الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤسسات الدولة
ولا بد أن يكون للدولة مؤسسات تقوم بواجب التكليف ويدور ذلك على تمام (1) حفظ المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية بدءا بالمقاصد الستة «الدين والنفس والعقل والمال والعرض والجماعة» .
وما لا يتحصل تمام حفظ المقاصد إلا به من المؤسسات، فإنه واجب استقلالي أو استكمالي.
فلا بد من وجود
المؤسسة الأمنية والعسكرية
، والمؤسسة المالية والاقتصادية، والمؤسسة الخدمية، والمؤسسة التعليمية والتربوية، ومؤسسة الأمن الغذائي، والمؤسسة القضائية، والمؤسسة التقنينية، والمؤسسة الدينية، ومؤسسة النهضة الشاملة (2)، ومؤسسة التقويم والرقابة والمحاسبة.
ولا نقصد الأسماء بل المعاني.
فهذه عشر مؤسسات، وتندرج تحتها سائر وزارات وإدارات الدولة. ويتعلق بكلٍّ أحكامٌ وأصول عامة وفروع تفصيلية.
ولا نقصد هنا ذكرها إلا على الوجه الكلي؛ لأن تفاصيلها إجرائية إلا ما اقتضى الحال من المهمات.
المؤسسة الأمنية والعسكرية:
وقد فصلنا هذا أصولا وفروعا في موضع مستقل من الكتاب (3)، ونزيد هنا ما يخص الأمن، فواجب إقامة هذه المؤسسة؛ لأنها وسيلة لتحقيق تكليفين عظيمين في الشرع هما: الأمن والاستقرار في الداخل، والحماية والدفع خارجيا.
(1) - لأن مقصد الشريعة ليس مجرد الحفظ، بل كماله وتمامه، وهو من الإحسان المأمور به، وللشاطبي تقرير لهذا يراجع في بداية جزء المقاصد من الموافقات.
(2)
- مؤسسة النهضة الشاملة: هي مؤسسة مفترضة تقوم بالمهمات التسع للنهضة الشاملة وتشرف على أعمالها، وقد ذكرنا هذه السياسات التسع في السياسات الراشدة للدولة.
(3)
- انظر «فقه المؤسسة العسكرية» .
فالأول واجب المؤسسة الأمنية، والثاني واجب المؤسسة العسكرية.
ويمثل مؤسسة الأمن عادة وزارة الداخلية بسائر فروعها من الأمن العام والخاص والشرطة والنجدة والمرور وغيرها.
وفرض أن تتبع سائر أجهزة الأمن قيادة قانونية؛ لأن مقصود العقد في تأسيسها قائم على هذا، وهو مقتضى المصلحة.
والإيفاء بالعقود واجب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة: 1).
ولا يجوز لأي جهة، أو مسئول ولو كان رئيس الدولة أن ينشئ أجهزة أمنية قمعية لا تخضع للأنظمة والقوانين؛ لأداء ذلك إلى نشوء نظام بوليسي حاكم للشعب بسلطان القمع لا بسلطان العقد.
وما غلب أداؤه إلى مفاسد كبيرة عامة في واقع الحال والمآل حرم.
وهذا التعليل يؤدي إلى القول بحرمته شرعا؛ لأن الهدف من إنشاء هذه الأجهزة الأمنية القمعية التابعة لغير الجهة الرسمية في عقد الدستور هو حماية استبداد فئة، وتعميق القمع والإذلال للشعب من غير رجوع إلى نصوص العقد الدستوري الذي انبثق عن الشعب وتقره الشريعة وانبثقت منه القوانين.
والعمل في هذه الأجهزة وحالها ذلك محرم شرعا؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ)(المائدة: 2).
والقول إن وظيفة مثل هذه الأجهزة وكذا التوظف فيها هو من البر والتقوى مكابرة أو جهل بالحقيقة.
وما يقبضون فيها من رواتب ومكافآت هي من السحت (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)(المائدة: 42).
وسمَّاع وأكَّال صيغة مبالغة تدل على الكثرة.
وهذا عين علة كما هو معروف في الأصول، وهو من أقوى أنواع التعليل، وقد يكون جنس علة وهو معتبر في التعليل بكثرة وقوة، والعلتان متحققتان في هذه المرافق الخارجة عن
القوانين والأنظمة بكثرة جدا تطابق صيغة المبالغة.
فالتقارير الكاذبة، والوشايات، والبلاغات، وكيل التهم للأفراد، والجماعات التي تقول كلمة الحق المعارض لأهواء وشهوات حاكم بالغة حد الكثرة التي ينتج منها كثرة السجون الخارجة عن الشريعة والمساجين بلا جريرة ولا قضاء ولا قانون.
وقد جاء في النص «من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله مثلها في جهنم، ومن لبس بمسلم لبسة ألبسه الله مثلها في جهنم» (1).
وهذه المظالم، والأضرار، والمفاسد واجب دفعها ومنعها، ولا يتم ذلك إلا بإلغائها، فإن قيل يمكن تحويلها ضمن مؤسسات خاضعة للنظام والقانون، فالجواب لا يكون ذلك؛ لأن أصل عملها جاسوسي وهو محرم، ولا يوافق أصل الشريعة ولا المؤسسات الدستورية ولا القانونية، مع كفاية الأجهزة الرسمية القانونية في حفظ الأمن والاستقرار.
ويمكن القول إن تحقق دمجها بالأجهزة القانونية وعملت وفق الشرع والقانون جاز.
وأقسام الأمن في المديريات واجب عليها حماية المواطن على وجه العموم.
ويحرم استغلالها لخدمة أغراض أي جهة خاصة حزبية، أو مناطقية بما يؤدي إلى ابتزاز مواطن، أو إرهابه، أو الانتقام منه؛ لأنها حينئذ خلاف المصلحة العامة.
ومن ثبت عنه ذلك من مدراء الأمن والأقسام حقق معه، واتخذ معه ما يلزم من تأديب قانوني، فإن عاد وجب عزله؛ لأنه متخذ لولاية المسلمين العامة على خلاف مقاصدها الشرعية؛ ولأن عزله دفع لمفاسد ومظالم عن العامة، ودفع الضرر واجب.
(1) - حديث «من أكل بمسلم .. » أخرجه الإمام الطبراني في الأوسط برقم 2641 عن المستورد بن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله مثلها من نار جهنم» . وسنده حسن صحيح. وهو في الكبير برقم 17119. وأخرجه الخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم 222. وصححه الحاكم في المستدرك برقم 7166. وقال الذهبي صحيح. ولفظه عند الحاكم «من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة ومن أقام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام سمعة ورياء ومن أكتسى بمسلم ثوبا كساه الله ثوبا من النار يوم القيامة» . وهو في الأدب المفرد برقم 240 وصححه الألباني هناك مع أن بقية فيه لكن التصحيح إنما هو لهذه الطرق. وهو في مصنف عبدالرزاق بسند صحيح إلى الحسن برقم 21000. ووقاص ابن ربيعة الراوي له عن المستورد، قال الحافظ: مقبول. مخالفا للذهبي حيث قال: ثقة. وقول الذهبي مقدم.
وإذا وصلت خصومة إلى أقسام الأمن أو أي جهة أمنية فلا مانع من معالجتها صلحا بلا أخذ أجرة.
فإن لم تستطع رفعت بتحقيقاتها إلى القضاء؛ لأنه منتهى الفصل بين الخصومات شرعا وقانونا.
ولا يجوز للأقسام والجهات الأمنية السجن خلافا للقوانين قمعا أو إرهابا أو ابتغاء أكل أموال الناس بالباطل أو لخدمة فئة حزبية.
وفاعل ذلك مرتكب لكبيرة من الكبائر العظيمة، ويجب على الدولة تأديبه، ورد ما أخذ من مال إن كان أخذ والتعويض بما يناسب الحال بالعدل.
ويحرم على من أرسل لجهة في مهمة رسمية فردا، أو طقما عسكريا، أن يأخذ على المواطنين المعنيين بالإرسال مالاً تحت مسمى «تعيون» (1) أو أجرة، بل أجرته ونثرياته يجب أن تعتمد من الدولة بما يكفيه حال أداء المهمة؛ لأنه ضمن عقده.
وإن أُرسلوا إلى جهة لا مطعم فيها ولا مشرب ولو بمال، فعلى الدولة توفير ذلك لهم، فإن لم تفعل وجب ضيافتهم على أهل المحل؛ لحديث «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم» (2). ولحديث «فليكرم ضيفه» (3).
وإن كان الطلب قانونيا لا نكايةً من نافذٍ ظالم، فإنه يجب عليه التجاوب فضا للنزاع وطاعة للدولة شرعا؛ لعموم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء: 59).
(1) - «تعيون» كلمة شائعة محلية في اليمن تطلق على أجرة عسكري أرسل لمواطن لإبلاغه وإيصاله لإجابة غريمه ونحوه.
(2)
- أخرجه البخاري في الصحيح برقم 6137، ومسلم برقم 4613 من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.
(3)
- حديث «فليكرم ضيفه» أخرجه البخاري برقم 6138 ومسلم برقم 182، واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت» .
إلا إن تحقق الشخصُ ظلما عليه إن أجاب كضرب ونهب مال، فإنه يلجأ إلى القضاء.
فإن لم تكن دولة مؤسسات ونظام، وجب على أهل الحي نصرته، ويجب كذلك على قادر فردا كان أو جماعة أو منظمة؛ لأن نصرة المظلوم واجبة، فإن تركوه دخلوا في اللعن والإثم المنصوص.
ووزير الداخلية ومسئولو الأمن يشترط في تعيينهم العدالة، والكفاءة، والديانة، والحفاظ على شعائر الدين.
ولا يجوز لقاطع الصلاة وشعائر الدين أن يعين في ذلك؛ لأنه فاسق يستحق التأديب؛ والولايات العامة أمانات لا تسلم إلا إلى أهلها، وليس هذا منهم.
وما يعطى للجهات الأمنية من عُهَدٍ صغرت أو كبرت، من أطقم وسلاح، وكل اللوازم، هي أمانات من خانها فهو غال (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (آل عمران: 161).
والغلول هو: اختلاس المال العام، والتصرف فيه في غير ما وضع له وهو من الكبائر.
ولا يجوز أثناء التحقيق ضرب، ولا شتم، ولا تهديد بعرض ولا مال ولا ولد، ولا غيره ممن يخاف عليه المتهم، ولا تعذيبه؛ فإن ذلك من المظالم التي جاءت الشريعة بمنعها.
وعموما بقوله تعالى (وَلَا تَعْتَدُوا)، ولحديث «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» (1).
والأصل: أنه لا يجوز السجن إلا بحكم قضائي إن اقتضى الأمر؛ لأن السجن ضرر وليس بإحسان، لقوله تعالى (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) (يوسف: 100)، والضرر مدفوع.
ولا يجوز السجن في مكان غير صحي ولا غير طاهر، ولا السجن التعسفي، ولا خارج القانون؛ لأنه مخالف لحقوق الإنسان وكرامته التي كفلتها الشريعة.
أما المرأة فالأصل أنه لا يجوز سجنها البتة؛ لأنها أصل العرض، وحفظ العرض مقصد من أكبر المقاصد وسجنها مناف للحفظ، وإن اقتضى الأمر الضروري جداً فإنها لا تسجن إلا
(1) - تقدم تخريجه.
بحكم قضائي في سجن خاص خالص بالنساء تحفظ فيه الأعراض.
والصبي لا يجوز سجنه، لا بحكم قاض ولا غيره؛ لأن سجنه تضييع له غالبا وهو خلاف الأمر (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220)، ولأن حفظه من حفظ النسل والنفس، وليس السجن حفظا بل يعارض الحفظ.
وعليه فالصبي إن جنى يُضَمَّن الإتلافات على عاقلته (1)، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الدولة، وتدفعه حينئذ إلى كافل عدل مسلم لتربيته وتأديبه، ويعطى عوض ذلك؛ لأنه إصلاح له (قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) (البقرة: 220).
وإذا وصلت قضية فيها حد إلى جهات الأمن، فإن كانت من حدود الأعراض من زنى وقذف ونحوها، فإنه ينبغي معالجتها في القسم بصلح أو نحوه إن أمكن؛ لأن ذلك أحفظ وأستر للأعراض، وهو أصل الشريعة ولذلك تدرأ الحدود بالشبهات، وفي النص «ألا تركوه» (2)، أي لما فر حال إقامة الحد عليه، ويترك في الحدود كلها إلا في القصاص والقذف، أو ما تعلق بحق آدمي.
ولأنها إن وصلت القضاء وجب فيها حكم شرعي حدا.
فإن كانت من جرائم الأموال كسرقة فللجهة الأمنية الصلح برد المال والإلزام بذلك دفعا لرفعها إلى القضاء (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)(النساء: 128).
فإن وصلت قُطِعَ بشروطه، ولا يصلح التنازل في حد السرقة إلا إن كذَّب المدعي نفسه وشهوده، أو تراجع عن الإقرار، فيدفع الحد بالشبهة (3).
وكذلك يجوز الإصلاح في جرائم الدماء من قتل وجرح، فإن تعذر وجب رفعه إلى القضاء للنظر.
(1) - انظر المغني لابن قدامة (7/ 673).
(2)
- أصل الحديث في الصحيحين من حديث ماعز ورواية «ألا تركتموه» أخرجها أبو داود برقم 4422.
(3)
- وعندي في جواز إسقاط القطع بالتنازل من صاحب الحق تردد، قياسا على التنازل في القصاص بالنفس، وهي أعظم من مجرد عضو، والتردد ناتج عن النص في الحديث بمنع التنازل إن رفع الأمر إلى القضاء، فإن لم يوجد له تأويل قوي يجمع المسألة بقينا على الأصل في القطع.
وفرض على الجهات الأمنية منع الفساد في الأرض بأنواعه، وردع العصابات ونصرة المظلوم، ومنع أوكار الدعارة والجريمة وفنادق السوء ومراقص المجون ووسائل هدم الأخلاق من منشورة ومقروءة وشبكات النت الماجنة ومحلات ساقطة؛ لأن هذا من الفساد في الأرض (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) (البقرة: 205).
ويطلب شرعا وضع خطة أمنية عامة شاملة في داخل المدن وخارجها، وعلى خطوط السير، وفي المديريات.
ويجوز تنظيم حمل السلاح على المواطنين؛ لورود النهي عن حمل السلاح في أماكن معينة وأزمنة معينة، كالنهي عن حمله يوم العيد، أو الحج، أو في السوق العام، أو المساجد، وكلها وردت بها نصوص تنظم حمله زمانا ومكانا وكيفية حمله في المجامع، وهذا أصل لتنظيم حمل السلاح (1).
وإذا نظم بقانون وجب الالتزام به في أماكن حظر حمل السلاح، وللدولة ضبط مخالف، ولها القيام بحملات تفتيش على منافذ المدن، أو في بعض أماكن السير العام في حال صدور قانون ينظم حمل السلاح في تلك الأماكن وينظم حملاتها الأمنية، ولا يجوز اتخاذ حملات التفتيش وسيلة للنهب والاختلاس مالاً أو سلاحا.
وتوريد سلاح إلى مكان أمين، لا يكون إلا لأجل أخذ تعهد على صاحبه بالالتزام لا لنزع ملكيته ولو للدولة، فإن هذا من الباطل والفساد (2).
(1) - قولنا «وهذا أصل لتنظيم حمل السلاح» فيه أحاديث منها حديث في البخاري برقم 451 عن جابر بن عبدالله مر رجل في المسجد ومعه سهام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمسك بنصالها» . ومنها أيضا في البخاري برقم 452 عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من مر في شيء من مساجدنا، أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر بكفه مسلما» . وورد النهي عن حمل السلاح يوم العيد لما أخرجه البخاري برقم 966 بلفظ (عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها، وذلك بمنى. فبلغ الحجاج، فجعل يعوده. فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك. فقال ابن عمر: أنت أصبتني. قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم.).
(2)
- وهذا الحكم لا يعم، فلكل دولة وشعب خصوصية، فتتخذ الدولة بالتشاور مع أهل الشورى ما يناسب المصلحة العامة للشعب في ذلك.
ولا يجوز لهم فتحه، ولا تغيير أدواته الداخلية بأخرى، أو حمله لضابط أو فرد لاستعماله أو إعارته؛ فكل هذا من الحرام؛ لأنه موضوع على الأمانة لا العارية ولا التمليك، ومال المسلم حرام.
ولا يجوز تمرير مخدرات، أو خمر، أو محرم، فإن كان برشوة عظم الإثم.
ولا يجوز للجندي في النقاط طاعة آمره بتمرير محرم شرعا، أو ممنوع قانونا مما لا يحق التغاضي عنه، ولو بأمر قائد النقطة.
ولا يجوز للبلدية ولا الضرائب ولا الواجبات النزول برجال أمن لاختطاف الناس إلى السجن للدفع، بل الصحيح هو الذي يقتضيه النظام العام الخادم للمصالح العامة، وذلك باتخاذ آلية صحيحة لا ضرر فيها ولا ضرار.
فهذا هو العمل المشروع مصلحيا بخلاف الترويع والإرهاب والخطف والسجن، فكل هذا مفاسد ومظالم وآثام وأكل لأموال الناس بالباطل.
ويجب على الناس إن نزل من هؤلاء المفسدين لاختطاف أو تهديد أحد من الباعة وغيرهم ظلما وعدوانا مناصرته والوقوف معه، ومقاضاة هؤلاء الظلمة؛ لمخالفتهم العدل، ولتعاونهم على الإثم والبغي والعدوان، وخروجهم عن طائلة المصلحة العامة إلى الارتزاق الآثم.
والمواكب الرسمية وما يرافقها من مواكب أمن وحماية تكون بقدر الضرورة الأمنية، فإن خرجت عن الضرورة كانت من مظاهر العلو في الأرض (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ) (القصص: 4)، (وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا) (لقمان: 18)، (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83).
فلا تقنن هذه المواكب إلا بقدر الضرورة لشخصيات معينة وبقدر معين؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها.
ولا بد حال تحركها ألا يترتب عليها ضرر بنفس أو مال، وإلا وجب الضمان؛ لأن المشي في الطريق مشروط بسلامة العاقبة بلا تخويف ولا إرعاب للناس ولا سرعة زائدة، فإن هذا من البطر والمرح في الأرض (وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا).