الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤسسة النيابية (مجلس النواب):
مجلس النواب هو مجلس تقنيني لا تشريعي؛ لأن التشريع لا يحق لأحد إلا لله. وعلة إنشائه: رقابية، وتقنينية، ومحاسبية.
وفرضٌ أن تكون تقنيناته منبثقة عن الشرع.
والعضو فيه نائب عن دائرته المرشحة له على وجه الخصوص، ولشعبه على وجه العموم، فيدفع ما يفرض عليه دفعه من المنكرات والمفاسد والمظالم، ويحاسب المفسدين ويسائلهم.
وينظر -أولا- في رفع الضرر العام عن الشعب؛ لأن الضرر العام مقدم في الدفع على الضرر الخاص.
وفرضٌ على هذا المجلس إصلاح النظام السياسي بما يوافق العقود المقننة المتفق عليها مع الشعب صاحب السلطات؛ لأن الإيفاء بالعقود واجب بالنص (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة: 1)، وأكبرها وأولاها وأعظمها ما يتعلق بنفع عموم الخلق.
ولا يجوز السكوت عن الظلم، والاستبداد، والتحايل السياسي على القانون، واستغلال واستنزاف الثروة بعشوائية.
ويجب النظر في مسائل التعليم ومناهجه وتطويره بما يحقق نهضة استراتيجية للبلاد، ويحقق غرس العقيدة الصحيحة وتعاليم الشريعة السمحاء.
ويجب شرعا مراقبة التعليم ومتابعة الأداء، ومساءلة المسئولين عن أي خلل وإفساد، ويتأكد الوجوب حال الاختبارات ووضعها ومنع أي عملية تسريب للاختبارات قبلها وأثناءها.
أو الغش والتزوير سواء في الاختبارات، أو الوثائق والشهادات، وإصدار القوانين الصارمة في ذلك ومتابعة تنفيذها.
وكل هذه الأمور تعتبر من النصيحة للأمة، ومن المصلحة التي أنيطت بالولايات، ومن الأمانات العامة المأمور بها في الشريعة، ومن التعاون على البر والتقوى، وجميعها داخل تحت القاعدة الكبرى للشريعة: وجوب جلب المصالح ودفع المفاسد.
ويحرم على عضو مجلس النواب تلقي التوجيهات كأداة منفذة لرؤى غيره، كانت حقا
أو باطلا، من سلطة، أو حزب حاكم، أو معارض. بل يجب أن ينظر في مقتضيات المصلحة العامة، ولا يتبع توجيهات ملزمة له من أي جهة.
فإن اتبع الإملاءات خان ما ائتمن عليه من الأمانة، وتحمل سخط الله وعقوبته وتحمل مآثم عن ما أدى إليه تصويته من مظالم ومفاسد خاصة وعامة، ومن اتبع الإملاءات والتوجيهات ولو في الباطل واستمر على ذلك عد فاسقا ساقط العدالة، وتسقط ولايته شرعا؛ لأنه خائن للأمانة أو غير كفء.
وقد يجب سحب الثقة منه ومحاكمته وعزله في حال ثبوت تواطئه مع الفساد، وفي دولة المؤسسات الراشدة القائمة على العدل والإحسان لا مانع من إحلال منافسه في دائرته مكانه إن كان الفارق بينهما يسيرا، حفظا لخزينة المال العام من التكلفة؛ لأن الأصل عدم التصرف به إلا للضرورة، وهي تقدر بقدرها، وإعادة الانتخابات مع التقارب بين المتنافسين قد لا يكون ضرورة؛ لأن الجمهور مع هذا، ومع هذا، ومع حصول فارق نسبي كبير تعاد الانتخابات؛ لأن القليل تبع للأكثر فلا يعتد به، ويحدد الأقل بالآحاد إلى العشرة في اللغة، فسيتفاد منه بالنسبة لا العدد.
ويحد التقارب بوجود فارق القلة بينهما، ويوضع لذلك قاعدة نصية مقننة لدى اللجنة العليا للانتخابات، فإذا حصل أحدهما على عشرة آلاف صوت، والآخر على ذلك بزيادة مئات، فيسير.
وإذا كانت المناقشات البرلمانية في مسائل يحتاج في تصورها إلى خبراء فيجب قبل التصويت استجلاب الخبراء المختصين في ذلك الشأن؛ لحضور جلسات المجلس والاستماع إلى بيانهم وتوضيحهم، ليتخذ المجلس قراره عن علم ودراية سواء كان التصويت على قانون، أو قرار يحتاج إلى تكييفه وتصويره؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولقوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 36).
فالعضو إن صوت على ما لا يعلم تصوره تصورا تاما جليا (1) دخل في عموم النهي وأثم؛ لأنه اقتفى ما ليس له به العلم؛ ولأن الحكم بالخرص والتخمين محرم في نصوص كثيرة؛
(1) - قلنا ذلك؛ لأنه لا يجوز الإجمال في التصورات لبناء الأحكام الخاصة.
وكذا الحكم بلا علم، فإن كان اتباعا لأمر آمر عظم الإثم، ودخل في اتباع الكبراء والسادات بغير علم واتباع الذين يظلونهم بغير هدى من الله، وكله منصوص على حرمته في نصوص كثيرة في القرآن.
فتبين وتعين استدعاء خبراء لمناقشة وبيان وتوضيح وتصوير للمسألة وما ينبني عليها من المصالح والمفاسد؛ لأنهم وسيلة للحكم بالحق، والقول عن علم، فوجب طلبهم؛ لأن للوسائل أحكام المقاصد.
وكذا يجب على العضو دراسة الموضوع المطروح دراسة متأنية ليصل إلى الحق بما يؤدي إلى براءة الذمة المشغولة بتحري الحق، وحينئذ يلزمه شرعا الحياد لا التعصب؛ لأن الحياد مؤد إلى نظر بالعدل، وهو من واجبات الشريعة في كل أمورها وخاصة هنا. والنصوص فيه كثيرة.
وحال التصويت يجب على العضو اتباع ما تبين له أنه الحق، فإن لم يتبين له وحصل تردد في قلبه بالصواب حرم التصويت تقليدا بالاختيار، أو بإملاء، بل يمتنع عن التصويت توقفا.
والتصويت إنما يكون في غير قواطع الشريعة فيما للاجتهاد فيه مجال.
ويحرم عرض قاطع شرعي للتصويت عليه بحل أو بحرمة على خلاف المنصوص، كحل خمر أو زنى أو قتل أو سرقة، أو حكم بغير الشريعة.
فمن صوت على هذه الأمور وأمثالها من ضرورات وقواطع الدين بنقض حكمها فهو كافر.
ومنه التصويت على إسقاط الفرائض، كالأمر بفطر رمضان على الموظف لعلة الإنتاج، أو منع الصلاة في المسجد إلا لحاصل على إذن دولة أو بطاقة، كونه من أهل الحي ونحوها.
فالتصويت على شيء من هذا وأمثاله من القواطع كفر بواح وخروج عن الإسلام.
ويجب حينئذ البيان وإقامة الحجة عليهم من الشعب بالتي هي أحسن، وخاصة العلماء وأولي الأمر، فإن أبوا صُعِّد الأمر سلميا بالتدرج بنحو مظاهرات واعتصامات وكل وسيلة سلمية وصولا إلى مقصود النص عند تحقق الشروط وهو قوله صلى الله عليه وسلم «إلا أن تروا كفرا بواحا لكم فيه من الله برهان» .
وإذا تعلق الأمر باجتهاد في مسألة شرعية قابلة للاجتهاد طلب المجلس من خبراء الشريعة أهل العلم توضيح الفتوى الشرعية أمام المجلس، وتلزم الفتوى في حالة اتفاق، لا في خلاف، فيجوز اختيار إحدى الفتويين في الخلاف القوي المتكافئ لإصدار قانون ملزم من المجلس بها.
وغياب العضو بغير مبرر مرخص من المجلس تلاعب بالعقد؛ لأن العضو أجير في الأصل بمال.
ويجب خصم قسط مقابل الغياب، ولا يحق لأحد إسقاط ذلك تسامحا أو تساهلا؛ لأن المال العام لا يتساهل فيه؛ إذ الولاية عليه ولاية نظر لا ضرر، وإسقاطه ضرر إلا ما جرى عرف عام على التسامح به كيسير، وإسقاطه بالكلية بقانون، أو عرف داخل المجلس أشد حرمة؛ لأنه إهدار للمال العام بلا مقابل، فهو ضرر محض؛ ولأن التصرفات على الرعية منوطة بالمصلحة وليست هذه مصلحة.
فإن أكثر العضو من الغياب، وجب إجراء حازم لردعه قد يصل إلى الإيقاف، ثم سحب الحصانة منه -إن وجدت- للتحقيق معه، لأنه مفسد تارك لما استؤمن عليه، ودفع المفسدة واجب، خاصة أن غيابه يتعلق به مفاسد عامة، واللازم إصدار قانون من المجلس بذلك؛ لأنه تعاون على البر والتقوى وإقامة المصالح ودفع المفاسد.
ويحرم إعطاء بدلات مالية للجلسات الرسمية إذا كان الراتب مجزيا مقطوعا؛ لأن عقد الإجارة للنواب موضوعه حضور ذلك، وهو ركن، وبه يستحق الأجرة المالية، وهي راتبه الأساسي.
ففرض شيء مقابل حضور الجلسات بمسمى بدل أو نحوه مع وجود راتب مجزئ إهدار للمال العام، والإهدار ضرر وهو مدفوع.
وعلة التحفيز لا تجيز ذلك إلا إن كان الراتب ضعيفا؛ لأنه مُلْزَم بالعقد بعوض شهري مجزئ في الأصل، فإن غاب سقط العوض بقدره، وهذا كاف لتحفيزه؛ ولأن هذا التحفيز معاوضة أخرى على أصل العقد وهو الحضور، وهو مشغول بعوض آخر هو الأصل والمشغول لا يشغل، فكان التحفيز عوضا لا يقابله عمل حقيقة ولا تقديرا.
فكان آكلا للمال بالباطل، وهو منهي بالنص تحريما؛ ولأن الولاية على المال العام ولاية نظر،
وليس هذا من النظر في شيء؛ لأنه في نظيره في الملك الخاص ضرر فكيف صار مصلحة في المال العام (1)؟
ولا يقاس على مجالس الجامعات والمؤتمرات ونحوها لكون حضورها عملا إضافيا فوق المتعاقد عليه، فيعطى مقابله بدلا وعوضا، بخلاف مجلس النواب والشورى، فإن حضور الجلسات هو أصل العقد وموضوعه، وهو المقبوض عليه عوضٌ شهريٌ يسمى الراتب، فلا يعطى عوضا آخر تحت أي مسمى؛ لأنه بغير مقابل.
ولا يكون تصويت النواب ملزما فيما لهم فيه نفع شخصي خاص كالبدلات ومقدار الرواتب، وتمديد فترة المجلس، ونحو ذلك؛ لأن الإلزام منوط بالتصويت المتعلق بالمصلحة العامة، وليست كذلك هنا.
فيعطون أجر المثل؛ لأن الناظر على المال العام أو مال اليتيم أو الواقف لا يعطي للأجير أكثر من أجر المثل؛ لأنه ضرر.
ولو شرط عليه أكثر من أجر مثله قبل إبرام العقد حرم إبرامه؛ لإمكان تحصيل نفس المصلحة من مثله بأجرة أقل، فكانت الزيادة هدرا، وهو ممنوع، هذا في النظر للمال العام.
فإن كان في مال الشخص فيجوز؛ لأنه هبة أو إكرام، لأنه يحق للشخص ذلك في مال نفسه لا في مال غيره، خاصة المولى عليهم في الولايات العامة واليتيم والوقف ونحوه؛ لكثرة النصوص في التحذير من إنفاقها إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ولا ضرورة في الزيادة على أجر المثل.
والانسحاب من الجلسات يلزم شرعا إن أدى إلى منع أمر مخالف للشريعة والمصالح العامة المعتبرة.
فإن لم يمنع كان تعبيرا عن إنكار هذا المنكر كقوله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(النساء: 140). وقوله تعالى (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(الأنعام: 68).
(1) - بمعنى أن صلب المتعاقد عليه في العقود الخاصة لا يعطى البدل فيه في أصل ما هو واجب في دوامه من اجتماع ونحوه ويعطى في العمل الإضافي خارج وقت الدوام الملزم.