الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتشييع الشعب إلى كتل قائمة على الولاء لأفراد، وهذه جاهلية وعصبية منهي عنها في نصوص كثيرة، «من يدعو لعصبة أو ينصر عصبة جاهلية فهو من جثى جهنم» (1).
9 - سياسة التسويق الخاطئ للشعب:
ولا يجوز للولاة التعريف بشعبهم أو جزء منه بما يسيء إليهم داخليا، أو خارجيا، وينعكس ذلك على معاملة الدول والشعوب الأخرى لهم.
وهذا التسويق السيئ للشعب هو من الانتهاك لحفظ الأعراض المقصود حفظها في الشرع كأحد المقاصد الستة الكبرى.
فإذا حرم على شخص أن يقول عن شخص آخر ذلك؛ فقول ذلك عن الجماعة أشد حرمة؛ لأن الحفاظ على الكرامة وعدم الامتهان والإذلال، وصيانة سمعة الفرد والجماعة من الواجبات الشرعية؛ لأدائها إلى صيانة الأعراض وحفظ المكارم والتكريم للإنسان فردا ومجتمعا.
وقد حرم شرعا الهجاء بالشعر لقبيلة برمتها، وهو من المحرمات الكبيرة؛ لتأثيره عليهم وعلى التعامل معهم، ولأن نسبة خلق أو قول أو فعل إلى فرد هجاءً محرم في الأصل؛ لأن أعراض الخلق محفوظة «إن أعراضكم عليكم حرام» وهو في الصحيحين وقد تقدم.
فيحرم على الحاكم أن يعرض بشعبه داخليا، أو خارجيا، رسميا أو غير رسمي بما يسيء له كهمجي، أو متخلف، أو غير كفء، أو إرهابي، أو قطاع طرق، أو رجعيين، أو كهنوت، أو أنه لا يفيد معهم إلا القوة والاستبداد، ونحو ذلك من الألفاظ السيئة.
(1) - قولنا «في نصوص كثيرة» منها ما أخرجه مسلم برقم 4892 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» . وأما حديث «جثى جهنم» فهو حديث طويل من حديث الحارث الأشعري أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده برقم 1571، وفيه (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله: فمن فارق الجماعة قيد شبر خلع الإسلام من رأسه إلا أن يرجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم قيل: وإن صام وصلى؟ قال: وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله) وسند أبي يعلى صحيح، وصححه ابن خزيمة، وحسنه البغوي في شرح السنة (10/ 51).
وفرض كفائي على الشعب إن سمع من حاكمه أو أحد ولاته ذلك مقاضاته؛ لأنه دفع لمنكر عام، وحفظ لأعراض الخلق، وتأديب للحاكم من التمادي في ذلك؛ لأن تركه يوصله إلى درجة هابطة من الاستخفاف بشعبه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: 54).
ولو أن خليفة راشدا من الخلفاء الأربعة سب شعبه بذلك وذمه بمثل هذه الألفاظ لمنعه الصحابة من ذلك لحرمة السب الفردي؛ والجماعي أشد.
وقد جاء عن عمر «إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أبشارهم، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم» (1).
وفي النص (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ)(الحجرات: 11).
وقال تعالى (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ)(الحجرات: 11).
وقال سبحانه (وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)(الحجرات: 11).
فحرم اللمز والسخرية والتنابز بأنواعه.
وإذا سكت الشعب على سفه وشتم حكامه له استذلهم، واستخف بهم شأنه شأن تعامل الأفراد في ذلك عادة، وهو من البغي والعدوان، وهو محرم، وفرضٌ دفعه (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) (الشورى: 39).
فواجب على الشعب الانتصار من هذا البغي (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)(الشورى: 40)، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194).
وهذه عمومات نصوص أصول.
وشرار الولاة من يلعن الشعب ويشتمه؛ للنص في الحديث «شرار أئمتكم الذين تلعنونهم
(1) - أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم 7009 عن عمر رضي الله عنه كان إذا بعث عمالا اشترط عليهم: «ألا تركبوا برذونا، ولا تأكلوا نقيا، ولا تلبسوا رقيقا، ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة، ثم يشيعهم» ، فإذا أراد أن يرجع قال «إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أبشارهم، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم، ولكني بعثتكم لتقيموا فيهم الصلاة، وتقسموا فيهم فيئهم، وتحكموا بينهم بالعدل، فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي، ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها، ولا تحمدوها فتفتنوها» . وسنده صحيح.