الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتربية واجب شرعي، وتأخذ وسائلُها حكمَها في الجملة.
المؤسسة التعليمية والتربوية:
لما كانت الوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ فإيجاد المؤسسة التعليمية والتربوية أكبر وسائل تحقيق التعليم والتربية الآن، فإيجادها واجب؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وهو واجب عيني على الدولة لتحقيق الفرض الكفائي والعيني في التربية والتعليم (1).
-المؤسسة التربوية والتعليمية، أو التربية والتعليم:
ويمكن تعريفها أنها: عمل حكومي وأهلي منظم يدير التعليم والتربية.
فقولنا «عمل» : جنس التعريف يدخل فيه كل عمل.
وقولنا «حكومي وأهلي» : قيدان لذلك.
وقولنا «منظم» : خرج به العشوائية التعليمية والتربوية، فلا يتحقق معها ما قُصِد شرعا.
وهو قيد لا بد منه يدل على قيام العملية التربوية على الترتيب والتقنين والدراسة، وهذا واجب؛ لأنه يحقق المقاصد التعليمية.
وقولنا «يدير» : يشمل كل المهمات المنوطة به تلقيا، وتلقينا، وتطويرا، ومتابعة.
وقولنا «التعليم والتربية» : قيدان متممان للتعريف؛ لبيان محل هذا العمل المنظم المدير.
ولا بد للدولة والشعب من وجود هذا الكيان المؤسسي؛ لأنه وسيلة معاصرة لا يمكن قيام العملية التربوية والتعليمية في جميع مراحلها إلا بها وما يتعلق بها من الإدارات العليا والدنيا، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد.
-
شروط من يدير المؤسسة التعليمية:
ويجب اختيار: عدلٍ راشدٍ كفءٍ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ خبيرٍ لتولي المنصب الأول في المؤسسة التعليمية والتربوية، سواء سمي وزيرا، أو ما كان حسب المسمى في الهيكلة الدستورية والقانونية للدولة.
(1) - في قولنا «لتحقيق الفرض الكفائي
…
الخ»: الفرض التربوي الكفائي هو ما يسقط الطلب به بقيام جماعة تكفي لتأهيل خبراء تربويين في كل مجال معين، أما الفرض العيني التربوي فهو الأمور التربوية التي تجب على كل فرد: كالتربية على الصدق، وأداء الأمانة، وترك الكذب والخيانة.
ولا بد من هذه الشروط في هذا المنصب، ووكلائه، ونوابه، ومدراء عموم المكاتب التربوية في المحافظات، ومدراء المجمعات التعليمية، والمراكز، والمدارس، والأساتذة، والمدرسين، والموجهين، والأقسام والإدارات؛ لأن هذه المؤسسة من أخطر وأكبر المؤسسات مسئولية لبناء الأجيال، والعقول، والأنفس، والأموال، والاقتصاد، والأمن، والاستقرار، وحفظ الدين، والنسل، والنشء، وحفظ كيان الجماعة، وسيادة وسياسة الدولة، والنهضة القومية والحضارية والصناعية بمباشرة أو تسبب رئيسي.
ولا يمكن تحقيق هذه المقاصد الشرعية والواجبات الكبرى إلا بنهضة تعليمية وتربوية.
ووجب حينئذ إقامة كيان المؤسسة المديرة لذلك، ولا يقوم بها على هذا الوجه إلا الدولة. فَفُرِضَ عينا على ولي الأمر ومعاونيه خاصة وعلى النظام الحاكم ككل إقامة هذه المؤسسة.
ولتأثير هذه المؤسسة في تحقيق المقاصد الكبرى الآنفة الذكر؛ لا بد من اشتراط العدالة؛ لأن الفاسق ساقط العدالة يتعذر منه تحقيق هذه المقاصد؛ ولأنه ما حفظ نفسه تربويا فكيف يحفظ ذلك للغير حفظا محققا للأهداف والمصالح.
وقولنا «راشد» : لأن السفيه في الرأي والتصرف يقوم بما يفسد ويتلف حتى على نفسه، لذلك شرط لدفع مال اليتيم إليه بلوغه ورشده (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (النساء: 6).
وإذا حجر عليه التصرف في مهمات من حقوقه الخاصة به، لعدم رشده، وكثرة فساد رأيه وتصرفه؛ فحجره عن تولي الولاية العامة أشد وجوبا، خاصة ولاية المؤسسة التعليمية والتربوية.
وقولنا «كفء» : أي قوي أمين مؤهل للعمل في هذا المرفق، وقد رد الشرع ولاية من فقد شرطا مؤثرا وهو الكفاءة، فقال صلى الله عليه وسلم:«إنك ضعيف» (1)، فدل على اشتراط الكفاءة الشاملة للقوة والأمانة ونحوها.
(1) - تقدم تخريجه.
وقولنا «مسلم» : لأن فرض الطاعة مقيد بأولي الأمر من المؤمنين (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(النساء: 59).
و«منكم» : قيدٌ؛ فخرج غيرهم، ولأن التمكين في النص هو أمر بالتمكين للمؤمنين بذلك، أي بتحقيق التمكين لمؤمن لا لفاسق أو كافر أو منافق.
ولأن الخروج عن أولي الأمر لو ارتكبوا كفرا بواحا عن دليل برهاني من الكتاب والسنة مشروع، فلا ولاية للكافر ابتداء من باب أولى.
ولأن الموالاة للكافرين محرمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء)(الممتحنة: 1)، وتوليته على المسلمين أكبر وأعظم من الموالاة؛ لأنها ولاية وموالاة وزيادة تمكين؛ ولأن الله يقول (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: 141). وتوليته عليهم أعظم سبيل فمنع بالأوْلى.
ولأن شرط الولاية إقامة أخص شعائر الإسلام من الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه إقامة المصالح ودرء المفاسد.
وغير المسلم لا يقوم بذلك في نفسه ولا غيره في الصلاة والزكاة ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)(الحج: 40 - 41).
فتولية المؤمنين نصرة لله ومستلزم لنصرته سبحانه، وتمكين أعدائه ليست نصرة لله بل معصية مستلزمة لسخطه وخذلانه، وهذا يدل على عظم هذا الشرط.
وقولنا «بالغ عاقل» : شرطان لكل ولاية؛ لأن الصبي والمجنون لا نظر لهما معتبر على وجه المصلحة لنفسيهما، فولايتهما على نفسهما ممنوعة؛ فمنعهما من الولاية على الغير من باب أولى؛ لأنها نظرٌ عام على النفس والغير.
وقولنا «خبير» : شرط أولوي؛ لأن الخبرة بالتجربة، وتكسب في هذا العمل سريعا (1).
(1) - قولنا «في هذا العمل» : هو قيد؛ لأن من الأعمال ما لا تكسب فيه الخبرة إلا بطول ممارسةٍ كالطب وسائر العلوم الشرعية والمهنية والتكنولوجية.