الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السياسات الراشدة للدولة
1 - سياسة حفظ الضرورات الست الكبرى والحاجيات والترفيهيات:
أما الضروريات الست فهي:
حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال وحفظ الجماعة العامة.
ويجب اتخاذ كافة الوسائل لحفظها، وهو واجب على الدولة، وعلى رأسها الحاكم رئيسا أو ملكا أو أميرا.
فحفظ الدين بإقامة شعائره وتعليمه ونشره والدفاع عنه، وإقامة الأصول الكبرى، وهي أركان الإسلام والإيمان، وإزالة الكبائر ومظاهر الفساد والفواحش وبناء المؤسسات الدينية الجامعة التي تجمع الأمة وكلمتها.
وتقيم الوسطية والاعتدال، وتدفع الغلو في الدين والتفرق فيه؛ لأن النصوص في تحريم ذلك قطعية.
وفرضٌ العناية بالمساجد وإقامة الصلوات ودروس العلم الشرعي والعلماء وحفاظ القرآن والسنة وفقهائها.
وحفظ اللغة العربية واجبٌ شرعي؛ لأنه وسيلة لحفظ الدين ومعرفته؛ لأنه نزل بلسان عربي مبين، ويجب رد الشبهات وردع المضللين والمفرقين للأمة في الدين، ومنع العدوان على الله ورسوله أو على سنته، وعلى رأسها الصحيحان، أو على الصحابة وآل البيت.
بل يجب نشر محبتهم والاستغفار لهم والاعتذار والترضي والسكوت عما جرى بينهم؛ لأنها تدفع مفاسد الفتنة الطائفية.
ومنع الردة واجب، ولا يقبل دين مرتد (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: 85).
فدل على عدم القبول في الدنيا لا رسميا ولا شعبا ولا مجتمعيا؛ لأنه ذكر الجزاء في الآخرة في نفس النص (وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران: 85)، ووجب منع فتنة بقتال مرتد (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) (الأنفال: 39).
وسياسة حفظ النفس واجبة باتخاذ تدابير الأمن والاستقرار، وإقامة العدل والقضاء الراشد، والمساواة في الحقوق بالواجبات ومنع قطع الطرقات، ومحاربة الثارات، وإقامة القصاص والعدل.
ويجب الصلح بين القبائل والدول والجماعات والفئات المتقاتلة لعموم (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)(الحجرات: 9).
ويشرع إقامة الكليات والمعاهد للبحث العلمي في الطب في كافة أنواعه، وتوزيع اللقاحات الصحية ودفع مسببات الأمراض من الأقذار والأنجاس، ومنع المتلِفات من مواد مشعة ومشتقات كيماوية سامة، أو أدوية تالفة، أو أسمدة سامة، دفعا لآثارها الضارة على الحياة.
ومن حفظ النفس التدريب القتالي الرفيع للقوات المسلحة، تقليلا للخسائر في الأرواح والأموال أثناء المواجهة القتالية، والعناية بالمؤسسة العسكرية والأمنية.
وتنظيم حمل السلاح يخدم حفظ النفس؛ لورود النهي عن حمله في أزمنة وأمكنة يغلب فيها الضرر من حمله كتجمعات وعيد وجمعة وسوق إلا للضرورة مع الحيطة التامة.
وبالجملة: فسياسة حفظ الدماء والأنفس واجبة، ووسائلها واجبة؛ لأنها حفظ للضروري، فلها حكمه استقلالا أو استكمالا.
وأما سياسة حفظ المال فباتخاذ كافة الوسائل الصحيحة لحماية المال وتنميته، وإدارته، وتوزيعه، واستثماره، وحفظ موارده الظاهرة والباطنة، وحفظ العملة الوطنية من التلاعب بها، والرقابة على السوق التجارية والمالية، والإنتاج والصناعة، والثروة الزراعية والحيوانية وقطاعات الثروة الجغرافية، والثروات القومية الكبرى من نفط وغاز ومعادن، وحماية المال العام (1)، ومحاربة البطالة والفساد المالي والإداري، وعزل متورطي الفساد المالي والإداري ومقاضاتهم، وتفعيل دور الرقابة والمحاسبة وبناء نهضة اقتصادية شاملة.
وأما سياسة حفظ العرض فواجب على الدولة نشر الفضيلة واتخاذ سياسات موصلة لذلك.
(1) - بسطنا الأمر في كتابنا هذا في فقه المال العام.
وواجب العناية بالأخلاق والسلوك وصيانة الحقوق الخاصة والعامة بين الأفراد والمجتمع، والتربية على ذلك في المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية، ومنع العدوان على الأعراض بالهمز والشتم والقذف والتهم الباطلة، سياسية أو كيدية.
وحفظ المرأة ورعايتها؛ لأنها أصل العرض، وصيانة سمعتها وإبعادها عن الامتهان وما يؤدي إلى استغلال عرضها.
ويجب منع أماكن الدعارة والمراقص الفاجرة، والقنوات الخليعة وأنواع الإعلام الإباحي أو المسوق للدعارة، وبيع الأعراض تلفزة وصحافة وشبكات وغيرها، ومنع استغلال عرض المرأة وزينتها ومفاتنها في التسويق الإعلاني والتجاري.
وأما سياسة حفظ العقل فواجب على الدولة بناء التعليم المؤدي إلى نهضة شاملة؛ لأنه أساس ذلك، والاهتمام والعناية به من أكبر المصالح، ويجب التشجيع والتحفيز ورعاية الموهوبين والنوابغ؛ لعموم نفعهم على البلاد والعباد.
ورعاية البحث العلمي وبناء مراكزه وتطويره، والاختراع والفكر والثقافة الصحيحة والعلم الشرعي، ومحاربة كل وسيلة تؤدي إلى تضليل العقل والفكر وانحرافه، ومنع الغش والتزوير للنتائج والوثائق الدراسية، ورعاية المعلم رعاية عادلة تامة تليق بمهمته، والعناية بالمناهج ونوعيتها والإدارات التعليمية والكفاءات (1).
وأما سياسة حفظ الجماعة العامة فهي المقصد السادس للشرع، وقد زدناه ضرورة وإن كان لم يذكره الأقدمون إلا أن جعله مقصدا هو اللائق به؛ لدلالة أصول الشرع وقواعده ونصوصه وتصرفاته على حفظه، ولأن عدمه انعدام لغيره من المقاصد الضرورية، ونعني بالجماعة المجتمع ودولته والشعب والأمة.
فيجب على الدولة جمع الكلمة والصف الوطني والشعبي والديني ووحدة القرار السياسي، ودفع الفتنة ومنع الفرقة وأسبابها، والسعي إلى وحدة كبرى للعرب والمسلمين، والدفاع عن قضاياهم المحلية والدولية، وحرمة التعاون مع دول معادية لضرب دولة مسلمة
(1) - انظر فقه التربية والتعليم من كتابنا هذا، فقد بسطنا ذلك بما يليق.
أو احتلالها أو حصارها أو التدخل في شئونها، والسعي لوحدة سوق عربية وإنشاء حلف عسكري موحد وصولا إلى الوحدة السياسية والجغرافية الكبرى.
ويجب منع وسائل الفرقة المناطقية، أو الطائفية، أو الحزبية، أو العرقية؛ لأنها وسائل لحفظ الجماعة فوجبت.
وأما الحاجيات فمنها اليوم إقامة البنية التحتية من مواصلات جوية وبحرية وبرية، وكهرباء، وشبكات الأنظمة الإلكترونية الحاسوبية، وشبكات الصرف الصحي، وشبكات المياه.
ويدخل في الحاجيات أنظمة الاتصالات المدنية والعسكرية؛ للحاجة إليها في تنظيم الحركة الجوية والبحرية والبرية والعسكرية في النطاق المدني والعسكري.
وتنظيم الحركة المالية والتجارية العالمية والمحلية، وغير ذلك.
ومن الحاجيات الواجب على الدولة رعايتها: السياسة التجارية والاقتصادية والمالية، حفاظا على الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي والاستقرار الأمني والمعيشي.
والحاجيات هي كل ما لا بد منه للحياة البشرية، بحيث يعد فقدها خروجا إلى الضيق والحرج والمشقة.
ولكل عصر حاجياته، وهي الحاجيات المتغيرة، وأما الثابتة فلا بد منها للإنسان في مختلف الأزمنة والأمكنة، كالبيع والشراء والسكن، ونحو ذلك.
والحرية من الحاجيات المستمرة، فهو مقصد حاجي ملازم للإنسان مؤدٍ عدمه إلى المشقة والعنت؛ لذا رعته الشريعة وضبطته في الأقوال والأفعال والاعتقادات.
ومنه التعبير عن الرأي والفكر والبحث النافع لا ما ضر؛ لأن الضرر مدفوع.
فعلى الدولة رعاية هذا المقصد الحاجي والعناية به وتنظيمه وتقويمه بما يخدم المصالح العامة ويدفع الضرر والفساد.
والحاجيات تنزل منزلة الضروريات كثيرا؛ لأنها ركن منها أو شرط لها، فلا يمكن إقامة الضروريات إلا بإقامة الحاجيات، وإلا اشتبهت حياة البشر بالحيوان المتوحش الذي لا تلزمه المدنية ولا الحضارة ولا الدولة، وهذا مخالف لمقصد الاستخلاف الشرعي للإنسان.