الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقوم مقام ولي الأمر الأول حال عدمه في ظروف معينة مؤسسات كبرى في الدولة يتفق عليها دستوريا؛ لأن هذا من أعظم المصالح، والنص عليه دستوريا يدفع أعظم المفاسد، فطُلِب.
-
طرق الوصول إلى الحكم والولاية العامة الأولى:
ووصوله ولي أمر أعلى يكون بأحد الطرق التالية:
أولا: بالترشيح التوافقي لواحد بلا تنافس، ثم البيعة (1).
وهذا النوع حصل في تنصيب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث رشحه أكثر المهاجرين والأنصار في السقيفة قبل البيعة، ثم بايعته الكافة في اليوم التالي، ثم بايعه علي رضي الله عنه وكان مشغولا بمرض فاطمة رضي الله عنها.
ثانيا: بترشيح الحاكم السابق لشخص وموافقة الناس بالرضى، ثم البيعة، كما حصل لعمر رضي الله عنه حيث رشحه أبو بكر رضي الله عنه وتوافق الناس على ذلك، ثم بايعوه بلا خلاف.
ثالثا: بترشيح عدة أشخاص بالتنافس، وعرضهم على الشعب، كما حصل للستة الذين رشحهم عمر، وأمرهم إن اختلفوا أن يرجحوا قول أكثرهم (2).
فانتهى الأمر إلى التنافس بين علي وعثمان رضي الله عنهما.
فشرط الشعب على من سيبايعه أن يسير فيهم بسياسة مجربة راشدة هي: سنة الشيخين، فقبل الشرط عثمان ورفض علي وقال أجتهد رأيي، فبايع الناسُ عثمان؛ لأن البيعة عقد
(1) - كل ذكر للبيعة هنا تقوم الانتخابات مقامها أو أي طريق متوافق عليه بين الأمة، ولا نقصد آلية بعينها.
(2)
- تقدم تخريج الحديث في ذلك، ورواية ترجيح الأكثر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 61) وهي قوية يشد بعضها بعضا، قال عمر بن الخطاب لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم، فإن كان اثنان واثنان فارجعوا في الشورى، وإن كان أربعة واثنان فخذوا صنف الأكثر. وفي رواية قال: وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا صنف عبدالرحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا. وفي رواية أن عمر حين طعن قال: ليصل لكم صهيب ثلاثا، وتشاوروا في أمركم، والأمر إلى هؤلاء الستة فمن بعل أمركم فاضربوا عنقه، يعني من خالفكم. وفي رواية عن أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعة، فقال: يا أبا طلحة، كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فلا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم.
لمصلحة الشعب، فشرطه في عقده ما هو من المصلحة حق له ولازم لمن شرط عليه ذلك.
رابعا: ولاية العهد الوراثية من الحاكم المرضي السابق.
ولا يكون ولي العهد ولياً للأمر بعد السابق إلا إن رضيه الناس وبايعوه، وإلا كان نائبا فحسب.
خامسا: من ولّى نفسه في حالة فراغ منصب الحاكم الأعلى، لظرف طارئ كفتنة، فبسط نفوذ الدولة، وأطاعه الناس، وأهل الشوكة، فهذا يصدق عليه أنه ولي أمر.
فإن كان للبلاد دستور لمثل هذه الأوضاع، فهو كما نص.
فإن نص على: أن مثل هذا الوضع الطارئ محدد بمدة زمنية معينة انتقالية لزم ذلك؛ لأنه نص عقد لمن تولى فيلزم لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة: 1).
ويرجع في تفاصيل مهمات الفترة إلى مواد الدستور، وإلى القوانين المفسرة لذلك، وإلى الخبراء المختصين حال التنازع، أو تشكيل لجنة تفسيرية من الخبراء والحكماء لفصل ما يطرأ من خلاف تفسيري، أو ما يظهر من خلاف بين الأطراف في هذه المرحلة.
وهم مشمولون بعموم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(النساء: 83).
فأحال إلى أولي الأمر، وجعل ذلك منتجا لعلم الحادثة، وأكده باللام (لَعَلِمَهُ)؛ تأكيدا على أن إرجاع الحادثة إليهم موصل إلى علم سياستها ما كانت.
فإن لم يكن للبلاد دستور كان ذلك الحاكم الذي ولى نفسه على البلاد وأطاعه ورضيه الناس وليَّ أمرٍ بالإقرار والرضى شعبيا وشرعيا؛ لأن هذا هو واقع الأمر.
فالشعب إذا تحققت مصالحه ورضي عن حاكمه، فقد أقر به ورضيه ولي أمر، والشرع يقر ذلك؛ لأن الولاية في الشرع تعتبر برضى الشعب.
وإذا تحققت المصالح ورضيه الناس استمر حتى يتفق الناس على وضع دستوري ينظم الدولة ورئاستها.
ويشترك في وضعه الحاكم وأهل الحل والعقد وقيادات الشعب، ومن يختاره الشعب لذلك،
ثم يستفتى عليه شعبيا ليكون عقدا عاما عن رضى الشعب.
ويلتزم الحاكم الحالي ودولته به بعد إقراره والاستفتاء عليه؛ لأنه نص عقد عام، والالتزام بالعقود واجب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1).
سادسا: الوصول للحكم بالقوة المسلحة:
الأصل منعه.
أ- فإن كان الحاكم عادلا مصلحا في الأرض راضية به الأكثرية والسواد الأعظم من الشعب، فالقائم عليه انشقاقي (1) ولا ينظر إلى كونه مصلحا، أو عدلا، أو فاسدا؛ لعموم «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان» (2).
وقتله هو حكم أعلى كخيار شرعي مقنَّن للعقوبة، وليس بالضرورة إيقاعها؛ لجواز سجنه أو العفو عنه إثر محاكمة عادلة؛ لأنه حق عام يخفف، أو يسقط بنظر مصلحي عام من جهة مخولة أو معنية لها تفويض عام في مثل ذلك.
ولجواز إسقاط القصاص من أولياء الدم في القتل العمد العدوان؛ لأنهم مفوضون في ذلك، وهذا كذلك قياسا عليه.
ب- وإن كان الحاكم مفسدا في الأرض وقام عليه مصلح في الأرض مجمع على صلاحه وترجح غلبه على المفسد، فواجب على الشعب القيام معه لحديث «سيكون أمراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان» (3).
(1) - قولنا «انشقاقي» : أطلقنا هذا المصطلح لوجوده في الحديث «يشق الجماعة» وله فقه خاص غير فقه الخروج المعروف، ودقة اللفظ في الحديث هو ما يتوافق مع الواقع السياسي فيمن صنع ذلك، ولعلنا نبسط هذا في شرح قادم للكتاب.
(2)
- أخرجه مسلم في صحيحه برقم 4904 من حديث عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» . وفي رواية له «إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» .
(3)
- تقدم تخريجه.