافه وإغاثته، ثم الذي يليه، ثم هكذا حتى تعم سائر أهل الضرر؛ لأن دفع الضرر واجب، والأشد أوجب.
ويراعى في التوظيف مع المؤهل جانب الحاجة؛ لأنها علة مرعية في الإحسان، والعطايا، وفرض الصدقات.
فالإحسان كقوله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)(النساء: 36) فراعى أصحاب الحاجات من اليتامى والمساكين.
وفي العطايا قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)(البقرة: 215).
وكذا في الفيء والغنائم وفرض الصدقات.
والوظيفة العامة إحدى علتيها: سد الحاجة للموظف وهو من أعظم الإحسان، والأخرى طلب الكفاءة للإحسان في المصلحة العامة.
دعم مهن أصحاب الدخل المحدود والشرائح الفقيرة من المال العام، ومنع كبار الملاك:
ويشرع الدعم من المال العام لمهن الشرائح الفقيرة ومصادر دخلهم فلا يعاملون معاملة أصحاب رؤوس الأموال.
وقد جاء في البخاري عن عمَر سنُّ ذلك، واتباع الراشدين خاصة في سننهم العامة التي تتعلق بها المصالح أمر شرعي، وهذه مصلحة عامة مستمرة تعتبر من أصول السياسات الإصلاحية في توزيع الثروة، ومكافحة الفقر، ودعم مصادر الدخل للشرائح المحتاجة.
فقد جعل عمر منطقة حصرية لنمو أنعام الأسر الفقيرة، ومنع رؤوس الأموال من ذلك، ونص عليهم بأسمائهم.
فقال عمر لهني كمسئول عن ذلك: «يا هني أدْخِل ربَّ الصُريمة وربَّ الغُنيمة، وإياي: ونعم ابن عوف وابن عفان، فإنهما لو هلكت ماشيتهما، رجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة لو هلكت ماشيته جاء بأهله على بابي: يقول: أي عمر أطعم بنيَّ. أفتاركهم أنا لا أبا لك! ! فإن الماء والكلأ أهون علي من الذهب والورق» (1).
ورب الصُريمة: أي صاحب القطعة القليلة من الماشية.
ورب الغُنيمة: أي صاحب الغنم القليلة.
وفي هذا القانون من مسائل الفقه السياسي الاقتصادي أصول وقواعد، فمنها:
- اهتمام الحاكم بالأوضاع المعيشية في الشعب وتمام معرفتها؛ لأنها وسيلة إلى معالجتها التي هي جزء كبير من مسئوليات الحاكم.
- ومنها: دعم الدولة للمشاريع الإنتاجية ومصادر الدخل للشرائح الفقيرة كما دعم عمر مصادر الدخل المعيشي لتلك الشريحة المحتاجة والمتمثلة في الماشية، فخصص لها من أرض الدولة الخصبة مكانا للنمو، مع إصدار أوامر صريحة بأرباب الأموال لمنعهم من ذلك.
وعلل ذلك بوجود بدائل تغنيهم، بخلاف الشرائح الفقيرة وهم كثير.
(1) - تقدم تخريجه.