الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنزل الله الشريعة، فأمر بما يخدم المصالح ويدفع المفاسد، وكل هذا يدور على أمهات الإصلاح العام والخاص للإنسان والأرض والدولة والمجتمع والأسرة.
وساقه بقواعد وأصول معيارها العدل والمصلحة ودرء المفسدة، والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وأقر العادات الجارية الصحيحة.
وكل ما يتعلق بصلاح البشرية شمله الإسلام، الدين الحق الخاتم.
وأرسل الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فمن الناس من آمن، ومنهم من كذب، ومنهم من كذب فآمن ظاهرا وكفر باطنا وهم المنافقون، ولكل أحكام وأوصاف.
السكن:
لكل إنسان حق في السكن:
أ- بالتملك.
ب- أو الاستئجار.
ج- أو التبرع.
ولو موقوفا كمسكن لابن السبيل، أو كمسجد لمضطر؛ لأن أهل الصفة اتخذوا مسجده صلى الله عليه وسلم مقرا مؤقتا (1) لهم؛ لفقرهم؛ وعدم استطاعة بيت المال توفير سكن لهم.
ولا يجوز ترك أسرة أو فرد من غير إيواء في سكن؛ لأدائه إلى ضرر في نفسه، وماله، وعبادته، وعرضه، ومن يشق عليه ممن معه من أسرته كولد أو والدين أو زوجة أو قريب.
ودفع الضرر عنه واجب، والوجوب يكون عليه أولا بدفع ذلك الضرر عن نفسه وأهله بتملك مسكن، أو استئجار، أو الحصول عليه بتبرع؛ فإن عجز ففرضُ عين على الدولة أن تؤويه وأسرته، وهو فرض كفاية على المجتمع، ويأثمون جميعا بتركه.
(1) - قولنا «مقرا مؤقتا» من أدلته ما أخرجه البخاري برقم 440 من حديث ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. ولحديث أبي هريرة في البخاري برقم 442 قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
ويجب عيناً على مسلم قادر له فضل سكن، واطلع على وضع أسرة بلا سكن أن يؤويها إن لم يقم به غيره، ويكون الإيواء مدة مؤقتة لدفع ضرر الاضطرار؛ لأن الدوام ضرر بالمتبرع إلا إن رضي أو استمر الاضطرار ممن آواهم واستمرت قدرته على إيوائهم؛ ولأن هذا هو ابن سبيل، وابن السبيل مؤقت لا دائم.
وسواء كان هذا الفرد أو الأسرة موافقا في الدين أم مخالفا؛ لأن دفع الضرر الواقع والمتوقع عن الأنفس والأعراض والأموال واجب مطلق لا يُقَدَّرُ بمن يوافق في الدين، وذلك لعموم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90)، ولقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8). فهذه إباحة، والأُوْلَى أمرُ.
ولعموم الأمر في (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(النساء: 36).
فلم يخصص مسلما عن غيره.
ووصْفُ ابن السبيل يشمل من لم يجد مأوى، كان فردا أو أسرة؛ لأن السبيل هو الطريق: وهذا مثله.
فوجب بنص الآية الإحسان إلى ابن السبيل، ولا إحسان مع تركه في الشارع مع ولده وأسرته أو حتى منفردا، بل هو من الإساءة والمخالفة لنص الأمر بالإحسان.
وفي هذا الباب شرعت العمرى والرقبى وهو: أن يهب رقبة البيت لآخر ولأسرته مدة عمره، أو مدة معينة عارية، وقد شرعها الله وبين أحكامها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (1).
وهل هو تمليك؟ خلاف.
والذي يظهر من خصوص هذا الدليل، وعموم محاسن الشريعة، وأدلتها في الإحسان والإنفاق أن يقال: إن نَصَّ على الملك فهي هبة؛ لأنه تمليك بلا عوض أو معاوضة، وعليها يحمل نص الرقبى والعمرى، وإن نص على الإذن في السكن؛ فلا تمليك، وله قبض السكن
(1) - قولنا «أن يهب رقبة البيت .. » فيه حديث في صحيح مسلم برقم 4276 عن جابر بن عبدالله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه» .