الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السياسات الخاطئة للدولة
المقصود هنا هو ذكر أهم وأبرز السياسات الخاطئة التي قد تقع الدولة في ممارستها، ثم نذكر أهم وأبرز السياسات الراشدة التي يلزم على الدولة القيام بها، فلنبدأ في ذكر أهم السياسات الخاطئة، فنقول:
1 - السياسة بالظلم:
وهي شاملة للظلم الديني، والسياسي، والمالي، والقضائي، والمجتمعي، والإنساني.
وهي أحد أعظم السياسات الخاطئة المحرمة، وعلة من العلل الشرعية المنصوصة لنزول العقوبات الربانية (كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 29)، (بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ) (الأعراف: 162).
وهذا التعليل كثير في كتاب الله تعالى.
وما كثر التنبيه عليه في القرآن سواء كان في باب الحلال أو الحرام، فهو دليل على عظيم الاعتناء به إن كان فريضة، وعلى عظيم التحذير منه إن كان محرما.
والظلم من الظلمات، وأعظمه ما تعلق بأصول المقاصد الستة للشريعة: حفظ الدين والنفس والعرض والمال والعقل والجماعة.
والظلم في باب الإيمان والعقائد معناه الشرك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان: 13).
فالشرك بالله أعظم الظلم وأكبر الجرائم في حق الله وخط أحمر يعد من تجاوزه مرتكبا لأكبر الجرائم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)(النساء: 48).
وحرم تولية مشرك ولاية عامة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء)(الممتحنة: 1)، والولاية أعظم وأكبر من مجرد الموالاة.
ولقوله تعالى (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(النساء: 141)، والولاية أعظم سبيل.
ولقوله تعالى (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(النساء: 59).
والكافر ليس من أهل الإيمان، وإن تولى ثم ارتد فخلعه بالقوة فرض لحديث «ألا نقاتله؟ قال: إلا أن تروا كفرا بواحا» (1)، أي فخلعه واجب بالقتال.
فمن أعلن الشرك من الولاة، أو الكفر المبرهن عليه من القرآن والسنن، فخلعه فريضة ولو بالقتال.
وتصنف جريمةً سياديةً ودستوريةً عظمى.
ويدخل في الظلم الديني منع مساجد الله أن يذكر فيها اسم الله، كمنع رفع الأذان، أو إقامة الجماعة، أو منع الصلاة في الكليات العسكرية، أو غيرها من مرافق الدولة، أو فصل المصلين من أعمالهم عقوبة لهم على فعل الصلاة، أو سجنهم لأجل حضورهم الصلاة فجرا أو عشاء أو ظهرا أو عصرا أو مغربا لسبب الصلاة.
أو منع إقامة الصلاة في المدارس والمرافق الحكومية إذا حان وقتها حال الدوام نهارا أو ليلا، وعاقب على ذلك، أو أصدر أمراً يمنع تعليم الصلاة في المناهج الدراسية، أو حارب المساجد وسعى في خرابها فحاصر تمويلها وضيق على بنائها.
أو منع العلماء المؤهلين المعتبرين من تدريس العلوم الشرعية المعتبرة فيها، أو الإفتاء وإفادة الناس من غير فتنة، فهذه الأنواع من أكبر السياسات الخاطئة وأعظم أنواع الظلم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَاّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة: 114).
وهذه السياسة تبطل الولاية؛ لأن الله قضى عليه بالخزي في الدنيا، والولاية والخزي لا يجتمعان؛ فوجب خلعه وإخزاؤه ومحاكمته؛ لأن النص الصحيح الصريح في منع الصلاة ومنع المساجد دل على ذلك «قالوا: ألا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» (2).
ويدخل في الكفر البواح الموجب للخلع والعزل ولو بالسيف ما قاله النووي رحمه الله من أن المقصود هو هدم الأركان والمعالم الكبرى للدين (3).
(1) - تقدم تخريجه.
(2)
- تقدم تخريجه.
(3)
- قال النووي في شرحه لمسلم (6/ 314): «إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام» .
وقوله صحيح؛ لأن الله يقول (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: 44) وفسرها ابن عباس بكفر دون كفر (1)، وهو يؤيد تفسير النووي، فهي من الكفر البواح على هذا، ولأن البرهان على الكفر إنما يكون بالنص، وهذا منصوص عليه، فكل حاكم لم يحكم بما أنزل الله وغلب عليه ذلك فواجب خلعه ولو بالسيف.
وقلنا وغلب عليه؛ لأن الغالب معتبر بلا خلاف في الشرع؛ ولأن القلة يعسر ضبطها، ويمكن علاجها بخلاف الغالب.
ولو شرع قوانين على خلاف صريح أصول الشريعة، فهو -كذلك- واجب خلعه ولو بالقوة بالشروط المعتبرة إن لم يتراجع عن ذلك.
ويقبل منه تراجعه وتعد توبة له؛ لأنه قد يكون ذلك جهلا.
وإفراد الله بالحاكمية من القواطع ثبوتا ودلالة (إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ)(يوسف: 40). وهو جزء من العبادة والإيمان (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(النساء: 65).
ولأن من اختص بالخلق اختص بالأمر (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)(الأعراف: 54).
ويكفر أو يفسق أو يظلم من حكم بغير ما أنزل الله بالنص (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: 44)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة: 45)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة: 47).
وغير حكم الله تحت أي مسمى بقانون أو غير قانون هي أهواء (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)(المائدة: 49)، فحَرُمَ إدخال بعضٍ مما يناقض الشرع.
وكل ما ناقض حكم الشريعة فهو جاهلية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(المائدة: 50).
(1) - انظر تفسير ابن كثير والطبري عند تفسير قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: 44)، وسيأتي.
وجعل المعرض عن حكم الله ورسوله في الكتاب والسنة متحاكما إلى الطاغوت زاعماً للإيمان لا مؤمناً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا)(النساء: 60).
ولهذه الأدلة القطعية ثبوتا ودلالة، ففرضٌ أن ينص في عقد الدستور على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، وأنها مصدر جميع القوانين، ولا يجوز جعل الشريعة أحد مصادر التشريع أو المصدر الرئيس؛ لأن الله جعل الشريعة تامة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3).
فإدخال شيء معها مع كونه منصوصا على حكمه في الشرع بالنص أو القاعدة لا بد أن يكون مناقضا لذلك النص؛ وإلا فهو عبث.
والردة عن دين الإسلام إذا أذن فيها الحاكم فقد أذن بأكبر الجرائم عند الله تحريما بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، وهو: الكفر بالله ورسله وكتبه، سواء كان كفرا بالرسالات، أو بعضها لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء: 150 - 151).
وهذا من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، وفرض -عندئذ- خلع الحاكم بالشروط المعتبرة؛ لأن هذه من الجرائم السيادية والدستورية الكبرى لدولة الإسلام التي لا تجوز باسم الحرية وغيرها كالخيانة العظمى والجرائم السيادية.
ومباشرة خلعه خاضعة لشروط التكليف في تغيير المنكر.
ولأن شرط العقد الدستوري في الولاية قوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج: 41).
وردة الحاكم، أو إذنه بالردة نقض لهذا الشرط، ونقض الشرط المعتبر في العقد يبطل العقد، ولأنه يحرم قبول ردة مرتد عن الإسلام بعموم النص (فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) أي: لن يقبل منه لا رسميا ولا شعبيا ولا اجتماعيا، لأن حذف المتعلقات يدل على العموم (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ